المقالات
الطيران التجارى أداة للنفوذ السياسى
- فبراير 13, 2023
- Posted by: mohamed mabrouk
- Category: رؤى تحليلية
إعداد: مصطفى أحمد مقلد
مقدمة:
أبدت الحكومات دائمًا اهتمامًا خاصًا بوسائل النقل والاتصالات المتاحة لها، وينطبق هذا بشكل خاص على الدول التي تعتبر نفسها قوى عالمية أو صاعدة، حيث يمكن لمثل هذه الدول أن تضمن وحدتها الوطنية والإمبريالية وتقدمها الاقتصادى وقوتها العسكرية فقط إذا امتلكت وسائل نقل واتصالات موثوقة وسريعة، لذا فإن الخطوط الجوية والطرق السريعة والسكك الحديدية والشحن والكابلات والراديو تلقى العناية والتنظيم والحماية.
ويعد سوق النقل الجوى فى إفريقيا محفوفاً بالمخاطر، حيث توجد منافسة قوية بين شركات الطيران والتى تبقى منخرطة كليا فى برامج ضخمة لتنمتها بدعم كبير من سلطات بلادها، مثل الخطوط الجوية الجزائرية، والتى تسعى من أجل اقتناء طائرات جديدة، وافتتاح خطوط جديدة بتشاد والكاميرون والغابون أى أماكن تواجد الخطوط الملكية المغربية “لارام”، كما تسعى الخطوط الجوية التركية، إلى تعزيز أسطولها الحالى، مع السعى لفتح خطوط جديدة فى إفريقيا وفى الشرق الأوسط.
هذه المنافسة تتزايد، فالخطوط الجوية الإثيوبية اقتنت طائرات جديدة كما عقدت شراكة مع السلطات الغانية لإنشاء قاعدة بـ”أكرا” لفتح خطوط جوية، وهو ما يشكل تنافساً كبيرا للخطوط الملكية المغربية.
دبلوماسية الخطوط الجوية:
الطيران والدبلوماسية مترابطين إلى حد كبير، حيث قدم الطيران إمكانية السفر لمسافات طويلة بسرعة، مما غير وجه الدبلوماسية فى القرن العشرين. ومع ذلك، فإن العلاقة بين الطيران والدبلوماسية لا تتعلق فقط بالسماح للدبلوماسيين وقادة الدول بالاجتماع بسهولة أكبر. لكن أيضا السفر الجوى مهم لأسباب اقتصادية وأوجد طريقة مباشرة لإلحاق الأهمية السياسية والدبلوماسية بالطيران المدنى، حيث يمكن أن يكون لتلك العلاقة عدة أشكال، فقد تقرر الحكومات فتح أو الحفاظ على الروابط الجوية مع دول معينة، مما قد يؤثر على عدد أكبر من الناس ويؤثر على العلاقات بين البلدان. وقد تساهم الخطوط الجوية فى إبراز وتعزيز الهويات الوطنية، بينما تلعب مؤسسات الطيران أدوارًا كجهات فاعلة غير حكومية فى العلاقات الدولية.
تتجسد الاتجاهات الجديدة فى الدبلوماسية فى إنشاء بعض الأشكال الجديدة من المشاركة الدبلوماسية، والتى تنبع من حقيقة أن العالم المعاصر يمثل تحديات جديدة للخدمات الخارجية للدول، فيمكن اعتبار دبلوماسية الطيران كأحد هذه الأمثلة، حيث تزايدت أهمية الطيران على مدار العقود الماضية نتيجة لتزايد عدد المسافرين. في الوقت نفسه، يتعلق الأمر بتحول الخطوط الجوية الى جهات دبلوماسية جديدة.
النهج المتبع فى دبلوماسية الطيران يشير إلى الحكومات التى تتفاوض على اتفاقيات الخدمة الجوية الثنائية، غير أن تصور دبلوماسية الطيران فى إشارة إلى المفاوضات الدولية بين الحكومات لا يشير فقط إلى التفاوض على الاتفاقيات الثنائية بشأن الروابط الجوية أو الوصول إلى الأسواق، ولكن أيضًا إلى التفاوض على الاتفاقيات متعددة الأطراف بشأن الطيران المدنى، والتى كانت أكثر شيوعًا فى سنوات تطوير الطيران المدنى فى القرن العشرين.
