المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الدراسات الأفريقية > أوراق بحثية > العلاقات “المصرية – الجنوب سودانية”: شراكة استراتيجية من أجل التنمية والاستقرار الإقليمي
العلاقات “المصرية – الجنوب سودانية”: شراكة استراتيجية من أجل التنمية والاستقرار الإقليمي
- نوفمبر 19, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: أوراق بحثية تقارير وملفات وحدة الدراسات الأفريقية
لا توجد تعليقات

إعداد: شيماء ماهر
باحث في وحدة الشؤون الأفريقية
تُمثل العلاقات بين القاهرة وجوبا نموذجًا فريدًا للتعاون الاستراتيجي في منطقة حوض النيل، حيث تجمع الدولتين روابط تاريخية وثقافية وجغرافية عميقة تمتد إلى ما قبل استقلال جنوب السودان، فمنذ إعلان استقلال جوبا عام 2011م، حرصت القاهرة على تعزيز أواصر الصداقة والدعم المتبادل، انطلاقًا من إدراكها لأهمية جنوب السودان كعمق استراتيجي ورافد مهم لاستقرار حوض النيل، وتنعكس متانة هذه العلاقة في مجالات متعددة تشمل السياسة والتعليم والصحة والبنية التحتية، مما يفتح آفاقًا واعدة لشراكة تنموية تخدم تطلعات الشعبين وتدعم الاستقرار الإقليمي.
أولًا: الجذور التاريخية للعلاقات “المصرية- الجنوب سودانية”
كانت مصر ثاني دولة في العالم تعترف بجمهورية جنوب السودان كدولة مستقلة بعد جمهورية السودان الشقيقة مباشرة، فور إعلان نتائج الاستفتاء على استقلال جنوب السودان عام 2011م، وشاركت بوفد في احتفالات إعلان الدولة في جوبا في التاسع من يوليو عام 2011م، وقام الوفد المصري المشارك في الاحتفالات بتسليم خطاب رسمي بالاعتراف بجمهورية جنوب السودان، مؤكداً على حرص مصر على دعم وتعزيز العلاقات وإقامة علاقات دبلوماسية معها، ومؤكداً على دعم رغبة أبناء الجنوب فى أن تكون لهم دولة مستقلة خاصة بهم ومنفصلة عن الشمال، والتوصل إلى حلول للصراعات بالطرق السلمية لتحقيق الاستقرار وبما يؤمن علاقات جيدة في جنوب السودان والقارة الأفريقية، ومنذ ذلك التاريخ تحرص مصر وجنوب السودان على التنسيق بين البلدين لتحقيق الاستقرار في جنوب السودان والقرن الأفريقي والقارة الإفريقية[1].
ثانيًا: أبعاد العلاقات المصرية – الجنوب سودانية
1- البعد السياسي والدبلوماسي
تشهد العلاقات بين مصر وجنوب السودان على الصعيد السياسي نمواً وتطوراً ملحوظاً، وتتواصل المشاورات والتنسيق المشترك بين قيادتي البلدين والمسئولين في المحافل الدولية وقمم الاتحاد الأفريقي أو خلال المنتديات أو من خلال تكثيف الزيارات المتبادلة بين الدولتين، حيث تعود جذور هذه العلاقة إلى دعم مصر المتواصل لاستقلال جنوب السودان منذ إعلانه دولة مستقلة في عام 2011.
كما حرصت مصر على إقامة علاقات دبلوماسية قوية مع جنوب السودان، وشاركت بفاعلية في دعم استقرار الدولة الناشئة من خلال إرسال أكبر قوة لقوات حفظ السلام الدولية إلى جنوب السودان، فضلاً عن دعمها للمشروعات التنموية والبنية التحتية التي تهدف إلى تحقيق السلام والتنمية في البلاد، وتعكس هذه العلاقات رغبة مصر في ضمان أمنها القومي من خلال العمل على تقليص فرص التواجد الفاعل للقوى المعادية لمصالحها في شمال وجنوب السودان، وكذلك منع النزاعات العرقية والإثنية والدينية التي قد تهدد الاستقرار في المنطقة، وتتسم السياسة المصرية تجاه جنوب السودان بالحرص على مذاکرات مستمرة وتعاون دبلوماسي وثيق يعزز الاستقرار السياسي، إذ تحرص القاهرة على دعم الحوار الداخلي في جنوب السودان وتشجيع التوافق الوطني بين مختلف الأطراف، انطلاقاً من دورها الإقليمي ومحاولاتها لتثبيت السلام في القرن الأفريقي[2].
