المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > العلاقاتُ التركيةُ الأمريكيةُ بعد فوز ترامب: مصالحُ مشتركة وقضايا شائكة
العلاقاتُ التركيةُ الأمريكيةُ بعد فوز ترامب: مصالحُ مشتركة وقضايا شائكة
- نوفمبر 11, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات
إعداد / أماني السروجي
باحث مساعد في برنامج دراسات الدول التركية
شهدتْ العلاقاتُ التركيةُ الأمريكيةُ تطورًا متقلبًا على مرِّ العقود، واتسمت بتحولاتٍ كبيرة بسبب التغيرات في السياسات الداخلية والخارجية لكل من البلدين، والتطورات الإقليمية والدولية. فمع تأسيس الجمهورية التركية في 1923، دخلت العلاقات في مرحلةٍ من التعاون، خاصة في المجالات الاقتصادية والعسكرية، وفي فترة الحرب الباردة، كانت تركيا حليفًا رئيسيًا للولايات المتحدة في مواجهة الاتحاد السوفيتي، حيث استضافت القوات الأمريكية على أراضيها، ومع نهاية الحرب الباردة، تطورت العلاقةُ إلى شراكةٍ استراتيجيةٍ في العديد من الملفات، سواء في قضايا الأمن الإقليمي، ومكافحة الإرهاب، أو التعاون الاقتصادي.
ومع ذلك، شهدت العقودُ التاليةُ فترات من التوتر بين البلدين بشأن السياسة الأمريكية في المنطقة، مع الحفاظ على علاقات عسكرية قوية، وتعمّقِ التعاون بين البلدين مرة أخرى بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، في إطار مكافحة الإرهاب، إلا إن التوترات تجددت في العِقْدين الأخيرين بسبب اختلافات في السياسات حول بعض القضايا الإقليمية مثل سوريا، والعقوبات المفروضة على تركيا، وكذلك التعامل مع ملف حقوق الإنسان.
والآن وبعد إعلان فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في 6 نوفمبر 2024، يثيرُ مستقبلُ العلاقاتِ التركية الأمريكية تساؤلاتٍ حول كيفية تأثير سياسات ترامب على مستوى العلاقات بين البلدين، حيث إن فوزَ دونالد ترامب في هذه الانتخابات يمكن أن يُعيدَ رسْمَ ملامح العلاقة بين البلدين، نظرًا لما تحمله سياساته من توجهات مؤثرة في مجالات الأمن، والتجارة، والقضايا الإقليمية، فمن المتوقع أن ينعكسَ فوزُ ترامب على العديد من الملفات الحساسة مثل العلاقات مع حلفاء الناتو، الوضع في الشرق الأوسط، والسياسات المتعلقة بالعقوبات.
لذا يهدفُ هذا التقريرُ إلى استكشاف التأثير المحتمل لفوز دونالد ترامب في انتخابات 2024 على مستقبل العلاقات التركية الأمريكية.
مسارُ العلاقات التركية الأمريكية خلال ولاية ترامب الأولى:
شهدتْ العلاقاتُ بين تركيا والولايات المتحدة في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (2017-2021) تقلباتٍ كبيرةً، حيث تميزت بتعاونٍ جزئيٍ في بعض القضايا الإقليمية، وصراعات حادة في ملفات أخرى، ورغم أن هناك توافقًا في بعض المجالات مثل محاربة الإرهاب والقضاء على تنظيم “داعش” الإرهابى، إلا أن التوتراتِ حول قضايا مثل السياسات الأمريكية في سوريا، وقيام تركيا بشراء أنظمة الدفاع الروسية “S-400″، وفرض العقوبات الاقتصادية، أدت إلى تقليل الثقة بين الطرفين.