اليوم، يمكن لشركات الطيران أن تكون رمزًا للهوية الوطنية أمام الجماهير الخارجية وقد استخدمتها الحكومات فى إبراز هويتها دوليًا بالفعل، وبالتالى يمكن توظيف شركات الطيران كقوة دافعة للقوة الناعمة، ويشير هذا النهج إلى العديد من أنواع الدبلوماسية المستخدمة فى العالم المعاصر، مثل دبلوماسية استضافة الأنشطة الرياضية العالمية.
الطيران التجارى المغربى:
تعد الشركة الوطنية للخطوط الملكية المغربية “لارام”، من المؤسسات الوطنية، التي تبقى في قلب رهانات التنمية والتى تضم ثلاث مجالات أساسية، وهي الدبلوماسية والإقتصاد والسياحة، فمنذ تأسيس “لارام”، كانت تعد رافعة التنمية والاشعاع الدبلوماسى فى المغرب من خلال عمليات الرعاية فى المغرب وإفريقيا، وكانت “لارام” شركة الطيران الوحيدة التى لم توقف رحلاتها نحو بلدان ضحايا “فيروس إيبولا”، كما أنها تبقى راعيا لعدد من التظاهرات الثقافية منها المهرجان الدولى للفيلم بمراكش، ومهرجان كناوة، وهى حامل العلم المغربى فى 46 دولة.
فى سياق أخر، يأتى المغرب فى المرتبة رقم 15 من حيث الاستثمارات فى صناعة الطيران دوليا، ونجح فى تجاوز جنوب إفريقيا لاحتلال المرتبة الأولى على مستوى القارة فى مجال صناعة الطيران، ويطمح دخول الدائرة الضيقة للدول المصنعة للطائرات.
أصبح المغرب منصة استراتيجية للتعامل مع القارة الإفريقية، حيث يختار عدد متزايد من الشركات العالمية الاستثمار فى المغرب للحصول على وصول أسرع إلى الأسواق الإفريقية الأخرى، كما يشكل قربها الجغرافى من أوروبا واستقرارها السياسى وقوتها العاملة التنافسية ميزة قوية، وهذا ينطبق بشكل خاص على سوق التعاقد من الباطن فى مجال الطيران.
حاليا، يتمتع قطاع الطيران المغربى بمعدل نمو سنوى يتراوح بين 15٪ و 20٪ (مع تراجع طفيف إلى 13.8٪ في عام 2013)، وتعد الصناعة واحدة من القطاعات ذات الأولوية القصوى في “خطة الانبعاث الصناعى” فى المغرب، وتمكن المغرب من تشييد قاعدة متنوعة فى صناعة الطيران عالية الجودة، وقدرة تنافسية، إذ يشهد القطاع ازدهارا، وخلال عقدين من الزمان (الفترة من 2000 إلى 2019) تم تأسيس أكثر من 142 شركة فى مجال صناعة الطيران فى المملكة، يعمل بها 17.5 ألف موظف مؤهل، وتقدر صادرات القطاع بـ 1.9 مليار دولار.
الطيران التجارى التركى:
تأسست الخطوط الجوية التركية علم 1933، وتعد الآن واحدة من الشركات الرائدة حول العالم فى مجال الطيران التجارى والشحن الجوى، ويعود السبب فى ذلك إلى النمو والتطور المستمر منذ تأسيسها، وكان للرئيس التركى”أردوغان”، دور فى توسع شركة الطيران. فقبل الربيع العربى كانت الخطوط الجوية فى طليعة تطوير تجارة تركيا مع جيرانها فى الشرق الأوسط. وبمجرد أن أدت الاضطرابات التي أعقبت الانتفاضات إلى تعطيل تلك الطموحات، ضاعف “أردوغان” من زحفه نحو إفريقيا. ففى عام 2003، كان لتركيا 12 سفارة فى القارة وخمس وجهات للخطوط الجوية التركية، لكن اليوم تحولت تلك الأرقام الى 40 و52 على التوالى.
