المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الدراسات الأفريقية > أوراق بحثية > العلاقات “المصرية- التنزانية”: شراكة استراتيجية ونموذج للتعاون الأفريقي المتكامل
العلاقات “المصرية- التنزانية”: شراكة استراتيجية ونموذج للتعاون الأفريقي المتكامل
- أكتوبر 12, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: أوراق بحثية تقارير وملفات وحدة الدراسات الأفريقية
لا توجد تعليقات

إعداد: شيماء ماهر
باحث في وحدة الشؤون الأفريقية
تُعَدُّ العلاقاتُ “المصرية – التنزانية” نموذجًا للتعاون الأفريقي المسُتنِد إلى إِرْثٍ تاريخيٍّ عريقٍ؛ حيث تعود جذورها إلى عهد الرئيسيْن “جمال عبد الناصر وجوليوس نيريري”، اللذين لعبا دورًا محوريًّا في دعْم حركات التحرُّر الأفريقية وتأسيس منظمة الوحدة الأفريقية؛ مما شكَّلَ أساسًا متينًا للعلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية بين البلدين، وتقوم العلاقات بينهما على مبدأ التعاون والتفاهم في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدفاع والأمن، وهناك لجنة عُلْيَا مشتركة بين البلدين تجتمع دوريًّا لتدعيم أوْجُه التعاون الشامل بين البلدين، ولا تقتصر العلاقات بين البلدين على الجانب الرسمي فحسب، بل تمتدُّ إلى روابط ثقافية وشعبية عميقة تعكس روح الأخوة والتقارُب بين الشعبين، ولذلك فإن ما يجمع مصر وتنزانيا اليوم هو أكثر من مجرد تعاون ثنائي، بل هو رؤية مشتركة لمستقبل أفريقي مُوَحَّد يقوم على التنمية المستدامة، والاستقرار، وتبادل الخبرات بما يخدم مصالح شعوب القارة بأكملها.
أولًا: الجذور التاريخية للعلاقات “المصرية – التنزانية”
تُعَدُّ العلاقاتُ “المصرية – التنزانية” نموذجًا فريدًا للتعاون بين الزعماء التحرُّريين في أفريقيا والعالم العربي؛ حيث تعود جذورها إلى الخمسينات والستينات من القرن الماضي، وترتكز على التضامن في مواجهة الاستعمار ودعم حركات التحرُّر، وبناء الوحدة الأفريقية، فقد بدأ الكفاح من أجل استقلال تنجانيقا عام 1954م، بقيادة جوليوس نيريري، وتلقَّى هذا الحراك دعْمًا مباشرًا من الرئيس جمال عبد الناصر، الذي وفَّرَ الدعم السياسي والإعلامي، من خلال إذاعة صوت العرب، التي بدأت بثًّا يوميًّا باللغة السواحلية لدعم الحركة الوطنية التنزانية، مما ساهم في نيل تنجانيقا لاستقلالها عام 1961م، ثم اندماجها مع زنجبار عام 1964م؛ لتشكيل جمهورية تنزانيا المتحدة.
وكانت مصر من أوائل الدول التي اعترفت بالدولة الجديدة وقدَّمَتْ لها الدعم السياسي والاقتصادي، وربطت بين الزعيمين عبد الناصر ونيريري علاقة وطيدة؛ حيث اشتركا في التوجُّه الاشتراكي وسعْيهما نحو التنمية المستقلة ورفْض الهيمنة الأجنبية، وقد تجلَّى هذا التقارُب في اللقاءات التاريخية بينهما، أبرزها زيارة عبد الناصر لتنزانيا عام 1966م؛ لبحث دعْم الشعوب الأفريقية غير المستقلة وتعزيز منظمة الوحدة الأفريقية[1].
وفي المقابل، زار نيريري مصر واصطحبه عبد الناصر إلى مجلس الأمة (البرلمان)، في لفتة رمزية تعكس متانة العلاقة، كما أنشأت مصر “المركز الإسلامي المصري” في دار السلام بتنزانيا عام 1968، وتحمَّلت تكاليفه بالكامل؛ ليصبح رمزًا للتعاون الثقافي والتعليمي، وتُشكِّلُ هذه الجذور التاريخية حجر الأساس لعلاقات استراتيجية طويلة الأمد، لا تزال تُسْتَلْهَمُ حتى اليوم في تعزيز التعاون بين البلدين في المجالات الاقتصادية، السياسية، والمائية.
وفي عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، شهدت العلاقاتُ “المصرية – التنزانية” تجدُّدًا ملحوظًا وتطوُّرًا استراتيجيًّا؛ حيث تمَّ البناء على الإِرْث التاريخي الذي أسَّسَهُ الزعيمان “عبد الناصر ونيريري”، وانطلقت مرحلةٌ جديدةٌ من التعاون المُكثَّف، بدأت بزيارة تاريخية قام بها السيسي إلى تنزانيا في 14 أغسطس 2017، وهي أول زيارة لرئيس مصري منذ عام 1968، وتمَّ خلالها عقْد مباحثات مُوَسَّعة مع الرئيس جون ماجوفولي، اتفق فيها الجانبان على تطوير التعاون في مجالات مكافحة الفساد، وتفعيل اللجنة المشتركة بين البلدين.
كما دعا ماجوفولي الرئيس السيسي لوضْع حجر الأساس لمشروع سد “ستيجلر جورج” (جوليوس نيريري)، مُشِيدًا بالخبرات المصرية في تنفيذ المشروعات القومية، وفي 10 نوفمبر 2021، استقبل السيسي رئيسة تنزانيا سامية حسن في أول زيارة رسمية لها لمصر؛ حيث أكَّدَ على حِرْص مصر على تعزيز التعاون الاستراتيجي في المجالات الاقتصادية، التجارية، والأمنية، ودعم الاحتياجات التنموية لتنزانيا في البنية التحتية، الكهرباء، الصحة، والزراعة، من خلال استثمارات الشركات المصرية ونقل الخبرات.
ثانيًا: أبعاد العلاقات “المصرية – التنزانية”
البعد السياسي والدبلوماسي
تقوم العلاقاتُ السياسيةُ والدبلوماسيةُ بين مصر وتنزانيا على أُسُسٍ تاريخية راسخة، تعود إلى حِقْبة الزعيمين جمال عبد الناصر و”جوليوس نيريري”، اللذين أسهما في تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية، وترتكز على التعاون والتنسيق في المجالات السياسية، الاقتصادية، الأمنية، وقضايا القارة الأفريقية، خاصَّةً ملفات شرق أفريقيا ودول حوض النيل؛ حيث تُعَدُّ تنزانيا شريكًا استراتيجيًّا لمصر في تعزيز التكامل الإقليمي، وتعود بداية تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، حينما أصبح سالم أحمد سالم أول سفير لتنزانيا لدى مصر عام ١٩٦٤م، في أعقاب الوحده بين “تنجانيقا وزنجبار”.
وفي عام ١٩٦٦م، الرئيس جمال عبدالناصر إلى تنزانيا، في زيارة رسمية، التقى خلالها بالرئيس الراحل “جوليوس نيريرى”، وأعضاء حزب الاتحاد الوطني التنزاني، تناولت المباحثات الرسمية بين الرئيسين “عبدالناصر ونيريري” التنسيق بين جمهورية مصر العربية وجمهورية تنزانيا الاتحادية؛ لمساعدة الشعوب الأفريقية التي لم تحصل على الاستقلال آنذاك، وكذلك وسائل تدعيم منظمة الوحدة الأفريقية.
وقد جمعت بين الزعيمين صداقة قوية؛ نظرًا لتشابه مشروع “نيريرى” في تنزانيا، مع مشروع “ناصر” في مصر؛ حيث رفع كلاهما شعار “الاشتراكية”، وتبنَّى كلاهما التوجُّهات المشتركة نفسها تِجَاه قضايا القارة الأفريقية والقضايا الدولية، ومن الوقائع التاريخية التي تعكس هذه العلاقة، الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس التنزاني “نيريري” لمصر؛ حيث اصطحبه الرئيس جمال عبد الناصر إلى مجلس الأمة في مصر.
وفي السياق ذاته، زار الرئيس “بنجامين مكابا” مصر وبحث مع الرئيس المصري “حسني مبارك” في يوليو ١٩٩٩م، العديد من المسائل الاقتصادية، وسُبُل تعزيز العلاقات بين البلدين؛ لترْقَى إلى مستوى العلاقات السياسية، لتتكرر الزيارة مرة ثانية في ٢١ يناير ٢٠٠٣م؛ ليتباحثا عددًا من القضايا الأفريقية، وسُبُل دعم العلاقات الثنائية، وفضّ المنازعات والقضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك[2].
وكان التطوُّر الأبرز في العلاقات “المصرية – التنزانية”، في أغسطس٢٠١٧م، حينما قام الرئيس عبد الفتاح السيسي، بزيارة إلى دولة تنزانيا، وتُعَدُّ أول زيارة لرئيس مصري منذ عام ١٩٦٨م، وكان في استقباله الرئيس التنزاني “جون ماجوفولي”، وكبار المسؤولين التنزانيين، خلال الزيارة عقد الرئيس السيسي جلسة مباحثات ثنائية مع الرئيس التنزاني، أعقبتها جلسةُ مباحثات مُوَسَّعة بحضور وفديْ البلدين، واتفق الرئيسان على تطوير التعاون بين البلدين في مجال مكافحة الفساد، وتفعيل اللجنة المشتركة بين الدولتين؛ بهدف تعزيز التعاون بين مصر وتنزانيا، كما دعا الرئيس “ماجوفولي” الرئيس السيسي لوضْع حجر الأساس لمشروع السد التنزاني، مُعْرِبًا عن تطلُّعِهِ لأن يضع الرئيس مشروع إنشاء السد تحت إشراف سيادته أسوة بالمشروعات القومية الكبرى التي تُنفِّذُها مصر.
كما أجرى الرئيس السيسي اتصالًا هاتفيًّا مع الرئيسة التنزانية “سامية حسن” في يونيو 2021م، هنَّأَها فيه بتولِّيها الرئاسة، وتمَّ خلاله مناقشة تطوير التبادل التجاري ودعم المشروعات التنموية، أبرزها سد “جوليوس نيريري” الذي يُعَدُّ نموذجًا للشراكة المصرية التنزانية، كما تشهد العلاقات نشاطًا دبلوماسيًّا مُكثَّفًا على مستوى الوزراء؛ حيث التقى وزير الخارجية المصري نظيره التنزاني على هامش اجتماعات دولية لبحْث تعميق التعاون الثنائي، وتُعَدُّ اللجنة العليا المشتركة بين البلدين الآلية الرئيسية لدفْع علاقات التعاون في جميع المجالات، بما يعكس التزام الطرفين بتعزيز الشراكة الاستراتيجية وتوحيد المواقف تِجَاه القضايا الإقليمية والدولية.
وهناك تنسيقٌ مستمرٌّ بين وزارتيْ خارجية البلدين، عبر لقاءات دورية وجلسات تشاور، ويتمُّ دعم كل طرف للآخر في المحافل الدولية، مِثْل دعم تنزانيا للمرشح المصري في اليونسكو، ومشاركة مصر في منتديات السلام والتنمية المستدامة الأفريقية، كما يؤكد الجانبان دائمًا على أهمية استمرار التعاون في ملفِّ حوض النيل والمشروعات القومية الكبرى[3].
وتعمل القيادتان الحالية على تطوير هذه العلاقة من خلال لقاءات رئاسية دورية واتصالات مستمرة، كان أبرزها لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي مع رئيسة تنزانيا “سامية حسن” على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو نوفمبر 2024، ولقاء سابق في ديسمبر 2023 بالقاهرة؛ حيث تمَّ التأكيد على تعزيز التعاون في البنية التحتية، الزراعة، والثروة الحيوانية.
البُعْد الاقتصادي والتجاري
يشهد التعاونُ الاقتصاديُّ بين مصر وتنزانيا طفرةً كبيرةً، تُرْجِمَتْ في استثمارات ضخمة، تبادل تجاري متنامٍ، وشراكات استراتيجية في قطاعات حيوية، ففي فبراير 1967م، وقَّعت الحكومتان بروتوكول للتجارة ويُعَدُّ بمثابة استكمال لاتفاق التجارة المُوقَّع بين البلدين في عام 1964م، وفي عام 1980م، وُقِّع الاتفاق العام للتعاون الاقتصادي بين جمهورية مصر العربية وجمهورية تنزانيا الاتحادية، وتمَّ توقيع اتفاقية التعاون الفني فيما بين الصندوق المصري للتعاون الفني وتنزانيا في عام 1981م، وفي 2002م، تمَّ توقيع اتفاقية لإنشاء مجلس أعمال تنزانى – مصرى بين جمعية رجال الأعمال المصريين، واتحاد غُرَف التجارة والصناعة والزراعة التنزانى، كما تمَّ التباحُث حول الاتفاقية الخاصة بتبادل الإعفاء الجمركي بين البلدين، والذى يتمُّ بموجبه خفْض الجمارك على السِّلَع من الجانبين، وفي يوليو 2003م، اتفق وزير التجارة والصناعة التنزاني مع وزير التجارة الخارجية المصري، على ضرورة إقامة منطقة تجارة حرة بين البلدين؛ بهدف دعم الاستثمارات والتعاون التجارى[4].
وفي عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي، وجَّهَتْ مصر اهتمامًا كبيرًا بتنزانيا، وبلغت قيمة الاستثمارات المصرية في تنزانيا أكثر من 1.36 مليار دولار؛ مما يجعل مصر من بين أكبر 10 دول مستثمرة في البلاد، وتركز هذه الاستثمارات على قطاعات البناء، الطاقة، الصناعات الغذائية، والكيماوية، وتشمل أبرز السِّلَع المصدرة من مصر إلى تنزانيا منتجات الكيماويات المتنوعة، الدهانات، الأحبار، المواد المالئة، المنتجات البلاستيكية، الأسمدة، مواد تنقية المياه، والمنظفات، بينما تستورد مصر من تنزانيا منتجات زراعية، مثل “القهوة والتَّبْغ”، بالإضافة إلى جوز الهند والذهب، وبلغت واردات تنزانيا من مصر أكثر من 54 مليون دولار في 2023، مقابل صادرات تنزانية تجاوزت 4.7 مليون دولار؛ مما يعكس تبادُلًا تجاريًّا غير متوازن لصالح مصر، لكنه يُعَدُّ حافِزًا لتوسيع نطاق الشراكات[5].
وقد تمَّ تنظيم بعثات تجارية مشتركة لتعزيز هذا التعاون، أبرزها بعثة تجارية مصرية إلى تنزانيا في فبراير 2025، شاركت فيها 23 شركةً مصريةً من قطاعات الصناعات الكيماوية، مواد البناء، والحراريات؛ بهدف فتْح أسواق جديدة وتوقيع صفقات تجارية، كما نظّمت جمعية رجال الأعمال المصريين الأفارقة بعثة اقتصادية تنزانية إلى مصر، ضمَّتْ أكثر من 50 رجل أعمال؛ لاستكشاف الفُرَص في السياحة، الزراعة، الطاقة، والبنية التحتية، وشملت الزيارة جولات ميدانية لمزارع، مصانع دوائية، ومواقع تطوير عقاري، إضافةً إلى لقاءات مع مسؤولين حكوميين، بما في ذلك وزارة الإسكان التي عرضت فُرَصًا استثمارية في قطاع العقارات، كما تمَّ افتتاح منتدى أعمال مشترك في مارس 2025، بحضور وزراء الخارجية من البلدين، وتمَّ خلاله التأكيد على تشجيع الشركات المصرية لتوسيع وجودها في أفريقيا، خاصَّةً مع تأسيس “الوكالة المصرية لضمان الصادرات والاستثمار” لدعم التوسع في الأسواق الأفريقية.
