المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الدراسات الأفريقية > أوراق بحثية > العلاقات المصرية الرواندية: شراكة إستراتيجية وطموح سياسي
العلاقات المصرية الرواندية: شراكة إستراتيجية وطموح سياسي
- أكتوبر 29, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: أوراق بحثية تقارير وملفات وحدة الدراسات الأفريقية
لا توجد تعليقات

إعداد: أسماء حسن
باحث مساعد في وحدة الشئون الأفريقية
تُعد العلاقات المصرية الرواندية أحد أبرز أوجه الانخراط السياسي المتبادل في القارة الإفريقية، كما أن لها أهمية جيوسياسة خاصة؛ إذ أن مصر هي حدى دولتى المصب بينما تعد رواندا الواقعة بالهضبة الاستوائية المنبع الثاني لنهر النيل، وقد اتجهدت الدولتين في العقود الأخيرة إلى تعميق علاقاتهم في مختلف المجالات الدبلوماسية والاقتصادية، وأخيرا الصحية، ويعزز تلك الشراكة الإستراتيجية بين البلدين، المصالح المتبادلة، والتحديات المشتركة، وتوافر الإرادة السياسية لتطوير وتنمية هذه العلاقات بشكل مستمر، وهو ما يعكس سياسات القاهرة، التي تتوجه نحو تعزيز وجودها بمنطقة البحيرات العظمى، وترسيخ حضورها الجيوسياسي في شرق إفريقيا، ومن الناحية الرواندية تتجه كيجالي إلى تنويع شراكاتها الأفريقية وتحقيق التكامل الإقليمي، بما يحقق لها النهضة، والاستقرار على كافة الأصعدة.
الجذور التاريخية للعلاقات المصرية الرواندية
ترتبط مصر ورواندا بعلاقات تاريخية تمتد منذ مرحلة ما بعد الاستقلال في ستينيات القرن العشرين، حيث تعد مصر من أوائل الدول التي اعترفت باستقلال رواندا عن الإحتلال البلجيكي عام 1962، وقد افتتحت سفارتها في كيجالي 1967، واستمرت في ممارسة أعمالها وتقديم خدماتها إبان الحرب الأهلية التي اشتعلت في 1994، إذ تعد هي الدولة الوحيدة التي لم تغلق أبواب سفارتها أو تسحب بعثتها الدبلوماسية طوال فترة الحرب، ذلك إلى جانب اهتمامتهما الإقليمية والدولية المشتركة.
وقد اشتركتا في عضويتهما بعدة منظمات ومبادرات إقليمية منها: الكوميسا، ومبادرة النيباد، والاتحاد الإفريقى، ومبادرة حوض النيل، إضافة إلى الشراكة المائية لشرق أفريقيا، منطقة للتجارة الحرة بين الدول الأفريقية، كما ساهمت مصر في ترسيخ دعائم الأمن والاستقرار في نطاق البحيرات العظمى، حيث استضافت القاهرة قمة البحيرات العظمى في نوفمبر 1995، التي أخرجت قرار المصالحة الوطنية وإنهاء الحرب الأهلية والتأكيد على تحقيق الاستقرار، فالبيان الصادر عن القمة كان أساس التوصل لاتفاقيات تقاسم السلطة في رواندا وبوروندي والاتجاه بجدية للقضاء على أسباب الحرب الأهلية.
وقد تم تأسيس اللجنة المصرية الرواندية المشتركة في سبتمبر 1989 كإطار مؤسسي لتعزيز التعاون الثنائي بين البلدين، وجاء ذلك في سياق تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية والتنموية المصرية تجاه دول القارة الإفريقية، وقد عُقدت الدورة الثانية للجنة بالقاهرة خلال الفترة من 7 إلى 10 سبتمبر 2009 برئاسة وزيري خارجية البلدين، في خطوة عكست إرادة سياسية مشتركة لتوسيع مجالات التعاون الاستراتيجي، شهدت هذه الجولة توقيع عشر اتفاقيات ومذكرات تفاهم شملت قطاعات الاقتصاد، والتنمية الصناعية، والزراعة، والبترول والثروة المعدنية، والتعليم، والصحة، والشباب، والجمارك، والثقافة، والبحث العلمي والتكنولوجيا، وقد جسدت هذه الاتفاقيات توجهًا نحو بناء شراكة شاملة متعددة الأبعاد.[1]
العلاقات السياسية والدبلوماسية
تشهد العلاقات بين مصر ورواندا تطورًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة، وتجسد ذلك في تكثيف الزيارات والاتصالات المتبادلة سواء على المستوى الرئاسي أو المسئولين، وهو ما يعكس الإرادة السياسية لدى الجانبين في تعزيز الشراكة الإستراتيجية وتوسيع نطاق التعاون في مختلف المجالات:
استقبل الرئيس “عبد الفتاح السيسي” نظيره الرواندي بقصر الإتحادية، وذلك في إطار الزيارة الرسمية التي يقوم بها إلى جمهورية مصر العربية، حيث تأتي الزيارة في إطار جهود البلدين لتعزيز العلاقات الثنائية، وفتح آفاق جديدة للتعاون في مختلف المجالات ذات الاهتمام المشترك.
تلقى الرئيس الرواندي “بول كاجامي” اتصالا هاتفيا في 17 إبريل من العام الجاري من الرئيس “عبد الفتاح السيسي”، تناول الاتصال مناقشة آليات تعزيز الشراكة الإستراتيجية الثنائية بين مصر ورواندا، مع التركيز على التعاون الاقتصادي والتنموي وتفعيل المشروعات المشتركة ذات البعد الإقليمي في مختلف القطاعات.
استقبل الرئيس “عبد الفتاح السيسي” الرئيس الرواندي “بول كاجامي” بالقاهرة في 26 مارس 2022، تناول اللقاء مناقشة التطورات الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وعلى رأسها قضية سد النهضة، وتم التوصل إلى تكثيف التنسيق بين البلدين بشأن تلك القضية، وقد أكد الرئيس المصري على ضرورة التوصل إلى إتفاق قانوني ملزم حول ملء وتشغيل سد النهضة في إطار زمني مناسب، كما شهد الرئيسان مراسم التوقيع على عدد من مذكرات التفاهم بين البلدين الشقيقين في مجالات التدريب الدبلوماسي، والشباب، ودعم الرياضة، والمتاحف، وتكنولوجيا المعلومات والبريد.
في 15 أغسطس 2017، قام الرئيس المصري بزيارة إلى رواندا، حيث استقبله الرئيس “بول كوجامي”، وتم التباحث خلال اللقاء حول العلاقات الثنائية بين الدولتين وسبل تعزيز التعاون في شتى المجالات، كما قام الرئيس المصري بزيارة النصب التذكاري لضحايا الإبادة الجماعية في رواندا، وقد تفقد المتحف الملحق بالنصب التذكاري والذي يحوي توثيقاً للمذابح التي جرت في رواندا في تسعينات القرن الماضي.
في 7 ديسمبر 2017، استقبل الرئيس “عبد الفتاح السيسي” الرئيس الرواندي على هامش فعاليات منتدى أفريقيا 2017، وقد أعرب “بول كاجامي” عن بالغ تقديره لمشاركته بالمنتدى، إذ أكد على انه يمثل فرصة جيدة لجذب الاستثمارات الدولية إلى القارة الأفريقية وتعظيم الاستفادة من الإمكانات البشرية والاقتصادية التي تتيحها دول القارة، ومن ناحيته أكد الرئيس المصري على حرص مصر على تدعيم علاقاتها المتميزة مع رواندا ودفع أوجه التعاون المشترك في مختلف المجالات.
ذلك إلى جانب العديد من الزيارات الرئاسية التي ترجع إلى نوفمبر 2009، حيث كانت أول زيارة رئاسية على المستوى الثنائي، والتي قام بها الرئيس بول كوجامي، فضلا عن الزيارات رفيعة المستوى بين مسئولي البلدين.[2]
العلاقات الإقتصادية
تشكل رواندا حلقة وصل تجارية رئيسية بين دول شرق ووسط إفريقيا، وتمثل نموذجًا للاقتصادات الإفريقية الناشئة التي حققت تطورًا ملحوظًا في مؤشرات النمو والتنمية، إذ تحتل المرتبة السابعة عالمياً من حيث كفاءة الحوكمة وقدرة الدولة على مكافحة الفساد وتوفير بيئة استثمارية أكثر جذبا للمسثمرين الإقليميين والدوليين، وقد تطورت العلاقات الاقتصادية بين مصر ورواندا في السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ، في إطار سياسة الانفتاح المصرية على دول شرق إفريقيا وتعزيز حضورها في القارة؛ لاستعادة دورها الإقليمي.
في أخر زيارة للرئيس “بول كاجامي” للقاهرة في سبتمبر الماضي، تم توقيع عدة اتفاقيات تتضمن الموارد المائية والبنية التحتية والتجارة وحماية الاستثمار مع تحرك البلدين لتعزيز العلاقات الثنائية، وقد ركزت الزيارة على تعزيز سبل التعاون بين الدولتين وخاصة في مجالي الاقتصاد والتنمية، والوقوف في مواجهة التحديات التي تعيق سبل تحقيق التنمية.
وفقا لتقرير صادر عن إدارة الدول والمنظمات الإفريقية ووحدة الكوميسا، هناك ارتفاع ملحوظ في حجم التبادل التجاري بين مصر ورواندا، حيث بلغ نحو 32 مليون دولار في عام 2018، مقارنةً بـ 16.093 مليون دولار في عام 2017، وحسب التقرير، فقد ارتفعت الصادرات المصرية إلى رواندا لتصل إلى 32 مليون دولار عام 2018 مقابل 16.093 مليون دولار عام 2017، في حين بلغت الواردات الرواندية من مصر نحو 381 ألف دولار عام 2018، مقارنة بـ 126 ألف دولار في عام 2017، ليُسجّل الميزان التجاري فائضاً لصالح مصر بقيمة 22.6 مليون دولار عام 2018، مقابل 16.008 مليون دولار في العام السابق.
وتتنوع السلع التجارية بين الدولتين، إذ تصدر القاهرة المنتجات البترولية والمنسوجات والجلود والأثاث ومواد الطلاء والأغذية المحفوظة، كما تشهد المنتجات المصرية رواجا في السوق الرواندي، نظرا لأن رواندا من الدول الأعضاء بالكوميسا، والتي تطبق الإعفاء الجمركي بنسبة 100%، وهو ما ساهم في تدفق السلع المصرية في السوق الرواندي، لا سيما مع تنظيم معارض تجارية برواندا للمنتجات التي يتم صنعها في مصر، كمعرض “مصر والشرق الأوسط”، الذي يمثل مركزا اقتصاديا حيويا لتعميق الشراكات الاستثمارية بين البلدين.[3]
التعاون في مجال البنية التحتية:
النقل والمواصلات
يعد قطاع النقل أحد أهم وأبرز محاور التعاون بين مصر ورواندا، لاسيّما أن رواندا تُعد دولة حبيسة، دائمة البحث عن منافذ متنوعة؛ لضمان اتصالها بالعالم الخارجي، كما أنها تعتمد على موانئ الدول المجاورة في حركة تجارتها الخارجية، ومن ناحية أخرى تهدف مصر إلى تعزيز روابطها مع دول شرق أفريقيا، في إطار سياساتها التي تهدف إلى الانفتاح على كافة الدول الأفريقية، في هذا الإطار يسعا البلدان إلى تعزيز التعاون في مجالات النقل البحري والبري والنهري، وقد اتفقا على تفعيل برامج التدريب وبناء القدرات الفنية، فضلا عن إرسال بعثة هندسية مصرية إلى رواندا لإعداد خطة لتطوير وصيانة الطرق والكباري، كما يتم العمل على تشغيل خط طيران مباشر بين كيجالي والقاهرة، إضافة إلى العمل على مشروع لربط بحيرة فيكتوريا بالبحر الأبيض المتوسط.[4]
الري وإدارة الموارد المائية