لا تزال الخطوط الجوية التركية جزءًا مهمًا من جهود “أردوغان” لبناء نفوذ تركيا الإقليمى والعالمى، كما يقول رئيس برنامج تركيا فى معهد واشنطن “سونر كاجابتاى”، فهى العلامة التجارية الدولية الأولى والأكثر شهرة لتركيا، حيث تطير الطائرات التركية لأكثر من 300 وجهة فى مختلف القارات مثل الأمريكيتين وأوروبا وشرق آسيا والشرق الأوسط، حيث تتعامل الشركة مع حوالي 120 دولة تنظم رحلاتها اليها، وهذا رقم قياسى حققته الخطوط التركية، لذا فإن توسعها الدولى السريع يجعلها واحدة من أسرع شركات الطيران نموًا في العالم، حيث تتصارع مع شركات الطيران فى الخليج لاقتناص الأعمال بعيدًا عن المنافسين الأوروبيين والأمريكيين التقليديين.
وكانت قد استشهدت مؤسسة “روبرت شومان”، وهي مؤسسة فكرية مقرها باريس، بتركيا كمثال على “الطريقة التى يمكن بها للجهات الفاعلة السياسية دعم قطاع الطيران وتحويله إلى “أداة استراتيجية”. وقالت إن هذا يشكل تهديدًا لشركات الطيران فى الاتحاد الأوروبى، فمثلا تفتخر تركيا بأنها “شركة طيران من خارج إفريقيا تطير إلى معظم الوجهات داخلها ما يعد منافسة للخطوط الفرنسية”.
الطيران التجارى الإثيوبى:
تُعد شركة الخطوط الجوية الإثيوبية الأكبر على مستوى القارة الإفريقية من حيث عدد الركاب المسافرين، والوجهات التى تقصدها حول العالم، إلى جانب تنامى الشركة، ومواكبتها التطور العالمى فى خدمات النقل، والزيادة المستمرة لحجم أسطولها الجوى الذى يعمل بـ 140 طائرة تغطي حاليًا أكثر من 130 وجهة دولية حول العالم.
والخطوط الجوية الإثيوبية هى قوة اقتصادية مملوكة للدولة وتدر مليارات الدولارات سنويا، وتنقل الركاب إلى محاور فى جميع أنحاء القارة الإفريقية وجميع أنحاء العالم، وتعمل على التوسع فى أسواق إفريقية فى مسعى من أكبر شركة طيران فى إفريقيا لدعم جهود الهيمنة على سوق السفر فى القارة السمراء، وقال “تيوولد جبراماريام” الرئيس التنفيذى للشركة فى مقابلة مع بلومبرج، إن شركته ستستحوذ على حصص فى شركات جديدة فى زامبيا وتشاد وموزمبيق وجامبيا فى حين تدير بالفعل شركات طيران قائمة فى غينيا الاستوائية وجمهورية الكونجو الديمقراطية.
وتملك الشركة التى حولت العاصمة الإثيوبية “أديس أبابا” إلى محور عالمى للرحلات الجوية يربط بين 70 مدينة عالمية مع ما يقرب من 60 مدينة فى إفريقيا، حصصًا بالفعل فى شركة خطوط طيران مالاوى جنوب القارة وشركة أسكى للطيران فى توجو غرب القارة، وتستهدف التوسعات الجديدة للشركة تعزيز تفوقها على منافستيها شركة الخطوط الجوية الكينية وشركة طيران جنوب أفريقيا المملوكة للدولة، ويرى البعض أن الاتجاه نحو تنشيط قطاع النقل الجوى الإثيوبى ضرورة مستقبلية، وتهتم به شركة الخطوط الجوية الإثيوبية نتيجة للظرف الجغرافى لإثيوبيا كدولة مغلقة (لا منافذ بحرية لديها)، ما يحتم عليها اهتماماً خاصاً بمرفق النقل الجوى.
ويُشير متخصصون إلى اهتمام الشركة الإثيوبية بهذا القطاع ليتماشى مع ريادة الخطوط الجوية الإثيوبية فى قطاع السفر إلى جانب الاهتمام العالمى بالنقل الجوى، فى ظل أزمات النقل البحرى للسلع والبضائع، والأوضاع المتباينة التي تواجه تلك الحركة الحيوية، على مستوى العالم جراء الظروف السياسية والأمنية التي يتأثر بها هذا القطاع، وانعكاسها في ارتفاع تكلفته، إلى جانب الصراع التنافسى بين محاور قوى إقليمية ودولية وانعكاساته الباهظة فى ارتفاع نفقات التأمين، فضلاً عما سببته جائحة كورونا من إغلاق لعديد من أرصفة الشحن والموانئ.
