انتهجت تركيا بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في 2002م سياسة خارجية تعمل على توسيع رقعة التعاون والانفتاح على دول الخليج وتبني سياسة فاعلة مشتركة لدفع العلاقات نحو الافضل والتنسيق لحل المشكلات والقضايا الإقليمية، وعلى الرغم من حرص حكومة العدالة والتنمية على إقامة علاقات جيدة مع دول الخليج في السنوات الأولى إلا أن العقد الاخير شهد توتر كبير بين تركيا وبعض الدول الخليجية على أثر ما عرف بثورات الربيع العربي في 2011م، ودخل الجانبان في سلسلة من المواجهات المباشرة وغير المباشرة، فقد ضاعفت بعض المحطات مثل الأزمة الخليجية- أزمة حصار قطر – في 2017 والتي وقفت فيها تركيا مع قطر سياسيا واقتصاديا، وقضية مقتل الإعلامي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول.
وفي ظل التطورات الدولية والإقليمية وبينما يعاني الشرق الأوسط من فراغ النفوذ بعد تحويل الإدارة الأميركية الجديدة توجهاتها بخصوص المنطقة وحلفائها فيها، وتداعيات جائحة كورونا ثم الحرب الروسية في أوكرانيا على اقتصادات المنطقة والعالم، سعت كل من تركيا ودول الخليج لاستعادة علاقاتهم وتعميق التعاون المتبادل بينهم في المجالات الاقتصادية والدفاعية.
شكلت القمة الخليجية التي عُقدت في مدينة العلا السعودية في يناير2021م أرضية مناسبة لإحداث تحول جذري في علاقات تركيا مع خصومها الإقليميين السابقين كالسعودية والإمارات، ففي نوفمبر 2021، بدأ التحسن في العلاقات التركية الإماراتية بعد قيام الرئيس أردوغان باستقبال نظيره الإماراتي وتوقيع عدد من الاتفاقات مع تركيا. وفي فبراير 2022 قام رجب طيب أردوغان بزيارة متبادلة إلى الإمارات العربية المتحدة، نتج عنها التوقيع على سلسلة من الاتفاقيات، تتضمن الاستعدادات للتعامل مع الكوارث الجماعية، وتغير المناخ، والتعاون في مجال الصناعات الدفاعية. وفي إبريل 2022 قررت تركيا تعليق الإجراءات القانونية المتعلقة يمقتل الصحفي جمال خاشقجي وإحالتها إلى السعودية والذي كان بمثابة إجراء تمهيدي قبل زيارة أردوغان إلى السعودية في إبريل 2022 والتي كانت بمثابة تعبير عن الإرادة المشتركة بين البلدين لبدء فترة جديدة من التعاون.[1]
وضمن مساعي تعزيز العلاقات التركية الخليجية جاءت جولة أردوغان الخليجية في يوليو 2023م والتي شملت السعودية وقطر والأمارات، ووقعت تركيا من خلالها عدد من الاتفاقيات مع البلدان الثلاثة شملت مجالات عديدة يأتي في مقدمتها مجال الصناعات الدفاعية، ونظراً لما تشكله الاستثمارات الدفاعية من أهمية لكل من تركيا ودول الخليج. سيناقش هذا التقرير أبرز العوامل المساهمة في تعزيز التعاون العسكري والأمني بين تركيا ودول الخليج، كما سيناقش أهم مجالات التعاون العسكري والأمني بين تركيا وكل من السعودية وقطر والأمارات.