وتؤكد مصر على دعمها الكامل غير المحدود لجهود حكومة جنوب السودان في تحقيق السلام والاستقرار في البلاد، وكانت لمصر مواقف واضحة إزاء بعض التحديات السياسية التي واجهت جنوب السودان ولاسيما قضية ” أبيي”، الغنية بالبترول المتنازع عليها بين الشمال والجنوب والتى تم تحويل قضيتها إلى محكمة التحكيم الدائمة بلاهاى لتحديد حدودها، إذ رحبت مصر بالقرار الذى صدر عن المحكمة ودعت الأطراف إلى الالتزام به.
وتواصل كلتا الدولتين التعاون المشترك فيما يتعلق بالملفات المطروحة على الساحة الإقليمية، خاصة منطقتي حوض النيل والقرن الإفريقي، بما يكفل تعزيز القدرات الأفريقية لمواجهة التحديات التي تواجه القارة ككل، والتأكيد على ضرورة تكثيف وتيرة انعقاد اللقاءات الثنائية بين كبار المسئولين من البلدين بصورة دورية للتنسيق المتبادل تجاه التطورات المتلاحقة التي يشهدها المحيط الجغرافي للدولتين.
2- البعد الاقتصادي والتجاري
يشغل جنوب السودان حوالى ربع مساحة السودان البالغة 2.5 مليون كليو متر مربعا تقريبا ، وتشكل المراعى 40 % من الجنوب السودانى و الأراضى الزراعية 30 % بينما تشغل الغابات الطبيعية 23 % و المسطحات المائية 7 % من مجمل المساحة، ومنذ إنتهاء الحرب الأهلية وتوقيع إتفاق السلام الشامل توافد الى الجنوب معظم المنظمات الدولية والإقليمية ومنظمات المجتمع المدنى للمساهمة فى أنشطة الأعمار والتنمية والتطوير، بمشاركة القطاع الخاص والمستثمرين العرب لفتح الطرق الرئيسية لربط شمال السودان بالجنوب وبدول الجوار بالإضافة إلى تنفيذ خطة لتطوير النقل النهرى مكن كوستى لجوبا، تطوير خط سكك حديدية التى تسهل إنتقال البضائع والأفراد.
وقد أدى توقيع إتفاق السلام الشامل فى 2005 إلى تزايد الإهتمام الدولى والإقليمى لتطوير وتنمية جنوب السودان ، وهو ما دفع مجلس وزراء الخارجية العرب لإقرار افتتاح مكتب للجامعة العربية فى جنوب السودان لتنسيق العون العربى للمساهمة وتنفيذ اتفاقية السلام الشامل والعمل على دعم انشطة إعادة الأعمار والنهوض بجنوب السودان، وشاركت مصر بوفد كبير ضم أكثر من ١٠ شركات في مؤتمر الاستثمار الذي عقد في ٤ ديسمبر ٢٠١٣م وتم خلاله الاتفاق على عدد من المشروعات، ولكن الأزمة الحالية التي بدأت بعد عشرة أيام من نهاية المؤتمر أدت إلى توقف كل الاستثمارات نظرا للتدهور السريع في الوضع الأمني وضعف البنية التحتية، وهما مازالا يقفان حائلا دون استغلال موارد جنوب السودان المتعددة الاستغلال الأمثل[3].
وهناك تواجد محدود لرجال الأعمال المصريين في جنوب السودان، فشركة القلعة تمتلك أراض بولاية الوحدة تبلغ مساحتها 225 ألف فدان إلا أنه لم يتم بدء الزراعة سوى بمساحة 5 آلاف فدان فقط، وتعمل شركة”Tri-Ocean ” النفطية بجنوب السودان ضمن شركات أخرى صينية وماليزية وهندية لإنتاج النفط بولاية “أعالي النيل”، كما تعمل شركة “Asec” في مجال الإسمنت بجنوب السودان، وتمتلك مجموعة أحمد بهجت أرض بجوبا لإقامة فندق خمس نجوم، وقد انتهت المجموعة من بناء مول تجاري بجوبا، كما تم افتتاح قناة إذاعية DREAM FMوهناك شركة مصرية لصناعة الأثاث والمقاولات والبناء والتشييد.
