ترتبطُ كل من تركيا وعمان بروابطَ وصلاتٍ عميقةٍ تعودُ للقرنِ السادسَ عشرَ ميلادياً، إلا أن العلاقاتِ الحديثةَ بين البلدين بدأتْ بعدما نالتْ عمانُ استقلالهَا في 1970م، حيث أهتمتْ الحكومةُ التركيةُ بإقامةِ علاقاتٍ وثيقةٍ معها، وفي 1973م وبعدما تولىَ السلطانُ الراحلُ قابوس بن سعيد مقاليدَ الحكمِ في البلادِ، بدأتْ العلاقاتُ الدبلوماسيةُ بين البلدينِ، وتم افتتاحُ سفارتينِ في أنقرةَ عام 1985م وفي مسقطِ عام 1986م، ولكن لم تشهدْ العلاقاتُ بينهم تطورًا حقيقيًا إلا بعدَ صعودِ حزبِ العدالةِ والتنميةِ إلى الحكمِ.[1]
فقد كانتْ السياسةُ الخارجيةُ التركيةُ في الفترةِ من 1947م وحتى نهايةِ الحربِ الباردةِ تعملُ على تحقيقِ التقاربِ مع القوى الغربيةِ والانضمامِ الكاملِ إلى معسكرِها بشكلٍ رسميٍ، كما اتسمتْ تلك الفترةُ بسيطرةِ الجيشِ على مجرياتِ الحياةِ في تركيا، بهدفِ الحفاظِ على العلمانيةِ الكماليةِ، لذا لم تتمكنْ تركيا من تطويرِ العلاقاتِ مع عمانَ إلا بعدَ توليِ حزبُ العدالةِ والتنميةِ الحكمَ، حيث عملَ الحزبُ على إحداثِ تغييراتٍ كبرى في سياسةِ أنقرةَ الخارجيةِ، وذلك من خلالِ إعادةِ هيكلةِ السياسةِ الخارجيةِ لتصبحَ متعددةَ الأبعادِ وأكثرَ نشاطاً تجاهَ مختلفِ القضايا الإقليميةِ والدوليةِ،[2] لذا سوف يناقشُ هذا التقريرُ تطورَ العلاقاتِ الثنائيةِ التركيةِ العمانيةِ منذ صعودِ حزبِ العدالةِ والتنميةِ إلى الحكمِ مستعرضاً أبرزَ مجالاتِ التعاونِ بين البلدين.
تطورُ العلاقاتِ التركيةِ العُمانيةِ مع صعودِ حزبِ العدالةِ والتنميةِ إلى الحكمِ:
عملَ حزبُ العدالةِ والتنميةِ منذ توليهِ الحكمَ في 2002م، على توسيعِ دائرةِ العلاقاتِ الثنائيةِ مع سلطنةِ عُمان، وتجديدِ روحِ الصداقةِ والتعاونِ التاريخيِ بينهما، فقامَ اردوغانُ رئيسُ الوزراءِ التركي آنذاك بزيارةٍ إلى مسقط في 2005م، من أجلِ تعزيزِ التعاونِ بين البلدينِ في المجالاتِ الاقتصاديةِ والعلاقاتِ التجاريةِ والاستثمارِ المشتركِ ومجالِ التدريبِ المهني، فضلاً عن التعاونِ في المجالِ العلميِ، والثقافيِ وتبادلِ الخبراتِ العسكريةِ، وفي 2010م قامَ الرئيسُ التركيُ السابقُ عبد الله غل، بزيارةٍ إلى مسقطِ في إطارِ التحركاتِ التركيةِ المكثفةِ لدعمِ العلاقاتِ مع عمان، وقد جاءتْ هذه الزيارةُ عقبَ تشكيلِ اللجنةِ العمانيةِ التركيةِ المشتركةِ لدعمِ العلاقاتِ بين البلدين.