وعلى الرغم من أن العلاقاتِ الشخصية بين الرئيس الأمريكي ترامب والرئيس التركي أردوغان لعبت دورًا في تخفيف حدة التوترات في بعض الأحيان، حيث يمكن القولُ إن العلاقاتِ بين البلدين تقدمت خلال هذه الفترة من خلال العلاقة الشخصية بين الرئيسين، بدلاً من أن تتقدمَ ضمن إطارٍ مؤسسيٍ، ولا سيما من خلال المحادثات الهاتفية، فضلا عن استضافة ترامب لأردوغان في البيت الابيض مرتين خلال عامي 2017، 2019، كما اتسمت العلاقات بين البلدين بحالةٍ من البراغماتية في قضايا عدة، إلا أنه يمكن تقييم هذه الفترة بأنها فترةُ تدنّي الثقة بين الطرفين الى مستوي غير مسبوق، فقد قام ترامب بفرض عقوبات على تركيا 5 مرات خلال فترة ولايته، على أثر الخلافات بين البلدين، وتتمثل أبرز هذه الخلافات في التالي:
1- السياسةُ الأمريكيةُ في سوريا: يُعدُّ الملف السوري من أبرز التحديات التي واجهتها العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة في فترة ترامب، لا سيما فيما يتعلق بوجود القوات الأمريكية في شمال سوريا ودعْمِ الولايات المتحدة لوحدات حماية الشعب الكردية، التي تشكّل العمودَ الفِقَري لقوات سوريا الديمقراطية “قسد”، التي تعتبرها تركيا امتداداً لحزب العمال الكردستاني (PKK) وتصفها بأنها “إرهابية”، حيث إن سياسةَ التعاون بين كلٍ من الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية من شأنه أن يُهددَ الأمن القومي التركي، وقد يساعد في قيام منطقة كردية مستقلة على الحدود التركية.
فقد أخذ ترامب الشراكةَ التي بدأتها إدارة أوباما مع قوات سوريا الديمقراطية لمحاربة داعش خطوةً أخرى إلى الأمام، حيث سمح للبنتاجون والقيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM) بمواصلة تعاونهما الوثيق مع المنظمة الكردية YPG/PKK في سوريا، وأصدر تعليماته بتزويدهم بالأسلحة مباشرة في 9 مايو 2017، قبل زيارة أردوغان مباشرة إلى تركيا.
وبينما رد فعل أنقرة قوياً على إدارة ترامب، كما فعلت مع إدارة أوباما، ذكر ترامب أن هذه التعليمات أُعطيتْ للاستيلاء على مدينة الرقة السورية من “داعش”، وأنه سيتم مشاركة قائمة الأسلحة المقدمة للمنظمة مع تركيا وأنه سيتم جمْعُ الأسلحة الثقيلة بعد عملية الرقة، وفي 2019 أعلن ترامب سحْبَ معظم الجنود الأمريكيين من شمال شرق سوريا مع الإبقاء على بعضهم لتأمين المنشآت النفطية.
2- صفقةُ صواريخ (S-400) الروسية: تُعتبرُ منظومة صورايخ s-400 إحدى العقبات في العلاقات التركية الأمريكية، وهي منظومة دفاعٍ جوي متطورة تمَّ تطويرها من قِبَل روسيا، وتُعتبر من أبرز المنظومات الدفاعية في العالم وتتمتع بقدرةٍ عاليةٍ على اعتراض الطائرات والصواريخ الباليستية والمجنحة، بالإضافة إلى قدرتها على التعامل مع أهداف متنوعة على مسافات بعيدة.
ففي عام 2017 وقعت تركيا اتفاقية لشراءِ أنظمة الدفاع الجوي الروسية (S-400)، وبدأت عملية تسليمها في 2019، وهو ما أثار غضب الولايات المتحدة، التي كانت تعارضُ هذا النوعَ من التعاون العسكري بين تركيا وروسيا، وعدّتْه تهديدًا لأمن التكنولوجيا والأفراد في الجيش الأمريكي وأنها لا تتوافقُ مع التكنولوجيا الخاصة بالناتو، ويمثل تهديداً لأمن الحلف.
مما دفع الولايات المتحدة إلى إقصاء تركيا من برنامج صناعة المقاتلات (F-35) وقامت بفَرْضِ عقوباتٍ على تركيا موجهة إلى مؤسستها الخاصة بصناعة الأسلحة، شملت حظْرَ تراخيص وتصاريح صادرات السلاح الأمريكي لتركيا وتجميد الأصول الخاصة برئيس إدارة الصناعات الدفاعية التركية حينها وذلك بموجب قانون مكافحة أعداء أمريكا، وضعت واشنطن شرْطَ تخلّي أنقرة عن صواريخ (S-400) الروسية مقابل طائرات (F-35) الأمريكية، إلا أن تركيا استمرت على موقفها وأكدت على سعيها للحصول على تعويض من الولايات المتحدة بنحو 1.4 مليار دولار دفعتها لشراء الطائرات (F-35).