وأبرز مثال على هذا التعاون، هو مشروع سد ومحطة “جوليوس نيريري” للطاقة الكهرومائية، الذي تُنفِّذُه شركتا “المقاولون العرب” و”السويدي إليكتريك” بتكلفةٍ تزيد على 3 مليارات دولار، ويعتبر من أكبر المشروعات التنموية في شرق أفريقيا، ويُعَدُّ نموذجًا رائدًا للتعاون الأفريقي المشترك؛ حيث يُسْهِمُ في تأمين الطاقة، وتحفيز التنمية الصناعية والزراعية في تنزانيا، كما تسعى مصر لتعزيز التكامل اللوجستي، من خلال افتتاح فروع لبنوك مصرية في دار السلام، وتدشين خطِّ نقْل بحري مباشر، وتنفيذ مشروع منطقة لوجستية مصرية في تنزانيا؛ لتسهيل حركة البضائع والتجارة، وتشمل خطط التعاون المستقبلية نقْل الخبرات المصرية في الزراعة المحمية، الصناعات الدوائية، وتطوير المجتمعات العمرانية إلى تنزانيا، من خلال مشاريع تنموية وتدريب مشترك، وتمَّ تنفيذ العديد من مشاريع الموارد المائية ومنها حفْر آبار جوفية لتوفير مياه الشرب للمناطق النائية، مع العمل على زيادة هذه المشروعات، وفْق مذكرة تفاهم لتشمل 60 بئرًا، وتنفيذ سدَّيْن لحصاد مياه الأمطار؛ لتحقيق الأمن المائي والتنمية المستدامة، وتُشكِّلُ هذه العلاقات نموذجًا للتعاون الأفريقي القائم على المنفعة المتبادلة، وتعزز من دور مصر كمركز صناعي وتجاري في شرق أفريقي[6].
قطاع الطُّرُق والنقل:
توجَّهَ الفريق مهندس “كامل الوزير” وزير النقل، بزيارة لدولة تنزانيا، التقى خلالها بمسؤولي هيئة التجارة بتنزانيا TAN TRADE ؛ حيث بحث الوزير مع مسؤولي الهيئة الحكوميين والقطاع الخاص بالإضافة إلى مسؤولي اتحاد الصناعات التنزاني سُبُل تدعيم حركة التجارة بين البلدين وزيادة التعاون بين الموانئ المصرية والتنزانية، وأكَّدَ وزير النقل خلال تصريحات صحفية، أن هذه الزيارة تأتي في إطار توجيهات القيادة السياسية بالعمل على تعزيز التعاون وتعظيم التجارة البينية مع دول القارة الأفريقية.
وفي ضوء أهمية دفْع تنفيذ عددٍ من المشروعات القارِّية المهمة التي تصُبُّ في خدمة تعزيز العلاقات مع دول القارة ومردودها الاقتصادي على مصر؛ حيث يُمثِّلُ ميناء دار السلام بتنزانيا أحد أهم موانئ الارتكاز في شرق أفريقيا لافتًا إلى مقترح ربط هذا الميناء مع أحد الموانئ المصرية ( ميناء سفاجا)، من خلال تسيير خطّ مِلَاحِي منتظم وصولا لميناء دار السلام بتنزانيا، وكذلك إنشاء منطقة لوجستية في كُلٍّ من دار السلام بتنزانيا وكيجالىن برواندا لتجميع الصادرات المصرية ونقلها بحْرًا إلى تنزانيا ومنها برًّا إلى رواندا، ثمَّ إلى باقي دول وسط أفريقيا الحبيسة[7].
وأكَّدَ وزير النقل أهمية التعاون المشترك في مجال المناطق الصناعية الموجودة على أرض تنزانيا، والتي تطمح في زيادة عدد مصانعها أو في مجال تطوير ميناء دار السلام أو خط السكك الحديدية الحالي، وكذلك التعاون في إنشاء ميناء جاف ومناطق لوجستية في منطقة كوالا، وناقش الجانبان أهمَّ طُرُق ربط المشروعات بعضها البعض وهي شبكه الطُّرُق الداخلية في تنزانيا، بالإضافة إلى الطريق الرئيسي البري الذي يربط مصر بتنزانيا، في إطار طريق القاهرة كيب تاون، والذي يمُرُّ بـ١٠ دول أفريقية منها في جمهورية تنزانيا الاتحادية.
