المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الدراسات الأفريقية > أوراق بحثية > العلاقات “المصرية- الكونغولية”: تعاونٌ مُسْتَدَامٌ وشراكةٌ عبر النيل
العلاقات “المصرية- الكونغولية”: تعاونٌ مُسْتَدَامٌ وشراكةٌ عبر النيل
- سبتمبر 28, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: أوراق بحثية تقارير وملفات وحدة الدراسات الأفريقية
لا توجد تعليقات

إعداد: دينا لملوم
منسق وحدة الشؤون الأفريقية
المقدمة
تشهدُ العلاقاتُ بين مصر والكونغو الديمقراطية تطوُّرًا ملحوظًا وتناميًا إيجابيًّا لكافَّة مراحل التعاون، سواء السياسي أو الاقتصادي، وكذا الأمني والثقافي، مع رفْع مستوى التنسيق المتبادل في الملفات المختلفة، وتبادُل الزيارات رفيعة المستوى بين مسؤولي البلديْن، خاصَّةً مع الاهتمام الذي تُبْدِيه الإدارة المصرية لبناء القدرات ودعْم سُبُل التنمية في البلاد، فضْلًا عن المساهمة في تحقيق السلام والاستقرار، الأمر الذي يتطلب تعزيز آليات التعاون المشترك وتفعيل الاتفاقيات الموقعة، بالإضافة إلى دعْم المبادرات الثنائية ومتعددة الأطراف التي تهدف إلى دفْع التنمية الشاملة وتحقيق المصالح المشتركة، مع التركيز على تطوير الشراكات في مجالات الطاقة، التعليم، الصحة، والبنية التحتية، بما يضمن تحقيق النتائج المَرْجُوَّة ويُعزِّزُ مكانة البلديْن على الساحتيْن الإقليمية والدولية.
التطوُّر التاريخي للعلاقات “المصرية- الكونغولية”
ترتبط كُلٌّ من جمهورية مصر العربية والكونغو الديمقراطية بعلاقات تاريخية عميقة تمتدُّ جذورها إلى الستينيات من القرن العشرين؛ حيث لعبت القاهرة دورًا محوريًّا في دعْم حركات الاستقلال والتحرُّر في أفريقيا، وكانت من أبرز الدول التي أسهمت في دعْم كفاح كينشاسا ضد الاستعمار البلجيكي، وفي هذا الإطار، قدَّمت مصر كافَّة أوْجُه الدعم الممكنة للكونغو الديمقراطية؛ حيث ساند الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الزعيم باتريس لومومبا في حقِّه بتمثيل الحكومة المركزية؛ حتى تحقق استقلال الكونغو في 30 يونيو 1960، كما ساهم الإعلام المصري في فضْح ممارسات الاستعمار البلجيكي الرامية إلى بثِّ الفتنة ودعم الحركات الانفصالية، التي كانت تهدف إلى استمرار استغلال موارد البلاد، ومساندة مصر لوحدة الكونغو في مواجهة محاولات الانفصال.
علاوةً على ذلك، احتضنت مصر عائلة المناضل باتريس لومومبا -زوجته وأبنائه فرانسوا وباتريس وجوليانا- مؤسس حزب الحركة الوطنية الكونغولية وأول رئيس وزراء للبلاد بعد الاستقلال، وفي مواجهة الاضطرابات المسلحة التي شهدتها الكونغو عام 1977، واستعانت الأخيرة بخبراء عسكريين مصريين، بالإضافة إلى قوات من دول أخرى، كما وُقِّعَتْ بين البلديْن في 8 فبراير 1980 اتفاقية تعاون عسكري وفني وتدريب، أيضًا واصلت مصر دعمها لاستقرار الكونغو، من خلال مشاركتها في بعثة الأمم المتحدة لتحقيق السلام في هذا البلد، والتي تهدف إلى تعزيز قدرات الجيش الكونغولي في مواجهة الحركات المسلحة المنخرطة في نهْب الثروات بشكل غير قانوني في مناطق شرق البلاد.
علاوةً على ذلك، لعبت مصر دورًا رائدًا خلال عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي 2016-2017 برئاسة لجنة العقوبات الخاصَّة بالكونغو الديمقراطية، المنوطة بدعم الجهود الوطنية والإقليمية لتحقيق السلام ومواجهة الجماعات المسلحة؛ مؤكدةً على أهمية استقرار شرق الكونغو باعتباره مِفْتَاحًا أساسيًّا للسلام والتنمية في منطقة البحيرات العظمى بأفريقيا، وقد تَمَّ تأسيس لجنة عقوبات الكونغو في مارس 2004، بموجب قرار مجلس الأمن رقم (1533)، مع تعديل مقتضياتها في مارس 2008 بالقرار (1807)؛ لتفعيل حظْر السلاح على الحركات المسلحة في شرق الكونغو، وفرض عقوبات تشمل حظر السفر وتجميد أرصدة الأفراد والكيانات التي تهدد استقرار البلاد[1].
أبعاد العلاقات بين مصر والكونغو الديمقراطية
1- البُعْد السياسي:
تطورت العلاقات بين مصر وجمهورية الكونغو الديمقراطية، عبْر تاريخ من التعاون السياسي المستمر؛ حيث استمرت المشاورات والتنسيق بين قيادتيْ البلديْن على أعلى المستويات، مع التركيز على الأوضاع في الكونغو والعلاقات الثنائية والقضايا الأفريقية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك، كما أن هذه العلاقات المميزة ظلَّت ثابتةً رغم تغيُّر القيادات في الكونغو، وحِرْص جميع رؤساؤها- بدْءًا من الرئيس الأسبق موبوتو سيسيسيكو مرورًا بالرئيسين لوران وجوزيف كابيلا، وصولًا إلى الرئيس الحالي فيليكس تشيسيكيدى- على تعزيز الروابط الوثيقة مع مصر، وفي فبراير 2019، وبعد أسبوعين من تسلُّم تشيسيكيدى الرئاسة رسميًّا في يناير، التقى الرئيس عبد الفتاح السيسي بنظيره الكونغولي على هامش القمة الأفريقية في أديس أبابا، وخلال اللقاء، هنَّأَ السيسي الكونغوليِّين على نجاح الانتخابات المختلفة، وأكَّدَ حِرْص مصر على مواصلة دعم التنمية في بلادهم، عبْر مجالات فنية وتعاونية مختلفة.
على الجانب الآخر، تُمثِّلُ الكونغو الديمقراطية إحدى الدول الكبرى في حوض النيل؛ كونها منبع النيل الأبيض ومن دول البحيرات العظمى؛ الأمر الذي يجعل التشاور والتعاون بين دول الحوض ضرورة لضمان تحقيق مصالح الجميع، وأعربت مصر عن تقديرها للمبادرات الكونغولية الرامية إلى التوصُّل لتوافق شامل يضمن الأمن المائي لجميع الأطراف.
وتاريخيًّا؛ كان الرئيس موبوتو من دفع لترشيح الدكتور بطرس غالي لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة، وذلك ضِمْن مساعي تمثيل القارة الأفريقية بشكل متوازن، خاصَّةً بين الناطقين باللغتين الإنجليزية والفرنسية، وكان موبوتو له دور مباشر في اقتراح اسم بطرس غالي ضمن قائمة المرشحين، وعلى المستوى السياسي الأفريقي، دعمت الكونغو الديمقراطية مصر في فوزها بعضوية مجلس الأمن الدولي للفترة 2016-2017 عن المقعد الأفريقي لشمال أفريقيا، كما تعاونت معها في مجلس السلم والأمن الأفريقي للدفاع عن مصالح القارة في مواجهة العُنْف والتطرُّف، وخلال رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي، أعرب تشيسيكيدى عن ثقته الكبيرة في قُدْرة الرئيس السيسي على قيادة المنظمة الأفريقية بنجاح؛ مُشِيدًا بخِصَالِهِ القيادية وحِرْص مصر الدائم على دعْم قِيَمِ ومُثُلِ القارَّة.[2]
2- التعاون العسكري والأمني:
في مارس 2025، وقَّعَتْ مصر وجمهورية الكونغو البروتوكول الخاص بالتعاون في مجال الدفاع والتدريب وتبادل الخبرات، خلال زيارة وزير الدفاع المصري الجنرال محمد زكي إلى كينشاسا؛ حيث تَمَّ بَحَثَ قضايا ذات اهتمام مشترك في مجالات عسكرية مختلفة، وأكَّدَ اللقاء على أهمية التنسيق والعمل المشترك لرفْع مستوى التعاون العسكري بين البلدين، كما تمَّ مناقشة تحديات الأمن القومي في كلا البلديْن[3].
في يناير 2023، استقبلت مصر وزير الدفاع الكونغولي حينذاك، وجرى التأكيد على مدى اعتزاز القيادة المصرية بالعلاقات العسكرية مع الكونغو وأهمية تنسيق الجهود العسكرية بين القوات المسلحة في البلدين، مع إشادة الجانب الكونغولي بدعم مصر للقارة الأفريقية لتحقيق الأمن والاستقرار.[4]
في أكتوبر 2024، بدأت المنظمة العربية للتصنيع في مصر توريد أسلحة خفيفة وذخائر للقوات المسلحة الكونغولية لتعزيز قدراتها العسكرية، في إطار اتفاق تعاون أمني وُقِّعَ بين مصر والكونغو في مايو 2022.
في ديسمبر 2024، التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بمسؤولين كونغوليين رفيعي المستوى؛ لبحْث تعزيز التعاون في عدة مجالات، من بينها الأمن والاستقرار، وأكَّدَ الرئيس على أهمية توسيع التعاون؛ ليشمل تطوير العلاقات الاقتصادية والتنموية والأمنية.[5]