وأيضاً في إطارِ الاهتمامِ التركيِ بالزياراتِ الرسميةِ إلى سلطنةِ عمان لتعزيزِ العلاقاتِ، قامَ وزيرُ الخارجيةِ التركيِ السابقِ، أحمد داود أوغلو بزيارةٍ مسقطَ عامَ 2013، ثم زارهُ نظيرهُ العمانُي في أنقرةَ، وعبرَ خلالَ الزيارةِ عن دعمِ عمان لمساعِي تركيا في الترشحِ للعضويةِ غير الدائمةِ في مجلسِ الأمنِ الدوليِ لعاميِ 2015 -2016،وفي عامِ 2017، التقىَ وزيرُ الخارجيةِ التركيِ مولود جاويش أوغلو مع نائبِ رئيسِ وزراءِ سلطنةِ عُمان، سيد فهد بن محمود آل سعيد بمسقطَ لمناقشةِ سُبلِ تطويرِ العلاقاتِ بين البلدينِ.[3]
اتسمتْ العلاقاتُ الثنائيةُ بين البلدينِ في هذهِ الفترةِ بالدفءِ والاستمراريةِ، حيثُ لم يشبْها أيُّ توترٍ ملحوظٍ من شأنهِ أن يؤثرَ على العلاقاتِ بينهم، كما لم تتأثرْ العلاقاتُ بينهم بالأزماتِ في المنطقةِ، حيث تبنتْ سلطنةُ عمان سياسةَ الحيادِ تجاهِ أزماتِ المنطقةِ، كالأزمةِ القطريةِ، وأزمةِ تركيا مع دولِ الخليجِ العربيِ؛ فبينما تأزمتْ العلاقاتُ التركيةُ مع عددٍ من دولِ الخليجِ العربية، كالسعوديةِ والإماراتِ والبحرين، كانت العلاقاتُ مع عُمان تتجهُ نحو خطواتٍ متقدمةٍ، وفي عام 2016م عبرتْ عُمان عن تعاطفِها مع الحكومةِ التركيةِ، عقبَ محاولةِ الانقلابِ الأخيرِ في تركيا، حيث أرسلَ السفيرُ العمانيُ في أنقرة قاسم بن محمد الصالحي، برقيةَ تضامنٍ إلى الحكومةِ التركيةِ، تضمنتْ إدانةً لمحاولةِ الانقلابِ ضد الحكومةِ الشرعيةِ في تركيا.
العلاقاتُ العسكريةُ الواسعةُ بين البلدين:
يُعدُ مجالُ التعاونِ العسكريِ والدفاعيِ بين تركيا وعمان من أهمِ مجالاتِ التعاونِ بين البلدينِ، حيث تعتبرُ عمانُ الشريكَ الخليجيَ الأبرزَ لتركيا في صفقاتِ السلاحِ على مدى أكثرِ من 10 سنواتٍ، وقد ظهرَ الاهتمامُ العمانيُ بالقطاعِ الدفاعيِ التركيِ والتعاونِ العسكريِ المشتركِ منذُ 2001م حينَ أبدىَ وزيرُ الدولةِ للشؤونِ الخارجيةِ السابقِ “يوسف بن علوي” اهتمامَ بلادهِ بالاستفادةِ من خبراتِ تركيا العسكريةِ.[4]
بدأَ التعاونُ العسكريُ والدفاعيُ بين البلدين يتطورُ بشكلٍ ملحوظٓ منذُ توقيعِ مذكرةِ تفاهمٍ للتعاونِ العسكريِ في عامِ 2011م، وفي العامِ 2015م، وقّع الجانبان على عقدٍ يقضيِ بقيامِ شركةِ (إف إن إس إس) التركيةِ المتخصصةِ في صناعةِ العرباتِ المدرعةِ والقتاليةِ وأنظمةِ التسلّحِ بتسليمِ الجيشِ السلطانيِ العُمانيِ 172 مدرعةً (بارس-3) القتاليةَ من طرازاتٍ مختلفةٍ بحلولِ العامِ 2020م، وبالفعلِ تم تسليمُ أولى هذه الطلباتِ يوليو 2017م، وبهذا تُعدُ سلطنةُ عمان ثانيَ دولةٍ تتسلّمُ عتاداً عسكرياً تركياً بالخليجِ في غضونِ أسابيعَ قليلةٍ بعد قطر.[5]
وفي عامِ 2018م افتتحتْ شركةُ “هافلسان” مقراً دائماً لها في السلطنةِ، بعد تقديمِها خدماتٍ دفاعيةٍ للبلادِ؛ من بينها بيعُ أنظمةِ قيادةٍ وتحكّمٍ ومعلوماتٍ لتطويرِ الأداءِ العسكريِ للقواتِ العُمانية، وتدريبِ عددٍ من الكوادرِ العُمانيةِ المتخصصةِ لاستخدامِ هذه الأنظمةِ وإجراءِ عملياتِ الصيانةِ المطلوبةِ.[6] وفي العامِ نفسهِ جاءتْ سلطنةُ عُمان في المرتبةِ الثالثةِ من حيثُ مستورديِ الأسلحةِ من تركيا؛ بواقعِ 150.5 مليون دولار.