3- القضيةُ الفلسطينية: شهدتْ العلاقات التركية الأمريكية توترًا كبيرًا خلال فترة ولاية ترامب الأولى، نتيجة سياساته تجاه ملفات الشرق الأوسط، لا سيَّما القضية الفلسطينية، وكان من أبرز هذه السياسات إعلانُ ترامب في عام 2017 عن اعترافه بالقدس عاصمةً لإسرائيل، كما أمر ترامب بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وهو القرار الذي جاء بعد سنوات من الوعد السياسي الذي التزم به العديد من الرؤساء الأمريكيين لكنهم لم ينفذوه، مما أسهم في تفاقم هذا التوتر بين البلدين.
واعتبرت تركيا أن هذا الموقف يُعرّضُ السلام في المنطقة للخطر، وأدان أردوغان القرار بشدة، وقال إن “القدس هي خطٌ أحمر للمسلمين” وأشار إلى أن تركيا لن تقبل بهذا القرار بأي حال من الأحوال، وارتفعت حدة الانتقادات الموجهة للولايات المتحدة وسياستها في المنطقة، كما دعا أردوغان إلى عقْد قمةٍ إسلاميةٍ في إسطنبول في 13 ديسمبر 2017 لمناقشة تداعيات القرار، في محاولةٍ لتوحيد المواقف الإسلامية ضد القرار الأمريكي.
4- الضغطُ الاقتصاديُ والعقوبات: فخلال فترة ترامب، استخدمت واشنطن العقوبات الاقتصادية كأداةٍ للضغطِ على تركيا في قضايا مختلفة، منها العقوباتُ التي تتعلق بأزمة القس الأمريكي أندرو برونسون، في 2018، حين فرضت الولايات المتحدة عقوباتٍ على تركيا بسبب احتجاز برونسون، وهو رجلُ دينٍ أمريكي يعيش في إزمير، اُعتقل في ديسمبر 2016 بتهمة التجسس العسكري ومحاولة الإطاحة بالنظام الدستوري.
ومنذ تولي ترامب السلطة زاد من محاولاته لإطلاق سراح برنسون، ونظرا لعدم إطلاق سراحه، فرض عقوباتٍ على وزير الداخلية السابق سليمان صويلو، ووزير العدل السابق عبد الحميد جول، كما وقّعَ ترامب على قرارٍ بزيادة الرسوم الجمركية على الألومنيوم والصلب المستوْرَدِ من تركيا، وهو الامر الذي أثار أزمةً اقتصاديةً أدتْ إلى انخفاض قيمة الليرة التركية بشكلٍ خطير.
5- قضيةُ بنك خلق: تعرضَ بنكُ خلْقِ التركي في 2019، لعقوباتٍ أمريكيةٍ بسبب اتهاماتٍ بانتهاك قوانين العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، حيث اتهمت السلطات الأمريكية البنك بتسهيل معاملاتٍ مالية غير مشروعة لصالح إيران، من خلال التلاعب في النظام المالي الدولي للتملص من العقوبات الأمريكية المفروضة على طهران، فقد كانت أنقرة ترفضُ سياسةَ الضغط الاقتصادي التي تتبعها واشنطن ضد إيران، لاسيما العقوبات التي تتعلقُ بقطاع النفط الإيراني، وأعلنت عن رغبتهِا في الحفاظِ على علاقاتٍ اقتصاديةٍ وتِجاريةٍ مع إيران، وهو ما أضاف بُعدًا آخر للتوتر بين البلدين.
أثارت هذه المسألة توترًا شديدًا بين الولايات المتحدة وتركيا، حيث اعتبرت الحكومة التركية القضية جزءًا من حملة سياسية ضدها، ووصفت القضية بأنها جزءٌ من محاولةٍ لزعزعة استقرارها الاقتصادي والسياسي، وانتقد اردوغان الإجراءات الأمريكية بشدة، خاصة أنها طالت مسؤولين كبار في البنك مثل مديره السابق محمد حقان أتيلا، الذي تمَّ سجنهُ في الولايات المتحدة لفترة قصيرة، وتم معالجة الأمر عبر محاكمةٍ جزئيةٍ لأفراد مرتبطين بالبنك، إلا أن التوترات بين البلدين ظلت مستمرة.