كما يتردد عدد من رجال الأعمال المصريين لجوبا بشكل غير منتظم لتصدير منتجات غذائية بسيطة، في وفي مجال الكهرباء تسعى مصر لإنشاء محطات طاقة شمسية بقدرة إجمالية 5 ميجا وات في جنوب السودان ضمن مشروعات المبادرة المصرية لتنمية دول حوض النيل، وتم اختيار ولاية غرب بحر الغزال (واو) لإنشاء أول محطة طاقة شمسية
ويعد التعاون بين مصر وجنوب السودان في مجال الكهرباء من الركائز المهمة في علاقتهما الثنائية، حيث تشهد هذه العلاقة تطوراً ملحوظاً في إطار دعم القاهرة للاستقرار والتنمية المستدامة في جنوب السودان، وفي هذا السياق، تعمل مصر على تنفيذ مشاريع استراتيجية لتوليد ونقل الطاقة الكهربائية إلى جنوب السودان، أبرزها إنشاء خط نقل كهربائي بقدرة 400 كيلوفولت يمتد من محطة أولويو الفرعية في مصر إلى جوبا عاصمة جنوب السودان، مما يتيح ضخ الكهرباء اللازمة لدعم البنية التحتية وتحسين جودة الخدمات الكهربائية[4].
كما أُعيد تأهيل وتشغيل محطة كهرباء رومبيك جنوب السودان بدعم مصري، وهو ما يعكس حرص مصر على تطوير منظومة الطاقة في البلد الشقيق إلى جانب ذلك، وقعت الشركة القابضة لكهرباء مصر اتفاقيات مع حكومة جنوب السودان لإعادة تأهيل محطات الكهرباء المختلفة وتنفيذ مشاريع جديدة، في إطار تنفيذ توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي لتعزيز الشراكة بين البلدين، ولا يقتصر هذا التعاون الكهربائي على نقل الطاقة فقط، بل يتعداه إلى دعم مشاريع الطاقة الشمسية لتوفير حلول مستدامة ومتجددة، والمساهمة في تطوير شبكات توزيع الكهرباء داخل جنوب السودان، مما يسهم في تحسين حياة المواطنين وتوفير فرص العمل وتعزيز التنمية الاقتصادية. وتجدر الإشارة إلى أن مصر تخطط لتصدير الكهرباء إلى جنوب السودان عبر خطوط ربط تمر بالسودان، وهو ما يعكس تكامل الجهود بين البلدان الثلاثة في مجال الربط الطاقي.
ويُعد التعاون الزراعي بين مصر وجنوب السودان من المجالات الحيوية التي تعكس عمق العلاقة الاستراتيجية بين البلدين، حيث تسعى مصر إلى استثمار خبراتها الزراعية الواسعة في دعم التنمية الزراعية في جنوب السودان، وذلك عبر عدة محاور رئيسية. تنفذ مصر مشروعًا زراعيًا ضخماً في شمال السودان يستهدف زراعة مليون فدان خلال ثلاث سنوات، بدءاً بتوسعة قدرات الإنتاج لمحاصيل مثل القمح والذرة وفول الصويا والأرز، بهدف تعزيز الأمن الغذائي لكلا البلدين والاستفادة من الأراضي الخصبة في المنطقة[5].
ويتضمن التعاون تبادل الخبرات الزراعية، التدريب الفني والتقني، وتصنيع المنتجات الزراعية في جنوب السودان، حيث تولي مصر اهتمامًا بتقديم الدعم الفني لمساعدة المزارعين وجذب الاستثمارات في القطاع الزراعي بجنوب السودان، كما شمل التعاون اتفاقيات لزيادة صادرات الأسمدة المصرية إلى جنوب السودان وتوريد تقاوي عالية الجودة لتحسين إنتاجية المحاصيل، بالإضافة إلى بحث مشاريع مشتركة لتعزيز الأمن الغذائي المشترك، ويرافق هذا التعاون دعم مصري في مجالات الثروة الحيوانية والاستزراع السمكي بالإضافة إلى بناء القدرات للمختصين الزراعيين من جنوب السودان، مما يعزز من تنمية القطاع الزراعي بشكل شامل. كما يتم بحث التعاون في إدارة الموارد المائية والري باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من تطوير الزراعة في جنوب السودان، مع الحرص على توافق الجهود لتحقيق تنمية مستدامة في المجال الزراعي بما يخدم مصالح البلدين ويعزز الاستقرار الغذائي في المنطقة.
العلاقات المائية بين مصر و جنوب السودان