المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشؤون الدولية > العلاقاتُ الأذربيجانيةُ – الأمريكيةُ في فترة ترامب الجديدة: ما المتوقع؟
العلاقاتُ الأذربيجانيةُ – الأمريكيةُ في فترة ترامب الجديدة: ما المتوقع؟
- يناير 31, 2025
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشؤون الدولية
لا توجد تعليقات
إعداد/ هنا داود
باحث مساعد في برنامج دراسات الدول التركية
مقدمة
تمتدُ العلاقاتُ الأذربيجانية- الأمريكية منذ اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بأذربيجان في عام 1991، وفي الفترات الأخيرة بالأخص خلال إدارة ترامب الأولى (2017-2021)، عكستْ العلاقاتُ بين الولايات المتحدة وأذربيجان واقعًا معقدًا ومتشابكًا في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب، كانت هذه العلاقات تجسيدًا لمحاولة تحقيق توازن بين المصالح الاستراتيجية الأمريكية، مثل أمن الطاقة والأمن الإقليمي، والاعتبارات الأخلاقية المتعلقة بحقوق الإنسان، بينما ركزت الولايات المتحدة على تأمين مصالحها في مجالاتٍ محددةٍ، ظلت قضايا حقوقِ الإنسان تمثّل بعدًا مؤثرًا، وإن كان محدودًا في العمق والأولوية.
شهدت هذه الفترة سلسلةً من القراراتِ السياسية التي تناولت التعاون في مجالات الطاقة والأمن، إلى جانب التحديات المتعلقة بالانتقادات الموجهة لأذربيجان بشأن حقوق الإنسان، وعلى الرغم من وجودِ تبايناتٍ بين الطرفين، ظهرتْ مجالاتٌ للتعاون والتفاهم، مما سمحَ بعلاقةٍ تعاونيةٍ، حتى وإن لم تكنْ دائمًا ودية، كانت التفاعلات اليومية على مختلف المستويات الدبلوماسية دليلًا على استمرارية المصالح المشتركة بين البلدين، مما يثير تساؤل عن مستقبل العلاقات بين البلدين في الولاية الجديدة لترامب
وفي التالي قراءة نقدية لمقال بعنوان “هل إعادة انتخاب ترامب أخبار جيدة للعلاقات الأذربيجانية-الأمريكية؟[1] للدكتور Vasif Huseynov، رئيس قسم في مركز تحليل العلاقات الدولية (AIR Center)، تركز دراساته على العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وأذربيجان والأمن الدولي في منطقة جنوب القوقاز، والمنشور في commonspace.eu وهي منصة إعلامية مقرها في لاهاي، هولندا، تعمل على تقديم تحليلات حول القضايا الجيوسياسية المعقدة.
ويناقش المقال التوترات في العلاقات بين أذربيجان والولايات المتحدة في ظلِ إدارةِ بايدن، مع التركيز على بعضِ القراراتِ مثل إعادة فرْضِ العقوباتِ بموجب التعديل 907 من قانون دعم الحرية لعام 1992، الذي أثار استياء باكو. يطرح المقال تساؤلاً حول ما إذا كانت إعادةُ انتخابِ دونالد ترامب قد تؤدي إلى تحسين العلاقات الثنائية بين البلدين، مستعرضًا في الوقت ذاته أولويات السياسة الخارجية لأذربيجان والتي قد تكون أكثر توافقًا مع النهْجِ الذي اتبعتهُ إدارةُ ترامب، التي كانت تركز على المصالح الاقتصادية والأمنية بدلاً من القضايا المتعلقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان. رغم ذلك، يشير المقال إلى أن العلاقاتِ بين أذربيجان والولايات المتحدة كانت معقّدةً حتى في فترة ترامب الأولى، وأن أيَّ تحسنٍ مستقبليٍ يتطلب جهودًا من الجانبين للتغلب على القضايا الخلافية وتعزيز التعاون.