أبرز العوامل المساهمة في تعزيز التعاون العسكري والأمني التركي الخليجي
شهدت العلاقات العسكرية بين تركيا ودول الخليج ملامح إيجابية خاصة بعد جولة اردوغان الخليجية في السعودية وقطر والأمارات، وإن كانت طبيعة ومستوى هذه العلاقات تختلف من دولة إلى أخرى، كما اتخذت مسارات مختلفة ومتباينة حسب تقديرات كل منها لعائد التعاون العسكري بأبعاده المختلفة بين كل منها وتركيا، وخلال هذه الجولة تم التوقيع على العديد من الاتفاقيات استحوذ مجال الصناعات الدفاعية والذي برزت أهميته في خضم التطورات الاخيرة على جزء كبير من الاتفاقيات الموقعة، وتتمثل أبرز العوامل التي ساعدت على تعزيز التعاون العسكري والامني بين تركيا دول الخليج في التالي:
رغبة تركيا على دعم قطاع التصنيع العسكري التركي:
سعت تركيا منذ وصول حزب العدالة والتنمية في 2002 إلى إعادة تعريف مكانتها على الساحة الإقليمية والدولية، فرسمت رؤية جديدة للدولة تعتمد فيها على زيادة قوتها وقدراتها الذاتية دون الاعتماد على الدول الغربية والاتجاه نحو تحقيق الاستقلالية، وترى تركيا في تحقيق الاكتفاء الذاتي في الاحتياجات العسكرية وسيلة ضرورية لتحقيق الاستقلالية، لذا اقرت خطة تتضمن التوقف عن استيراد الاسلحة ضمن برنامج تصنيع عسكري يكفل تحقيق ذلك بحلول عام 2023م، وبالفعل أستطاع قطاع الصناعات الدفاعية التركية تحقيق تطورات هائلة خلال العشرة سنوات الأخيرة فبعدما كانت هناك شركة واحدة مدرجة ضمن ترتيب أهم مائة شركة عالمية للأسلحة عام 2000، أصبح الآن هناك سبع شركات، وتمكنت تركيا من تقليل نسبة ورادتها بين سنة 2015 و2019 من معدات وتكنولوجيات عسكرية نحو 48%، كما حققت نجاحات عديدة في مجال التصدير؛ فقد احتلت المرتبة الرابعة عشر عالميًا في حجم الصادرات الدفاعية.[2]
وفي هذا السياق، فأن الاستراتيجية التركية الهادفة إلى تعزيز التعاون العسكري مع الدول الخليجية تهدف إلى اختراق سوق السلاح الخليجي وفتح منافذ بيع في تلك الدول بما ينعكس بالإيجاب على الشركات الصناعية العسكرية من خال تحقيق الأرباح وزيادة الانتاج بالإضافة إلى جذب الاستثمارات الخليجية للدخول إلى مجال الصناعات العسكرية التركية.
قلق الدول الخليجية من تزايد قوة إيران الإقليمية:
اتسمت العلاقات الخليجية الإيرانية بعد الثورة الخمينية 1979م بحالة من عدم الثقة، فقدت اصبحت إيران منذ نجاح الثورة المصدر الرئيسي للتوتر والقلق في المنطقة، نظرًا لدعمها للجماعات والميليشيات الموالية لها في المنطقة، وما تقوم به من تدخّل استخباراتي وتعبئة وتحريض ديني في دول خليجية عديدة، ففي 1981م قامت إيران باستخدام منظمة الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين لتدبير مؤامرة انقلابية في البحرين والتي على أثرها قطعت البحرين علاقاتها الدبلوماسية مع إيران.
وفي 1980م أقدمت مجموعة من الإيرانيين على تنظيم مظاهرات ورفع شعارات الثورة الإيرانية في مكة وقطع الطرقات ما تسبَّب في قتل عدد من الحجاج والمواطنين ورجال الأمن، بالإضافة إلى استمرارها التدخل في اليمن عبر دعمها للحوثيين، وتدخلها السياسي المستمر في الشئون الداخلية للكويت من خلال دعم الشيعة.
