المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > القبةُ الفولاذيةُ: نقطة التحول في الصناعات الدفاعية التركية
القبةُ الفولاذيةُ: نقطة التحول في الصناعات الدفاعية التركية
- أغسطس 31, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات
إعداد: محمود محمد حسن
باحث في شئون الدول التركية
مقدمة:
في خبرٍ لم يَنلْ الاهتمام الإعلامي الكاف بوسائل الإعلام ومراكز الفكر العربية، كشفت تركيا عن مخططٍ لإطلاق منظومة دفاع جوي عملاقة تحت اسم ” القبة الفولاذية” ,بحيث تسمح الأخيرة بدمجِ شبكات الدفاع الجوي ومراكز الإستشعار والسلاح تحت قيادةٍ مركزيةٓ واحدة. يمثل المشروع التركي قفزةً هائلةً في قدرات التصنيع العسكري التركي ويَحملُ دلالاتٍ هامة حول توقيت هذه الخطوة وما تعنيه من تغير في سياسة التسلح التركية.
وصفُ المشروع:
كشفت اللجنة التنفيذية للصناعات الدفاعية التابعة للحكومة التركية عن “القبة الفولاذية”، نظام الدفاع الجوي المتكامل متعددِ الطبقات الجديد في البلاد، في 6 أغسطس. وتضم اللجنة، التي يرأسها الرئيس رجب طيب أردوغان، العديد من الوزراء ورئيس الأركان العامة ومدير وكالة الصناعات الدفاعية التركية.
ناقش الاجتماعُ المشاريعَ المتعلقة بتطوير أنظمة الدفاع الجوي والصواريخ، والأنشطة المستقبلية المتعلقة بمشروع الطائرات المقاتلة الوطنية ” كان ” ومشاريع شراء الطائرات بدون طيار المسلحة من طراز ” أكنجي” و “بيرقدار تي بي 3 ” و”أكسنجور” والأنظمة الفرعية ذات الصلة، ومشاريع الطائرات بدون طيار الانتحارية والطائرات الصغيرة والبحرية. هذه النقاشات المطولة والتفصيلية تشير إلى حجم المشروع وتعقيده ومدى جدية الحكومة التركية في إطلاقه. .
يُوصفُ مشروعُ القبة الفولاذية بأنه “نظام من الأنظمة” نظرًا لدمجه بين أنظمة دفاع جوي محلية مختلفة. كما سيضم المشروع تقنيات متقدمة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، وبالتالي إنشاء شبكة دفاع جوي متعددة الطبقات. ستعمل الأنظمةُ معًا لتوفير حماية شاملة ضد مجموعة واسعة من التهديدات المحمولة جوًا، من الصواريخ المنخفضة التحليق إلى الطائرات بدون طيار إلى الطائرات عالية التحليق. لذلك تهدف القبة الفولاذية إلى إنشاء درع دفاع جوي من خلال دمج أجهزة الاستشعار ووحدات الاتصال ومحطات القيادة والتحكم وأدوات صنع القرار القائمة على الذكاء الاصطناعي..
دلالاتُ التوقيت والتكوين:
إثبات كفاءةِ الصناعات الدفاعية الوطنية:
حيث يُلاحظُ انخراطُ جهات عامة فاعلة في مجال التصنيع العسكري مثل أسيلسان وروكاتسان وإم كاي آي، إضافة إلى منظمة الأبحاث العامة توبيتاك ساج. كما من المزعم أن تظهر هذه الشركات المملوكة للدولة مستويات عالية من التنسيق المشترك إبان تنفيذ المشروع. على سبيل المثال, يساهم معهد “توبيتاك ساغا” بقوة في تعزيز منظومة الدفاع الجوي التركية، وذلك من خلال توفير صواريخ “غوكدوغان” و”بوزدوغان” المتطورة لمشروع “القبة الفولاذية”. هذه الصواريخ، جنباً إلى جنب مع الأنظمة الإلكترونية المتقدمة مثل نظام تحديد المواقع “كاشف” وهوائي “كي كي أس”، تشكل درعاً واقياً يحمي سماء تركيا. علاوةً على ذلك, طورت شركة “أسليسان” “كوركوت”، الدرع الجوي المتحرك الذي يرافق الوحدات الآلية في ميدان المعركة، إلى “حصار –أ+”، الذي يقضي على التهديدات الجوية المنخفضة بكفاءة عالية بجانب سلاح الطاقة الموجهة “ألكا” القادر على تحييد أسراب المسيرات بضربة ليزر واحدة. ناهيك عن مشاركة شركة “روكاتسان” بأحدث منظوماتها في مشروع ” القبة الفولاذية ” وهم : نظام “سيبر” بعيد المدى ذو القدرة العالية على ردع الأعداء وتحييد صواريخ كروز والهجمات الجوية البعيدة المدى بجانب نظام “برج” المتعدد الاستخدامات القادر على التصدي لشتى أنواع التهديدات الجوية.
تطورُ عقيدةِ الدفاع الجوي التركية طويلة المدى:
يُعَبّرُ المشروع عن نية تركيا إنشاء بنيةٍ تحتيةٍ عسكرية دفاعية أكثر تكاملاً تًكَرّسُ دمجَ الأسلحة والتقنيات العسكرية التي عملت على تطويرها على مدى العقود الأخيرة ومن ضمنها أنظمةٌ محلية لأنظمة الدفاع الجوي والدفاع الجوي على ارتفاعات منخفضة ومتوسطة وهناك طائرات بدون طيار وأقمار صناعيةٌ تمتلكها تركيا. في هذا السياق, يمكن رؤية المشروع ك”حصاد” تطور الصناعات الدفاعية العسكرية إبان حكومات “العدالة والتنمية” والمشروع طويل المدى الذي سيتم تكريس الجهود الاقتصادية التركية له خلال الفترة المقبلة على مستوى التصنيع العسكري.
وفي هذا السياق, أشار مسؤولون أتراك أن المشروع سيُقللُ الاعتمادَ الخارجي التركي على منظومات الدفاع الجوي الأجنبية إلى ” صفر” فور إتمامه ,وهو ما يبدو هدفاً غير واقعيٍ خاصةً مع احتياج تركيا إلى تكنولوجيا تشغيل بعض المنظومات العسكرية الأجنبية بجانب قطع غيارها وصيانتها الدورية.
تعزيزُ استقلاليةِ التسليح التركي:
كما يُمثلُ المشروع نقلةً نوعيةً جديدة في مسار الحكومة التركية بدعم الصناعة الوطنية العسكرية والابتعاد عن التسليح الصيني والروسي والأمريكي نحو التسليح الذاتي وما يحمله هذا المسار من استقلاليةِ القرار الوطني. ولقد اتخذت أنقرة خطوات هامةَ نحو التخلص تدريجياً من الأنظمة العسكرية الأجنبية على غرار الأسطول الجوي القديم المكون من مقاتلات اف-16 واستبدالها بمقاتلات ” كان” والتي ستحل محل المنظومة الأمريكية تماماً بحلول عام 2030. كذلك يفسر إعلان المشروع في سياق مماطلة الكونغرس الأمريكي في إتمام صفقة بيع مقاتلات اف-35 الأمريكية لتركيا المتوقفة منذ عام 2019. بالتالي, أغفلت أو تغافلت واشنطن عن التضحيات التركية المقدمة في سبيل إتمام الصفقة وفي مقدمتها تمرير عضوية السويد في حلف الناتو في يناير 2024. في إطار فشل الصفقة التركية-الأمريكية , يتحرك أردوغان نحو تعزيز مركزه الخارجي كلاعبٍ مستقلٍ تماماً مطيحاً بأي أوراق ضغط أمريكية على بلاده بمحاور السياسة الخارجية. لذلك تُعدُّ ” القبة الفولاذية” تجسيداً لعدم اهتمام تركيا بإتمام صفقة اف-35 ورغبتها في تعزيز مسارها التسليحي المستقل.
اضطرابُ المحيطِ الإقليمي التركي:
يُمكنُ رؤية المشروع كَمُكمّلٍ لمشروع الجدار العازل الذي يُصرُ عليه الرئيس أردوغان منذ سنوات لتأمين الحدود التركية من نشاطات الجماعات الإرهابية المنتشرة في العراق وسوريا وعلى رأسها “حزبُ العمال الكردستاني” المناهض لأنقرة. في هذا السياق, يُعدُّ المشروع خطوة أكبر في هذا الصدد وتجسيداً لسياسة الردع التركية الجديدة للتهديدات الأمنية النابعة من اضطراب محيطها الإقليمي. بالإضافة إلى ذلك, خلفت تداعيات حرب غزة المندلعة منذ السابع من أكتوبر عام 2023 والتي أدت لتصاعد التوترات بين ما يسمى “بمحور المقاومة” وإسرائيل , مخاوف أمنية واسعة لدى تركيا من إمكانية تأثرِ حدودها مع سوريا والعراق وإيران بنشوب حرب إقليمية بين إسرائيل ووكلاء إيران الإقليميين أو حتى إيران نفسها.