غير أن إثيوبيا استغلت تلك القوة السياسية المتحققة لشركة طيرانها خلال حرب تجراى، حيث كشفت وثائق الشحن والبيانات التى أطلعت عليها شبكة CNN الأمريكية، أنه تم نقل الأسلحة بين مطار أديس أبابا الدولى والمطارات فى دول الجوار الإثيوبى على متن العديد من طائرات الخطوط الجوية الإثيوبية فى نوفمبر 2020 خلال صراع تيجراى. وبحسب ما كشفت «سي إن إن» فإن وثائق الشحن والبيانات التي اطلعت عليها الشبكة، بالإضافة إلى شهادات شهود العيان والأدلة الفوتوغرافية، تؤكد أنه جرى نقل الأسلحة بين مطار أديس أبابا الدولي والمطارات في مدينتي أسمرة ومصوع الإريتريين على متن العديد من طائرات الخطوط الجوية الإثيوبية في نوفمبر 2020، خلال فترة الأسابيع الأولى من صراع تيجراى.
وقالت سى إن إن إن الفظائع المرتكبة خلال الحرب تنتهك على ما يبدو شروط برنامج تجارة يقدم وصولا مربحا إلى سوق الولايات المتحدة، والذى استفادت منه الخطوط الجوية الإثيوبية بشكل كبير، كذلك أشار الخبراء إلى أن هذه الرحلات الجوية تشكل انتهاكا لقانون الطيران الدولى، الذى يحظر تهريب الأسلحة للاستخدام العسكرى على الطائرات المدنية.
سوق النقل الجوي الأفريقي الموحد:
وافقت 17 دولة إفريقية على مبادرة الاتحاد الدولى للنقل الجوى، والتى تهدف إلى خلق سوق نقل جوى إفريقى موحد، وهم: كينيا وإثيوبيا ورواندا وجنوب إفريقيا والرأس الأخضر وكوت ديفوار والكاميرون وغانا والمغرب وموزمبيق وناميبيا ونيجيريا والسنغال وتوغو وزامبيا والنيجر والغابون، وستقوم 17 شركة طيران بفتح أسواق النقل الجوى الخاصة بها لبعضها البعض كجزء من «مشروع تجريبى جديد لتنفيذ مشروع SAATM».
كان تأسيس سوق النقل الجوى الإفريقى الموحد، تم فى عام 2018، ويعتبر خطوة نحو التحرير الكامل لسوق النقل الجوى فى القارة، وهو مشروع رائد فى أجندة الاتحاد الإفريقي لعام 2063، ويسعى إلى إنشاء سوق نقل جوى واحد فى إفريقيا من خلال التحرير الكامل لخدمات النقل الجوي داخل إفريقيا من حيث الوصول إلى الأسواق، وحقوق المرور للخدمات الجوية المجدولة والشحن من قبل شركات الطيران المؤهلة وبالتالى تحسين ترابط الخدمات الجوية وكفاءة الناقل الجوى.
ختامًا :
يبدو أن القارة الإفريقية تشكل مجالا للتنافس بين شركات النقل الجوى فى ظل ازدهار هذا القطاع، فالنمو الاقتصادى الثابت وتزايد الطبقة المتوسطة الراغبة فى السفر، سيقلبان الأمور رأسا على عقب في العقود المقبلة. كما أن النقل الجوى فى إفريقيا لا يتمتع بوزن كبير على الصعيد العالمى، فإفريقيا تمثل أقل من 3 فى المائة من حركة المسافرين العالمية، فيما تشكل 15 فى المائة من سكان العالم، ولذلك تتوافر إمكانية تطور بالغة الأهمية.
بجانب ذلك، يشكل تطوير خطوط الطيران التجارى أحد أدوات تنمية القوة الناعمة للدولة خاصة إذا كانت الحكومة تملك تلك الخطوط أو بعض الأسهم فى الشركة، حيث تستخدم الحكومة شركة الطيران كأداة استراتيجية للترويج عن نفسها وأهدافها، وتعتبر إفريقيا حاليا سوق تنافس مهم لبعض الدولة الإفريقية بجانب بعض الدول من خارج القارة.