كما يمثل البرنامج النووي الإيراني هاجس أمني للدول الخليجية حيث أنّ امتلاك إيران لأسلحة نووية من شأنه التأثير على استقرار منطقة الخليج العربي، باعتباره يعطي بعداً استراتيجياً وحيوياً لإيران، أدت تلك الأحداث إلى تزايد القلق الخليجي من إيران وسياستها العدائية.[3]
وفي إطار ما تشكله إيران من تهديد لأمن المنطقة كان من الضرورة التعاون العسكري بين تركيا ودول الخليج لمواجهة التمدد الإيراني الذي ليس له حدود وإحداث توازن في المنطقة، فقد ساهم موقع تركيا الاستراتيجي وبراعتها العسكرية في إبرازها كشريك إستراتيجي مرغوب فيه للعديد من الدول الخليجية، كما أن الدور المؤثر الذي تلعبه تركيا في بعض صراعات المنطقة مثل سوريا، والعراق، وليبيا في مقابل التمدد والانتشار الإيراني في هذه البلدان يجعل من التعاون الجيوسياسي مع تركيا حاجة لمنطقة الخليج من أجل تحقيق الاستقرار الإقليمي، وايضًا يُعد التقارب التركي الخليجي بمثابة حلف جديد لمواجهة الحلف الروسي الإيراني الذي ظهر في الفترة الأخيرة والذي تربط تركيا بينه وبين عودة عمليات حزب العمال الكردستاني والتصعيد المتواصل ضد أنقرة.[4]
تراجع دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط:
تراجع دور الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط في السنوات الاخيرة، وتحول اهتمامها نحو شرق آسيا لاحتواء الصين متجاهلة بذلك التغيرات الجيوسياسية والصراعات المتصاعدة في الإقليم، فضلاً عن تجاهلها الأولويات الأمنية في المنطقة وتقليص حضورها العسكري منذ عام 2022م، وانشغالها بتطورات الحرب الروسية الأوكرانية ومحاولاتها احتواء سيناريو اندلاع حرب عالمية ثالثة، مما أدى إلى فشل الولايات المتحدة الامريكية في حماية مصالح حلفائها في المنطقة من التهديدات الإرهابية، وقد شجع ذلك تركيا على تقديم نفسها كشريك جديد للدول الخليجية يمكن الاعتماد عليه، فهي تمثل قوة إقليمية فاعلة وتملك قدرات عسكرية دفاعية أثبتت كفاءتها في الفترة الأخيرة، لاسيما في الحرب الروسية الأوكرانية، لذا قامت كل من تركيا والامارات والسعودية في الفترة الأخيرة بانتهاج سياسة خارجية قائمة على الحصول على مزيد من الاستقلالية في إدارة علاقاتها ومصالحها الخارجية تحديداً تجاه القضايا المتعلقة بالمنطقة وموقعها الجيوسياسي، وتُعد تلك السياسة بمثابة خطوات تدريجية لفك ارتباطهم مع الولايات المتحدة، كما عملوا على تطوير علاقاتهم المستقبلية بهدف زيادة دورهم في المنطقة كونهم لاعبين إقليميين بارزين في الشرق الاوسط لحل أزمات وقضايا المنطقة وتعزيز الاستقلالية الأمنية ودعم الاستقرار والسلام.[5]
التعاون العسكري والأمني بين تركيا وقطر
يُعد مجال التعاون العسكري بين تركيا وقطر من أكبر مجالات التعاون العسكري بين تركيا ودولة خليجية، وقد شهد التعاون العسكري بين البلدين تطوراً ملحوظاً بعد توقيع اتفاقية التعاون العسكري والصناعات الدفاعية بينمها عام 2014م والتي دخلت حيز النفاذ في 2017م، جاءت هذه الاتفاقية خلال أزمة خليجية وتحركات سعودية وإماراتية تهدف إلى محاصرة قطر بعد قطع العلاقات معها.