المصالحُ المشتركةُ الدافعةُ لتعزيز التعاون بين البلدين:
تتمتعُ العلاقاتُ بين الولايات المتحدة وتركيا بطابع معقد، حيث يمكن وصفها بأنها علاقةٌ تجمع بين التعاون العميق والتنافس الحاد، فعلى الرغم من أن التحالف بين البلدين استمر لعقود، ويعترف الطرفان بأنهما يحتاجان إلى بعضهما البعض في قضايا عدة تمتدُ من مكافحة الإرهاب، إلى التعاون في قضايا إقليمية مختلفة ومتعددة، إلا أن هذه العلاقة تظل مشوبةً بعدم الثقة المتبادلة.
تُعتبرُ تركيا من الدول ذات الأهمية الاستراتيجية الكبرى للغرب والولايات المتحدة على عدة مستويات، فهي تشكّل حلْقةَ وصل حيوية بين أوروبا وآسيا، مما يجعلها نقطةً محوريةً في السياسة العالمية، لا سيما في مجالات الأمن والطاقة، كما تُعدُ تركيا عضوًا مهمًا في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وتستضيف قاعدة إنجيرليك الجوية التي تُستخدم في عمليات مكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط، وتلعب دورًا محوريًا في احتواء التهديدات القادمة من مناطق مثل سوريا والعراق، لاسيما في مواجهة التنظيمات الإرهابية مثل داعش.
من جهةٍ أخرى، تُعد تركيا سوقًا تجاريًا مهمًا بالنسبة للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى كونها مصدرًا رئيسيًا للطاقة عبر ممراتها الاستراتيجية. كما تساهم تركيا في توازنات القوى في منطقة البحر الأسود والشرق الأوسط، مما يعززُ من دورها كحليفٍ رئيسي في السياسة الإقليمية والدولية.
وتُعتبر تركيا الدولة العلمانية الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة التي تحكمها نُظمٌ ديمقراطيةٌ، وتتميز باقتصاد سوقٍ حرٍ، تتمتع تركيا بعلاقات تاريخية مع المؤسسات الغربية، حيث تُعد عضوةً أساسية في العديد من المنظمات الدولية، مثل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وتُعد القوات المسلحة التركية ثانيَ أكبر قوةٍ عسكرية في الناتو، مما يُبرزُ دورَ تركيا الاستراتيجي في الأمن الإقليمي والدولي، وذلك فضلاً عن تمتع القوات التركية بخبرة قتالية متقدمة، إذ شاركت في العديد من عمليات حفْظِ السلام والاستقرار في مناطق النزاع حول العالم.
تشكّل هذه القضايا مجتمعة أساسًا قويًا للتعاون الثنائي والتحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وتركيا، حيث تتيح لكلا البلدين فرصًا مشتركة لتعزيز الأمن الإقليمي والدولي، وتطوير شراكاتٍ فعّالة في مواجهة التحديات المعقّدةِ التي تَمسُ مصالحهما الأمنية والاقتصادية.
التغييراتُ السياسيةُ المحتملة خلال ولاية ترامب الثانية بشأن القضايا الدولية التي تهم تركيا:
التحولُ 1- في الموقف الأمريكي التقليدي تجاه الناتو: من المتوقع أن يشهدَ مستقبلُ حلف الناتو خلال ولاية ترامب بولاية الجديدة تحولات كبيرة، وذلك استناداً على مواقفه السابقة التي كانت مليئةً بالشكوك والضغوط تجاه الحلف، حيث اعتبر ترامب خلال فترة ولايته الأولى الناتو عبئًا على الولايات المتحدة وانتقدَ العديدَ من الدول الأعضاء لعدم الوفاء بالتزاماتها المالية. كما أشار إلى أن الحلف قد يصبح غيرَ ضروري إذا لم يتغيرْ سلوك الأعضاء، كما قام بتجديد مطالبته خلال حملته الانتخابية لدول الحلف بضرورة زيادة إنفاقها العسكري على الأقل بنسبة 3% من إجمالي إنتاجها القومي. وهو الأمر الذي يمثّل عواقبَ مباشرة على تركيا باعتبارها دولة داخل النظام الأمني الغربي.
