المقالات
الفاشر على حافَّة الهاوية: فهل سيُغيِّرُ السيطرةُ عليها خارطةَ الحرب السودانية؟
- مايو 12, 2024
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات تقدير موقف وحدة الدراسات الأفريقية
إعداد: شيماء ماهر
باحثة متخصصة في الشؤون الأفريقية
تتجه الأوضاع بصورةٍ متسارعةٍ نحْوَ كارثةٍ إنسانيةٍ بمدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور غرب السودان؛ إذ تتصاعد حِدَّة المعاركِ بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، مع تفاقُم حِدَّة العُنْف المُسلَّح، وتزيد التحذيرات الدولية والإقليمية لطرفيْ الصراع بوقْف الحرب والمعارك في مدينة الفاشر؛ خوفًا من حدوث انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، واحتمالية وصول الصراع إلى حَدِّ الحرب الأهلية؛ ما يجعل مستقبل الدولة السودانية على المَحَكِّ.
تطوُّرات المشهد في الفاشر
تشهد مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور في غرب السودان معاركَ عنيفةً مُنْذُ أيامٍ بين الجيش السوداني وقوات متحالفة معه من جهة، وقوات الدعم السريع من جهةٍ أُخرى، وقد شهدت المدينة اشتباكاتٍ من حين إلى آخر في الأحياء الشرقية والشمالية من المدينة، وتحديدًا عند المدخل الشمالي القريب من بوَّابة مليط ومخيميْ السلام وأبو شوك للنازحين، وفى أحدث المُسْتَجَدَّات شَنَّ الطيران الحربي التابع للجيش السوداني هجومًا على مواقع قوات الدعم السريع في الفاشر، وأكَّدت القوة المشتركة التابعة للحركات المسلحة، أنها ترْصُدُ كافَّة تحرُّكات الدعم السريع حول الفاشر وتوعَّدتها بالهزيمة[1].
ويُعتبرُ الجيش السوداني والقوة المشتركة لحركات الكفاح المُسلَّح الجِهَةَ المسيطرةَ على المدينة؛ حيث تمتلكُ هذه القواتُ أساطيلَ من المركبات القتالية، وتعتمدُ بشكلٍ كبيرٍ على القوات المحلية كقواتٍ قتاليةٍ متمركزةٍ في المدينة، وينتشر الجيش السوداني والقوة المشتركة بشكلٍ كبيرٍ في جميع أنحاء المدينة، ومن بينها الأسواق والطُّرُقات الرئيسية ومقرَّات المنظمات والهيئات الدولية.
ويواجه نحو مليونيْ مدنيٍّ محاصرِين داخل الفاشر عاصمة إقليم دارفور على مدى العصور تحدِّيًا ومصيرًا مجهولًا؛ حيث لا يستطيعون مغادرةَ المدينة إلى المناطق الآمنة، في ظلِّ وجود العديد من الصعوبات، مثل صعوبة الحصول على غذاءٍ كافٍ؛ بسبب غلْق الطُّرُق ومنْع شاحنات المواد الغذائية والبترولية من دخول المدينة، وكانت الفاشر بمنْأَى عن الحرب التي اشتعلت في عموم الإقليم، عندما تمَّ تكوين قوةٍ من مجموعة فصائلَ مُسلَّحة، اتخذت الحِيادَ في الحرب؛ من أجل حماية النازحين، لكن بعض هذه الحركات تخلَّى عن الحياد وانضمَّ إلى صفوف الجيش السوداني؛ ما أدَّى إلى اشتعال القتال بمحيط المدينة [2].
أهمية مدينة الفاشر الإستراتيجية
تحْظَى مدينة الفاشر بأهميةٍ إستراتيجية وتاريخيةٍ وتجاريةٍ كبيرةٍ؛ فهي العاصمة التاريخية لإقليم دارفور، الذي تحكمه سلطنة الفور، في الفترة من 1445م: 1916م؛ لتنضم للسودان في عام 1916م، وقد قَسَّمَ نظام الرئيس عمر البشير إقليم دارفور إلى ثلاث ولايات، ومن ثمَّ إلى خمس ولايات، من بينها ولاية شمال دارفور، وجعل الفاشر عاصمة لها، وفي عام 2020م، تمَّ اختيار الفاشر عاصمةً للسلطة الانتقالية في إقليم دارفور، التي أُنْشِئَتْ بموجب اتفاقية سلامٍ مع الحركات المتمردة في الإقليم.
وتُعدُّ المدينة تجمُّعًا رئيسيًّا يأْوي نحو 300 ألف نازحٍ آخرين من ضحايا حرب دارفور، في عام 2003م، يقيمون في مخيمات أبو شوك، زمزم، نيفاشا، أبوجا، إلى جانب مئات الآلاف من النازحين الذين فرُّوا من مدن نيالا، الجنينة، زالنجي، كتم، كبكابية وجميع مدن السودان التي امتدَّ إليها القتال، ونازحي قُرَى ريفي الفاشر؛ بسبب تداعيات وقوف الحركات المسلحة بجانب الجيش، وهي مركز إقليم دارفور والعاصمة الأخيرة من عواصم ولايات الإقليم التي لم تسيطر عليها قوات الدعم السريع ذات السطوة في غرب السودان، وتسيطر القوات المسلحة السودانية بالتعاون مع الحركات المسلحة المتحالفة معها على مدينة الفاشر، وعلى رأس هذه الحركات، حركة مني أركو مناوي حاكم الإقليم، وحركة جبريل إبراهيم وزير المالية الاتحادي.
وتُشكِّلُ الفاشر مركزًا للمساعدات الإنسانية في دارفور؛ حيث يعيش رُبْع سكان السودان البالغ عددهم 48 مليون نسمة، كما تُعدُّ واحدةً من أهم المدن الإستراتيجية في الإقليم الذي يربط حدودَ السودانِ بكُلٍّ من ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى، ومركزًا إنسانيًّا للأمم المتحدة، يضمن توزيع المساعدات المُنْقِذَة للحياة عبْر ولايات دارفور الخمس وفقًا للاحتياجات، وتتميز بكثافةٍ سكانيةٍ، وتُمثِّلُ عَصَبَ الإقليم الاقتصادي للمدينة الثانية بعد نيالا، والخريطة القَبَلِيَّة المُعقَّدة مع وجود معسكرات النُّزُوح ذات الكثافة السكانية العالية من حرب دارفور الأولى، التي بدأت بمناوشات قبليّة كنزاعٍ على الموارد بين الرُّعاة والمزارعين.
مخاوف جديدة وقلق أممي ودولي إزاء العُنْف المتصاعِد
يقيم في مدينة الفاشر نحو 800 ألف شخصٍ، والغالبية العُظْمَى منهم نازحون؛ بسبب الصراع المُحْتَدِم بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع التي تحاول التوغُّل في المدينة من عِدَّة محاور، وقد أثارت الهجمات على الفاشر مخاوف جدية من عودة الإقليم والمنطقة إلى دائرة الحرب الأهلية السودانية، والتي أوْدَتْ بحياة 300 ألف مدنيٍّ، في ظلِّ إبادةٍ جماعيةٍ وجرائمَ ارْتُكِبَتْ بحقِّ الشعوب السودانية في إقليم دارفور على يدِ نظام البشير والميليشيات المتحالفة معه، وكشفت تنسيقية لجان المقاومة في الفاشر، عن تعرُّض القُرَى الواقعة غرب مدينة الفاشر إلى هجماتٍ عنيفةٍ من قِبَلِ قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها.
وعبَّرت الأمم المتحدة عن قلقها البالغ، بشأن تصاعُد الصراع في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، وذلك في ظلِّ وجود العديد من التقارير التي تُثْبِتُ بأن قوات الدعم السريع تُطوِّقُ المدينة، وقد حذَّر نائبُ مُنَسِّقِ الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية للسودان طوبي هارورد، من أيِّ هجومٍ وشيكٍ على الفاشر، قائلًا: إنه “سوف تُفْقَدُ العديدُ من الأرواح البريئة، وسينتشر الصِّرَاعُ في السودان بشكلٍ خطيرٍ إذا تعرَّضت الفاشر للهجوم”، وطالب الأطرافَ المتحاربةَ بأن تتراجع عما وصفها بالهاوية قبْل فوات الأوان، كما أشار المُفوِّضُ السَّامِي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة ” فولكر تورك”، بأن هناك تقاريرَ تُشير بأنَّ الجيوش المتحاربة شنَّت هجماتٍ عشوائيةً باستخدام قذائف الهاون والصواريخ التي أطلقتها الطائرات المقاتلة على المناطق السكنية[3].
وفي السياق ذاته، أعرب أعضاء مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، عن قلقهم إزاء تزايد التوتُّرات والعمليات العسكرية حول مدينة الفاشر في شمال دارفور في السودان، وأكَّدت الخارجية الأمريكية في بيان لها، أن الهجوم على مدينة الفاشر يؤدي إلى تعرُّض المدنيين لخطرٍ شديدٍ، بما في ذلك مئات الآلاف من النازحين الذين لجأوا إليها، ودَعَتْ كافَّة الأطراف الحاملة للسلاح إلى وقْفٍ فوريٍّ للهجمات التي تُنفِّذُها في مدينة الفاشر، فيما أدانت القصْفَ الجويَّ الذي نفَّذته القواتُ المسلحةُ على المدينة، وحثَّت كُلًّا من الجيش وقوات الدعم السريع على العودة إلى منبر جدة التفاوضي، وإنهاء القتال المستمر منذ أكثر من عام.
كيف تُشكِّلُ السيطرةُ على مدينة الفاشر رقمًا في تغيير معادلة الحرب السودانية؟
زاد التحشيد من قِبَلِ الجيش وقوات الدعم السريع في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور؛ ما يجعل نتيجة الحرب مُؤثِّرة، ويمكن أن تُحدِّدَ مسارَ الصِّراع السوداني ونتائجه، ويعتبرُها كُلُّ طرفٍ مصيريةً؛ فبالنسبة إلى الجيش السوداني، تعتبر آخر حامية عسكرية تتواجد فيها قواته ضمن إقليم دارفور، بعد سيطرة الدعم السريع على نحو 80%، وخسارة الجيش لهذه المدينة تعْنِي خسارة جميع ولايات الإقليم الخمس، ويؤدي تفوُّق معسكر الجيش إلى تأكيد قُدْرته على استرجاع ما سيطرت عليه قوات الدعم السريع من مساحاتٍ كبيرةٍ داخل إقليم دارفور وخارجه في العام الأول من الحرب، وبالتالي كسْر حلقةٍ رئيسيةٍ مما تردَّد حول وجود سيناريو لفصْل الإقليم.
وفيما يتعلق بانتصار الدعم السريع في معركة الفاشر؛ فسيؤدي ذلك إلى التحكُّم في مصير إقليم دارفور، الذي تُقدَّرُ مساحتُه بخُمْس مساحة السودان، وإلحاق خسائر مادية ومعنوية للجيش، في حين أنه تمَّ الإعلان عن تحقيق تقدُّمٍ في أم درمان؛ ما يمنح قوات الدعم السريع فُرْصة إعادة ترتيب أوضاع الإقليم والتعاوُن مع قواه المحلية الرئيسية، وتمكَّنت قوات الدعم السريع من السيطرة على أربع ولايات في إقليم دارفور، متمثلة في جنوب وغرب وشرق ووسط دار فور، ولم يتبقَ إلا ولاية شمال دارفور؛ حيث تعيش أوضاعًا صعبةً؛ إذ تتمركز قوات الدعم السريع في شرق المدينة، وتُوجد قوات تابعة للجيش وحركات مسلحة في أجزاءَ أُخرى، كما أن أيَّ انتصارٍ لقوات الدعم السريع سيزيد من فُرْصتها لمحاولة السيطرة على الفرقة الخامسة مشاة (الهجانة) في مدينة الأبيض، والفرقة 22 في بابنوسة، وبالتالي السيطرة على مساحاتٍ كبيرةٍ ومهمةٍ في كردفان.
والجدير بالذكر، أن سقوط الفاشر يؤدي إلى مزيدٍ من التفتُّت والتشرذُم في السودان، وأن سيطرة أيِّ طرفٍ على الفاشر لا يعْني أنه حقَّق انتصارًا نهائيًّا؛ لأن الصراع سيتخذ منحىً قَبَلِيًّا ومعايير الانتصار والهزيمة تتبدَّلُ مع إمكانيةِ تمدُّد الصِّرَاع بين القبائل، في ظلِّ وجود حركاتٍ مُسلَّحةٍ، وأعلنت كُلٌّ من حركة تحرير السودان بقيادة حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي، وحركة العدل والمساواة بقيادة وزير المالية جبريل إبراهيم، التخلِّي عن الحياد والانضمام إلى القتال بجانب الجيش في مواجهة الدعم السريع، وتحرّك الآلاف من المقاتلين نحْو الفاشر من مواقع مختلفة؛ من أجل إحكام السيطرة على المدينة التي يتواجد بها 700 مقاتلٍ على ظهْر سيارات دفْعٍ رباعيٍّ ودراجاتٍ ناريةٍ تحمل أسلحةً ثقيلةً من مدافع وثنائيات ورشاشات ومضادات الطيران[4].
ختامًا:
يتضحُ أن السودان يدخل في حلقةٍ مُفْرغةٍ من العُنْف والاقتتال الذي يسمح بتفجير الأوضاع الأمنية في العديد من الأقاليم؛ ما يُفاقِمُ التحديات الإنسانية المُعقَّدة، والارتدادات السلبية على استقرار السودان، ووصول النِّزاع إلى حدِّ الحرب الأهلية، في ظلِّ العصبيّة القَبَلِيَّة التي تُهَيْمِنُ على النسيج المجتمعي، خاصَّةً في مدينة الفاشر، ومن ثمَّ فإن عدم التوصُّل إلى حلٍّ سلميٍّ للأزمة السودانية، سوف يؤدي إلى إطالة أَمَدِ الصراع على كافَّة الاحتمالات، ولهذا السبب تمْضِي الحربُ في طريقها نحو المجهول؛ فقد تحوَّلَ الصراعُ فيها إلى حرب استنزاف، استهدفت المدنيين، وارتفع خلالها عددُ الضحايا والنازحين، وتدمير المُدُن والبُنَى التحتيّة، وهذه الأوضاع تحتاج إلى سنواتٍ عِدَّة؛ لكي يتمَّ التعافِي منها؛ ما قد يدفع بحرب السودان إلى مساراتٍ أوْسَعَ نِطَاقًا في محيطٍ إقليميٍّ هشٍّ وممتلِئٍ بالنِّزاعات.
المصادر:
[1] محمد زكريا عمر، خوف في الفاشر، وقوات الدعم السريع تستعد لاجتياح المدينة، بي بي سي نيوز، 5 مايو 2024م، متاح على: https://www.bbc.com/arabic/articles
[2]السودان: القتال يصل إلى الفاشر وتحذيرات من اشتعال دارفور، أخبار السودان، السودان، 15 إبريل 2024م، متاح على الرابط: https://www.alrakoba.net/31923097/
[3] تسنيم خوجلي، قلق أممي حيال هجوم وشيك على مدينة الفاشر، ألترا سودان، السودان،26 إبريل2024م، متاح على: https://ultrasudan.ultrasawt.com
[4] معركة الفاشر تحدد مسارات الحرب السودانية، مركز الروابط للبحوث والدراسات الإستراتيجية، العراق، 28 إبريل 2024م، متاح على: https://rawabetcenter.com/archives/173773