تتيح هذه الاتفاقية تبادل القوات العسكرية وإقامة قواعد عسكرية على الاراضي القطرية، واستخدام تركيا للموانئ والمطارات والمنشآت العسكرية القطرية، وتبادل الخبرات العسكرية، فضلاً عن إجراء مناورات عسكرية مشتركة بين الدولتين والعمل على زيادة القدرة الدفاعية لقطر؛ وعلى اثر هذه الاتفاقية وقعت شركة الصناعات الدفاعية التركية ASELSAN مع شركة ARES التركية لبناء السفن في اكتوبر 2015م لتصنيع ما يقرب من 17 سفينة لخفر السواحل القطرية؛ وفي إطار هذه الاتفاقية اعلنت تركيا في ديسمبر 2015 إنشاء قاعدة عسكرية متعددة الاغراض في قطر تملك القدرة على استيعاب 3000 جندي من القوات البرية وقوات تابعة لسلاح الجو والبحرية التركيين بالإضافة لعدد من القوات الخاصة والمدربين العسكريين الاتراك، تمكنت تركيا من خلال هذه القاعدة إعادة البحرية التركية إلى المحيط الهندي للمرة الأولى منذ خمسينات القرن السادس عشر؛ وفي ديسمبر 2023 وقعت تركيا وقطر اتفاقية إطارية في المجال العسكري وقعها كل من وزير الدفاع التركي بشار جولر ونائب رئيس مجلس الدولة القطري ووزير الدولة لشئون الدفاع خالد بن محمد خلال اجتماع الدورة التاسعة للجنة الاستراتيجية العليا القطرية التركية.[6]
وعلى الجانب العلاقات الأمنية تم توقيع بروتوكول تعاون أمني بين تركيا وقطر في 2011 والذي نتج عنه تشكيل اللجنة الأمنية المشتركة بين وزارتي الداخلية في البلدين، وفي نوفمبر 2019 وقع البلدين اتفاقية تعاون أمني تتضمن التدابير الأمنية الخاصة ببطولة كأس العالم لكرة القدم لعام 2022م، هذا بالإضافة إلى تبادل الخبرات الأمنية والاتفاق على ارسال عناصر من القوات الخاصة لمكافحة الارهاب والجريمة المنظمة.[7]
كما استحوذت المبيعات العسكرية على أهمية كبيرة في العلاقات العسكرية بين تركيا وقطر، ففي يوليو 2012م تم توقيع مذكرة تفاهم بين وزارتي الدفاع في كل من تركيا وقطر حول التعاون في مجال الصناعات الدفاعية، وقد كانت هذه الاتفاقية بمثابة تتويج للاتفاقية الموقعة في 2007م للتعاون في المجالات العسكرية المتعلقة بالتدريب والتقنية والعلوم العسكرية، وفي أكتوبر 2018م اسست كل من تركيا وقطر شركات مشتركة لتعزيز الصناعات الدفاعية منها شركة ” برق” في قطر بالاشتراك بين شركة اسيلسان وشركة برزان القابضة التابعة لوزارة الدفاع القطرية؛ وإما عن صفقات السلاح فقد تم عقد العشرات من صفقات السلاح من ابرزها الصفقة التي تم توقيعها في قطر على هامش معرض مؤتمر الدوحة للدفاع البحري ديمدكس 2018م.[8]
التعاون العسكري والأمني التركي السعودي
شهدت العلاقات العسكرية والأمنية بين تركيا والسعودية في السنوات الأخيرة تطور كبيراً بعدما مرت العلاقات بين البلدين بسنوات من التوتر الشديد على أثر الاختلاف في التوجهات تجاه بعض القضايا وردود الفعل تجاه ثورات الربيع العربي والأزمة الخليجية في 2017م.
بدأ مسار تطوير التعاون العسكري والأمني بين البلدين في مايو 2010م حيث وقعت كل من السعودية وتركيا اتفاق تعاون عسكري في مجالات التدريب والأبحاث العسكرية، وفي مايو 2013م وقعت الدولتان اتفاقية للتعاون الصناعي الدفاعي. وفي نوفمبر 2015م وقعت الدولتان اتفاقية تعاون في مجال التقنية الصناعية بهدف إقامة المشاريع البحثية والصناعية المشتركة، كما أنشأت كل من تركيا والرياض مجلس تعاون استراتيجي رفيع المستوى خلال زيارة الرئيس أردوغان للسعودية في ديسمبر 2015م سعياً لزيادة عمق التعاون العسكري بينهم، وخلال هذه الفترة زادت تركيا بشكل كبير من صادراتها الدفاعية إلى السعودية حيث احتلت السعودية المرتبة الثالثة في الصادرات الدفاعية التركية، ولكن لم يستمر هذا التعاون بالشكل المطلوب على أثر الأزمة الخليجية في 2017م.[9]