فمن المتوقع أن يعاودَ ترامب الضغط على دول الناتو لتوفير المزيد من الأموال، وقد يهدد بخفض الالتزامات العسكرية الأمريكية في حال عدم الاستجابة لهذه المطالب، مما قد يخلقُ توتراتٍ داخل الحلف وقد يؤثر على التعاون بين الأعضاء، بالإضافة إلى ذلك، قد يشهد الناتو تراجعًا في مستوى الدعم الأمريكي بشكل عام، حيث أشار سابقًا أن الولايات المتحدة لن تلتزمَ بالدفاع عن حلفائها في حال تعرضهم لتهديدات.
وأيضًا من المحتمل أن تستمرَ سياسةُ “أمريكا أولاً” في التأثير على مواقف ترامب تجاه الحلف، فقد يواصل التركيز على تقليص الأعباء الأمريكية في التعامل مع القضايا الدولية وتفضيل السياسات الثنائية على التعاون الجماعي، وهو ما سيؤثر على قوة الناتو كآلية للدفاع الجماعي.
وفي هذا الحال قد تجدُ تركيا نفسها في موقفٍ يتطلب إعادة تقييمٍ لعلاقاتها مع الولايات المتحدة والحلف ككل، بناءً على المواقف والسياسات التي قد يتبناها ترامب، فزيادة الإنفاق الدفاعي قد يخلق تحدياتٍ على الصعيد الداخلي لتركيا، حيث قد يتطلب زيادةَ الإنفاق الدفاعي موارد إضافية في وقت تحتاج فيه تركيا إلى التركيز على قضايا داخلية واقتصادية أخرى، كما أنه في ظل مواقف ترامب المتغيرة تجاه الناتو، قد تتجه تركيا نحو تعزيز استقلاليتها بشكل أكبر لتعزيز قوتها الإقليمية.
2- الملفُ السوري: دعتْ وثيقةُ مشروع 2025 والتي تمثل جزءاً من رؤية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول السياسة الخارجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، إلى إعادة التفكير في السياسة الأمريكية تجاه الأكراد في المنطقة، معتبرة أن دعمهم قد يهدد المصالح الأمريكية والإقليمية في بعض الأحيان، حيث تم تسليط الضوء على ضرورة عدم تعارض هذا الدعم مع المصالح الأمريكية في علاقتها مع الحلفاء مثل تركيا.
وتشكّل هذه المسألة إحدى أبرز القضايا الحساسة بالنسبة للدولة التركية، فقد عطلت أنقرة منْحَ السويد وفنلندا الموافقة على الانضمام لحلف الناتو حتى تمتنع الدولتان عن تقديم أي دعمٍ سياسي أو إعلامي أو مادي للتنظيم، وفي هذا الإطار ترى تركيا أن فريق الأمن القومي لدى ترامب أكثر تفهمًا لمخاوفهم حيال الدعم الأمريكي لوحدات حماية الشعب الكردية، وحزب الاتحاد الديمقراطي، والتي تُعدّ منظمةً إرهابية تعمل تحت غطاء حزب العمال الكردستاني.
3- القضيةُ الفلسطينية: من المتوقع أن يكون هناك استمراريةٌ في السياسة الأمريكية الداعمة لإسرائيل خلال ولاية ترامب الجديدة، بل ويُتوقعُ أن يزداد الدعم الموجّه لإسرائيل، وذلك استناداً على سياسة ترامب خلال ولايته السابقة، وتصريحاته أمام المجلس الإسرائيلي-الأمريكي في واشنطن في 19 سبتمبر، حيث قال: “سنجعل إسرائيل عظيمة مرة أخرى”، وأكد أنه بفضل أصوات اليهود الأمريكيين، سيكون “مدافعًا” و”حاميًا” وأفضل صديق لليهود الأمريكيين في البيت الأبيض على الإطلاق”.