وبعد توليِ السلطانِ الجديدِ هيثم بن طارق مقاليدَ الحكمِ في يناير2020 تطورتْ العلاقاتُ العسكريةُ بين البلدينِ بشكلٍ أكبرَ، حيثُ استلمتْ سلطنةُ عُمان في مايو 2020 زورقين للدورياتِ الأمنيةِ السريعةِ من نوعِ “هرقل” مصنعةً في تركيا؛ وكان ذلكَ في إطارِ اتفاقيةٍ لتصنيعِ 14 زورقاً، تعاقدتْ عليها مع شركةِ أريس شيبيارد المتخصصةِ بصناعةِ السفنِ بالتعاونِ معَ رئاسةِ الصناعاتِ الدفاعيةِ التركيةِ، كما قامتْ شركةُ “إف إن أس أس” التركيةُ المتخصصةُ بالصناعاتِ الدفاعيةِ باستكمالِ تسليمِ كافةِ مدرعاتِ بارس التركيةِ إلى سلطنةِ عمان”، فضلاً عن إنشاءِ شراكةٍ عُمانيةٍ معَ “هافلسان” التركيةِ للصناعاتِ الإلكترونيةِ الجويةِ بنسبةِ 70٪ لتركيا و30٪ لعُمان، وتمَ افتتاحُ المقرِ الجديدِ في مارس 2020، وذلك لضمانِ زيادةِ حجمِ الصادراتِ الدفاعيةِ التركيةِ إلى عمان.[7]
ويتوقعُ أن يشهدَ المجالُ الدفاعيُ نشاطًا مهمًا مع الزياراتِ رفيعةِ المستوى التي من المقررِ أن تتمَ خلالَ السنواتِ القادمةِ، لاسيَّما بعدَ زيارةِ شركةِ “سي تيك لتكنولوجيا المعلوماتِ، إحدى شركاتِ صناعةِ الدفاعِ التركيةِ، إلى عمانَ في يونيو 2023م، بهدفِ تعزيزِ التعاونِ الاستراتيجيِ بين البلدين وزيادةِ التعاونِ في مجالِ صناعةِ الدفاعِ بشكلٍ مستمرٍ،[8] كما نظمتْ رئاسةُ الصناعاتِ الدفاعيةِ التركيةِ حلقةَ عملٍ لعرضِ منتجاتِ الصناعاتِ الدفاعيةِ التركيةِ في مسقط، بالتنسيقِ مع وزارةِ الدفاعِ العمانيةِ لمدةِ يومين من 13 الى 14 يونيو 2023، بهدفِ تعزيزِ التعاونِ العسكريِ بين البلدينِ الصديقينِ.[9]
تنامي العلاقاتِ الاقتصاديةِ والتجاريةِ:
أخذتْ العلاقاتُ الاقتصاديةُ والتجاريةُ بين أنقرةَ ومسقط منحنىً تصاعدياً خلالَ السنواتِ الأخيرةِ بشكلٍ كبيرٍ بعدَ توقيعِ عقودٍ في العديدِ من القطاعاتِ الاقتصاديةِ خلالَ الزياراتِ المتبادلةِ بين مسؤوليِ البلدين، معتمدينَ في ذلك على سنواتٍ طويلةٍ من الصداقةِ والتعاونِ المشتركِ في العديدِ من المجالاتِ والملفاتِ والقضايا، فبعدما كان المجالُ العسكريُ والدفاعيُ الأكثرَ سيطرةً على العلاقاتِ بين البلدينِ، أصبحَ الاقتصادُ والاستثمارُ يحتلان مكانةً كبيرةً في العلاقاتِ التركيةِ العُمانيةِ، لا سيَّما في ضوءِ سعىِ الحكومةِ العُمانيةِ لتقليلِ اعتمادِها على عوائدِ النفطِ والطاقةِ.
