العلاقاتُ الأذربيجانيةُ الأمريكيةُ بين البراجماتية والتحديات في عهد ترامب

إعداد: أماني السروجي

باحث مساعد في برنامج دراسات الدول التركية

تشهدُ العلاقاتُ الأذربيجانيةُ-الأمريكيةُ تبايناتٍ ملحوظة مع تغير الإدارات في واشنطن، حيث تتأثرُ بسياساتِ البيت الأبيض تجاه القوقاز، والتوازنات الإقليمية، والمصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة، فخلال السنوات الماضية، مرّتْ هذه العلاقة بمراحل من التعاون والتوتر، لا سيَّما فيما يتعلق بالنزاع بين أذربيجان وأرمينيا، والدور الأمريكي في الوساطة بين الطرفين، ومع تولّي ترامب ولايةً جديدةً، تُثارُ تساؤلاتٌ حول الاتجاه الذي ستسلكه السياسة الأمريكية تجاه باكو، وما إذا كانت ستشهد تحسنًا أو استمرارًا للتحديات السابقة.

وفي الوقت الراهن تحاولُ باكو إعادةَ تقييم موقفها من واشنطن، مستندةً إلى أولوياتها الجيوسياسية ورؤيتها للعلاقات الثنائية، وتسعى إلى فهْمِ التوجهات الجديدة للإدارة الأمريكية ومدى تأثيرها على المصالح الأذربيجانية، سواء في المجالات السياسية أو الاقتصادية أو الأمنية.

وفي هذا الإطار، صدرَ تقريرٌ بعنوان “عهد ترامب الجديد وأذربيجان – الاستراتيجية والتوقعات” عن مجلة أزي ميديا، يتناولُ التقرير طبيعة العلاقة بين البلدين في المرحلة المقبلة، من خلال تحليل توجهات السياسة الخارجية الأمريكية المتوقعة، ومدى تأثيرها على المصالح الأذربيجانية، كما يناقشُ التقريرُ الفرصَ التي قد تتيحها هذه المرحلة لأذربيجان، والتحديات المحتملة التي قد تفرضها التغيرات في المشهد الدولي، لا سيَّما في ظل التوازنات الإقليمية المعقدة في جنوب القوقاز.^[1]

الإطارُ العامُ للعلاقاتِ الأذربيجانيةِ – الأمريكية والتوترات السابقة

يبدأُ المقالُ بالإشارة إلى أن العلاقاتِ بين باكو وواشنطن شهدت توترًا ملحوظًا في ظل إدارة بايدن، خاصة فيما يتعلقُ بملف السلام بين أذربيجان وأرمينيا، فقد رفضت أذربيجان المشاركةَ في اجتماع وزراء الخارجية في مالطا بوساطة أمريكية، كما انتقدت وزارة الخارجية الأذربيجانية بشكلٍ صريحٍ ما اعتبرته “فشلًا” من إدارة بايدن في تقديم مساهمة إيجابية في حل النزاع.

ويشير المقال أنه على الرغم من هذه التوترات، يبدو أن أذربيجان تتبنّى مقاربةً جديدةً تجاه الإدارة الأمريكية الجديدة حيث أشار الرئيس علييف في مقابلةٍ إعلاميةٍ إلى تفاؤله بإمكانية بناءِ شراكةٍ إستراتيجيةٍ مع واشنطن في عهد ترامب، وهذه الإشارة تعكسُ إدراكًا أذربيجانيًا بأن سياساتِ ترامب الخارجية تختلفُ عن نهْجِ الديمقراطيين، وهو ما قد يوفر فرصة لتحسين العلاقات.

نهْجُ ترامب البراجماتي وتأثيرهُ على العلاقات الثنائية

يُبرز المقال أحد الفروقات الجوهرية بين ترامب والديمقراطيين في السياسة الخارجية، حيث إن ترامب لا يبني علاقاتهِ على أساسِ معيار الديمقراطية، بل يعتمد نهجًا براجماتيًا يركز على المصالح المباشرة، ويُعتبرُ هذا التوجهُ ملائمًا لسياسة أذربيجان، التي تفضل المفاوضات الثنائية أو الترتيبات الإقليمية الصغيرة على حساب الصيغِ المتعددةِ الأطراف التي قد تزيد من التدخلات الأجنبية، ويتفق هذا مع أسلوب ترامب في الدبلوماسية، ما يجعل فرص التفاهم بين الجانبين أكبر.