العلاقاتُ بين الولاياتِ المتحدةِ وأذربيجان خلال فترة ترامب الأولى
شهدتْ العلاقاتُ في الولاية الأولى لترامب زيادةً في الاستثمارات الأمريكية في قطاع الطاقة الأذربيجاني، حيث ارتفعت من 120 مليون دولار في عام 2017 إلى 165 مليون دولار في عام 2020، ما يعكس التركيز الاستراتيجي على تعزيز أمن الطاقة وتنويع مصادره. كانت هذه الاستثمارات تهدفُ إلى دعم ممر الغاز الجنوبي، مما يساهمُ في تحويلِ أذربيجان إلى نقطةِ عبورٍ رئيسيةٍ لإمدادات الطاقة إلى أوروبا. بالموازاة مع ذلك، نمت التجارة بين الولايات المتحدة وأذربيجان خلال نفس الفترة، حيث ارتفعت قيمتها من 1.2 مليار دولار في 2017 إلى 1.5 مليار دولار في 2020، مما يعكسُ رغبةَ كلا البلدين في توسيع التعاون التجاري، لا سيما في مجالات التكنولوجيا والبنية التحتية، تركزت الاستثمارات الأمريكية في قطاع الطاقة الأذربيجاني على تطوير البنية التحتية مثل خط أنابيب باكو – تبليسي – جيهان، مما ساعد أذربيجان على تعزيز موقعها في أسواق الطاقة الأوروبية، رغم التحديات الجيوسياسية مع روسيا وإيران. كما سعت الشركات الأمريكية إلى فرصٍ تجاريةٍ في مجالاتٍ أخرى خارج الطاقة، ما يعكسُ استراتيجيةً أوسع لتنويع العلاقات الاقتصادية. من جانب آخر، حافظت الولايات المتحدة على دعمها العسكري لأذربيجان، خاصة في مجالي مكافحة الإرهاب وحماية البنية التحتية للطاقة، بما يتماشى مع المصالح الأمنية الأمريكية في المنطقة، مع مراعاة الحفاظ على توازنٍ في علاقاتها مع دول الجوار مثل أرمينيا[2].
تدهورُ العلاقاتِ خلال إدارة بايدن
يشير المقال إلى استياء أذربيجان من جهود إدارة بايدن في الوساطة، ورفضت أذربيجان للمرة الأولى جهودَ الوساطةِ الأمريكيةِ في عملية السلام مع أرمينيا، حيث اعترضت باكو على ما وصفته بـ”إصرار” وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن على التوسط في المحادثات، و تشيرُ هذه الحادثة إلى تحولٍ جذريٍ في موقف أذربيجان، التي كانت تستفيد سابقًا من الوساطات الأمريكية مما يعكسُ نُفورَ أذربيجان المتزايد من سياسات إدارة بايدن السابقة، التي وصفتها باكو بأنها منحازةٌ وغيرُ عادلةٍ.
كما يتطرق المقال إلى أن إعادةَ فرْضِ العقوباتِ بموجب التعديل 907 من قانون دعم الحرية لعام 1992 من أبرز العوامل التي أثرت سلبًا على العلاقات بين باكو وواشنطن. هذا التعديل، الذي يمنعُ الولاياتِ المتحدة من تقديم المساعدات لأذربيجان إلا في حال اتخاذها خطواتٍ ملموسةٍ تجاه السلام، كان تاريخيًا مثيرًا للجدل. في الوقت الذي كانت فيه أذربيجان تتعرضُ للهجوم والاحتلال من أرمينيا، عاقب المشرعون الأمريكيون أذربيجان بدلًا من دعمها، ولكن على الرغم من ذلك في عام 2001، في أعقاب مأساة 11 سبتمبر الإرهابية، عدل مجلس الشيوخ القسم 907 للسماح للرؤساء بتقديم المساعدة العسكرية لأذربيجان لعملياتِ مكافحةِ الإرهاب[3]، ولكن ألغت إدارة بايدن هذا الاستثناءَ في عام 2022، مما أدى إلى تصاعد التوترات بين الجانبين.
