المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > رؤى تحليلية > العالم على شفا الهاوية لكن اندلاع حرب عالمية ثالثة غير مرجح
العالم على شفا الهاوية لكن اندلاع حرب عالمية ثالثة غير مرجح
- نوفمبر 18, 2024
- Posted by: Maram Akram
- Category: رؤى تحليلية
لا توجد تعليقات
بقلم أ/د. أيمن سلامة
أستاذ القانون الدولي العام، وعضو الهيئة الاستشارية بمركز “شاف”
أثارت تصريحات المسؤولين الروس يوم أمس بشأن قرب اندلاع حرب عالمية ثالثة واللجوء المحتمل للخيار النووي موجة من القلق والترقب العالمي، لتعيد إلى الأذهان أسوأ كوابيس الحرب الباردة. التصريحات، التي وُصفت بأنها الأكثر تصعيدًا منذ بداية النزاع في أوكرانيا، جاءت لتدق ناقوس الخطر بشأن مستقبل الاستقرار الدولي.
إن الحديث عن الخيار النووي لم يعد مجرد تهديد ضمني، بل بات واقعًا مرعبًا يُلوح في الأفق، مما يهدد بإعادة تشكيل خريطة العالم بأسوأ الطرق الممكنة. العالم بأسره تابع بقلق بالغ هذه التصريحات، التي تحمل رسائل واضحة للدول الغربية بشأن دعمها العسكري المستمر لأوكرانيا.
فبين التحذير من “تجاوز الخطوط الحمراء” والتأكيد على استخدام “كل الوسائل المتاحة لحماية الأمن القومي”، يبرز خطاب روسي يتسم بالتصعيد الحاد الذي قد يدفع أطراف النزاع إلى نقطة اللاعودة.
القلق العالمي يتجاوز حدود السياسة والجغرافيا، ليصل إلى وجدان شعوب العالم التي تعيش تحت وطأة الخوف من المجهول ،والسيناريوهات المروعة لاندلاع نزاع نووي تعني تهديد وجود البشرية بأكملها، وليس فقط الأطراف المتصارعة.
في ظل هذا التصعيد الخطير، تبدو الحاجة إلى الدبلوماسية أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. الحوار الدولي هو الأمل الوحيد لتجنب الانزلاق نحو الكارثة. العالم يقف اليوم على شفا الهاوية، ومصير البشرية معلق بخيط رفيع من الحكمة والتعقل، وسط أجواء مشحونة بالتوتر والعداء.
هل نحن أمام نقطة تحول كبرى؟ أم أن الحكمة ستسود قبل أن تنفجر الأوضاع؟ العالم يراقب، والتاريخ على وشك أن يكتب صفحة جديدة قد تكون الأكثر سوداوية في عصرنا الحديث.
بادئ ذي بدء ،إن مسألة ما إذا كان تسليم الولايات المتحدة صواريخ بعيدة المدى إلى أوكرانيا قد يؤدي إلى اندلاع حرب عالمية ثالثة هي مسألة معقدة ومثيرة للجدال. فهي تتقاطع مع الجغرافيا السياسية، والاستراتيجية العسكرية، والقانون الدولي، والديناميكيات المتطورة للنظام العالمي بعد الحرب الباردة. وفي حين أنه من المستحيل التنبؤ بالمستقبل على وجه اليقين، فإن دراسة الآثار الأوسع لهذا الإجراء تقدم رؤى حول ما إذا كان مثل هذا الصراع ممكنًا أو محتملًا.
السياق: الدعم الأمريكي لأوكرانيا
يعكس توفير الصواريخ بعيدة المدى لأوكرانيا التزام الولايات المتحدة بتعزيز قدرات كييف الدفاعية ضد العدوان الروسي. منذ بداية الغزو الروسي في فبراير 2022، صعدت الدول الغربية تدريجياً مساعداتها العسكرية لأوكرانيا، وانتقلت من الأسلحة الخفيفة والمساعدات الإنسانية إلى أنظمة متقدمة مثل HIMARS وأنظمة الدفاع الجوي باتريوت، والآن أنظمة الصواريخ بعيدة المدى. يتماشى هذا القرار مع الهدف الأوسع للولايات المتحدة المتمثل في مواجهة العدوان الروسي دون إشراك قوات الناتو بشكل مباشر في القتال.
إن الصواريخ بعيدة المدى ــ القادرة على ضرب عمق الأراضي التي تسيطر عليها روسيا أو حتى روسيا نفسها ــ تمثل تصعيدا كبيرا في نوع المساعدات المقدمة ، ومن الممكن أن تغير هذه الأسلحة المشهد العملياتي للصراع، مما يمكن أوكرانيا من استهداف خطوط الإمداد الروسية ومراكز القيادة والبنية الأساسية الحيوية البعيدة خلف خطوط المواجهة.