سياسة ترامب “السلام من خلال القوة” وأثرها على أذربيجان

يشير المقال إلى أن ترامب يميلُ إلى الشراكةِ مع الدول التي تلعبُ دورًا استقراريًا في مناطقها، وفي هذا السياق، تحاول أذربيجان ترسيخَ نفسها كقوةٍ إقليميةٍ صاعدة، مما قد يجعلها شريكًا مفيدًا للولايات المتحدة، كما أن نهْجَ ترامب في تقليل التدخلات الخارجية وخفض التكاليف العسكرية يجعل الشراكة مع أذربيجان أكثر جاذبية، خاصة وأنها تتبنّى سياسة “إبقاء القوى الأجنبية بعيدة” عن القوقاز، وهو ما يتماشى مع رؤية ترامب، ورغم الفرص المحتملة يحذر المقال من احتمال أن يسعى ترامب إلى إعادةِ رسْمِ خريطة النفوذ الدولي، ما قد يترك جنوب القوقاز ضمن النفوذ الروسي، لذلك، يرى المقال ضرورة أن تتحرك أذربيجان بفاعلية للحفاظ على استقلالية موقفها وتعزيز تحالفاتها.

العوامل ُالأيديولوجيةُ والتقاربُ الفكري

يتناول المقال جانبًا مهمًا وهو أن أذربيجان تتبنّى قيمًا تقليديةً معاديةً لليسار الليبرالي، وهو ما يخلق تقاربًا أيديولوجيًا مع تيار المحافظين في الولايات المتحدة، فباكو تعارضُ النفوذَ الليبرالي العالمي، كما أنها نجحت في بناءِ علاقاتٍ مع الإنجيليين المحافظين، الذين يمثلون قاعدةً انتخابيةً قويةً لترامب.

يرى المقال أن أرمينيا كانت تقليديًا أقرب إلى الديمقراطيين في الولايات المتحدة، حيث وقّعت اتفاقيةَ شراكةٍ إستراتيجيةٍ حديثةٍ مع واشنطن، إلا أن هناك خطورة من أن تؤثر بعض التوجهات الدينية والشعبوية داخل معسكر ترامب في تعزيز الدعم لأرمينيا، حيث يتم تصويرها في بعض الأوساط كـ”دولة مسيحية تحت التهديد”، مما قد يحدّ من فرص أذربيجان في تعزيز علاقاتها مع إدارة ترامب.

دورُ العامل الإيراني وتأثيره على المعادلة

يلفت المقال الانتباه إلى أن النظامَ الإيرانيَ بدأ في التصرف بحذرٍ أكبر منذ فوز ترامب بولاية جديدة، خوفًا من احتمال تصعيدٍ أمريكيٍ ضده، ومن المثير للاهتمام أن الرئيس الإيراني أدلى بتصريح غير معتاد يشير إلى أن إيران “لن تقتل ترامب”، وهو ما يعكس حالة القلق التي تسود طهران.

ويشير إلى أن إدارة ترامب السابقة تبنّتْ إستراتيجية للأمن القومي في آسيا الوسطى للفترة 2019-2025، ما جعل هذه المنطقة جزءًا من السياسة الأمريكية الدائمة بدلًا من كونها ملفًا ثانويًا، ويرى أن هذا التطورَ إيجابيٌ لأذربيجان، حيث يمكنها الاستفادة من الاهتمام الأمريكي المتزايد بالمنطقة لتعزيز موقعها الإقليمي.

العواملُ الاقتصاديةُ والفرص الاستثمارية

يشير المقال إلى أن أذربيجان تسعى لجذْبِ مزيدٍ من الاستثمارات الخارجية، وأن واشنطن يمكن أن تكون مصدرًا محتملاً لذلك، خاصة إذا كان ترامب مستعدًا لدعم مشاريع استراتيجية في القوقاز، ويعتبر “الممر الأوسط” الذي يربط الصين بأوروبا عبر آسيا الوسطى والقوقاز، عنصرًا استراتيجيًا جديدًا ازداد أهميته منذ آخر ولاية لترامب، وهذا الممر يمكنُ أن يكونَ نقطةَ ارتكاز في أي تعاون اقتصادي مستقبلي بين أذربيجان والولايات المتحدة.