أخذ مسار العلاقات العسكرية بين البلدين في التطور مرة أخرى بعد قمة العلا الخليجية عام 2021م حيث انتهت الأزمة الخليجية وعادت العلاقات التركية السعودية وفي سياق تعزيز التعاون العسكري بين البلدين وقعت وزارة الدفاع السعودية عقود استحواذ مع شركة بايكار التركية للصناعات الدفاعية في يوليو 2023 خلال لقاء الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز بالرئيس أردوغان والتي ستتمكن وزارة الدفاع السعودية بموجبها الحصول على طائرات مسيرة تركية لرفع جاهزية القوات المسلحة وتعزيز القدرات الدفاعية والتصنيعية للسعودية، كما وقعت وزارتي الدفاع في تركيا والسعودية الخطة التنفيذية للتعاون الدفاعي بين البلدين، والتي تستهدف مجالات القدرات والصناعات الدفاعية والأبحاث والتطوير، وإنتاج وتطوير الصناعات العسكرية الدفاعية وتبادل الخبرات.[10]
واستكمالاً لعقود الاستحواذ التي وقعتها شركة بايكار التركية ووزارة الدفاع السعودية وقعت اتفاقية ومذكرتا تفاهم في أغسطس 2023م بين عدد من الشركات السعودية المتخصصة في الصناعات العسكرية والدفاعية وشركات دفاع تركية، فقد وقعت الشركة السعودية للصناعات العسكرية (SAMI) اتفاقية التوطين لشركات المجموعة مع شركة “بايكار” التركية، التي تستهدف تصنيع الأنظمة الإلكترونية، والقطع الميكانيكية، وهياكل الطائرات باستخدام المواد المركبة والتصنيع والاختبارات النهائية للطيران.[11]
التعاون العسكري بين تركيا والإمارات
مرت العلاقات التركية الإماراتية منذ 2011م بتوتر شديد أدى إلى تبني كل منهم سياسات خارجية متناقضة وضعتهما في مسار تصادمي ظل مستمر حتى تمت المصالحة في قمة العلا 2021م ثم تبعها زيارة مستشار الأمن القومي الإماراتي طحنون بن زايد آل نهيان في أغسطس 2021م، وتلتها زيارة ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان، الحاكم الفعلي لدولة الإمارات في نوفمبر 2021م، وضعت هذه الزيارات الاساس للتعاون بين تركيا والامارات في مختلف المجالات، وفي سياق العمل على استكمال عملية التطبيع مع تركيا التي بدأتها الأمارات في 2021م جاءت زيارة أردوغان إلى الإمارات في فبراير 2022م وقعت تركيا والإمارات خلال هذه الزيارة خطاب نوايا لعقد اجتماعات تعاون في مجال الصناعات الدفاعية.[12]
في سياق مساعي تركيا لتعزيز علاقاتها العسكرية مع الإمارات قامت هيئة الصناعات الدفاعية التركية SSB بتوقيع اتفاقية شراكة مع مجلس التوازن الاقتصادي الإماراتي في فبراير 2022م والتي تناولت مجالات التعاون في قطاع الصناعات الدفاعية ويتضمن الاتفاق التعاون في برامج التطوير المشترك وتبادل الابتكارات وبرامج الأبحاث والتطوير، وفي نوفمبر 2023م وقعت شركة روكيتسان التركية Roketsan الرائدة في صناعة الصواريخ والقذائف اتفاقية مع مجموعة إيدج EDGE Group كبرى شركات الدفاع والفضاء بالإمارات وبموجب الاتفاقية، ستعمل روكيتسان ومجموعة إيدج لاستكشاف فرص التطوير المشترك لتقنيات الأسلحة الذكية الجديدة والمتقدمة، حيث تستهدف الاتفاقية تعاونا أعمق بين الشركتين.[13]
عقدت اللجنة المشتركة بين مجلس التوازن وهيئة الصناعات الدفاعية اجتماعها الأول في اكتوبر 2023م في الامارات وخلال الاجتماع تم مناقشة برامج التعاون المشترك وتبادل المعارف في التكنولوجيا المتقدمة وتنفيذ المشاريع الدفاعية وتبادل برامج البحث والتطوير والمعرفة في القطاعات الدفاعية والأمنية بين البلدين.[14]
مستقبل العلاقات العسكرية والأمنية التركية الخليجية في ظل جولة أردوغان الخليجية 2023
في الفترة الاخيرة، سعت دول مجلس التعاون الخليجي لاسيما المملكة السعودية والإمارات وقطر لتعزيز علاقاتها العسكرية مع تركيا بشكل لافت، في إطار سعيهم لإعادة توازن شراكاتهم الدفاعية.