قطاع الثروة الحيوانية والسمكية :
تعهَّدَتْ مصر في فبراير 2024م، بالتعاون مع تنزانيا؛ لتعزيز قطاع الثروة الحيوانية والسمكية؛ حيث أجرى اللواء “ريتشارد ماكانزو” سفير جمهورية تنزانيا الاتحادية لدى مصر، مباحثات مع البروفيسور “سعد موسى” مشرف العلاقات بوزارة الزراعة، وهيئة إدارة حظر النباتات؛ لتعزيز العلاقات، وبحث مجالات جديدة للتعاون بين وزارة الزراعة في تنزانيا ووزارة الزراعة المصرية.
وشدَّدَ البروفيسور سعد على ضرورة الإحياء والتنفيذ الكامل لاتفاقية التعاون المُوقَّعة عام 2018م، في القطاع الزراعي، من خلال لجنة التعاون المشترك (JPC)، كما أوضح ضرورة إحياء مذكرتي التفاهم في قطاع الزراعة اللتيْن تمَّ التوقيع عليهما؛ لزيادة نطاق التعاون في قطاع الثروة الحيوانية، والمعدات الزراعية، والري، وصيد الأسماك، وأنواع التدريب المختلفة؛ لتوفير الفرص للمسؤولين الزراعيين من تنزانيا وزنجبار، وأعرب اللواء ريتشارد ماكانزو عن شكره للتعاون الجيد بين تنزانيا ومصر في مختلف القطاعات بما في ذلك الزراعة، وشدَّدَ على ضرورة مواصلة تعزيز العلاقة والتعاون القائمين، من خلال تعزيز قطاع صيد الأسماك[8].
البُعْد التعليمي والثقافي
تشمل مجالات التعاون التعليمي والثقافي بين مصر وتنزانيا مجموعة متكاملة من الأنشطة والمبادرات التي تهدف إلى تعزيز التفاهم المتبادل، وبناء القدرات، ونقل الخبرات؛ حيث تُقدِّمُ مصر مِنَحًا دراسية سنوية للطلاب التنزانيين في مختلف التخصُّصات التي تحتاجها تنزانيا، خاصة في مجالات الطب، الصيدلة، الهندسة، والعلوم، وذلك من خلال وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، كما تمَّ توقيع مذكرات تفاهم بين البلدين في مجالات التعليم العالي، والتربية والتعليم، والشباب والرياضة، لتعزيز التعاون المؤسسي.
كما أنشأت مصر وتدير وتتحمل تكاليف المركز الإسلامي المصري بدار السلام، الذي تمَّ افتتاحه عام 1968، ويُعَدُّ من أبرز مظاهر التعاون الثقافي بين مصر وتنزانيا؛ حيث يدرس به ما يزيد عن 1400 طالبٍ في مراحل التعليم المختلفة من المرحلة الابتدائية حتى الثانوية، كما يرسل المركز سنويًّا 20 دارسًا لاستكمال دراستهم بالأزهر الشريف بمصر.
وعلى صعيد التعليم الأزهري، تمَّ إنشاء شعبة لدراسة اللغة السواحلية في كلية الألسن، وكلية اللغات والترجمة بالأزهر الشريف؛ لتسهيل التواصل الثقافي والديني، كما تعاونت وزارة الأوقاف المصرية مع دار الإفتاء بتنزانيا لنشْر الفكر الوسطي ومواجهة التطرُّف، من خلال تدريب الأئمة والواعظات التنزانيين بأكاديمية الأوقاف الدولية بالقاهرة، ودعْم المركز الثقافي المصري في تنزانيا، وفي المجال الثقافي، تُعزِّزُ العلاقات من خلال تبادل الوفود الإعلامية؛ حيث استقبلت وكالة أنباء الشرق الأوسط وفدًا إعلاميًّا تنزانيًّا كبيرًا في 2018، بحث خلاله الجانبان، تبادل الأخبار وتعزيز الصورة الإيجابية بين الشعبين.