عصر ُالفرصِ السياسية

يختتم المقال بتأكيد أن السنواتِ القادمة ستكون “عصر الفرص السياسية”، حيث سيشهد النظام العالمي تغييراتٍ جذريةً يمكن لأذربيجان الاستفادة منها، ومن بين الأولويات التي يحددها المقال، ضرورة دفع أرمينيا إلى الاعتراف بالمصالح الأذربيجانية عبر مقاربة استباقية، مما يستدعي تعزيز العلاقات مع واشنطن وتقديم أذربيجان كشريك استراتيجي موثوق في المنطقة.

تأملاتٌ نقدية

على الرغم من أن المقال يقدم تحليلًا ثريًا للعلاقات الأذربيجانية-الأمريكية في ظل إدارة ترامب الجديدة، إلا أنه يحتوي على عدد من أوجه القصور التي يمكن تسليط الضوء عليها، وتتمثل أبرزها في التالي:

1- المبالغةُ في التوقعاتِ الإيجابية تجاه ترامب: يُظهر المقال تفاؤلًا مفرطًا حول إمكانية إقامة شراكة إستراتيجية بين أذربيجان وإدارة ترامب بناءً على النهْجِ البراجماتي للأخير، لكن هذا التوقع يتجاهل بعض العوامل الواقعية التي قد تعرقل هذا السيناريو.

فعلى الرغم من أن ترامب كان براجماتيًا في علاقاته الدولية، إلا أنه لم يُظهرْ التزامًا ثابتًا تجاه أي شريك، وغالبًا ما كان يتخذِ قراراتٍ مفاجئةّ بناءً على اعتبارات داخلية، على سبيل المثال، انسحابه المفاجئ من اتفاقيات دولية مثل الاتفاق النووي الإيراني^[2] واتفاقية باريس للمناخ^[3] يظهر أن سياسته الخارجية قد تكون غير مستقرة حتى مع الحلفاء الذين يراهم “مفيدين”، كما أن ترامب يفضل العلاقات الشخصية على العلاقات المؤسسية، وقد يكونُ موقفهُ تجاه أذربيجان متغيرًا بناءً على العوامل السياسية والاقتصادية التي قد يراها أكثر أهمية.

2- تجاهلُ تعقيداتِ المشهدِ الأمريكي الداخلي: يُركز المقال على سياسة ترامب الخارجية، لكنه لا يأخذ في الاعتبار القيود الداخلية التي قد تؤثر على قراراته، مثل موقف الكونجرس الأمريكي، الذي يلعب دورًا رئيسيًا في صياغة السياسة تجاه أذربيجان.

حيث يتمتع اللوبي الأرمني بنفوذ قوي في الكونغرس الأمريكي، وقد أدى ذلك في الماضي إلى اتخاذ قرارات ضد أذربيجان، مثل الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن في 2019 رغم معارضة ترامب، وهذا يعني أن حتى لو كان ترامب مستعدًا للتعاون مع أذربيجان، فإن الضغوطَ الداخليةَ قد تعرقلُ ذلك،^[4] وعلى الرغم من أن ترامب حاول في ولايته الأولى اتباع سياسة خارجية شخصية وغير تقليدية، إلا أن المؤسسات الأمريكية (مثل البنتاجون، ووزارة الخارجية، والكونجرس) لا تزال تلعب دورًا حاسمًا، وهو ما قد يحدّ من حرية تحركاته.

3- التقليلُ من المخاطرِ الجيوسياسية وخاصة الدور الروسي: يشير المقال إلى خطرٍ محتملٍ يتمثل في أن ترامب قد يتركُ جنوبَ القوقاز ضمن دائرة النفوذ الروسي، لكنه لا يناقش هذه المسألة بعمق كافٍ أو يقدم حلولًا واضحة لكيفية تجنب هذا السيناريو، فخلال ولاية ترامب الأولى، أظهر مواقفَ متساهلةً تجاه روسيا، حيث كان يميل إلى تجنب التصعيد مع موسكو، وأحيانًا اتُهم بالتساهل مع بوتين.^[5]

كما أن انسحابَ ترامب السابق من بعض الالتزامات الأمنية التقليدية، مثل التشكيك في دور الناتو،^[6] قد يدفعه إلى تقليل اهتمامه بالقوقاز، مما يترك فراغًا قد تستغله روسيا لتعزيز نفوذها في أذربيجان والمنطقة، ولم يذكر المقال كيف يمكنُ لأذربيجان أن تحافظ على استقلاليتها الجيوسياسية في حال تجاهلت إدارة ترامب مصالحها لصالح روسيا، حيث كان ينبغي تقديم تحليل أعمق حول كيفية بناء تحالفات بديلة، مثل تعزيز العلاقات مع الاتحاد الأوروبي أو الدول الخليجية.

4- ضعفُ التركيزِ على التحديات الاقتصادية والسياسية لأذربيجان: يركز المقال بشكل كبير على فرص التعاون الاقتصادي مع الولايات المتحدة، لكنه يتجاهل التحديات الاقتصادية والسياسية الداخلية التي قد تؤثر على قدرة أذربيجان على الاستفادة من هذه الفرص، فالاقتصاد الأذربيجاني لا يزالُ يعتمدُ بشكلٍ أساسي على صادرات الطاقة، مما يجعله عرضة لتقلبات الأسعار العالمية، وهو ما قد يقلل من قدرة البلاد على جذب استثمارات أمريكية طويلة الأمد.

كما أن الولايات المتحدة لم تكن مستثمرًا رئيسيًا في أذربيجان حتى في عهد ترامب، حيث كانت الاستثمارات الأوروبية والصينية أكثر تأثيرًا، ما يجعل التوقعات بشأنِ دورٍ اقتصاديٍ أمريكيٍ كبير غير واقعية دون تغييرات هيكلية في الاقتصاد الأذربيجاني، بالإضافة إلى ذلك لم يوضحْ المقال كيف ستتعامل أذربيجان مع التحديات المحتملة في جذب الاستثمارات، أو ما إذا كانت مستعدة لتقديم حوافز جديدة لجذب الشركات الأمريكية.

الخاتمة

يقدم المقال قراءةً تفاؤليةً لمستقبلِ العلاقات الأذربيجانية – الأمريكية في ظل إدارة ترامب، ويتميز بقدرته على تقديم تحليل استراتيجي للعلاقات الأذربيجانية – الأمريكية في سياق ديناميكي، مع التركيز على البراجماتية السياسية والتحولات الجيوسياسية والاقتصادية،  لكنه يغفلُ بعضُ التحدياتِ الأساسية التي قد تعيق تحقيق هذه الرؤية، من الضروري إعادة تقييم السيناريوهات المحتملة من منظور أكثر توازنًا يأخذ في الاعتبار المحدداتِ الداخلية للسياسة الأمريكية، المخاطر الجيوسياسية، والتحديات الاقتصادية التي تواجهِ أذربيجان، كما يجب أن تتبنى باكو استراتيجية أكثر شمولية تضمنُ تنويعَ تحالفاتهِا الدولية وعدم الاعتماد المُفرطِ على أيِّ إدارةٍ أمريكيةٍ، بغضّ النظر عن توجهاتها السياسية.

المصادر:

^[1] Trump’s new era and Azerbaijan – strategy and expectations, AzeMedia, January 28, 2025. https://2h.ae/anzi

^[2] أسامة أبو ارشيد، الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي مع إيران: الخلفيات، والذرائع، والتداعيات، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ٢٧ مايو ٢٠١٨.  https://2h.ae/MEOv

^[3] واشنطن تبلغ الأمم المتحدة رسميا انسحابها من اتفاقية باريس للمناخ، موقع الحرة، ٥ نوفمبر ٢٠١٩.  https://2h.ae/QxNx

^[4] الخارجية الأمريكية: ترامب لا يؤيد قرار الكونغرس بشأن مزاعم الأرمن، الأناضول، ١٨ ديسمبر ٢٠١٩.  https://2h.ae/AWir

^[5] Yaroslav Trofimov, Washington’s Embrace of Putin Aims to Drive Wedge Between Moscow and Beijing, WSJ, Feb. 21, 2025 . https://2h.ae/zWiu

^[6]  Daniel Michaels, Trump’s Turn to Russia Spooks U.S. Allies Who Fear a Weakened NATO, WSJ, Feb. 20, 2025. https://2h.ae/nanI