إنتقادُ الطابعِ المصلحي للسياسة الأمريكية
يرى الكاتب أن الانتقادات التي وجهها الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف لإدارة بايدن السابقة تعكسُ انزعاجًا مما وصفه بالطابع المصلحي للسياسة الخارجية الأمريكية، خلال سنوات عديدة، قدمت أذربيجان دعمًا استراتيجيًا للولايات المتحدة، بما في ذلك السماح باستخدام أراضيها لدعمِ العملياتِ الأمريكيةِ في أفغانستان، ولكن مع انسحابِ الولايات المتحدة من أفغانستان، شعرت باكو أن واشنطن تتعامل معها بشكلٍ براجماتيٍ مؤقتٍ، وأضيف إلى ذلك أن تغيّرَ الإدارات في الولايات المتحدة يلازمهُ تغيرٌ في الأولوياتِ والمصالح، لا شك أن الدولَ تعمل وفقًا لما يخدمُ مصالحها وفي إدارة بايدن كانت مسألةُ حقوقِ الإنسان تحمل ثِقلاً أكثر مما يكون في توجهات ترامب أو الجمهوريين بشكل عام، وهذا ما ظهر في تصريحات علييف، والتي أشار فيها إلى أن العلاقاتِ مع الإدارات الجمهورية كانت أكثر إنتاجية، تبرز تحليله لطبيعة التحولات السياسية الأمريكية وتأثيرها على العلاقة الثنائية، ولذا عكسَ تفاؤلَه لفترةِ ترامب الجديدة على الرغم من من قيام ترامب بمحاولات لجذب أصوات الأرمن الأمريكيين من خلال الاستشهاد بالنزوح الأرمني في كاراباخ في عام 2023.
الرؤية الأذربيجانية توضحُ أن إدارةَ ترامب السابقة تفادتْ التورطَ في التعقيدات السياسية لمنطقة جنوب القوقاز، وهو ما تعتبره أذربيجان نهجًا حكيمًا يراعي الديناميكيات الإقليمية، في الوقت الذي تسعى فيه أذربيجان لتأكيدِ سيادتِها وتعزيزِ مصالحها في المنطقة، قد يُسهمُ هذا النهْجُ لترامب في خلْقِ بيئةٍ تُتيحُ لأذربيجان الفرصة للعمل نحو تحقيق الاستقرار بعيدًا عن الضغوط الخارجية.[4]
العلاقةُ المستقبليةُ بين أذربيجان والولايات المتحدة في ظل رئاسة ترامب
يتجددُ النقاشُ حول الكيفية التي يمكنُ أن تؤثرَ بها ولايةٌ ثانيةٌ محتملةٌ لدونالد ترامب على القضايا العالمية الحرجة، بما في ذلك العلاقات الأمريكية مع أذربيجان ودور واشنطن في منطقة جنوب القوقاز. رغم الانتقادات المستمرة من ترامب لإخفاقات إدارة بايدن في السياسة الخارجية، يجبُ توخّي الحذر عند التفاؤل بتحقيق تحسنٍ فوري أو ملموس في العلاقات الأمريكية-الأذربيجانية تحت قيادته.
الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف أشار إلى أن العلاقات بين باكو والإدارات الجمهورية السابقة كانت “أكثر إنتاجيةّ ومثمرةً وموجهةً نحو النتائج”، مما يعززُ الأملَ في استعادة التعاون البناء في ظل رئاسة ترامب. ومع ذلك، يتطلب هذا التفاؤل قراءةً دقيقةً للسياق الدولي والإقليمي. فالجنوبُ القوقازي يشهدُ تعقيداتٍ متزايدة نتيجة للتوترات الجيوسياسية، بما في ذلك التنافس بين القوى الكبرى مثل روسيا والصين، إضافة إلى استمرار الخلافات التاريخية بين أذربيجان وأرمينيا.
علاوة على ذلك، يُبرز النقدُ أن السياسةَ الخارجية الأمريكية تحتَ رئاسة ترامب، رغم ميلها نحو الصفقات والاتفاقيات الثنائية، قد تتسم بالتركيز على المصالح الأمريكية الضيقة بدلاً من تعزيز شراكات متوازنة. من الممكن أن يؤديَ هذا النهْجِ إلى تعزيز التعاون في بعض المجالات، لكنه قد يزيد من تعقيد العلاقة إذا لم يتمّْ تلبيةُ توقعات باكو بشكل متبادل ومتوازن.
بينما يُعدُ التعاون الوثيق بين أذربيجان والولايات المتحدة ضرورياً ومفيداً للطرفين، فإن تحقيقَ تقدمٍ حقيقيٍ يتطلبُ من الطرفين تجاوزَ الديناميكيات التقليدية التي تعتمد على المصالح المصلحية قصيرة الأمد، يجب على أذربيجان أيضاً أن تُوازنَ بين حاجتِها إلى الدعم الأمريكي وحفاظها على استقلالية سياستها الخارجية، خاصة في ظل تقاطع المصالح الإقليمية بين واشنطن وموسكو وبكين.
باختصار، رغم أن تغييرَ القيادةِ الأمريكية قد يوفر فرصة لإعادة بناء الشراكة بين باكو وواشنطن، فإن هذا الهدفَ يعتمدُ بشكلٍ كبيرٍ على قدرة الطرفين على التعامل مع تحديات المنطقة والدفع نحو تعاونٍ استراتيجيٍ يتجاوز المصالح الآنية ومع إعادة انتخاب ترامب، تتطلع أذربيجان إلى تعزيز شراكتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، وهي شراكةٌ تحملُ إمكانياتٍ كبيرةً في مجالات مثل الطاقة والبنية التحتية والأمن. وفي السنوات الأخيرة، أصبحت أذربيجان لاعبًا رئيسيًا في مجال أمن الطاقة، خصوصًا بالنسبة للأسواق الأوروبية، تتماشى الإدارة التي تقدرُ استقلالَ الطاقة مع هدف أذربيجان في أن تكونَ شريكًا موثوقًا في هذا القطاع. بشكل عام، تأمل أذربيجان أنه في ظل إدارة ترامب، سيتم ملء “الثغرات المفقودة” والوعود غير المحققة التي شهدتها في عهد الديمقراطيين، مع فرص تعاون أكبر.
في الختام، يظهرُ مقال الدكتور فاسيف حسينوف أن العلاقات بين أذربيجان والولايات المتحدة تشهد تباينًا ملحوظًا تحت إداراتٍ مختلفةٍ، مع التركيز على التوترات التي نشأت في ظل إدارة بايدن، وخاصةً فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان والعقوبات الأمريكية. ومع ذلك، يبرز المقال أيضًا الأمل في تحسين العلاقات في حال إعادة انتخاب دونالد ترامب، إذ يتوقعُ أن تسهمَ سياستُه غير التدخلية في جنوب القوقاز في خلق بيئة أكثر استقرارًا لأذربيجان. من جهةٍ أخرى، ينبغي توخي الحذر من التفاؤل المفرط، حيث أن العلاقات الثنائية لا تزالُ محكومةً بالعوامل الجيوسياسية المعقّدةِ التي تشمل مصالح الولايات المتحدة في المنطقة وتفاعلاتها مع القوى الكبرى مثل روسيا والصين.
أذربيجان، التي تسعى إلى تعزيز سيادتها وتحقيق مصالحها الاستراتيجية في مجالات الطاقة والأمن، قد تجدُ في الإدارة الأمريكية تحت قيادةِ ترامب فرصةً لتنميةِ شراكتها الاستراتيجية، ولكن من الضروري أن تتجاوز هذه الشراكة الأبعاد الضيقة لتشمل تعاونًا طويل الأمد يحقق مصالح متبادلة ومتوازنة. في النهاية، يتطلب تعزيز العلاقات الأذربيجانية-الأمريكية جهودًا بل وإرادة من الجانبين للتغلبِ على العقباتِ التقليدية والعمل معًا لتحقيق استقرارٍ إقليميٍ مع التأكيد أن هذه الخطو لن تحدثَ إلا في حالِ انتفعتْ الولايات المتحدة من هذه العلاقات.
المصادر:
[1] Vasif Huseynov, Opinion: Is Trump’s Re-Election Good News for Azerbaijan-U.S. relations?10 Dec 2024, Opinion: Is Trump’s Re-Election Good News for Azerbaijan-U.S. relations? | commonspace.eu, Access 24 JUN 2025.
[2] Elnur Hasan Mikail and Hakan Çora, Trump Era U.S. and Azerbaijani Relations, Scientific Research Publishing Inc, Trump Era U.S. and Azerbaijani Relations.
[3] “Azerbaijan: Aliyev rooting for Trump win” Eurasianet, 4 NOV,2025, Azerbaijan: Aliyev rooting for Trump win | Eurasianet, Access 24 JUN 2025.
[4] “New phase in US-Azerbaijan ties: How Trump’s win could impact South Caucasus?” Azernews, 6 Nov 2024, New phase in US-Azerbaijan ties: How Trump’s win could impact South Caucasus?, Access 24 JUN 2025.