وفي هذا السياق قام الرئيس رجب طيب أردوغان بزيارة إلى كل من السعودية وقطر والامارات في يوليو 2023م عقب عدد من الاحداث التي شهدتها المنطقة في الفترة الأخيرة أهمها فوز الرئيس التركي بولاية رئاسية جديدة، بالإضافة إلى الحرب الروسية الاوكرانية وموجة التضخم العالمية، وتراجع الدور الامريكي في المنطقة، وتُعتبر هذه الجولة الأولى لأردوغان بعد فوزه بولاية جديدة وتهدف هذه الجولة في الاساس لتعزيز مسار العلاقات التركية الخليجية في مختلف المجالات وبناء تفاهمات إقليمية مشتركة يشكل العنصر الأمني والعسكري الاساس في تلك التفاهمات الجديدة؛ قامت تركيا خلال هذه الزيارة بتعميق علاقاتها العسكرية مع قطر ووقعت مع السعودية عدة اتفاقات في مجالات الاستثمار المباشر والصناعات الدفاعية والطاقة والدفاع والاتصالات، كما وقعت أنقرة مع أبو ظبي عدة اتفاقات ومذكرات تفاهم قدّرت قيمتها بـ50.7 مليار دولار، إضافة إلى إعلان اتفاق مشترك بين الجانبين لإنشاء لجنة إستراتيجية عليا بين البلدين.[15]
إما عن مستقبل العلاقات العسكرية التركية الخليجية فيتوقع تطورها في الفترة المقبلة تحديدا في مجال مبيعات الأسلحة التركية، فقد أثبتت المعدات العسكرية التركية كفاءتها في الفترة الأخيرة خاصة المسيرة بيرقدار تي بي 2، وأيضًا من أهم العوامل التي تعمل لصالح مبيعات الاسلحة التركية لدول الخليج أن الصناعات الدفاعية التركية مقامة على غرار المدرسة الغربية نظراً لأنها عضواً في حلف الناتو مما يجعلها أسلحة متطورة ذات جودة ملائمة، فضلاً عن أفضلية أسعارها مقارنة بالأسعار الأوروبية، ويعد الجيش التركي ثاني اكبر جيش. في الناتو ومن أكثر الجيوش خبرة في العالم مما يجعله قادر على تقديم الخبرات والتدريب لنظرائه في دول الخليج.
ورغم تحسن مسار العلاقات التركية الخليجية إلا أن هناك عدة ملفات تمثل تحدي أمام مستقبل العلاقات بينهم، منها على سبيل الذكر وليس الحصر؛ دعم اليونان في ملف الحدود البحرية في البحر المتوسط وبحر إيجه بالإضافة إلى الملف الليبي فقد وقعت أنقرة اتفاقية ترسيم الحدود البحرية لليونان وقبرص مع الحكومة الليبية التي لا تعترف بها الإمارات والسعودية لتغيير مسار الحدود البحرية لليونان وقبرص، بالإضافة إلى ملف سوريا وملف التنقيب في البحر المتوسط، لذا يجب الاتفاق بين تركيا والدول الخليجية على معالجة هذه الملفات بشكل، حيث سيساعد ذلك على تعزيز التعاون المشترك بينهم. كما أن تطور العلاقات بين الإمارات والبحرين مع إسرائيل يفتح المجال لإنشاء حلف أمني عربي مع إسرائيل لاستقرار الشرق الاوسط في الوقت الذي تسعى فيه تركيا لأن تصبح قوة إقليمية في المنطقة سوف يؤدي ذلك إلى خلق أجواء تنافسية من الممكن أن تؤثر على مسار العلاقات التركية الخليجية.[16]
ختامًا:
أثر دعم تركيا لثورات الربيع العربي بالسلب على العلاقات مع جهات إقليمه فاعلة مثل الإمارات والسعودية اللذان وقفا بشكل كبير خلف البقاء على الوضع الراهن، كما أدى دعم تركيا لقطر خلال فرض الإمارات والسعودية حصار عليها في 2017م إلى تصعيد التوتر في العلاقات التركية الخليجية، إلا أن النظام الإقليمي الجديد ساهم في جعل علاقات تركيا أقرب مع السعودية والإمارات كما عمق تعاونها مع قطر، فمنذ نهاية 2020م تغير الوضع وتحول إلى علاقة تعاون متعدد الأطراف.
