المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الدراسات الأفريقية > أوراق بحثية > العلاقات “الأفريقية – الإسبانية”: شراكةٌ استراتيجيةٌ ومستقبلٌ واعدٌ
العلاقات “الأفريقية – الإسبانية”: شراكةٌ استراتيجيةٌ ومستقبلٌ واعدٌ
- يوليو 29, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: أوراق بحثية تقارير وملفات وحدة الدراسات الأفريقية
لا توجد تعليقات

إعداد: دينا لملوم
منسق وحدة الشؤون الأفريقية
المقدمة
تشهدُ العلاقاتُ بين إسبانيا والقارة الأفريقية مرحلةً حاسمةً من التطوُّر والتحوُّل؛ حيث تعكس الديناميكيات المعاصرة رغبةً مشتركةً في بناء شراكة استراتيجية متوازنة، تُسهم في تحقيق التنمية الاقتصادية وتعزيز الاستقرار السياسي، وتُجسِّدُ هذه العلاقات تاريخًا عميقًا مع قواسم مشتركة تعود إلى العصور القديمة، وتطوَّرت عبْر مراحل متعددة من التبادُلات الثقافية والاقتصادية مرورًا بفترة الاستعمار، وصولًا إلى شراكات معاصرة تؤكد أهمية التعاون في مجالات “الأمن، الهجرة، والتنمية المستدامة”، وفي إطار خطة استراتيجية حديثة أطلقتها الحكومة الإسبانية للفترة 2025-2028، تتجه مدريد نحْو توسيع وتعزيز علاقاتها مع الدول الأفريقية، مستفيدةً من الموقع الجغرافي والتاريخي المشترك لتحقيق مكاسب متبادلة تستجيب لتحديات وآفاق القرن الحادي والعشرين.
التسلسل التاريخي للعلاقات بين أفريقيا وإسبانيا
العلاقات بين إسبانيا وأفريقيا ليست وليدة اللحظة، بل تمتد جذورها إلى أبعد من ذلك، وتشمل أبعادًا سياسيةً، وتجاريةً، ودينيةً، وثقافيةً، وفيما يأتي إجمالٌ لأبرز المحطَّات التاريخية التي شكَّلت أساس هذه العلاقات:
كانت السواحل الجنوبية لإسبانيا وشمال أفريقيا مجالًا للمبادلات التجارية والثقافية منذ العصور القديمة والوسيطة، خاصَّةً بين إسبانيا الإسلامية والمغرب وأفريقيا الشمالية، وبعد سقوط الأندلس عام 1492، تطوَّرت العلاقات من تبادُلٍ ثقافيٍّ إلى صراعات ونزاعات بين القوى الأوروبية؛ حيث سعت البرتغال ثُمَّ إسبانيا للحصول على موطئ قدمٍ على السواحل الشمالية والغربية للقارة، ومع بداية عصر الاكتشافات الجغرافية في القرن الخامس عشر، أصبحت إسبانيا من أُولى القوى الأوروبية التي أبْدَتْ اهتمامًا في استكشاف واستعمار مناطق في أفريقيا، وركَّزَتْ في البداية على مناطق الشمال، فسيطرت على بعض المدن الساحلية، مثل “سبتة ومليلية”، وشاركت في الحملات البرتغالية على السواحل الأطلسية للمغرب، وتنافست مع دول أوروبية أخرى، مثل “البرتغال وفرنسا” في غرب أفريقيا، أيضًا حاولت مدريد ترسيخ وجودها في المغرب العربي وشمال الصحراء، من خلال التواجد المباشر في بعض المدن، أو عبْر توفير الدَّعْم لبعض الدول أو السلاطين المحليِّين، خاصَّةً خلال القرنيْن “السادس عشر والسابع عشر”، وكان للمغرب دور الوساطة التجارية بين أوروبا وأفريقيا جنوب الصحراء، لكن ظهور المنافسة الأوروبية على السواحل الأطلسية أضْعَفَ الدور المغربي وزاد من التدخُّل الإسباني في المنطقة.[1]
آفاق العلاقات “الأفريقية – الإسبانية”
مؤخرًا في ظِلِّ التحوُّلات المعاصرة، تقلَّصَ الوجود الإسباني في القارة السمراء مقارنةً بقوى أخرى، مع احتفاظه ببعض النفوذ في بعض المناطق، مثل “غرب جزر الكناري وسبتة ومليلة وغينيا الاستوائية”، كما تحوَّلت العلاقات من إطارها الاستعماري إلى شراكات سياسية واقتصادية وثقافية قائمة على التنمية الاقتصادية، ومكافحة الهجرة غير النظامية، والتعاون الأمني، وتبادل الخبرات في مجالات متعددة، وفي الآتي استعراض أبرز مناطق التمركز الإسباني في أفريقيا:
العلاقات مع دول غرب أفريقيا:
في أغسطس 2024، قام رئيس الوزراء الإسباني “بيدرو سانشيز” بزيارةٍ إلى “موريتانيا والسنغال وغامبيا”؛ وذلك نظرًا لأن هذه الدول تُعَدُّ بوَّابة الهجرة نحْو جزر الكناري الإسبانية؛ بفضل تمتُّعها بسواحل على المحيط الأطلسي؛ حيث يأتي المهاجرين غير الشرعيِّين من وسط الساحل ودول غرب أفريقيا وخليج غينيا، بشكلٍ متزايٍد، ثُمَّ يَعْبُرُون إلى مدينة نواذيبو شمال غرب موريتانيا؛ لبدْء رحلتهم نحو جزر الكناري وأوروبا، وقد زادت أهمية هذا الطريق باعتباره أحد الطُّرُق المؤدية إلى أوروبا، بعد تراجُع مُعدَّلات الهجرة غير الشرعية إلى إيطاليا؛ نتيجةً للتدابير الأمنية في البحر المتوسط؛ لهذا حرصت على تعزيز شراكاتها مع موريتانيا، وغامبيا، والسنغال عبْر التعاون في مجالات اقتصادية وأمنية متعددة، ففي موريتانيا، تعمل حوالي 440 شركةً إسبانيةً، كما يوجد أكثر من 10 آلاف موريتاني يعملون في إسبانيا؛ ما يعكس روابط اقتصادية واجتماعية واسعة بين البلديْن، بالإضافة إلى ذلك، تستمر إسبانيا في دعْم التعاون الشرطي مع غامبيا، لا سيما في مراقبة الحدود البحرية؛ بهدف تعزيز الأمن ومكافحة الجريمة المنظمة، أمَّا عن السنغال؛ فقد عزَّزت مدريد علاقاتها معها بخاصَّةٍ في ملف الهجرة غير النظامية؛ نظرًا لأهمية داكار كمحطة رئيسية لعبور المهاجرين من جنوب القارة نحو أوروبا، ويرجع التعاون الأمني بين البلديْن إلى عام 2000؛ تزامنًا مع زيادة تدفُّقات المهاجرين إلى الأراضي الإسبانية، وهو تعاونٌ يشمل تبادل المعلومات وتنسيق الجهود لمراقبة الحدود ومكافحة شبكات التهريب.
بدوره؛ يؤكد هذا النَّهْج على اهتمام الدولة الإسبانية بتطوير شراكات مستدامة مع دول الساحل الغربي الأفريقي، تتضمن قضايا التنمية، والأمن، والهجرة؛ بُغْيَةَ تحقيق مصالح مشتركة.[2]
غينيا الاستوائية:
شهدت العلاقات بين إسبانيا وغينيا الاستوائية تطوُّرًا ملحوظًا عبْر العصور؛ متأثرةً بالروابط التاريخية والمصالح المشتركة والديناميكيات الجيوسياسية المعاصرة، وحاليًا تمتدُّ العلاقات الدبلوماسية بين البلدين إلى ما هو أشمل؛ حيث الترابط السياسي والاقتصادي والثقافي، وقد انخرط البلدان في حواراتٍ تُركِّزُ على قضايا ذات اهتمام مشترك قائمة على التعاون في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة؛ حيث تقدم إسبانيا دعمًا لتعزيز القدرات الأمنية لغينيا الاستوائية، ضمن توجُّهها لتعزيز الأمن والاستقرار في أفريقيا.
وعلى الصعيد الاقتصادي؛ تُسهِّلُ اتفاقيات التجارة، التبادل التجاري بين البلدين؛ حيث تُصدِّرُ إسبانيا آلات ومركبات ومنتجات غذائية، بينما تستورد النفط والغاز من غينيا الاستوائية، مع ميْل الميزان التجاري لصالح الأخيرة؛ بسبب مواردها الطبيعية.
وفي السنوات الأخيرة؛ بذلت مدريد جهودًا مُوسَّعة لتنويع الشراكة الاقتصادية، لتشمل مجالات، مثل “البنية التحتية والزراعة والتكنولوجيا”، خاصَّةً بعد اعتماد إطار تعاون اقتصادي جديد في 2021، يرتكز على التنمية المستدامة ويُشجِّعُ الاستثمارات في الطاقة المتجددة والاتصالات والرعاية الصحية؛ استنادًا إلى استراتيجية أوسع لإسبانيا لتعزيز الاستقرار والتنمية في أفريقيا.[3]
استراتيجية إسبانيا 2025- 2028:
في ديسمبر 2024، أعلن “بيدرو سانشيز” عن خطة استراتيجية، تهدف إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية بين إسبانيا وأفريقيا على مدى السنوات الثلاث المُقْبِلة، وتطوير المسارات القانونية للهجرة، وتشتمل هذه الخطة على 100 إجراءٍ؛ أبرزها تعزيز الحوار السياسي مع القارة، عبْر فتْح سفارات وقنصليات جديدة وإنشاء مؤسسة – من المفترض – توفر فرصًا أكاديمية للشباب الأفريقي، كما تنُصُّ على وضْع استراتيجية تنقل مهني؛ من أجل إرساء نموذج للهجرة يستفيد منه كُلٌّ من بلدان المنشأ والمهاجرين وبلدان المقصد، وتوفير منصَّة حيوية تجمع ممثلِّي الحكومات والقطاع الخاص من الجانبيْن في جلسات نقاشية واجتماعات ثنائية، وتستفيد إسبانيا من قُرْبها الجغرافي من أفريقيا لتكثيف التعاون التجاري، وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين الطرفين نحو 30 مليار يورو في النصف الأول من 2024؛ مما يشير إلى إمكانات كبيرة للنموِّ والتوسُّع.[4]
القمة “الأفريقية – الإسبانية” الثالثة: