تذْخَرُ العلاقات بين مصر والصين بخصوصيةٍ شديدةٍ وتاريخٍ حضاريٍّ مشتركٍ، ودبلوماسيةٍ متوازنةٍ تستندُ على مبدأ عدم التدخُّل في الشؤون الداخلية للدول، ودعْم الحلول السِّلْمية للنزاعات والصراعات، وتُعدُّ هذه العلاقات بمثابة حجر الزاوية، للروابط الصينية مع القارة الأفريقية؛ نظرًا لكوْن مصر بداية الوجود الرسمي الصيني بالقارة، بل وتعتبر أوَّل دولةٍ عربيةٍ وأفريقيةٍ تُدشِّنُ علاقات دبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية، واستنادًا إلى ما تحْظَى به مصر والصين من أهمية إستراتيجية بالنسبة لبعضهما البعض، فإن ثمَّةَ استفادة متبادلة، من المزايا النِّسبية التي يتمتع بها كُلُّ طَرَفٍ، بدايةً من عهْد الرئيس المصري الأسبق “جمال عبد الناصر”، ورئيس مجلس الدولة الصيني” شو إن لاي”، وصولًا إلى الرئيسيْن “عبد الفتاح السيسي”، و”شي جين بينغ”، اللذان كان لهما دورٌ مِحْوَريٌّ في الدَّفْع بأُفُقِ المسار العلاقاتي بين البلديْن.
تسلسل تاريخي لمسار العلاقات بين مصر والصين:
تجسَّدت بدايات العلاقات بين مصر والصين منذ اللقاء الذي جمع الرئيس المصري الأسبق “جمال عبد الناصر”، ورئيس مجلس الدولة الصيني “شو إن لاي”، أبريل 1955، بمؤتمر باندونج بإندونيسيا، وتمَّ تدشين مسار العلاقات رسميًّا بين البلديْن في العام التالي عليه، وعبْر 68 عامًا، من هذا التطوُّر العلاقاتي، عملت كلٌّ من القاهرة وبكين على تعزيز أُسُس التعاون فيما بينهما على مختلف الأصعدة، ففي الوقت الذي دعمت فيه مصر عضوية جمهورية الصين الشعبية في الأمم المتحدة، وأيَّدت مبدأ صين واحدة، كما تمسَّكت بمبدأ “دولة واحدة ونظامان” بمنطقة هونج كونج الإدارية الخاصة التابعة للصين، قامت الأخيرة بمؤازرة الدولة المصرية في مجابهة التحديات التي واجهتها؛ فأيَّدت القرار المصري بتأميم قناة السويس، وإدانة العدوان الثلاثي عام 1956، ومساندة مصر في مكافحة الإرهاب والتطرُّف، باعتباره تهديدًا مشتركًا للبلديْن، وكذا اتخذت بكين موقفًا مؤيدًا لاختيارات الشعب المصري، خلال ثورتيْ 25 يناير 2011، و30 يونيو 2013؛ معلنةً رفْضها لأيِّ تدخُّلات خارجية في الشأن الداخلي المصري.[1]
مُحدِّدَات العلاقات «المصرية – الصينية»:
شَهِدَتْ العلاقات بين مصر والصين طفْرةً نوعيَّةً خلال السنوات الأخيرة، استندت على التعاون البنَّاء والاحترام المتبادل، حتى تطوَّرت ووصلت إلى مستويات قوية من الشراكة الإستراتيجية، وقد دفع بمسار هذه العلاقات بعض المُحدِّدَات، سواء السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية، أو الأمنية، أو حتى الصحية، وذلك على النحْو الآتي:
1- العلاقات السياسية:
تتسم السياسات المصرية والصينية بتاريخٍ دبلوماسيٍّ واسعٍ وحافلٍ بالإنجازات في مختلف الميادين؛ حيث تتبادل الدولتان الزيارات الرسمية بشكلٍ دوريٍّ على مستوى الرؤساء وكبار المسؤولين، ومناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك، وفي عام 2014، قام الرئيس السيسي بزيارةٍ رسميةٍ إلى الصين، وفي عام 2018، ردَّ نظيره الصيني شي جين بينغ، بزيارةٍ مثيلةٍ؛ لحضور افتتاح قناة السويس، وظلَّ هناك نوعٌ من تبادُل الزيارات، حتى فبراير 2022، عندما توجَّه السيسي إلى العاصمة بكين؛ للمشاركة في حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية الرابعة والعشرين، وتتسم العلاقات «المصرية – الصينية» بتطلُّعاتٍ مشتركةٍ، تتضح في المساهمات التي يشارك فيها كلٌّ منهما في المحافل الدولية والإقليمية، وتنسيق الرُّؤَى والمواقف المشتركة إزاء القضايا العالمية المهمة، وتظهر السياسة المصرية والصينية اهتمامًا ودعْمًا متبادلًا لكُلٍّ منهما؛ حيث تؤكد مصر على مبدأ الصين الواحدة، ورفْض أيَّة محاولات لتقسيمها؛ أمَّا الصين: فتتمثل جهودها في دعْم سُبُل السلام والاستقرار في المنطقة؛ ما يجعل مصر من أهم شركاء الصين بمجال الأمن الإقليمي.
2- العلاقات الاقتصادية:
تعتبر الصين من أكبر شركاء مصر التجاريِّين؛ حيث وصل حجْم التبادُل التجاري بين البلديْن إلى نحْو ٣٠ مليار دولار، عام ٢٠٢٣، وتشهد مصر طفْرةً في الاستثمارات الصينية باستمرار، لا سيما في مجالات الطاقة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والبِنْية التحتيَّة، ولا يقف حدُّ العلاقات الاقتصادية عند التجارة والاستثمار فحسب، بل إن مصر تُعدُّ بوابة الصين نحْو أفريقيا، وهو ما يتيح للشركات الصينية تنفيذ مشروعاتها في القارة من خلال مصر، كما أن الأخيرة تندرج ضِمْنَ الدول المؤسسة والداعمة لمبادرة «الحزام والطريق»، التي تهدف إلى تحقيق الترابُط بين القارَّات الثلاث أفريقيا وآسيا وأوروبا، إضافةً إلى ذلك تسعى مصر إلى تنفيذ مشروعات المبادرة، بخاصَّةٍ في قطاع النقل البحري والبري، ويندرج مشروع قناة السويس التي تمَّ افتتاحها عام ٢٠١٩ كمركزٍ لوجستيٍّ؛ لعبور السفن والبضائع ضِمْن مستهدفات «الحزام والطريق».[2]
مصر ومبادرة «الحزام والطريق»:
منذ أن تمَّ الإعلان عن تدشين مشروع طريق الحرير القديم، أو ما يُعرف حاليًا بـ«الحزام والطريق»، عام ٢٠١٣، لم تدخر الدولة المصرية جهْدًا في اتخاذ خطوات جادَّة وملموسة؛ لتحقيق التكامُل الإستراتيجي لنظام الخدمات اللوجستية المصري، بما يتواءم مع نظيره الصيني، فضلًا عن المساهمة في تلبية احتياجات التجارة الدولية الصينية، وجعل مصر مركزًا رئيسيًّا للشركات الصينية، سواء في الشرق الأوسط أو أفريقيا؛ استنادًا إلى موقعها الجغرافي المتميز، وتُعدُّ قناة السويس مِحْوَرًا أساسيًّا لـ«طريق الحرير»؛ نظرًا لأنه بمثابة حلقة الوصْل بين الشرق والغرب، وبالتالي يساعد على تنمية التجارة المتجهة نحو أوروبا؛ وعليه جاء دور تنمية وتطوير مِحْوَر قناة السويس؛ ليكون مؤهلًا لأن يصبح مركزًا عالميًّا لعبور السفن والبضائع لصالح «الحزام والطريق»، وذلك وفْق ٤ محاور مهمة؛ حيث تطوير الممرّ الملاحي لقناة السويس، وتعزيز البِنْية الأساسية للممرَّات اللوجستية، علاوةً على الاهتمام بالمناطق الصناعية والاقتصادية الخاصَّة في العيْن السُّخْنة وشرق بورسعيد، وتكثيف العمل على تمهيد الطُّرُق وإنشاء خطوط سككٍ حديديةٍ وممرَّاتٍ للرَّبْط مع دول الجوار.[3]
تبادل تجاري «مصري – صيني»:
في عام ٢٠٢٣، وصل مُعدَّل التبادُل التجاري بين كلٍّ من مصر والصين إلى ١٣,٩ مليار دولار، مقابل ١٦,٦ مليار دولار في العام السابق عليه، وذلك وفْق تقديرات للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أيضًا فقد بلغت الصادرات المصرية إلى الصين إلى نحو ٩٠٩ مليون دولار العام الماضي، مقابل ١,٩ مليار دولار عام ٢٠٢٢، أمَّا ما قامت مصر باستيراده من الصين، وصلت قيمته نحو 12,9 مليار دولار خلال عام 2023 مقابل 14.8 مليار دولار، خلال عام 2022، وبالنظر إلى طبيعة السِّلَع المصرية التي تمَّ تصديرها؛ فتتمثَّل في الوقود والزيوت المعدنية ومنتجات تقطيرها بقيمة بلغت 414 مليون دولار، فيما وصلت صادرات المصنوعات من أحجار وأسمنت نحو 116 مليون دولار، وبلغت قيمة صادرات الآلات والأجهزة الكهربائية بقيمة 31 مليون دولار، وسجَّلت صادرات مصر من نحاس ومصنوعاته ما قيمته 27 مليون دولار.
وفيما يتعلق بأهمِّ مجموعاتٍ سِلَعِيَّة استوردتها مصر من الصين، خلال عام 2023، أشار الجهاز إلى أن مصر استوردت آلات وأجهزة كهربائية بقيمة 4,3 مليار دولار وحديد وصلب بقيمة 1,2 مليار دولار، وألياف نسيج صناعية بلغت نحو 1,1 مليار دولار، كما أنها استوردت منتجات كيماوية عضوية بقيمة 790 مليون دولار، خلال العام الماضي، فيما بلغت واردات اللدائن ومصنوعاتها ما قيمته 773 مليون دولار.[4]
المشاريع الاستثمارية الصينية بمصر:
تشْهَدُ الاستثمارات الصينية في مصر نُمُوًّا ملحوظًا؛ حيث تُسْهِمُ الصين في دعْم المشاريع التنموية المصرية، عبْر التكنولوجيا التي تمَّ توظيفها في قطاع الطاقة المتجددة وصناعة السيارات الكهربائية والأجهزة بكافَّةِ أنواعها؛ ما يساعد في تحقيق التنمية وخلْق فُرَص عملٍ جديدةٍ، وبالتالي فإن هذه الاستثمارات تُعدُّ عاملًا مهمًّا في تطبيق إستراتيجية إحلال الواردات، عن طريق تحقيق طفرةٍ إنتاجيةٍ في المنتجات، بما يدفع إلى خفْض الفاتورة الاستيرادية لمصر، في مُحصَّلةٍ نهائيةٍ، تتمثَّلُ في تقوية أواصر العلاقات الاقتصادية بين البلديْن، وزيادة التواصُل بينهما.
وبالنظر إلى طبيعة الإسهامات الاستثمارية للصين في مصر، يُلاحظ انخراطها في تنفيذ حزمة من المشروعات، أبرزها منطقة “تيدا” الصناعية بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وأبراج حي المال والأعمال بالعاصمة الإدارية الجديدة، وتُعدُّ “تيدا” من الشركات العملاقة المعنيَّة بالتطوير الصناعي، كما أنها شريكٌ مهمٌّ للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس؛ حيث ساهمت في تطوير مساحاتٍ كبيرةٍ من الصحراء في العين السُّخْنة بمحافظة السويس، وأنشأت منطقة “تيدا” السويس للتعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين ومصر، في عام 2008 وحتى يونيو 2024، عملت منطقة “تيدا” للتعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين ومصر على استقطاب أكثر من 160 شركةً باستثمارات تجاوزت 3 مليارات دولار[5].
أيضًا من بين المشاريع التي قامت الشركات الصينية بتنفيذها في مصر، تدشين أوَّل مبْنَى في أفريقيا بالعاصمة الإدارية، وإطلاق أوَّل خطِّ سكك حديد كهربائي خفيف بأفريقيا، بجانب دعْم القدرات المصرية لتصبح أوَّل دولة أفريقية قادرة بشكلٍ كاملٍ على تجميع واختبار الأقمار الصناعية، واستكمال أكبر مشروع لإصلاح وتحديث شبكة الكهرباء في مصر، كما أن الأخيرة أصبحت تمتلك أكبر قاعدة لإنتاج الألياف الزجاجية، وأكبر مركزٍ لتخزين اللقاحات، وأسرع شبكة ثابتة وأكبر تجمُّع لإنتاج الأسمنت في أفريقيا من حيث الحجم والمستوى الفني، كما أنها نجحت في إصدار سندات “الباندا” بقيمة 3.5 مليار يوان في الصين، لتصبح أوَّل دولةٍ أفريقيةٍ تصدر مثل هذه السندات، وقدَّم بنك التنمية الصيني قُرُوضًا بقيمة 7 مليارات يوان صيني للبنك المركزي المصري، ووقَّعت القاهرة وبكين مذكرة تفاهُم في مجال “مبادلة الديون من أجل تنفيذ مشروعات تنموية”، وهذا يدُلُّ على مدى جاذبية وجاهزية البيئة والبِنْيَة الأساسية اللازمة؛ لتنفيذ مثل هذه المشروعات على الأراضي المصرية، فضلًا عن الثِّقَة في الاقتصاد المصري الذي بات يُحقِّقُ طفرات تنموية واقتصادية في مجالاتٍ عِدَّة.[6]
تجدر الإشارة إلى أن قيمة الاستثمارات الصينية قد قفزت في الفترة الأخيرة؛ حيث سجَّلت الاستثمارات الصينية في مصر نحْو 95٦,7 مليون دولار خلال العام المالي 2022/2023، بينما حقَّقت 563,4 مليون دولار خلال العام المالي السابق عليه 2021/2022 ، بزيادةٍ وصلت 393,3 مليون دولار، وكذا بلغت قيمة الاستثمارات المصرية في الصين 208,4 مليون دولار خلال العام المالي 2022/2023، مقابل 126,5 مليون دولار خلال العام المالي 2021/2022، بزيادة قُدِّرَتْ بنحْو 81,9 مليون دولار.[7]
3- العلاقات الثقافية والشعبية:
لم تقتصر العلاقات بين مصر والصين على مجالات السياسة والاقتصاد فحسب، بل امتدَّت لتشمل تعزيز الروابط الثقافية والشعبية، ويُؤْخَذُ في هذا الصدَّد الفعاليات المشتركة التي تُقامُ بين البلديْن؛ نظرًا لأن التقارُب على المستوى الثقافي والشعبي يضمن استمرار وتطوير العلاقات الرسمية في الميادين المختلفة، ويؤكد على مدى متانة وقوة التقارُب بين الدولتيْن، ومن بين الأنشطة الثقافية التي تُطلق في هذا الصدد، المعارض الفنية والمهرجانات الموسيقية، ففي عام ٢٠١٩، أُقيمَ معْرَضٌ فنيٌّ مشتركٌ بين مصر والصين بالقاهرة، وفي العام التالي، استقبلت العاصمة بكين مهرجان موسيقى مشترك، إضافةً إلى ذلك، هناك تبادُل للبعثات التعليمية والبحثيَّة بينهما؛ بما يدفع بمستوى تعزيز التفاهم والتبادُل الثقافي، كما أن تعلُّمَ اللغة الصينية يُعدُّ من اللغات الأكثر رَوَاجًا في مصر خلال الفترة الأخيرة، وكذلك تزايُد الاهتمام من قِبَلِ الصينيِّين لتعلُّم اللغة العربية، ناهيك عن أن البعض منهم يسعى لتعلُّم اللهجة المصرية.
وتتسم العلاقات الشعبية بين مصر والصين بالترابُط، كما أن القاهرة تستقبلُ أعدادًا غفيرةً من السُّيَاح الصينيِّين سنويًّا بشكلٍ ملحوظٍ؛ ما يُعزِّزُ من النشاط الاقتصادي والتواصُل الشعبي بينهما، ولم يقتصر التعاون الثقافي على هذا الحدِّ، بل امتدَّ ليشملَ المجال الرياضي؛ فمصر والصين يشاركان دوٍريًّا في الفعاليات الرياضية الإقليمية والدولية، فضلًا عن إقامة مباريات وُدِّيَّة بين المُنْتَخَبات الرياضية للبلديْن في العديد من الأنشطة الرياضية؛ بما يُسْهِمُ في تعزيز روح التعاون والرياضة على المستوى الشعبي، وأخيرًا وليس آخرًا، تشهد احتفالات رأس السنة الصينية إقبالًا جماهيريًّا كبيرًا في مصر، وهو ما يضمن استمرارية وازدهار العلاقات ليس بين الحكومات المصرية الصينية فقط، بل على المستوى الشعبي أيضًا.[8]
4- التعاون العسكري والأمني:
على خُطى الروابط السياسية والاقتصادية والثقافية تسير العلاقات العسكرية، بل تتخطَّى ذلك لتصِلَ إلى مستوياتٍ غير مسبوقةٍ، ويتمثَّلُ التعاون العسكري والأمني المصري الصيني في الزيارات العسكرية رفيعة المستوى، بخاصَّةٍ في مجالات التصنيع الحربي والتدريب المشترك، مع سعْي الصين لتزويد مصر بنُسَخٍ حديثةٍ من الصواريخ المضادة، وأسلحة أخرى يتمُّ تثبيتها على المروحيات القتالية، ويندرج مشروع التصنيع المشترك لطائرة التدريب المتقدم (كي-٨-إي) كأهمِّ برامج التعاون العسكري بين مصر والصين، وتستقبل مصر بعض المُعدَّات العسكرية والتكنولوجية من الصين، مِثْل الطائرات بدون طيار وأنظمة الدفاع الجوي والمركبات العسكرية.
وفي مجال الأمن السيبراني، تتعاون الإدارة المصرية والصينية لمجابهة التهديدات التي تنْجُمُ عن الجرائم الإلكترونية وتبادُل المعلومات والخبرات حوْل أفضل السُّبُل اللازمة لحماية البِنْية التحتيَّة الرقميَّة، إضافةً إلى تعزيز التعاون الاستخباراتي؛ فيما يتعلق بتتبُّع الجماعات الإرهابية والأنشطة المتطرفة؛ من أجل القضاء على الإرهاب والتطرُّف في المنطقة، على الجانب الآخر، هناك تشاركٌ في حماية الأمن البحري لتأمين الممرَّات البحرية المهمة كقناة السويس، والاستفادة من الخبرات التي يتمتعان بها في مكافحة القرْصَنة وحماية الشَّحْن البحري، وإجراء تدريبات بحرية مشتركة؛ لتحقيق التنسيق المطلوب لعمليات البحث والإنقاذ والأمن البحري.[9]
5- التعاون في مجال الصحة:
منذ أن تفشَّى وباء فيروس كورونا، في أواخر عام ٢٠١٩، ومصر والصين كانا يتعاونان من أجل مكافحة الوباء، عبْر ضَخِّ المساعدات وتوفير اللقاحات والمستلزمات الطبية والوقائية، فضلًا عن الخبرات الطِّبِيَّة، والشاهد على ذلك، قيام شركتيْ “فاكسيرا المصرية، وسينوفاك الصينية”، بتوقيع اتفاقية لنقْل وتوطين صناعة اللقاحات المضادة لفيروس كورونا محليًّا، أبريل ٢٠٢١، كما تمَّ إنشاء معملٍ للبحوث العلمية وإنتاج اللقاحات بمستوى الأمان الحيوي المستوى الـ 3 (٣BSL-) داخل مجمع فاكسيرا الصناعي بمدينة 6 أكتوبر، بمساحة 5860 مترًا مربعًا، وطاقة إنتاجية مُتوقَّعة 200 مليون جرعة لقاح، بتكلفة تصل نحو 30 مليون دولار، ويضُمُّ هذا المعمل مناطق إنتاجية (لزرع الخلايا، استنبات الفيروسات، التحضير، الرقابة على الإنتاج والجودة، التنقية، المحاليل)، واعتباره بمثابة مركزٍ عربيٍّ وإقليميٍّ متخصصٍ بمجال البحوث العلمية، وهذا التعاونُ البَحْثِيُّ التِّقَنيُّ يجعل المعملَ قِبْلةً للدُّول العربية والأفريقية؛ للتشارُك في مجالات الأبحاث العلمية.[10]
وثمَّةَ عددٌ من مجالات التعاون المشتركة بين الجانبيْن في مجال البحث العلمي؛ حيث يتمُّ تمويل الأنشطة البحثية ذات الاهتمام المُشترك، والتشجيع على زيادة تبادُل العلماء والباحثين بين الجامعات المصرية ونظيرتها الصينية، فضلًا عن زيارة حوالي 200 باحثٍ مصريٍّ للصين، في إطار التبادُل العلميِّ والبحثيِّ بين الجانبيْن؛ حيث تمَّ تفقُّد المعامل الحديثة والاطّلاع على أحدث الوسائط التكنولوجية المُستخدمة فيها، بالإضافة إلى تعزيز آليات نقْل التكنولوجيا ودعم الابتكار وريادة الأعمال، وتنفيذ وِرَش عملٍ لتبادُل الخبرات والمعارف بين الجانب المصري ونظيره الصيني.[11]
الخاتمة:
يُفترض أن تشْهَدَ العلاقات «المصرية – الصينية» خلال الفترة القادمة تطوُّرًا ملحوظًا ومستمرًا، واتجاه بكين نحْو زيادة التدفُّقات الاستثمارية، لا سيما في مجالات البِنْية التحتيَّة والطاقة المتجددة والتكنولوجيا والتركيز على مِحْور قناة السويس، التي تُعدُّ ركيزةً أساسيةً لـ«طريق الحرير»؛ حيث تخدم إستراتيجية الصين تجاه أسواقها التجارية في أوروبا، ومن ثمَّ زيادة مُعدَّلات التبادُل التجاري بين البلدين، وتعزيز دور مصر على اعتبارها مدْخَلًا حيويًّا وشريكًا مقبولًا في القارة الأفريقية، وبالتالي فإن التقارُب «المصري – الصيني» يُعدُّ نموذجًا يُحْتَذَى به في التعاون والتنسيق في مختلف المجالات، ويُعزِّزُ ذلك الدبلوماسية الحيادية والمتوازنة لكلٍّ من مصر والصين، والتي تحيد عن التدخُّل في الشؤون الداخلية لأيِّ دولةٍ؛ استنادًا إلى التاريخ المشترك الحافل بالإنجازات؛ ورسْم خارطة طريق مستقبل يعُمُّهُ التنمية والازدهار.
[4] المركزي للإحصاء: 13.9 مليار دولار حجم التبادل التجاري بين مصر والصين خلال عام 2023، الهيئة العامة للاستعلامات، مايو ٢٠٢٣، متاح على الرابط الآتي: https://n9.cl/8s12y
[5] تحليل إخباري: الاستثمارات الصينية تشهد نموا مطردا في مصر وتعزز التنمية في البلاد، “Arabic news”، سبتمبر ٢٠٢٤، متاح على الرابط الآتي:
