العلاقات “القطرية – الرواندية”: شراكةٌ مثمرةٌ وآفاقٌ واعدةٌ للتعاون الاقتصادي والتجاري

إعداد: شيماء ماهر

باحثة متخصصة في الشؤون الأفريقية

في إطار انتهاج دولة قطر سياسة الانفتاح والتعاون والانخراط مع العديد من الدول والشعوب الشقيقة والصديقة، وفي مقدمتها الدول الأفريقية التي تربطها بالدولة علاقات إستراتيجية وثيقة، تقوم على التعاون والتضامن تجاه القضايا العالمية والقارية، استقبل أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، يوم الثلاثاء الماضي، الرئيس الرواندي بول كاغامي؛ لبحْث سُبُل تعزيز العلاقات الثنائية القائمة بين البلديْن الصديقيْن في مختلف مجالات التعاون، بالإضافة إلى تبادل وجهات النظر، حول أبرز القضايا والمستجدات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك؛ الأمر الذي يعكس نشاط الدبلوماسية القطرية وتفاعلها الدائم مع مختلف الدول والأطراف والأحداث الإقليمية والدولية.

زيارة الرئيس الرواندي لقطر

التقى صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر مع الرئيس بول كاغامي، رئيس جمهورية رواندا، يوم الثلاثاء الماضي، وجرى خلال اللقاء، بحْث سُبُل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين والتعاون في مختلف المجالات، بالإضافة إلى تبادُل وجهات النظر حول القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وخلال اللقاء، تمَّ الاتفاق على الإعفاء المتبادل من التأشيرة؛ مما يسمح لمواطني البلديْن بالتنقُّل بحرية بين البلديْن، لمدةٍ تصل إلى 30 يومًا، دون الحاجة إلى تأشيرة، ومن المتوقع، أن تؤدي اتفاقية الإعفاء من التأشيرة إلى تسهيل السفر بشكلٍ كبيرٍ، وتعزيز النمو الاقتصادي والتعاون بين البلديْن.

تاريخ العلاقات “الرواندية – القطرية”

تتسم العلاقات بين رواندا وقطر بالنمو؛ حيث تعمل الدولتان بشكلٍ متواصلٍ على بِنَاء شراكةٍ نموذجيةٍ بينهما.

وشهدت العلاقات بينهما نموًّا ملحوظًا، منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما في عام 2017م، ونمت أيضًأ أثناء فترة رئاسة روندا للاتحاد الأفريقي، عام 2018م؛ حيث استغلت قطر موقعها في الاتحاد الأفريقي كعضوٍ مراقبٍ؛ من أجل تعزيز علاقتها ببعض الدول الأفريقية المؤثرة، كروندا رئيسة الاتحاد في ذلك الوقت، وتوّجت المحاولات القطرية باستمالة روندا، في نوفمبر 2018م، حين قام رئيس روندا ورئيس الاتحاد الأفريقي في ذلك الوقت بزيارة الدوحة[1].

وفي السياق ذاته، زار سمو الأمير تميم بن حمد رواندا، في أبريل من عام 2019م، وفي يونيو من عام 2022م؛ للمشاركة في الاجتماع السادس والعشرين لرؤساء حكومات الكومنولث، الذي عقد بمدينة كيغالي، بينما قام الرئيس الرواندي بزيارات متعددة للدوحة، خلال مارس 2023م، وفبراير 2022م، وأكتوبر 2021، وأكتوبر 2019م، وديسمبر 2019م، ونوفمبر 2018م، وقد ساهمت الزيارات المتبادلة رفيعة المستوى بين الجانبيْن في دفْع التعاون المشترك في العديد من المجالات الحيوية وتعزيز الشراكة بين البلديْن.

آفاق التعاون بين قطر ورواندا

ترتبط دولة قطر وجمهورية رواندا بمجموعة من الاتفاقيات ومذكرات التفاهُم التي تغطي المجالات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والتجارية والزراعية والثقافية والرياضية وقطاعات الاستثمار والتعاون في مجال الطيران، وتجنّب الازدواج الضريبي، وقد وقَّعت الدولتان اتفاقية استحواذ على 60% أسهم مطار بوجيسيرا الرواندي، ووقَّعت الخطوط الجوية القطرية اتفاقيتيْن مع شركة النقل الجوي للسياحة الرواندية، واتفاقيةً مع هيئة الطيران والخدمات اللوجستية بجمهورية رواندا، وهناك مذكرة تفاهُمٍ للتعاون الدفاعي بين البلدين، كما وقَّعت شركة حصاد القطرية – التي تستثمر في القطاع الغذائي – مذكرة تفاهم مع الحكومة الرواندية، تهدف لفتح فرص التعاون بين الجانبيْن ودراسة الفرص الاستثمارية في المجال الزراعي والغذائي.

وفي السياق ذاته، وقَّع مركز قطر للمال مذكرة تفاهم مع وكالة ” رواندا فاينانس ليمتد”؛ لإطلاق مبادرات مشتركة تساهم في تعزيز نمو أعمال مركز قطر للمال ومركز “كيغالي المالي الدولي”، ويهدف الطرفان بموجب هذه المذكرة، إلى تشجيع الجهتيْن الرقابيتيْن المسؤولتيْن عن تنظيم أداء وأعمال كلا المركزيْن المالييْن على إبرام اتفاقياتٍ للاعتراف المتبادل بالأنظمة؛ لفتْح مجالات جديدة، وتهيئة المزيد من الفرص التجارية في كلا السوقيْن[2].

وتتمثَّلُ أهمية مذكرة التفاهم في أنها تُمثِّلُ إطارًا للتعاون طويل الأمد بين مركز قطر للمال ووكالة “رواندا فاينانس ليمتد”؛ لدعم الشركات والمؤسسات في رواندا وقطر، من خلال تنظيم مبادرات مشتركة لفتْح فًرَصٍ أكبرَ للتعاون في مجالات مختلفة؛ بما في ذلك تنمية المهارات، وتبادُل المعلومات والمعارف وفرص الاستثمار وإقامة الشراكات بين الطرفيْن، كما تُمثِّلُ المذكرة خطوةً حيويةً للأمام بالنسبة لمركز قطر للمال؛ في سعيه لإقامة شراكاتٍ قويةٍ ودائمةٍ مع الأسواق العالمية تساهم في دعم إستراتيجية تنويع الاقتصاد القطري وتعزيز القدرات والإمكانات الاقتصادية.

وتشمل الاتفاقيات المُوقَّعة بين البلديْن أيضًا، اتفاقيةً تُمكِّنُ المسافرين على الخطوط الجوية الرواندية والخطوط الجوية القطرية من الوصول إلى أكثر من 160 وجهةً في الشبكات المشتركة من كيغالي والدوحة، وفي ديسمبر2023م، وعلى هامش اجتماعات المؤتمر الدولي لمفاوضات النقل الجوي إيكان 2023م، في العاصمة السعودية الرياض، ‏عقدت مباحثات ثنائية بين سلطات الطيران المدني، بكُلٍّ من دولة قطر وجمهورية رواندا، أفضت إلى نتائج إيجابية، تمثَّلَتْ بالتوقيع على مذكرة تفاهم، تسمح لشركات الطيران المعنِيَّة في البلديْن بالدخول في اتفاقيات التعاون التجاري المشترك، وفي فبراير 2024م، وقَّعت قطر وروندا اتفاقية تجنّب الازدواج الضريبي؛ ما مهَّدَ الطريق لتعزيز الشراكة الاقتصادية بينهما، وأتاح تدفُّق التجارة وتسهيل وتشجيع الاستثمار في القطاعات المختلفة، كما تستحوذ الخطوط الجوية القطرية أيضًا على حصة 49% في الخطوط الجوية الرواندية، الناقل الوطني.

وقد استغلت قطر كافَّة الأساليب التي من شأنها زيادة التقارُب مع روندا؛ حيث تمَّ توقيع عقْد رعاية بين الوكالة الرواندية للسياحة ونادي باريس سان جيرمان الذي يمتلكه القطري ناصر الخليفي، يوم 4 ديسمبر 2019، وفحْوى عقد الرعاية هو استغلال شعبية النادي الفرنسي في الترويج السياحي لروندا في أوروبا والعالم، ويقدّر قيمة عقد الرعاية بحوالي 10 مليون يورو سنويا؛ حيث سيتمُّ وضْع عبارة ” زوروا روندا” على قمصان لاعبي باريس سان جيرمان، الخاصة بالإحماء وأطقم التدريب، بالإضافة إلى وضْع العبارة على أكمام قمصان الفريق النسائي، واستغلال نجوم باريس سان جيرمان في الترويج للسياحة الرواندية.