وتحدث ترامب أيضًا عن تقديم كل الدعم اللازم لإسرائيل لضمان قدرتها على الدفاع عن نفسها، والسماح لها بـ “إنهاء المهمة”، وهي القضاءُ على حركة حماس، كما يظهر من تصريحات ترامب أنه يؤيد بالكامل استمرارَ العمليات العسكرية الإسرائيلية في القطاع؛ حتى تحققَ إسرائيل أهدافها هناك، ليس فقط القضاء على “حماس”، وإنما ربما الاستمرار في البقاء في القطاع، وضمه إلى إسرائيل، وبالطبع سيكون لذلك تداعيات كبيرة على الموقف التركي، فقد تواصل أنقرة انتقادها لسياسات واشنطن المؤيدة لإسرائيل، مما يزيد من التوتر بين البلدين.
مستقبلُ العلاقاتِ التركية الأمريكية خلال ولاية ترامب الجديدة:
قامَ الرئيسُ التركي أردوغان بتهنئة الرئيس الأمريكي ترامب على انتخابه مرةً أخرى رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية بعد فوزه بالاستحقاق الرئاسي، وأعرب عن أمله في تعزيز “العلاقات التركية الأمريكية في هذه الفترة الجديدة وأن تنتهيَ الأزماتُ العالميةُ وخاصة القضية الفلسطينية والحرب الروسية الأوكرانية، كما صرّح أردوغان أن الشراكة النموذجية بين أنقرة وواشنطن أمر لا جدال فيه، على الرغم من الخلافات التي كانت بين البلدين خلال ولاية ترامب الأولى. كما ذكر – في إشارةٍ إلى مكالمة هاتفية مع ترامب – أن ترامب قد تحدث بشكلٍ إيجابي للغاية عن تركيا، وقام أردوغان بدعوته لزيارة تركيا، وعبّر عن آمله في أن يقبلَ ترامب الدعوة، وأن تساهمَ هذه الزيارة في إعادة الزخم للعلاقات المتوترة بين أنقرة وواشنطن.
وفي سياقِ مستقبل العلاقات التركية الأمريكية، يمثل فوز ترامب بالانتخابات نقطةَ تحوّلٍ جديدة في مسار العلاقات التركية الأمريكية نظرًا لتمتع “أردوغان” بعلاقات وثيقة مع “ترامب” رغم الخلافات، على العكس تمامًا من الرئيس السابق “بايدن”.
ومن المتوقع أن تظل العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا تتسم بالبراجماتية، حيث ستستمر مبنيةً على أسس التفاهمات والصفقات قصيرة المدى بدلًا من شراكة استراتيجية ثابتة وطويلة الأمد، وفي هذا السياق، ستبقى كلٌ من واشنطن وأنقرة حريصة على تحقيق مكاسب مباشرة، مع توافقات قد تتراوح بين التعاون التكتيكي في مجالات مثل الأمن والاقتصاد، مقابل تباين في الرؤى حول قضايا أخرى مثل السياسة الإقليمية أو حقوق الإنسان.
كما يُتوقعُ أن تركّز أنقرة بشكل أكبر على تنفيذ استراتيجيتها نحو الاستقلالية، والتي تتجسد في توسيع شراكاتها وتقليل اعتمادها على الغرب ولاسيما الولايات المتحدة، التي تزداد تقلباتها، كما أنه في ظل النزعات الانعزالية التي يتبناها ترامب، ستجد أنقرة مساحةً أكبر للمناورة في المنطقة. بشكل عام، قد تعتبر تركيا ترامب شريكًا هامًا، لكنه غير متوقع، مما يدفعها إلى تفضيل التعاون التكتيكي مع الاستمرار في تنويع علاقاتها الدولية وتقليل تبعيتها للولايات المتحدة لا سيما في ظل نسقٍ دولي يتجه نحو التعددية القطبية.
وإما فيما يتعلقُ بالخلافات القائمة بين البلدين، فسيجد ترامب ملف القضايا الشائكة بين تركيا والولايات المتحدة الذي تركه منذ ٤ سنوات لازال كما هو دون تغيير، لذا يمكن القول إنه في حال لم يحدثْ ايُّ تغيير خلال الفترة الانتقالية، سيكون على ترامب واردوغان البدءُ بالمفاوضات والتسويات حول هذه الملفات، ومن المؤكد أن ملف الدعم الأمريكي للأكراد سيكون في مقدمة هذه المفاوضات، حيث ستطالب تركيا بسحب الولايات المتحدة لدعمها للأكراد في سوريا.
