المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > تقدير موقف > القمةُ الخليجيةُ الأوروبية: من التوترات الجيوسياسية إلى آفاق التعاون الاقتصادي
القمةُ الخليجيةُ الأوروبية: من التوترات الجيوسياسية إلى آفاق التعاون الاقتصادي
- أكتوبر 17, 2024
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات تقدير موقف وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات
إعداد: دينا إيهاب
باحث مساعد في وحدة شؤون الشرق الأوسط
انعقدتْ في العاصمة البلجيكية “بروكسل”، الأربعاء ١٦ أكتوبر ٢٠٢٤، القمةُ الأولى من نوعها بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي[1]، بحضور رؤساء دول وحكومات من الجانبين، والذي جعلها قمةً على مستوى استراتيجي رفيع، حيث تميزت هذه القمة، التي ترأسّها الشيخ “تميم بن حمد آل ثاني”، أمير دولة قطر ورئيس الدورة الحالية لمجلس التعاون، و”شارل ميشيل”، رئيس المجلس الأوروبي، بكونها تتويجًا لمرور ٢٥ عامًا من التعاون المُكثف بين الكتلتين[2]، حيث شهدتْ العلاقاتُ بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون تطورًا ملحوظًا في المجالات السياسية، الأمنية، والاقتصادية. وقد عكست هذه القمة أهمية تعزيز الشراكة بين الجانبين في ظل التحديات الجيوسياسية العالمية والإقليمية، خصوصًا في الشرق الأوسط، ولقد ركّز جدول أعمال القمة على ملفاتٍ محوريةٍ تتعلق بالتعاون الاقتصادي والتكنولوجي، حيث تمَّ التطرق إلى قضايا التحول الأخضر، العمل المناخي، والتطورات التكنولوجية، لا سيما في المجال الرقمي، إلى جانب ملفات التجارة والاستثمارات، كما طغت على المناقشات التحديات الجيوسياسية الراهنة، بما في ذلك تداعياتُ الحرب الروسية الأوكرانية، والصراعاتُ في منطقة الشرق الأوسط، مع التركيز على الأزمات في غزة ولبنان والسودان والبحر الأحمر، وفي ظل هذه الظروف، مثّلت القمة فرصةً لتعزيز التعاون في مجال الأمن والاستقرار الإقليمي، وفتح آفاقٍ جديدة للحوار والدبلوماسية بُغيةَ إيجاد حلولٍ مستدامةٍ للأزمات المتفاقمة في المنطقة.
العلاقاتُ بين مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي
تتسمُ العلاقات بين مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي بتاريخ طويل من التعاون، حيث بدأت من خلال توقيع اتفاقية تعاون في عام ١٩٨٩[3]، هذه الاتفاقية أسست لحوار منتظم بين الجانبين في مجالات متعددة، تأتي في مقدمتها العلاقات الاقتصادية والطاقة، وقد تضمنتْ الاتفاقيةُ إنشاء مجلسٍ مشتركٍ يضمُّ وزراء الخارجية من كلا الجانبين، وكان آخر اجتماع عُقد له في فبراير [4]٢٠٢٢، مما يُسهمُ في تعزيز التعاون بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك بين كلا الطرفين، ويمكن إجمال مراحل تطور العلاقات بين مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي على النحو الآتي:
1- بدايةُ التعاون (١٩٨٩-٢٠٢١): منذ توقيع اتفاقية التعاون، تم تشكيل إطار عمل للتعاون الذي تضمّن إجراء مشاورات دورية ولقاءات رفيعة المستوى، خلال هذه الفترة، تم التركيز على تطوير الشراكات الاقتصادية والتجارية بالتحديد، حيث أضحتْ منطقةُ مجلس التعاون الخليجي واحدةً من أهمّ الأسواق للاتحاد الأوروبي، وهو ما رسّخَ لعلاقاتٍ أوثق نحو آفاق جديدة للتعاون.[5]
2- تعزيزُ الشراكة (فبراير ٢٠٢٢): عُقد المجلس المشترك في بروكسل، حيث أقر وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي برنامجَ تعاونٍ مشتركٍ للفترة ٢٠٢٢-٢٠٢٧. هذا البرنامج يمثل خطوةً مهمةً نحو تعميق العلاقات ويشمل مجالات التجارة، الاستثمار، تغير المُناخ، التحول الأخضر، المبادرات الإنسانية، ومكافحة الإرهاب. كما أُعيد تحديث هذا البرنامج في أكتوبر [6]٢٠٢٣، حيث ساهمت الاجتماعات المنتظمة بين كبار المسؤولين في تحقيق تقدمٍ ملحوظٍ في تنفيذ المشاريع المشتركة، مما عزّز من الثقة المتبادلة.