وساطة قطر في الأزمة بين الكونغو الديمقراطية ورواندا

نشطت دولة قطر على مدار السنوات الماضية في تعزيز علاقاتها مع الدول الأفريقية، وأخذت دبلوماسيتها النشطة في أفريقيا خاصَّةً وساطاتها الواسعة داخل القارة، وقد دخلت قطر على خطِّ الوساطة بين جمهوريتيْ رواندا والكونغو الديمقراطية، بعد تصاعُد التوتُّرات بين الدولتيْن الواقعتيْن في شرق ووسط أفريقيا، وكانت على بُعْد خطوات من إنجاحها قبْل أن تستجدَّ تطوُّرات أجَّلت الاتفاقية بينهما.

وكان من المقرر أن تستضيف العاصمة القطرية الدوحة، أواخر يناير 2023م، قمةً تجمع رئيس رواندا بول كاغامي، مع رئيس الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي؛ بهدف خفْض التصعيد بين الجانبيْن؛ بما يمهد لاتفاق سلامٍ يُنْهِي الأزمة، لكن تشيسكيدي رَفَضَ الحضور، خاصَّةً عندما قامت القوات الرواندية بإطلاق النار على طائرةٍ عسكريةٍ كونغوليةٍ من طراز “سوخوي-25″، بعدما اتهمتها بخرْق المجال الجوي الرواندي، وتعهَّدت قطر على لسان المتحدث الرسمي باسم خارجيتها “ماجد الأنصاري”، ببْذل جهودٍ إضافيةٍ؛ لتقريب وجهات النظر بين الطرفيْن.

وتعكس زيارة رئيس رواندا بول كاغامي إلى الدوحة، التي بدأت يوم الثلاثاء الماضي، والتى التقى خلالها بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ووصفتها الخارجية القطرية بأنها زيارة عمل، على أن الدوحة عاودت حراكها الدبلوماسي بين رواندا والكونغو الديمقراطية، في ظل الأزمة بينهما، بعد التطورات الأخيرة في الكونغو الديمقراطية، والهجوم الذي شنَّتْه حركة إم 23 المدعومة بالكامل من رواندا على مدينة غوما شرقي الكونغو[3].

ختامًا:

حظيت العلاقات بين قطر ورواندا بتحرُّكٍ دبلوماسيٍّ واقتصاديٍّ متصاعدٍ خلال السنوات الماضية، وشهدت العلاقات بينهما دفْعًا كبيرًا، من خلال الزيارات الرسمية المتبادلة التى عكست التطوُّر المتواصل في العلاقات والرغبة المشتركة في تعزيز التعاون في العديد من المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والاستثمارية، وقد نجحت هذه العلاقة في أن تكون نموذجًا يُحتذى به للتعاون البناء في العديد من المجالات، مثل “الاقتصاد، والتعليم، والصحة، والتنمية المستدامة”، ومع استمرارية تعزيز التبادل الثقافي والتجاري، تسعى كلا الدولتيْن إلى تعزيز الشراكات الإستراتيجية التي تعود بالنَّفْع على شعبيهما وعلى تعزيز الاستقرار والتنمية في المنطقة الأفريقية والعالمية.

 المصادر:

[1]  قطر ورواندا.. شراكة نموذجية وعلاقات متنامية، الشرق، 2024م، متاح على: https://al-sharq.com/article/10/02/2024/%D9%82%D8%B7%D8%B1-

[2]  محمد الدابولي، تنامي العلاقات الرواندية القطرية.. الدواعي والمآلات، مركز فاروس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية، 2019م، متاح على: https://pharostudies.com/%d8%aa%d9%86%d8%a7%d9%85%d9%8a

[3]  يوسف حمود، دبلوماسية قطر أمام مهمة جديدة.. هل تنهي أزمة الكونغو ورواندا؟، الخليج أونلاين، 2023م، متاح على: https://2u.pw/RhlaFVsj