1- التبادلُ التجاريُ بين البلدينِ.
شهدتْ السنواتُ 2017 و2018 زيادةً في حجمِ التجارةِ بنسبةِ 55 بالمئةِ مقارنةً بالعامِ الذي قبلهُ وتجاوزَ مستوى 500 مليون دولار، وفي عامِ 2019، بلغَ حجمُ الميزانِ التجاريِ بين تركيا وسلطنةِ عمان 860.9 مليونَ دولارِ، منها 634.4 مليونَ دولارٍ في الصادراتِ التركيةِ و226.5 مليونَ دولارٍ في الوارداتِ التركيةِ”، وعلى الرغمِ من تأثرِ هذه الزيادةِ سلبًا بانخفاضِ أسعارِ النفطِ وتفشيِ وباءِ كورونا في عامِ 2020، إلا أن الانخفاضَ في حجمِ التجارةِ كان محدودًا نسبيًا، ففي 2020، بلغَ حجمُ التجارةِ بينهم 854.1 مليون دولار، منها 524.6 مليون دولارٍ في الصادراتِ و329.5 مليون دولار في الواردات”.[10]
وفي عاميِ 2021 و2022 شهدَ التبادلُ التجاريُ بين البلدين ازدهاراً كبيراً وواضحاً، مسجلاً زيادةً بنسبةِ 55%، ولقد بلغَ حجمُ التبادلِ التجاريِ بين تركيا وسلطنةِ عمان 2 مليار دولار خلال عام 2022، كما بلغَ مجملُ صادراتِ تركيا إلى سلطنةِ عمانَ خلالَ عام 2023 إلى 1.58 مليارَ دولارٍ أمريكيٍ، ويأتي الاهتمامُ العمانيُ بالمنتجاتِ التركيةِ نتيجةً للجودةِ العاليةِ التي تتمتعُ بها المنتجاتُ التركيةُ، والتزامِها بالمواصفاتِ العالميةِ في عملية التصنيعِ، بالإضافةِ إلى أسعارِها المقبولةِ والرخيصةِ، وتتمثلُ هذه المنتجاتُ في المنسوجاتِ والأحذيةِ ومعداتِ الكهرباء والإضاءةِ والأجهزةِ المنزليةِ والأغذيةِ والأثاثِ، وخاصةً الآلاتِ والمعداتِ والموادِ الخاصةِ بالبناءِ، فضلاً عن صناعةِ الدفاعِ التي تشكلُ عنصراً هامًا في الصادراتِ التركيةِ.[11]
2- أبرزُ الاستثماراتِ المتبادلةِ
بلغَ حجمُ الاستثماراتِ التركيةِ في عُمان 8 مليارات دولار، حيثُ تمَ تنفيذُ ما يزيدُ عن 30 شركةً تركيةً في عمان، منهم 20 شركةً في مجالِ البناءِ والتشييدِ، وفي المقابلِ يوجدُ ما يقربُ من 11 شركةً عمانيةً في تركيا، تعملّ في مجالِ التعدينِ والاستيرادِ والتصديرِ والعقاراتِ والبتروكيماوياتِ والأغذيةِ والخدماتِ اللوجيستيةِ، وفي إطارِ الاهتمامِ التركيِ بالاستثمارِ في المنطقةِ الاقتصاديةِ الخاصةِ بالدقم، خاصة مع البيئةِ الاستثماريةِ المحفزةِ التي وفرتها سلطنة عُمان، قام وزيرُ الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو بزيارةٍ إلى مسقط في فبراير 2021م، ونتجَ عنها توقيعُ اتفاقٍ ثنائيٍ في 24 مايو 2021، يهدفُ إلى جذبِ استثماراتٍ تركيةٍ إلى منطقةِ “الدقم” الاقتصاديةِ، لتعزيزِ التعاونِ الاقتصاديِ بين البلدينِ، كما تمَ توقيعُ اتفاقيةٍ أوّليةٍ لمشروعٍ استثماريٍ لتطويرِ نموذجِ في منطقةِ الدقمِ العُمانيةِ يحاكي منطقةَ (GOSB) وسطَ منطقةِ مرمرةَ التركيةِ، التي تقدّرُ مساحتُها بـ5.160 ملايين مترٍ مربعٍ، وتشكلُ ثلثي السوقِ التركيِ.[12]
وشهدَ هذا العامُ خطواتٍ من الجانبين لتأكيدِ رغبتهِم في تعزيزِ العلاقاتِ الثنائيةِ بينهم، لا سيَّما العلاقاتِ الاقتصاديةِ والتجاريةِ، فعلى الجانبِ التركيِ وقعتْ شركةُ بوتاش التركيةِ مع الشركةِ العُمانيةِ للغازِ، في مدينةِ إسطنبول اتفاقيةً ذاتَ مدى عشرِ سنواتٍ لتوريدِ مليونِ طنٍ متري سنوياً من الغازِ الطبيعيِ المسالِ لشركةِ بوتاش حتى عام 2035، وقد بدأتْ الحكومةُ التركيةُ المفاوضاتِ مع الحكومةِ العُمانية منذ بداية عام 2023م ووقعا البلدين اتفاقية أولية بهدف الحصول على نحو 1.4 مليار متر مكعب من الغازِ العُمانيِ سنوياً لمدةِ عشرِ سنواتٍ.
وتمثلُ هذه الاتفاقيةُ أهميةً كبرى لتركيا لاسيَّما في ضوءِ التحدياتِ الاقتصاديةِ التي تواجهُها في مجالِ إمداداتِ الطاقةِ، حيثُ إن احتياجاتِ تركيا من الغازِ اصبحت تتجاوزُ 62 مليارَ مترٍ مكعبٍ سنوياً، وهو ما يؤثرُ بالسلبِ على الاقتصادِ التركيِ والنقدِ الأجنبيِ، لذا اصبحَ أمنُ الطاقةِ يمثلُ أهميةً قصوىَ بالنسبةِ لتركيا لاسيَّما بعد الحربِ الروسيةِ الأوكرانيةِ وإعادةِ ترتيبِ الخارطةِ السياسيةِ والاقتصاديةِ، فروسيا تعدُ من المصادرِ الرئيسيةِ التي تعتمدُ عليها تركيا في توريدِ النفطِ والغازِ لها، لذا اتجهتْ تركيا نحو توقيعِ اتفاقياتٍ مع الدولِ ذاتِ الاستراتيجيةِ المتوازنةِ سياسيًا.[13]
وعلى الجانبِ العمانيِ قامَ سيف بن راشد الجمهوري سفيرُ سلطنةِ عُمان لدى تركيا ببحثُ سبلَ تعزيزِ التعاونِ الاقتصاديِ بين البلدين، مع رئيسِ غرفةِ تجارةِ إسطنبول شكيب أوداغيتش، كما قامَ الجمهوريُ بزيارةِ ميناءِ كومبورت في إسطنبول وخلالَ الزيارةِ، التقىَ السفيرُ الجهوري بإدارة الشركة المشغلة للميناءِ وقام بجولةٍ تعريفيةٍ شاملةٍ،[14] وفي إطارِ السعيِ لفتحِ آفاقٍ جديدةٍ للتعاونِ في مختلفِ القطاعاتِ الاستثماريةِ بين البلدينِ قامَ الجمهوريُ بزيارة إلى مكتبِ الاستثمارِ التابعِ لرئاسةِ الجمهوريةِ التركيةِ في إسطنبول، التقىَ خلالهَا مع بوراق داغلي أوغلو رئيسِ المكتبِ لبحثِ فرصِ تعزيزِ التعاونِ الاستثماريِ مع تركيا.[15]