3- الإعلانُ عن الشراكة الاستراتيجية (مايو ٢٠٢٢): أصدرت المفوضية الأوروبية والممثل الأعلى للسياسة الخارجية بيانًا مشتركًا بشأن “الشراكة الاستراتيجية مع الخليج”، الذي تمّ اعتماده في يونيو من نفس العام[7]، هذا البيان وضع خارطةَ طريقٍ واضحة لتطوير العلاقات بشكلٍ أكثر استدامة وفعالية، حيث برزت أهمية هذا البيان في توفير إطار عمل محدد يعكسُ التحديات المشتركة التي يواجهها الطرفان، مما ساهم في تحديد الأولويات الاستراتيجية التي تتماشى مع مصالح الجانبين، تزامنًا مع تعزيز التعاون، تم تعيين “لويجي دي مايو” كأول ممثلٍ خاص للاتحاد الأوروبي في الخليج في يونيو من نفس العام[8]، حيث يتحمل الممثل مسؤولية تنسيق الجهود وتعزيز الشراكة بشكل استراتيجي.
وبالنظرِ إلى الأبعادِ الاقتصادية والتجارية، فإن التبادل التجاري يُعد أحدَ أهمِّ أبعاد العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي، حيث يُعتبر الاتحاد الأوروبي ثاني أكبر شريك تجاري لدول مجلس التعاون الخليجي، حيث بلغ حجم التجارة بين الجانبين ١٧٠ مليار يورو في عام ٢٠٢٣[9]، تشكل واردات الوقود أكثر من ٧٥% من واردات الاتحاد الأوروبي من دول المجلس[10]، مما يعكسُ الاعتماد الكبير على الموارد الطاقية من المنطقة، على الصعيد الاستثماري، تستثمر حوالي ٥٠٠ شركة أوروبية في مختلف القطاعات بالسعودية، والتي تُعتبر أحد أكبر اقتصادٍ داخل دول المجلس، بلغ حجم التبادل التجاري بين السعودية والاتحاد الأوروبي ٧٨.٨ مليار دولار في عام ٢٠٢٣، حيث صدّرت السعودية للاتحاد الأوروبي ما قيمتهُ ٣٨.٤ مليار دولار، بينما استوردت منه بقيمة حوالي ٤٠ مليار دولار[11]، وتعكس هذه الأرقام أهمية العلاقات التجارية بين الطرفين وتُظهر كيف أصبحت منطقة مجلس التعاون الخليجي واحدةً من الوجهات المُفضلة للاستثمار الأوروبي.
دلالاتُ انعقاد أول قمة خليجية-أوروبية
جاءَ انعقاد القمة الخليجية الأوروبية في بروكسل في سياقٍ جيوسياسي مُعقد، حيث تواجه دول الغرب تحدياتٍ متزايدةً في سياستها الخارجية، خصوصًا تجاه الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، منذ بدء الحرب، كانت هناك إشارة واضحة إلى تآكل الدعم الغربي التقليدي لإسرائيل، خاصةً بعد توسيع رقعة الحرب لتشملَ لبنان، والذي بدوره خلق شعورًا أوروبيًا بأن استمرار التصعيد العسكري الإسرائيلي يمثل تهديدًا لمصالحهم، وهو ما دفع إلى التحول في المصالح الاستراتيجية لدول الاتحاد الأوروبي، هذا التحولُ يمكن تفسيره بمواقف زعماء أوروبيين مثل الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون”، الذي دعا إلى وقف إمدادات السلاح لإسرائيل[12]، وفي الوقت نفسه، يسعى الاتحاد الأوروبي لتقاربٍ في وجهات النظر مع دول مجلس التعاون الخليجي التي تتمتع بعلاقات وطيدة مع روسيا، حيث يرى أن تَعاظمَ نفوذ الدول الخليجية في الحرب الروسية- الأوكرانية، وهو ما يحثه على التقارب أكثر منها، وبالنظر إلى هذا السياق يمكن تفسير دلالات القمة فيما يلي:
1- استجابة للمبادرة السعودية: جاءت القمة استجابةً لدعوة السعودية لتشكيل تحالف دولي يدعم إقامة الدولة الفلسطينية[13]، مما يُظهر أن الدول الخليجية قد بدأت في التحرك بشكلٍ مستقل عن الهيمنة الأمريكية، حيث تسعى دول الخليج إلى تعزيز دورها كمحورٍ رئيسي في إدارة الأزمات الإقليمية، إذ بات واضحًا أن الدول الخليجية، مثل المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات، قد شرعت في تعزيز حضورها الإقليمي من خلال تفعيل دبلوماسيتها.، حيث تسعى دول الخليج إلى إعادة صياغة التوازنات الإقليمية، وتعزيز العلاقات مع الدول الأوروبية حول القضايا الفلسطينية وهذا قد يخلق منصة جديدة لتمكين الفلسطينيين، ويُعزز من دور دول الخليج في معادلات الصراع.
2- محاولة إحياء اتفاقية التجارة الحرة: بالإضافة إلى الجوانب السياسية، فإن القمةَ الخليجية الأوروبية جاءت كمحاولةٍ لإحياء اتفاقية التجارة الحُرة بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي[14]، يُظهر هذا السعي رغبةً أوروبيةً واضحة لتعزيز مكانتها الاقتصادية في المنطقة، خاصة في ظل الأزمات السياسية المستمرة، حيث تحتاج أوروبا إلى دعمٍ خليجي في قضايا الطاقة وسلاسل الإمداد، مما يجعل التعاون الاقتصادي مسألةً استراتيجيةً في السياق الحالي.
3- تراجع الثقة في الإدارة الأمريكية: تراجعتْ ثقة دول الاتحاد الأوروبي في السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط نتيجةً لفشل واشنطن في التأثير على حكومة نتنياهو في إدارة الحرب الإسرائيلية، حيث ترى الدول الأوروبية أن التصعيدَ الإسرائيلي، الذي تتساهل معه أمريكا، يضعها في موقفٍ حَرجٍ سواء سياسيًا أو أخلاقيًا، خاصة مع تداعيات محتملة على استقرار أوروبا نفسها، كما أن السياسات الأمريكية غير المتسقة تثير قلقاً حول تأثيرها على الأمن الأوروبي عبر موجات هجرة وتوترات داخلية، في هذا السياق، تتجهُ دول الاتحاد الأوروبي إلى إعادة تقييم علاقتها مع واشنطن، والتفكيرِ في تبني سياسات مستقلة أكثر توازنًا تجاه الشرق الأوسط، تراعي مصالحها الخاصة بدلاً من التبعية الكاملة للنهج الأمريكي.
يمكن القول، بأن كلاً من دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي مُستفيد من القمة الخليجية الأوروبية في عدة جوانب، فبالنسبة للاتحاد الأوروبي، هذه القمة جاءت في لحظةٍ حرجةٍ، إذ تسعى الدول الأوروبية إلى توسيع تجارتها مع دول الخليج لمواجهة التحديات الاقتصادية الناجمة عن الحرب الروسية-الأوكرانية خاصةً بالنسبة لفرنسا وألمانيا، وضمان تدفق موارد الطاقة خاصة الغاز والنفط، كما أنها تُمثل فرصةً للاتحاد الأوروبي لتعزيز دوره السياسي في الشرق الأوسط عبر البحث عن حلٍ دبلوماسيٍ للنزاعات المستمرة، خاصة في ظل تراجع الثقة بالسياسات الأمريكية في المنطقة، أما دول مجلس التعاون الخليجي، فهي ترى في هذه القمة فرصةً لتعزيز مكانتها الاقتصادية والاستراتيجية، حيث تسعى لاستقطاب الاستثمارات الأوروبية ودعمِ مشاريع تنوّع الاقتصاد بعيدًا عن النفط، كما أن القمةَ توفر لها فرصةً لممارسة دور سياسي أكبر في المنطقة، وخاصةً فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، دول الخليج، لا سيما السعودية وقطر، تسعى لتتصدرَ المشهد الإقليمي عبر تقديم مبادرات سياسية واقتصادية تهدفُ إلى تعزيز استقرار المنطقة وتأمين مصالحها في ظل التوترات الراهنة.
البيانُ الختامي ومُخرجات القمة الخليجية- الأوروبية
جاء البيانُ الختامي للقمة الخليجية الأوروبية في بروكسل ليؤكد على تعزيز التعاون الاستراتيجي على مختلف الأصعدة، مع التركيز على إيجاد حلول دبلوماسية للأزمات الإقليمية، خاصةً الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي واليمن وتهديدات البحر الأحمر[15]، وذلك على النحو الآتي:
-
مواصلة مفاوضات إعفاء الخليجيين من تأشيرة الشنغن: أكد البيان الختامي على ضرورةِ الاستمرار في المفاوضات بشأن إعفاء رعايا دول مجلس التعاون الخليجي من تأشيرة الشنغن، من خلال تسهيل حركة الأفراد، مما سيدعمُ علاقات الاستثمار والسياحة والتعليم بين دول الخليج والاتحاد الأوروبي.
-
استضافة السعودية للقمة المقبلة: تمَّ التأكيد على أن المملكة العربية السعودية ستستضيف النسخة الثانية من القمة في عام ٢٠٢٦، وهو ما يبرز الدور المتزايد للمملكة على الساحة الإقليمية والدولية، هذه الخطوةُ تعزز مكانة السعودية كقائد إقليمي يسعى لتعزيز الحوار والتعاون مع أوروبا في شؤون متعددة.
-
الموقفُ من الصراع في غزة ولبنان: أدانَ البيان الهجمات ضد المدنيين والبنى التحتية في غزة ولبنان، مؤكدًا على ضرورة وقف إطلاق النار، مع الدعوة إلى حلِ الدولتين باعتباره الطريق الوحيد لتحقيق السلام، بالإضافة إلى تأكيد التزام دول الخليج وأوروبا بتحقيق حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير من خلال حل الدولتين باعتباره الحل السلمي للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، مع التركيز على حماية المدنيين والامتثال للقانون الدولي، بالإضافة إلى دعوة البيان إلى تنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، بما في ذلك قرار 1701 الخاص بلبنان، والقرار 2735 الذي يتعلق بوقف إطلاق النار في غزة والإفراج عن الأسرى.
-
الشراكة الاستراتيجية بين الاتحاد الأوروبي ودول الخليج: أعربَ القادة عن رغبتهم في بناء شراكة استراتيجية للقرن الـ ٢١، تستندُ إلى تعزيز الأمن والازدهار العالمي والإقليمي، يهدف هذا التعاون إلى تطوير الشراكات الاقتصادية والسياسية، مع التركيز على مجالات مثل الأمن الغذائي، الطاقة، والبنية التحتية، كما أعلنت القمة إطلاق حوارٍ استراتيجي لتسهيل التجارة والاستثمار بين دول الخليج وأوروبا، مع مواصلة المفاوضات للتوصل إلى اتفاقية تجارة حرة، والذي يُعمق الروابط الاقتصادية بين الجانبين.
-
اشادةٌ بالجهود السعودية في اليمن: أشادَ البيان بجهود السعودية لدفع الأطراف اليمنية إلى حلٍ سياسي للأزمة، ما يعكسُ الاعترافَ الدولي بالدور المحوري للمملكة في إرساء الاستقرار في اليمن، هذه الإشادة تعزز من صورة السعودية كدولة تدعم السلام الإقليمي.
-
حريةُ الملاحة وأمن البحر الأحمر: شددَ البيان على أهمية حرية الملاحة في البحر الأحمر، حيث أعربَ الجانبان عن قلقهم من التهديدات المحتملة على حركة التجارة العالمية في هذه المنطقة الحيوية، يأتي هذا في إطار جهود الجانبين لضمان الاستقرار الاقتصادي وتأمين طرق الشحن الدولية.
-
دعمُ وكالة الأونروا والمساعدات الإنسانية: شددَ البيان على ضرورة تقديم المساعدات الإنسانية دون شروط وفتح المعابر لدعم عمل وكالة الأونروا، هذا يعكس التزام الجانبين بالتصدي للأزمات الإنسانية في فلسطين، وتعزيز جهود المجتمع الدولي في توفير الدعم للاجئين.