ورغم أن هذا الدعم يُصاغ باعتباره دفاعيا بطبيعته، فإنه يخاطر باستفزاز رد فعل شديد من جانب روسيا، التي حذرت مرارا وتكرارا من أن مثل هذه الإجراءات تتجاوز “خطوطها الحمراء”.
المنظور الروسي
من وجهة نظر موسكو، فإن تزويد أوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى يمثل أكثر من مجرد تصعيد عسكري ، بل إنه يرمز إلى التحدي المباشر لسيادة روسيا وأمنها الاستراتيجي. ولطالما اعتبرت روسيا توسع حلف شمال الأطلسي شرقاً والدعم الغربي لأوكرانيا تهديدات وجودية. وكثيراً ما صور خطاب الكرملين الصراع باعتباره حرباً بالوكالة يشنها الغرب لإضعاف روسيا.
إن إدخال أنظمة الصواريخ بعيدة المدى يعزز هذه الرواية. وإذا استُخدمت هذه الأسلحة لضرب أهداف داخل حدود روسيا المعترف بها دوليا، فقد يُنظَر إليها باعتبارها عملا حربيا بالوكالة، مما قد يستدعي رد فعل غير متناسب، وقد اقترح المسؤولون الروس أن مثل هذه الضربات قد تبرر اتخاذ إجراءات انتقامية ليس فقط ضد أوكرانيا ولكن ربما ضد دول حلف شمال الأطلسي التي تزود أوكرانيا بالأسلحة.
التصعيد النووي ومخاطر التصعيد
إن العقيدة النووية الروسية تسمح باستخدام الأسلحة النووية إذا شعرت روسيا بتهديد وجودي للدولة، وقد أشار الرئيس فلاديمير بوتن بشكل دوري إلى القدرات النووية الروسية باعتبارها تحذيراً ضد التدخل الغربي، وقد تفسر موسكو نشر الصواريخ بعيدة المدى على أنه تحويل للصراع إلى مرحلة حيث تتعرض سلامة أراضيها للخطر، وبالتالي زيادة احتمالات اندلاع حرب نووية.
ومع ذلك، هناك عدة أسباب تجعل التصعيد النووي الفوري غير مرجح:
استقرار الردع: تدرك كل من الولايات المتحدة وروسيا العواقب الكارثية للحرب النووية، ولا تزال عقيدة الدمار المتبادل بينهما تعمل كرادع.
السيطرة على التصعيد: على الرغم من المخاطر الكبيرة، فقد أظهر الجانبان قدراً من ضبط النفس في تجنب الاشتباكات المباشرة. ومع ذلك، فإن خطر سوء التقدير أو التصعيد غير المقصود لا يزال قائما.
دور حلف شمال الأطلسي
حتى الآن، كانت مشاركة حلف شمال الأطلسي في الصراع الأوكراني غير مباشرة، حيث ركزت على المساعدات العسكرية، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، والعقوبات ضد روسيا. ولكن تسليم الصواريخ بعيدة المدى يطمس الخطوط الفاصلة بين الدعم غير المباشر والمشاركة النشطة، على الأقل من منظور روسيا.
بموجب المادة الخامسة من معاهدة حلف شمال الأطلسي، فإن الهجوم على أحد الأعضاء يعتبر هجوماً على الجميع، ورغم أنه لم يتم استهداف أي دولة عضو في حلف شمال الأطلسي بشكل مباشر حتى الآن، فإن الخطر يزداد إذا سعت روسيا إلى ردع المزيد من الدعم الغربي لأوكرانيا.
وفي الوقت نفسه، لدى حلف شمال الأطلسي مصلحة راسخة في تجنب الصراع المباشر مع روسيا، ومن المرجح أن تواصل الدول الأعضاء في الحلف دعم أوكرانيا بطرق تقلل من خطر المواجهة المباشرة، مثل الحد من مدى ومناطق نشر الصواريخ التي يوفرها الحلف.
التحالفات العالمية واحتمالات نشوب حرب عالمية ثالثة
لقد أعاد الصراع في أوكرانيا تشكيل التحالفات العالمية بالفعل، حيث قسم العالم إلى معسكرين عريضين: المتحالفين مع الغرب والمتعاطفين مع روسيا أو المحايدين. ومن الممكن أن يؤدي تسليم الصواريخ بعيدة المدى إلى تعميق هذه الانقسامات، مما قد يمهد الطريق لمواجهة أكبر.
دور الصين
لقد حافظت الصين، الحليف الرئيسي لروسيا، على توازن دقيق، حيث عرضت الدعم الدبلوماسي لموسكو مع تجنب الإجراءات التي قد تؤدي إلى فرض عقوبات غربية أو الإضرار بمكانتها العالمية. ومع ذلك، فإن التصعيد في الصراع في أوكرانيا ــ وخاصة الصراع الذي يشمل حلف شمال الأطلسي ــ قد يجبر بكين على اتخاذ موقف أكثر حسما
القوى الإقليمية الأخرى
إن الدول مثل إيران وكوريا الشمالية، والتي قامت بالفعل بتزويد روسيا بطائرات بدون طيار ومعدات أخرى، قد تزيد من مشاركتها في الرد على التصعيدات الغربية، وعلى العكس من ذلك، فإن الدول مثل الهند والبرازيل، والتي سعت إلى البقاء على الحياد، قد تواجه ضغوطا متزايدة لاختيار أحد الجانبين، مما يزيد من استقطاب النظام الدولي.
الأبعاد الاقتصادية والسيبرانية
إن الحرب العالمية الثالثة، إذا اندلعت، قد لا تبدأ بالاشتباكات العسكرية التقليدية، بل بالحرب الاقتصادية والسيبرانية ، لقد أدى الصراع في أوكرانيا بالفعل إلى فرض عقوبات غير مسبوقة ضد روسيا، مما أدى إلى تعطيل أسواق الطاقة العالمية وسلاسل التوريد.، وقد يؤدي المزيد من التصعيد إلى اتخاذ تدابير اقتصادية انتقامية من شأنها أن تزعزع استقرار الأسواق العالمية، وخاصة إذا قامت روسيا بتحويل صادراتها من الطاقة إلى أسلحة أو إذا فرضت الدول الغربية عقوبات ثانوية على حلفائها الروس.
وعلى نحو مماثل، أصبحت الهجمات الإلكترونية جزءاً لا يتجزأ من الصراعات الحديثة. وقد أثبتت روسيا قدراتها في هذا المجال، وقد يؤدي التصعيد الذي يشمل حلف شمال الأطلسي إلى شن هجمات إلكترونية واسعة النطاق تستهدف البنية الأساسية الحيوية، والأنظمة المالية، وشبكات الحكومة في مختلف أنحاء العالم. وقد تخلف مثل هذه الإجراءات آثاراً متتالية، فتجتذب المزيد من الدول إلى الصراع.
هل من الممكن أن تندلع حرب عالمية ثالثة؟
ورغم أن تسليم الصواريخ بعيدة المدى إلى أوكرانيا يزيد من خطر التصعيد، فإن هناك عدة عوامل تجعل اندلاع حرب عالمية ثالثة أمراً غير مرجح في المستقبل القريب:
الردع المتبادل: لدى كل من الولايات المتحدة وروسيا مصلحة مشتركة في تجنب المواجهة المباشرة بسبب العواقب الكارثية للحرب النووية.
ديناميكيات الصراع غير المتكافئ: تظل حرب أوكرانيا صراعا محليا له تداعيات عالمية، لكنها لم تصل بعد إلى الحد الذي تتورط فيه قوى عظمى متعددة في القتال بشكل مباشر.
القنوات الدبلوماسية: على الرغم من تصاعد التوترات، لا تزال الاتصالات عبر القنوات الخلفية والجهود الدبلوماسية الدولية تلعب دوراً في إدارة الصراع.
ولكن لا يمكن استبعاد احتمال اندلاع حرب عالمية ثالثة بالكامل. وتزداد المخاطر بسبب العوامل التالية:
سوء التقدير: يمكن لحادث غير مقصود، مثل ضربة صاروخية أو هجوم إلكتروني يُنسب إلى الفاعل الخطأ، أن يؤدي إلى سلسلة من ردود الفعل.
التحالفات الاستقطابية: إن الانقسام المتزايد بين القوى الغربية وغير الغربية يزيد من احتمالات المواجهة الأوسع نطاقا.
تآكل المعايير: إن إضعاف المعايير والمؤسسات الدولية، إلى جانب تطبيع استخدام القوة كأداة من أدوات الحكم، يخلق بيئة عالمية أكثر تقلبا.
الخاتمة
إن قرار تزويد أوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى يمثل تصعيدا كبيرا في الصراع، مع عواقب بعيدة المدى على الأمن العالمي ، ولكن علي المجتمع الدولي أن تشمل جهوده المبذولة لإدارة هذه المخاطر ما يلي:
تقييد استخدام الأسلحة: اتفاقيات واضحة بشأن الاستخدام المسموح به للصواريخ بعيدة المدى لتجنب الضربات على الأراضي الروسية.
تعزيز الردع: تعزيز الموقف الدفاعي لحلف شمال الأطلسي مع الحفاظ على خطوط الاتصال المفتوحة مع روسيا.
تعزيز التعددية: إشراك الدول غير المنحازة للتوسط وتهدئة التوترات.
وفي نهاية المطاف، فإن الإجراءات التي تتخذها الدول والمؤسسات الدولية في الأشهر المقبلة سوف تحدد ما إذا كان الصراع في أوكرانيا سيظل حربا مأساوية ولكن محلية أو سيصبح الشرارة لحريق عالمي أوسع نطاقا.