ويبدو أن الأمرَ سيختلفُ خلال ولاية ترامب الثانية، فقد أعلن ترامب سابقًا نواياه في هذا الاتجاه، إلا أن هذه القرارات اعترضها المسؤولون في تلك الإدارة، أما الآن فمن المرجّح أن ترامب هذه المرة سوف يجر البيروقراطية إلى خط منصاع، على نفس الموجة إلى حد كبير، مع التعيينات التي سيجريها استناداً إلى تجربة ولايته الأولى، كما أن الجمهوريين سوف يشكّلون الأغلبيةَ في مجلسي الكونجرس، ونتيجة لذلك، لن يشعرَ ترامب بالضغط الناجم عن خضوعه للإشراف.
كما أنه أيضًا من بين العوامل الحاسمة في هذه العلاقات هو ردُّ فعل تركيا على سياسات الدعم الأمريكية تجاه إسرائيل، ففي حال زاد الدعم الأمريكي لإسرائيل بشكلٍ كبير من الممكن أن يزدادَ العدوان الإسرائيلي لدرجةٍ لا يمكن التنبؤ بها، وهو الأمر الذي قد يُثيرُ ردَّ الجانب الإيراني، ما قد يجرُّ تركيا إلى صراع إقليمي أوسع، خاصةً إذا ردت طهران باستهداف منشآت النفط في الخليج.
الخاتمة
تبقى العلاقاتُ التركية الأمريكية معقدةً ومتقلبةً، خاصة مع فوز دونالد ترامب بولاية رئاسية ثانية. ورغم التوترات في ملفات مثل دعم أمريكا للتنظيمات الكردية المسلحة في سوريا والمواقف المتناقض للبلدين إزاء التصعيد الإسرائيلي في المنطقة، فإن البلدين سيظلان حريصين على التعاون في مجالات الأمن ومكافحة الإرهاب. حيث ستواصل تركيا استراتيجيتها لتنويع تحالفاتها وتقليل اعتمادها على الولايات المتحدة، في حين سيسعى ترامب لتحقيق مصالحِ بلاده عبر سياسة براجماتية. بشكلٍ عام، ستظل العلاقات بين البلدين محورية لكن مليئة بالتحديات التي تتطلب تسوياتٍ مَرنةً ومتغيرةً.
المراجع
- Sedat Ergin, Trump dönemi Türk-ABD ilişkileri sürprizlere açık seyredebilir, Hürriyet, Kasım 07, 2024. https://n9.cl/8jbajc
- Trump’ın ilk döneminde Türkiye-ABD ilişkilerinde neler yaşanmışt?, BBC news Türkçe, 6 Kasım 2024. https://2u.pw/R7dEDFlU
- Trump’ın seçilmesi Türkiye’yi nasıl etkiler? Trump’ın Türkiye’ye bakışı nasıl?, NTV, 6 Kasım 2024. https://2u.pw/dYBIVMa0
- العالم بعد فوز دونالد ترامب، ترندز للبحوث والاستشارات، 6 نوفمبر 2024. https://2u.pw/kzTZOt8q
- د. جهاد نصر، أبعاد التوتر في العلاقات التركية الأمريكية، مركز رع للدراسات الاستراتيجية، 4 مايو 2024. https://2u.pw/fDgssbNk
- حسين حياة سيفر وطوان جمركجي، أردوغان يدعو ترامب لزيارة تركيا ويتطلع لاستعادة زخم العلاقات، سويس إنفو، 8 نوفمبر 2024. https://2u.pw/JSvgcU8F
- سمير العركي، قد يفضل أردوغان فوز ترامب، موقع الجزيرة، 4 نوفمبر 2024. https://2u.pw/fnvp6oku
- محمد المنشاوي، “المشروع 2025”.. خطة ترامب لحكم أميركا مجددا، موقع الجزيرة، 29 يوليو 2024. https://2u.pw/mNnoQd5q
- أردوغان ينوي بحث انسحاب القوات الأمريكية من سوريا مع ترامب، RT عربي، 8 نوفمبر 2024. https://2u.pw/2Aid6Gyb