مستقبلُ تطورِ العلاقاتِ الثنائية بين البلدين:
بعدما حققَ البلدان تطوراً كبيراً في العلاقاتِ الثنائيةِ بينهم خلال السنواتِ العشرِ الأخيرةِ يتوقعُ أن تتجهَ العلاقاتُ بينهم إلى النموِ بشكلٍ أكبرَ على مدارِ السنواتِ القادمةِ، كما يتوقعُ أن تتخذَ كلٌ من أنقرةَ ومسقط خطواتٍ متسارعةً لتعزيزِ العلاقاتِ بينهم في مختلفِ المجالاتِ العسكريةِ والاقتصاديةِ والسياسيةِ.
ففي مجالِ التعاونِ العسكريِ شَكَل استكمالِ شركة “إف إن أس أس” تسليمِ مدرعاتِ بارس ذاتِ الصنعِ التركيِ المتقدمِ خطوةً كبيرةً في تعزيزِ التعاونِ الدفاعيِ والعسكريِ، ويتوقعُ أن يستمرَ البلدان في عقدِ صفقاتٍ أخرى لتوريدِ الأسلحةِ والمدرعاتِ وعقدِ اتفاقياتِ دفاعٍ ثنائيةٍ بينهم، وذلك في إطارِ الاهتمامِ العمانيِ الكبيرِ بالمنتجاتِ الدفاعيةِ العسكريةِ التركيةِ، لا سيَّما في ظلِ ما تتميزُ به المنتجاتُ من جودةٍ مرتفعةٍ -نظراً لاعتمادِها على المقاييسِ العالميةِ والدوليةِ-ورِخصِ الثمنِ مقارنةً بالأسعارِ الأوروبيةِ وسرعةِ التسليمِ وعدمِ فرضِ قيودٍ متعددةٍ على الاستخدامِ.
وأما عن الجانبِ التركيِ، فتهتمُ تركيا بشكلٍ كبيرٍ بقطاعِ الصناعاتِ الدفاعيةِ والبحثِ عن أسواقٍ جديدةٍ لصادراتِها الدفاعيةِ، وهو ما يدفعُها لتعزيزِ تعاونهِا العسكريِ مع عمان، فالعلاقاتُ التركيةُ العمانيةُ تتميزُ بالاستقرارِ وعدمِ تأثرِها بالتوتراتِ الإقليميةِ فالسياسةُ العمانيةُ عرفتْ دائماً بأنها براجماتيةٌ في تعاطيهِا، ومتوازنةٌ وبعيدةٌ عن أي أصطفافاتٍ من شأنهِا الإضرارُ بمصالحِها مع الدولِ الأخرى.
وفي مجالِ التعاونِ الاقتصاديِ والاستثمارِ يتوقعُ أن تشهدَ الأعوامُ القادمةُ تنوعاً فى المشاريعِ الاستثماريةِ بين البلدينِ والمشاريعِ الاقتصاديةِ، فمنذ 2017 ويشهدُ التبادلُ التجاريُ بين البلدين ازدهاراً ونمواً واضحًا، فعمانُ تُعدُ شريكًا اقتصاديًا جيداً لتركيا بسببِ سياستهِا المستقرةِ والمتوازنةِ، بما يمكنُ لتركيا تعزيزَ العلاقاتِ الاقتصاديةِ معها بشكلٍ مريحٍ، دون القلقِ من تباينِ وجهاتِ النظرِ حولَ قضايا السياسةِ الخارجيةِ، حيث تُولى تركيا الآن أهميةً كبيرةً للأمنِ الاقتصاديِ، لا سيَّما في ظلِ التوتراتِ العالميةِ الراهنةِ.
كما أن اتفاقيةَ الغازِ طويلةَ الأجلِ الموقعةُ بين الشركةِ العمانيةِ للغازِ الطبيعيِ المسالِ و شركةِ بوتاش التركيةِ، تمثلُ خطوةً مهمةً في عمليةِ تطويرِ الثقةِ والعلاقاتِ، وستساهمُ بشكلٍ كبيرٍ في تعزيزِ العلاقاتِ الثنائيةِ بين البلدينِ على المدى البعيدِ، حيث يمكنُ تمديدُها لأكثرَ من 10 سنواتٍ على المدى البعيدِ؛ فضلاً عن خلقِ المصالحةِ التركيةِ الخليجيةِ مجالاً لسلطنةِ عمان لتعزيزِ علاقاتهِا مع أنقرةَ، دونَ ضغوطِ التوتراتِ التي شهدهَا العقدُ الماضي، فعلى الرغمِ من تطورِ التعاونِ الاقتصاديِ والتجاريِ بين تركيا وعمان في ظلِ سياسةِ الحيادِ التي أتبعتهَا عمانُ خلالَ أزمةِ تركيا مع دولِ الخليجِ، إلا أن العلاقاتِِ بينهم لا تزالُ على مستوىً معتدلٍ.[16]
ختامًا:
شهدتْ العلاقاتُ التركيةُ العُمانيةُ منذ وصولِ حزبِ العدالةِ والتنميةِ إلى السلطةِ تنامياً في مختلفِ المجالاتِ، سيطرَ مجالُ التعاونِ العسكريِ والدفاعيِ على العلاقاتِ بينهم في بدايةِ الأمرُ، وحققَ البلدان تطوراتٍ كبيرةً في هذا المجالِ، فمثلتْ عمانُ الشريكَ الخليجيَ الأبرزَ لتركيا في صفقاتِ السلاحِ على مدارِ أكثر من 10 سنواتٍ، كما شهدتْ العلاقاتُ الاقتصاديةُ بين البلدينِ نمواً واضحًا منذ عامِ 2017، كما حققَ معدلُ البتادلِ التجاريِ بين أنقرة ومسقط في عاميِ 2021،2022 زيادةّ بنسبةِ 55٪.
ومن الجديرِ بالذكرِ أن نشيرَ إلى أنه منذُ بدايةِ العلاقاتِ وحتى الآن لم تشهدْ العلاقاتُ بينهم أي توتراتٍ او فتراتٍ من القطيعةِ، بل يمكنُ وصفُ العلاقاتِ بينهم بالعميقةِ والمستمرةِ والمتوازنةِ، لذا يتوقعُ ان تشهدَ الأعوامُ القادمةُ مستوىً عالٍ من العلاقاتِ بينهم في مختلفِ المجالاتِ.
المصادر:
[1] أحمد يوسف، العلاقات التركية العمانية تشهد طفرة كبيرة (مقابلة)، وكالة الأناضول، 29 سبتمبر2021.
[2] على بن موسى، الثابت والمتحول في السياسة الخارجية التركية منذ قيام الجمهورية عام 1923 إلى الآن، المجلة الجزائرية للأمن والتنمية، مجلد 12، عدد1، يناير 2023.
[3] مجد أبو ريا، العلاقات التركية العُمانية.. تاريخ طويل من الصداقة والدعم المتبادل، موقع نون بوست، 12 أغسطس 2020م.
[12] نمو التبادل التجاري بين سلطنة عُمان وتركيا وجار إنشاء منطقة صناعية تركية في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، جريدة عمان، 22 يوليو2023. https://2u.pw/93MBPBzq
[13] طه العاني، مورد موثوق للطاقة”.. ما أهمية اتفاقية الغاز بين تركيا وعُمان؟، الخليج أون لاين، 28 إبريل 2024. https://khaleej.online/YW8W9X