ومن الجدير بالذكر الإشارة إلى أن هذا التحول لا يعني أن هناك وجهة نظر مشتركة حول كافة القضايا لإقليمية بين تركيا والإمارات والسعودية، بل أن الديناميكيات الأساسية التي تقرب تركيا مع الدول الخليجية ترتبط ارتباطا مباشراً بالنظام الإقليمي المتغير.
أدت الاستراتيجية الأمنية للولايــات المتحــدة الأمريكيــة الجديــدة فــي المنطقــة، القائمــة علــى فــك الارتبــاط العســكري بالمنطقــة العربيــة، وتركيــز الاهتمام الأمريكــي صــوب القوى الكبرى الصاعدة (الصين، وروسيا) إلى اعتمــاد دول المنطقــة العربيــة وجوارهــا علــى التنســيق فيمــا بينها لدعم حفظ السلام والأمن والاستقرار في المنطقة مما ادى إلى اتجاه كل من تركيا والإمارات والسعودية وقطر لتعزيز التعان العسكري والأمني بينهم وإعطاء الأولوية للاستثمار في قطاع الصناعات الدفاعية.
وأخيراً يمكن القول إن مستقبل العلاقات العسكرية لتركية الخليجية لن يتوقف على حد الاستثمار في قطاع الصناعات الدفاعية بل يتطور ليشمل كافة المجالات سعياً لتحقيق الأمن والاستقرار الداخلي والإقليمي في ظل التهديدات الإيرانية المتزايدة.
المراجع
[1] أحمد الصعيدي، كيف أصبحت تركيا في طليعة التحالفات الأمنية الخليجية؟، المعهد العرقي للحوار، اكتوبر2023. https://2u.pw/vvDToxcZ
[2] د. محمد مجاهد الزيات، العلاقات العسكرية الخليجية-التركية في ظل علاقات أنقرة الدولية، مركز الخليج للأبحاث، العدد 105، مارس 2016.
[5] أحمد محمد فهمي، شواهد مستقبل العلاقات التركية الخليجية بعد فوز أردوغان، مركز شاف للدراسات المستقبلية، 2023م
[6] علي ديمير، تركيا وقطر تبحثان تطوير العلاقات الثنائية في مجال الصناعات الدفاعية، وكالة تي أر، مارس 2024م. https://tr.agency/news-181422
[7] زيارة الرئيس أردوغان الحالية تعزز التعاون الاستراتيجي وترسخ العلاقات الأخوية، وكالة الانباء القطرية، ديسمبر 2023م. https://2u.pw/FgWCQZwI
[8] صادق عبد الله الشيخ عيد، العلاقات التركية-القطرية السياسة الخارجية والأمن الإقليمي (2002-2020)، مركز الجزيرة للدراسات، ديسمبر 2021م.
[9] د. محمد مجاهد الزيات، العلاقات العسكرية الخليجية-التركية في ظل علاقات أنقرة الدولية، مركز الخليج للأبحاث، العدد 105، مارس 2016.
[10] أسماء الغابري، السعودية تعزز قدراتها التصنيعية بالاستحواذ على طائرات مسيَّرة تركية نقل التقنيات الدفاعية والصناعات العسكرية، الشرق الاوسط، يوليو 2023م. https://2u.pw/84JOanz
[11] عام / توقيع الخطة التنفيذية للتعاون الدفاعي بين المملكة وتركيا.. وعقدا استحواذ بين وزارة الدفاع وشركة “بايكار” التركية، وكالة الانباء السعودية، إبريل 2024. https://www.spa.gov.sa/29f2cff0fbb