كما تمَّ تبادل الخبرات في مجالات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والنقل الجوي؛ حيث تمَّ الاتفاق على تنشيط الرحلات الجوية بين البلدين، وتشجيع التعاون الفني بين شركات الطيران، وفي المجال الرياضي، التقى وزيرا الشباب والرياضة من البلدين؛ لبحْث تبادل الخبرات وتقديم التدريب، وتمَّتْ زيارة وفد تنزاني للمركز الرياضي لنادي الجزيرة؛ للاطلاع على منظومة رعاية المواهب؛ مما يعكس التزام الطرفين ببناء شراكة شاملة تجمع بين التعليم، الثقافة، الإعلام، والرياضة[9].
البُعْد الصحي
أهْدَتْ مصرُ، في 2012م، جهاز أشعة لمستشفى الشرطة بدار السلام ، وتجهيز مشرحة كاملة للمستشفى نفسها، كما تمَّ القيام بتجهيز جناح الجراحة بمستشفى Bagamoyo، كما أهْدَتْ الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية للمستشفى الجامعي بدار السلام وحدة كاملة لجراحات مناظير الكُلَى والمسالك البولية، تمَّ تسليمها بالفعل في مارس 2014م، إضافةً إلى 4 أجهزة للغسيل الكلوي.
وفي 17/8/2016، قام وفدٌ مُكَوَّنٌ من 7 أطباء من جامعة الاسكندرية، بزيارة لتنزانيا وجزيرة زنزبار، في إطار الاتفاق الموقع بين جامعة الأسكندرية وجامعة موهمبيلى الهادف إلى دعم التعاون الصحي والعلمي بين الجامعتين لإجراء عمليات جراحية للأطفال، وكانت هذه الزيارة هي الثالثة للعام الثالث على التوالي لوفد طبي من جامعة الاسكندرية؛ حيث قام وفدٌ طبيٌّ مماثلٌ في العامين 2014، 2015، بزيارة تنزانيا لإجراء عمليات جراحية وعلاج بعض الأطفال الذين يحتاجون رعاية طبية عاجلة.
وقامت مؤسسة “نيل الأمل” المصرية في 2017م، بإطلاق قافلة الأمل لجراحات الأطفال والتشوُّهات الخَلْقِيَّة التخصُّصية الرابعة بمدينة زنجبار؛ لعلاج الأطفال المصابين بتشوهات خلقية بالمجان؛ حيث أجرت القافلة أكثر من ٥٠ عمليةً جراحيةً، وقامت بتوقيع الكشف الطبى على أكثر من ٢٠٠ طفل[10].
وعلى المستوى المؤسسي، يشهد التعاون الصحي تواصلًا مُكثَّفًا بين وزارتيْ الصحة في البلدين؛ حيث استقبل نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة المصري السفير التنزاني في أغسطس 2024؛ لبحْث سبل دعم القطاع الصحي في تنزانيا، وتمَّ التأكيد على استمرار إرسال القوافل الطبية، وتعزيز التبادل الفني والعلمي، كما تُعَدُّ مصر من أوائل الدول التي تقدم دعمًا طبيًّا مُنَظَّمًا لأفريقيا من خلال “الوكالة المصرية؛ لضمان الصادرات والاستثمار”، التي تنسق جهود الدعم الطبي، وتشجع مشاركة القطاع الخاص في إنشاء مراكز طبية متخصصة في القارة؛ مما يعكس رؤية استراتيجية تجمع بين المسؤولية الإنسانية والقوة الناعمة المصرية في أفريقيا.
ويشمل التعاون الصحي بين مصر وتنزانيا مجموعة من المبادرات والأنشطة المُكثَّفة التي تهدف إلى تحسين الخدمات الطبية، وبناء القدرات، ونقْل الخبرات الطبية المصرية المتميزة؛ حيث تُنَظِّمُ مصر بانتظام قوافل طبية متخصصة إلى تنزانيا، أبرزها القافلة التي نظمتها كلية الطب بجامعة أسوان في أكتوبر 2025، والتي قدَّمَتْ خدمات طبية مجانية لعشرات المرضى في تخصُّصات مختلفة، وشملت إجراء عمليات جراحية، وتقديم الأدوية والمستلزمات الطبية، وذلك بالتنسيق مع الجمعية المصرية الأفريقية لأمراض القلب، والتي نفَّذَتْ مبادرات مماثلة في أوغندا وتنزانيا، مع خُطَطٍ مستقبلية للتوسُّع إلى دول أخرى.
كما تمَّ توقيع بروتوكولات تعاون طبي بين الجانبين، تشمل تدريب الأطباء التنزانيين في التخصُّصات الدقيقة، خاصَّةً أمراض القلب، وإرسال الكوادر الطبية المصرية؛ لإجراء عمليات جراحية في المستشفيات التنزانية، كما تمَّ الاتفاق على اختيار حالات حَرِجَة من تنزانيا لعلاجها في مصر، ودعم المستشفيات هناك بالأدوية والمستلزمات الطبية، خاصَّةً أدوية القلب.
البُعْد العسكري الأمني
بحث وزير الدولة للإنتاج الحربي “محمد سعيد العصَّار” في نوفمبر 2017م، مع مدير وكالة الاستخبارات والخدمات الأمنية التنزاني “موديستوس كيبيليمبا” سُبُل تعزيز التعاون الثنائي، وأكَّدَ العصَّار على توفير كافَّة مطالب الجانب التنزاني، سواء العسكرية أو المدنية، بما يعزز التعاون الثنائي بين الجانبين.
وفي مارس 2019م، استقبل الرئيس “عبد الفتاح السيسى” الوزير “حسين موينى” وزير الدفاع والخدمة الوطنية التنزاني، وفي ضوء الزيارة، رحَّب الرئيس بجهود دعم التعاون العسكري بين البلدين، لا سيما في ضوء انعقاد لجنة التعاون العسكري بالقاهرة برئاسة وزيريْ دفاع الدولتين.
وقد شَهِدَ التعاونُ العسكريُّ بين مصر وتنزانيا تطوُّرًا ملحوظًا في أغسطس 2025م؛ حيث التقى الفريق أول عبد المجيد صقر، القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع والإنتاج الحربي، مع السيدة ستيرجومينا لورانس تاكس، وزيرة الدفاع والخدمة الوطنية التنزانية، والوفد المرافق لها، في مقرِّ الأمانة العامة لوزارة الدفاع المصرية، وأُجْرِيَتْ مراسم استقبال رسمية، عُزِفَتْ خلالها الموسيقى العسكرية للسلام الوطني لكلا البلدين، وتناول اللقاء مناقشة عددٍ من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك، وسُبُل تعزيز أوْجُه التعاون العسكري بين القوات المسلحة المصرية والتنزانية[11].
وأكَّدَ القائد العام للقوات المسلحة على عُمْق الروابط والعلاقات التاريخية بين البلدين، وحَرِصَ القيادة العامة للقوات المسلحة على زيادة أوَاصِرِ التعاون في مختلف المجالات العسكرية، من جانبها؛ أعربت وزيرة الدفاع التنزانية عن تقديرها للدور المحوري لمصر في دعم السلام والاستقرار بالقارة الأفريقية، وعبَّرَتْ عن تطلُّعِها لزيادة التعاون المشترك بين البلدين في المرحلة المقبلة، وعقب اللقاء، وقَّعَ الجانبان اتفاقية تعاون عسكري تهدف إلى نقْل وتبادل الخبرات في العديد من المجالات العسكرية، بما يُسْهِمُ في تعزيز القدرات الدفاعية وبناء الكوادر العسكرية في كلا البلدين، وحضر اللقاءَ وتوقيعَ الاتفاقِ كُلٌّ من الفريق أحمد خليفة، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، والفريق سالوم حاجي عثمان، رئيس أركان قوات الدفاع الشعبي التنزانية، وقادة الأفْرُع الرئيسية وعدد من قادة القوات المسلحة المصرية والتنزانية، بالإضافة إلى السفير والملحق العسكري التنزاني بالقاهرة؛ مما يعكس التزام الطرفيْن بتعزيز الشراكة الأمنية ومواجهة التحديات الإقليمية المشترك
البُعْد الإعلامي