ولربما هذا يُفسرُ دلالةَ توقيت الإعلان عن المشروع بل وطرحِ إمكانية تنفيذه في جدولٍ زمني ضيق ينتهي بحلول عام 2026 على أقصى تقدير. لكن لا يُوجدُ تقريرٌ رسمي من الحكومة حول موعد انتهاء المشروع مما يجعل الميعاد المذكور آنفاً معبراً عن تكهنات إعلامية غير مطابقة للواقع ,بحيث قد يحتاج المشروع إلى بضع سنوات لإطلاقه.
تشابهُ التسميةِ مع منظومة “القبة الحديدية الإسرائيلية”:
كذلك, يُلاحظُ تشابهُ اسم منظومة القبة الفولاذية التركية مع نظيرتها الإسرائيلية المدعوة ” القبة الحديدية ” ,والتي أكد محللون أتراك رفيعو المستوى محاكاة الحكومة التركية للمشروع ليس فقط على مستوى المسمى ولكن على مستوى الأهدافِ المنشودةِ وإيصال التجربة التركية لمستويات قياسية في تحقيق الردع على غرار التجربة الإسرائيلية. في ضوء هذه المقارنة, يبدو أن حكومة أردوغان تستهدف إعادة الإتزان لميزان القوى الإقليمي ,إذ يخلق وضعاً ,تمتلك فيه القوات التركية قدرات تسليحية ومنظومات دفاع جوي ذات إمكانيات رفيعة توازي خصومها الإقليميين وعلى رأسهم إسرائيل.
أما على مستوى التشغيل وآلية العمل , يُلاحظُ اختلافات واضحة بين المشروعين , إذ أن إسرائيل تعتمدُ كليةً على منظومات دفاعٍ جوية أمريكية على غرار منظومة صواريخ “باتريوت” و”أرو” مما يَعكسُ تجانساً يميز “القبة الحديدية”. على الجانب الآخر, لم تُفصحْ تركيا إذا كانت ستسخدم منظومات دفاع جوية أجنبية على الإطلاق في “القبة الفولاذية” خلال بيانها الإعلاني الذي اكتفى بتسليط الضوء على هيمنة الشركات المحلية التركية على المشروع . بالتالي, ترك بيان الرئاسة التركية الباب مفتوحاً أمام احتمالية وجود نُظمِ تسليح أجنبية ضمن “القبة الفولاذية” , والذي سيضع تحدياً هاماً أمام الحكومة التركية حول كيفية تنسيق آليات عمل الأنظمة المختلفة.
تحديات المشروع:
مدى مرونةِ الشركات الدولية:
رغم حصول الشركات الوطنية على نصيب الأسد من إجمالي المشروع إلا أن الاعتماد الكبير على الشركات المحلية قد يُواجهُ تحدياتٍ مثل نقص الخبرة في بعض التقنيات المتقدمة، مما قد يؤدي إلى تأخيرات أو حتى مشكلات في جودة النظام. التعاون الدولي يمكن أن يسهم في تسريع التطوير ونقل التكنولوجيا الحيوية. ومع ذلك، إن علاقة أنقرة المتوترة مع واشنطن وتذبذب العلاقات الروسية-التركية وإمكانية صعود اليمين المتطرف في ألمانيا بالانتخابات البرلمانية المزعم عقدها في 2025 قد تسهم في إظهار حساسية غربية من مشاركة تكنولوجيا التسليح والمنظومات الدفاعية المطلوبة مع الأتراك.
هذه الحساسية تدوالتها وسائلُ إعلام تركية متعددة فيما يخص دور منظومة اس-400 الروسية, التي قامت أنقرة بشرائها عام 2017 ضمن صفقة قدرها 2.5 مليار دولار, في المشروع المرتقب واصفةً إشراك منظومة عسكرية روسية بمشروع دفاعي لعضو في حلف شمال الأطلسي “بالإشكالي”. في هذا السياق, قد تضع القوى الغربية قيوداً على آليات تنفيذ المشروع بما فيها الأسلحة المستخدمة مفضلةً نقلَ جزءٍ من التكنولوجيا الغربية وعدم مشاركة القدر الكافي من تكنولوجيا التشغيل مع دولة قد لا يبدو موقفها الخارجي واضحاً في ظل سياسة الاستقطاب العالمي المحتدم. بل وصل مناخُ عدم الثقة المتبادلة إلى وجود تقارير تؤكد مخاوف الناتو من مشاركة أنقرة لموسكو عن التفاصيل العملياتية لمنظومات التسليح الغربي. بالتالي, قد يُمثلُ هذا عقبة مهمة في وجه استكمال المشروع , خاصةً مع وجود اتجاه لتعزيز المكون المحلي التركي بالمشروع إلا أن الشركات الدفاعية التركية لا تزال تفتقر الأنظمة الصاروخية الدقيقة وتكنولوجيا الرادرات المتقدمة اللازمة لتشغيل ” القبة الفولاذية”.
التكلفةُ الباهظةُ للمشروع:
تَجنّبَ بيانُ وزارة الدفاع التركية الإفصاح عن القيمة المادية المتوقعة للمشروع , إلا أن التقديرات أشارت إلى احتمالية وصول التكلفة لبضع مليارات الدولارات متضمنةً أوجه متعددة كتوطين التكنولوجيا الدفاعية وتكاليف برامج البحث والتطوير وغيرها مما يمثل ضغوطاً اقتصاديةً إضافية على اقتصاد تركيا المتعثر بالفعل . إلا أنه من المتوقع أن تمول أنقرة المشروع من إيرادات الشركات الدفاعية المرتفعة البالغة في الأساس 5.5 مليار دولار وفقاً لتقديرات عام 2023 بالإضافة إلى إتاحة الفرصة أمام استثمارات القطاع الخاص.
على النقيض, وفقاً للتفكير الاستراتيجي طويل المدى, فإن تركيا تسعىَ في الأساسِ لتقليلِ تكلفةِ الإنفاق على قدراتها الدفاعية الجوية نظراً للتكلفة العالية للذخائر المستخدمة في الأنظمة الدفاعية الجوية التقليدية. تبعاً لذلك, تُصبحُ أنظمةُ الدفاعِ الجوي الأقل جودة عند استخدامها بشكلٍ استراتيجي ومترابطٍ أكثر فاعليةً في مواجهة المخاطر , وهو ما سيوفرهُ مشروع ” القبة الفولاذية”.
ختاماً, تمثل ” القبة الفولاذية” نقلةً نوعيةً في مستقبل الصناعات الدفاعية التركية وتُجسدُ رغبةَ القيادة السياسية التركية في توظيفِ منتجات الصناعة العسكرية المحلية ضمن مشروعٍ عملاقٍ يعالج مخاوف تركيا الأمنية النابعة عن اشتعال إقليم الشرق الأوسط. كذلك, يعطي المشروعُ لأنقرة استقلاليةً أكبر على مستوي التسليح والسياسة الخارجية . وعلى الرغم من وجود تحدياتٍ أمام تنفيذ ” القبة الفولاذية” , إلا أن تركيا تمتلك الخبراتِ والعلاقاتِ الدبلوماسيةَ الجيدة إلى حد كبير بجانب القدرات التمويلية القادرة على تذليلِ العقبات المذكورة أعلاه.
المراجع
- تركيا تستعد لبناء «القبة الفولاذية» المضادة للصواريخ. جريدة الشرق الأوسط. 14/8/2024. متاح على الرابط التالي:
- درع ضد الصواريخ.. تعرف إلى تفاصيل القبة الفولاذية التركية الجديدة. Defense Arabia.. 15/8/2024. متاح على الرابط التالي :
- مشروع “القبة الفولاذية”.. كيف يتكامل الدفاع الجوي التركي؟. TRT عربي. 8/8/2024. متاح على الرابط التالي :
- آمنة فايد. الأزمة الروسية-الأوكرانية: هل تعيد تركيا توجيه بوصلتها غربًا؟. مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية. 23/7/2023. متاح على الرابط التالي :
- كيرستن غريشابر. لماذا يعود اليمين المتطرف إلى ألمانيا مجددا؟. اندبندنت عربية. 27/3/2024. متاح على الرابط التالي :
- جو تابت. صفقة ستزعج تركيا.. مقاتلة “إف 35” إلى اليونان. سكاي نيوز عربية. 1/5/2023. متاح على الرابط التالي :
- مسعود الزاهد. ماذا تعرف عن الجدار الحدودي العازل بين تركيا وإيران؟. العربية.نت. 25/4/2018. متاح على الرابط التالي :
- Barin Kayaoglu. Turkey’s Steel Dome defense system: Vast potential, tricky implementation. Monitor. 18/8/2024. Available at : https://www.al-monitor.com/originals/2024/08/turkeys-steel-dome-defense-system-vast-potential-tricky-implementation
- Turkey aims to build its own “steel dome” to protect its airspace. Agenzia Nova. 15/8/2024. Available at : https://www.agenzianova.com/en/news/Turkey-aims-to-build-its-own-steel-dome-to-protect-its-airspace/
- Steel Dome introduced: a revolution in the domestic air defense system! What is the Steel Dome that will not fly birds in the Gök Vatan, what does it do, what are its features? Yeni Safak. 7/8/2024. Available at : https://2u.pw/car5p2cu