القمةُ العربية الإسلامية الطارئة في الدوحة: نحو مُقاربة جماعية لردع العدوان الإسرائيلي

إعداد: دينا دومه

باحث مساعد في وحدة شؤون الشرق الأوسط

انعقدتْ القمةُ العربية الإسلامية الطارئة على مُستوى القادة ووزراء الخارجية في العاصمة القطرية “الدوحة”، على مدار يومي 14 و15 سبتمبر 2025، في سياقٍ إقليميٍ شديد الحساسية مثّل مُنعطفًا في مسار التوازنات السياسية والأمنية في المنطقة، حيث جاءت القمة كردِّ فعلٍ مُباشرٍ على الهجوم الإسرائيلي غير المُسبوق الذي استهدف في 9 سبتمبر الجاري وفد حركة حماس المُفاوض وقياداتها من الصف الأول خلال اجتماع في الدوحة، وهو اعتداءٌ غير مسبوق في طبيعته كونه أولَ هجومٍ إسرائيلي على دولةٍ خليجيةٍ تؤدي دور الوسيط الدبلوماسي وتبحث مُقترحًا مُقدمًا من الإدارة الأمريكية لوقْف إطلاق النار في غزة، لم يكنْ هذا التطورُ مُجرد انتهاكٍ صارخٍ لسيادة دولة عربية فحسب، بل مثّل تحوّلًا نوعيًا في قواعد الاشتباك الإقليمي، وفتح الباب أمام إعادة تقييم شاملة لمُعادلات الردع والأمن الجماعي في المنطقة، وقد برز في هذا السياق الخطابُ القويُ للرئيس المصري “عبدالفتاح السيسي”، الذي حمل رسائل واضحةً ودلالاتٍ قويةً حول خطورة استهداف الوساطات السلمية وضرورة التمسك بوحدة الصف العربي والإسلامي، ما أضفى على أعمال القمة بُعدًا استثنائيًا يعكس جدّية المرحلة ودقة حساباتها.

وقد انعكست خطورة الحدث في طبيعة مدلولات القمة، التي تجاوزت حدود الاستنكار السياسي لتطرحَ تساؤلاتٍ جوهريةً حول مُستقبل الأمن الإقليمي ودور المنظومتين العربية والإسلامية في صياغة ردّ جماعيٍ فعّالٍ، كما ناقشت القمة أبعاد الاعتداء على المُستويات الدبلوماسية والقانونية والإنسانية، وأكدت أن استهداف دولة تمارس وساطة سلْميةً يشكّل تهديدًا مباشرًا لجهود التسوية السياسية ويضع النظام الدولي أمام اختبارٍ حقيقيٍ فيما يتعلق باحترام سيادة الدول، وفي هذا السياق، شددت الدول المُشاركة على ضرورة بلورة موقف موحّد وعملي يوجّه رسائل واضحة لإسرائيل وللقوى الدولية، مفادها أن تقويضَ الوساطات الدبلوماسية وانتهاكَ السيادة الوطنية سيقابله ردٌّ جماعيٌ يعيد التوازن إلى معادلات القوة ويحمي استقرار الإقليم، لكن يبقى السؤال الأبرز: إلى أي مدى ستنجح مُخرجات البيان الختامي للقمة في تحويل هذا التوافق السياسي إلى خطواتٍ ملموسةٍ، وما الخيارات والبدائل المُتاحة أمام دول المنطقة في الفترة القادمة؟…

أولًا: سياق انعقاد القمة

جاء انعقادُ القمة العربية الإسلامية الطارئة في الدوحة، وما رافقها من اجتماعاتٍ خليجيةٍ واتصالاتٍض أميركية–قطرية رفيعة المستوى، في سياق استثنائي فرضته الضربة الإسرائيلية، حيث تمثل ذلك فيما يلي:

1- الضربة الإسرائيلية للعاصمة القطرية وتداعياتها غير المسبوقة: جاء انعقاد قمة الدوحة الاستثنائية على خلفية الضربة الإسرائيلية غير المسبوقة التي استهدفت قادة من حركة “حماس” داخل العاصمة القطرية، وقد أسفر الهجوم عن مقتل خمسة من عناصر الحركة وأحد أفراد قوات الأمن القطرية، ليكون بذلك أول اعتداء مباشر على دولة خليجية تضطلع بدور الوساطة الدبلوماسية لوقف إطلاق النار في غزة، هذا التطور نقل التهديد الإسرائيلي من نطاق جغرافي محدود إلى مُستوى إقليمي شامل، الأمر الذي دفع الدول العربية والإسلامية إلى مُراجعة مواقفها والبحث عن آليات ردع جماعي.

2- اللقاء القطري – الأميركي في نيويورك: حيث التقى الرئيس الأميركي “دونالد ترامب”، الجمعة الموافق 12 سبتمبر الجاري، برئيس الوزراء القطري الشيخ “محمد بن عبد الرحمن” في نيويورك[1]، وقد ناقش الجانبان، مُستقبل الدور القطري كوسيط دبلوماسي في النزاعات الإقليمية، بالإضافة إلى أبعاد التعاون الدفاعي بين البلدين، في ضوء الغارات الإسرائيلية على الدوحة، هذا اللقاء حمل رسائل مزدوجة: فمن جهة أبدى حرص واشنطن على استمرار الدوحة في أداء دورها كوسيط باعتبارها أحد الحلفاء الإقليميين لها، ومن جهة أخرى عكس إدراك الولايات المتحدة أن الهجوم الإسرائيلي قد يفتح الباب أمام مرحلة أكثر تعقيداً من الصراع، تتجاوز غزة لتطال دولاً تُحسب على مُعسكر التهدئة.

3- لقاءات رفيعة المستوى مع الإدارة الأمريكية : لم يقتصر الحراك الدبلوماسي على ترامب وحده، إذ التقى رئيس الوزراء القطري كذلك بنائب الرئيس الأميركي “جي دي فانس” ووزير الخارجية “ماركو روبيو” يوم السبت 13 سبتمبر الجاري، وأصدرت وزارة الخارجية القطرية بيانًا أوضحت فيه أن فانس أكد تضامنه مع قطر[2]، مُشيرًا إلى أن الحلول الدبلوماسية هي الكفيلة بمُعالجة الأزمات الإقليمية، كما أشاد بالجهود التي تبذلها الدوحة في إحلال السلام واعتبرها “حليفًا استراتيجيًا مُوثوقًا للولايات المتحدة”. هذه التصريحات تعكس إدراك واشنطن لحساسية الظرف الإقليمي، لكنها في الوقت نفسه تؤكد أن الولايات المتحدة لا تنوي التراجع عن اعتماد قطر كركيزة أساسية في ترتيباتها الشرق أوسطية.

4- لقاء نتنياهو مع “مارك روبيو” في القدس: حيث يُمكن القول بأن الموقف الأميركي بدا مُلتبسًا ومتأرجحًا، ففي حين وجّه ترامب انتقادًا نادرًا لحليفه “بنيامين نتنياهو”، قائلًا إنه “ليس سعيدًا” بما جرى ومُؤكدًا أن إسرائيل “لن تضرب قطر مُجددًا”، رفض نتنياهو خلال لقائه بوزير الخارجية الأميركي “ماركو روبيو” في القدس استبعاد شن مزيد من الضربات. في الوقت نفسه، أكد روبيو خلال زيارته إلى الدوحة أن “قطر هي الدولة الوحيدة القادرة على إنهاء هذا عبر المفاوضات”، لكنه شدد خلال لقائه مع نتنياهو في القدس يوم الإثنين 15 سبتمبر الجاري[3] على استمرار الدعم الأميركي لإسرائيل، هذا التناقض يعكس حسابات واشنطن الدقيقة: فهي تريد احتواء التصعيد ضد قطر الحليفة، لكنها لا تريد خسارة التزامها الاستراتيجي تجاه إسرائيل.

5- اجتماع المجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية: بالتوازي مع القمة العربية الإسلامية، عقد المجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية دورة استثنائية لمناقشة الهجوم[4]، وكان لافتًا أن القادة وجّهوا مجلس الدفاع المُشترك بعقد اجتماع عاجل في الدوحة، يسبقه اجتماع للجنة العسكرية العليا لتقييم الوضع الدفاعي لدول المجلس ومصادر التهديد، كما تم تكليف القيادة العسكرية الموحدة باتخاذ الإجراءات اللازمة لتفعيل آليات الدفاع المشترك وتعزيز القدرات الردعية. هذه الخطوة تشير إلى أن دول الخليج باتت ترى فيما حدث تهديدًا مُباشرًا لأمنها الجماعي، يتطلب استعدادًا عمليًا وليس مُجرد مواقف سياسية.

ثانيًا: خطاب الرئيس السيسي: مُرتكزات الموقف المصري من الاعتداء الإسرائيلي

جاء خطاب الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” في القمة العربية الإسلامية الطارئة بالدوحة كواحدٍ من أبرز الخطابات التي لفتت أنظار المنطقة والعالم[5]، نظرًا لما حمله من رسائل سياسيةٍ عميقةٍ ودلالاتٍ استراتيجيةٍ بالغة التأثير، وذلك على النحو الآتي:

1- خطاب مُوجّه للداخل الإسرائيلي: أبرز ما ميّز كلمة الرئيس “السيسي” هو مُخاطبتهُ المُباشرة للشعب الإسرائيلي، وليس فقط حكومته أو قياداته، هذا التوجّه غير المُعتاد يعكسُ رغبةً مصريةً في تجاوز الجمود السياسي الراهن وإيصال رسالة مؤثرة إلى الرأي العام الإسرائيلي نفسه، حيث شدّد الخطاب على أن السياسات العسكرية الحالية لن تحققَ الأمن المنشود، بل ستقوّض فرصَ السلام، وتنسف الاتفاقيات القائمة، بما فيها معاهدة السلام مع مصر. هذه الصياغة أرادت أن تُحمّل المواطن الإسرائيلي مسؤولية خيارات قيادته، وتفتحُ أمامه مجال التفكير في الثمن الباهظ الذي قد يدفعه إن استمرت السياسة القائمة على القوة والعنف.

2- توصيف إسرائيل بـ”العدو” لحظة مفصلية: في خطوةٍ لافتةٍ ومُفاجئةٍ مُنذ زيارة الرئيس الراحل “أنور السادات” للكنيست عام 1977، وصف السيسي إسرائيل صراحة بـ”العدو”، هذه المفردة حملت دلالاتٍ سياسيةً عميقة، إذ كسرت قيدَ اللغة الدبلوماسية التقليدية التي اعتادت القاهرة استخدامها في إطار مُعاهدة السلام، الرسالة هنا لم تكنْ مُجرد تعبير عن غضب، بل إعلان عن تحول رمزي في الخطاب المصري، يعكس أن تجاوزات إسرائيل الأخيرة بلغتْ حدًا لم يعدْ الصمتُ أو الحيادُ فيه خيارًا، بالنسبة للإسرائيليين، هذا التصريحُ شكّل صدمةً وفتح نقاشًا واسعًا حول مستقبل العلاقات مع مصر، باعتبارها الدولة العربية الأكبر والركيزة الأساسية لأي توازن إقليمي.

3- التأكيد على السيادة العربية والخطوط الحمراء: حيث كلمة الرئيس السيسي لم تقتصرْ على القضية الفلسطينية، بل ربطتْ بين العدوان الإسرائيلي على غزة والتطاول على دولةٍ عربيةٍ مستقلة مثل قطر. بهذا الربط، وجّه رسالةً حازمةً بأن الخطر لم يعدْ مقتصرًا على الفلسطينيين، بل أصبح تهديدًا شاملًا للأمن القومي العربي. القاهرة وضعت النقاط فوق الحروف، مؤكدةً أن السيادة العربية والإسلامية خط أحمر، وأن أي مساسٍ بها يُعتبر اعتداءً على الأمة بأكملها. وهنا، ألمح الرئيس إلى أن رد الفعل العربي قد يتجاوز المواقف الفردية ليأخذَ شكلَ تحركٍ جماعيٍ دبلوماسي وقانوني وسياسي على الساحة الدولية.

4- الارتباك داخل إسرائيل وردود الفعل: أثارَ الخطابُ المصري جدلًا واسعًا داخل إسرائيل، حيث تصدّر التغطية الإعلامية في أبرز الصحف مثل يديعوت أحرونوت وهآرتس، كما وصفته القناة 12 الإسرائيلية بـ”الرسالة التحذيرية المباشرة”. الأثر الأعمق كان في المعارضة الإسرائيلية، التي وجدت في تصريحات الرئيس السيسي فرصةً لتصعيد ضغطها على حكومة نتنياهو، إذ خرجت شخصياتٌ مثل “يائير جولان” محذّرةً من تجاهل الخطاب المصري، وداعيةً إلى مُراجعة سياسات الحكومة التي أدّت إلى عزلةٍ مُتزايدةٍ وتوترٍ إقليمي خطير[6]، هذا التفاعلُ الداخليُ يعكس أن خطاب السيسي لم يُقرأ كتصريحٍ عربيٍ عابرٍ، بل كعاملٍ مؤثّرٍ في النقاش السياسي داخل إسرائيل، الأمر الذي وضع نتنياهو في موقف حرج أمام شعبه.

5- مصر كقوة ضامنة للسلام والأمن الإقليمي: من خلال هذا الخطاب، أعادت مصر تثبيت موقعها كقوةٍ إقليميةٍ مُؤثرةٍ وضامنة للسلام والاستقرار. فقد ذكّر الرئيس السيسي بأن مصر ليست مُجرد طرفٍ مُراقبٍ، بل لاعب مركزي قادر على التأثير في المُعادلات الإقليمية. الكلمة حملت إنذارًا استراتيجيًا لإسرائيل بأن الُمعادلات القديمة لم تعدْ صالحةً، وأن الاستمرار في سياسات العدوان يفتح الباب أمام إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية، وهنا جاءت الرسالةُ واضحةً والتي مفادها بأن مصر تقف في الصف العربي والإسلامي، ولن تسمحَ بتهديد السيادة أو الأمن الجماعي للمنطقة.

وبالنظر إلى مُجمل الكلمة المصرية  في قمة الدوحة، فإنها تتجاوز كونها موقفًا سياسيًا عابرًا ليصبح لحظة فارقة في الخطاب العربي الرسمي تجاه إسرائيل، فقد جمعت بين التحذير المباشر، وإعادة تعريف العلاقة مع إسرائيل عبر توصيفها بـ”العدو”، والتأكيد على أن أي اعتداء على دولة عربية سيُواجَه بموقف عربي جماعي، أما في الداخل الإسرائيلي، فقد أحدث الخطاب ارتباكًا، وأعاد فتح نقاش حول جدوى السياسات الحالية، واضعًا حكومة نتنياهو في مأزق أمام شعبها، وبذلك، برزت مصر من جديد كفاعل رئيسي في المعادلة الإقليمية، وكصوت يعيد رسم حدود الممكن في معادلة السلام والحرب بالمنطقة.

ثالثًا: البيان الختامي للقمة

جاء البيانُ الختاميُ لقمة الدوحة الطارئة مُعبّرًا عن توافقٍ عربيٍ وإسلامي واسع في مُواجهة العدوان الإسرائيلي الأخير[7]، مُتجاوزًا حدود الإدانة إلى رسْم مسار للتحرك الجماعي، ويُمكن تقسيم مُخرجات القمة في سبعة محاور رئيسية، وذلك على النحو التالي:

1- المحور الأول: إدانة العدوان الإسرائيلي على قطر والدفاع عن السيادة: أكد القادة العرب والمسلمون أن الضربةَ الإسرائيليةَ التي استهدفت العاصمة القطرية الدوحة تمثّل تطورًا خطيرًا وغير مسبوق في سجل الاعتداءات الإسرائيلية، إذ تجاوزت حدود الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي لتصلَ إلى استهداف دولةٍ ذات سيادة وعضو في الأمم المتحدة، تُعرف بدورها المحوري في جهود الوساطة والسلام. هذا العدوان، الذي أسفر عن خسائر بشرية ومادية جسيمة، اعتُبر انتهاكًا سافرًا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن، ورسالة تهديد مباشرة إلى أي دولةٍ عربيةٍ أو إسلامية تقوم بجهودٍ سلميةٍ. وقد شدّد البيان على أن المساس بقطر ليس شأنًا داخليًا أو ثانويًا، بل هو مساس بالمنظومة العربية والإسلامية بأكملها، وأن صمْتَ المجتمع الدولي عن مثل هذا الاعتداء من شأنه أن يفتحَ البابَ أمام تكراره ضد دولٍ أخرى.

2- المحور الثاني: التضامن العربي والإسلامي والرد الجماعي: لم يقتصرْ الموقف على الإدانة فقط، بل تمحور حول إظهار تضامنٍ عمليٍ مع قطر، حيث أعلن القادة دعمهم الكامل لحقها في اتخاذ ما تراه من إجراءاتٍ لحماية سيادتها وأمنها. وأكدوا أن زمنَ استفراد إسرائيل بدولةٍ أو طرفٍ عربي قد ولّى، وأن الاعتداءَ على أي دولةٍ عربيةٍ أو إسلامية سيُنظر إليه كعدوانٍ على الأمة كلها. هذا المبدأُ يعكس تحوّلًا نوعيًا في مفهوم التضامن العربي – الإسلامي، من مجرد دعمٍ سياسيٍ أو معنوي إلى موقفٍ جماعي يضع أمن الأمة فوق المصالح الضيقة. كما أشار القادة إلى أن الردَّ ّعلى الاعتداءات لا يقتصر على الوسائل العسكرية، بل يشمل حشد الأدوات الدبلوماسية والقانونية والاقتصادية لإجبار إسرائيل على التراجع عن سياساتها العدوانية.

3- المحور الثالث: مركزية القضية الفلسطينية ورفض الممارسات الإسرائيلية: رغم الطابع الطارئ للقمة بسبب الاعتداء على قطر، ظلّت القضيةُ الفلسطينية في قلب البيان الختامي. فقد شدّد القادةُ على أن مأساة غزة المستمرة من حصار وتجويع وتهجير قسْريٍ ليست قضيةً إنسانيةً فحسب، بل جريمة إبادة جماعية موصوفة. واعتبروا أن سياسات الاستيطان وضمَّ الأراضي ومحاولات تغيير الوضع القانوني والديمغرافي في القدس والضفة الغربية تتناقض مع القانون الدولي وتهدد فرص أي تسوية عادلة. كما حذروا من محاولات تهجير الفلسطينيين إلى الخارج باعتبارها “خطًا أحمر” لن يُسمحَ بتجاوزه. وفي المقابل، أكد البيان أن إعادة إعمار غزة فور وقف إطلاق النار هي مسؤولية عربية وإسلامية مشتركة، بما يعيد الأمل ويعزز صمود الشعب الفلسطيني على أرضه.

4- المحور الرابع: جهود الوساطة والسلام ومكانة المبادرة العربية: أولى البيانُ أهميةً كبيرةً لجهود الوساطة التي تقودها كلٌ من مصر وقطر والولايات المتحدة لوقف إطلاق النار، مشددًا على أن استهداف إسرائيل للدوحة يهدف إلى نسْفِ أي فرصةٍ للتوصل إلى اتفاق. وأكد القادة أن المبادرة العربية للسلام التي أقرت عام 2002 ما زالت تشكّل الأساسَ الأكثر شمولًا وعدالة للتسوية، وأن أي محاولات لتجاوزها أو فرض حلول جزئية ستؤدي إلى مزيد من الفوضى. كما جددوا التأكيد على أن السلام الحقيقي لا يمكن أن يتحققَ إلا بإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية. هذا المحورُ يعكس تمسّكَ العرب بالحلّ السياسي كخيارٍ استراتيجي، رغم الضغوط والتحديات المتصاعدة.

5- المحور الخامس: المساءلة الدولية ووقف الدعم لإسرائيل: لم يغفلْ القادة الجانب العملي للمواجهة، حيث طالبوا بتحركاتٍ عاجلةٍ داخل مجلس الأمن والجمعية العامة لمحاسبة إسرائيل على جرائمها ضد قطر وفلسطين. وأكدوا ضرورة فرض عقوبات دولية، بما في ذلك حظر تصدير السلاح إليها وتعليق التعاون العسكري والسياسي معها. كما جرى التشديد على أهمية إعادة النظر في العلاقات الاقتصادية التي توفر لإسرائيل غطاءً لاستمرار سياساتها. وذهب البيانُ أبعد من ذلك حين دعا إلى تعليق عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة، باعتبارها دولةً تنتهك بانتظام شروط العضوية الأساسية. هذه اللغةُ غير ُالمسبوقة تعكس تحوّلًا في الخطاب الرسمي العربي من مجرد الإدانة إلى المطالبة الفعلية بالمحاسبة والعقوبات.

6- المحور السادس: الأمن الجماعي العربي والإسلامي وبناء منظومة إقليمية: أكدت القمة أن التهديدات الإسرائيلية المتكررة تكشف الحاجة الماسّة إلى تفعيل مفهوم الأمن الجماعي العربي والإسلامي، على أساس أن أمن الأمة لا يتجزأ. وشدد البيان على ضرورة وضع رؤيةٍ مشتركةٍ تضمن الدفاعَ عن السيادة الوطنية لكل دولة، وتمنع محاولات التدخل الخارجي أو فرض الهيمنة بالقوة. كما أُعيد التأكيد على الدعوة لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل، باعتبارها خطوة أساسية لتحقيق الأمن الإقليمي. وفي هذا السياق، برز الحديث عن ربط الأمن الفلسطيني بالأمن العربي الشامل، بما يضمن أن أي مساس بفلسطين أو بأي دولة عربية سيُعتبر تهديدًا مباشرًا للمنظومة كلها.

7- المحور السابع: الجهود الدولية والتعاون متعدد الأطراف: أشاد القادة بالمواقف الدولية التي دعمت فلسطين وقطر في مواجهة الاعتداء الإسرائيلي، وخصّوا بالذكر الدول العربية والإسلامية الأعضاء في مجلس الأمن مثل الجزائر والصومال وباكستان، لدورها في الدفاع عن الموقف العربي. كما رحبوا بإعلان نيويورك حول حل الدولتين، وبالمؤتمر الدولي الذي نظمته السعودية وفرنسا لتعزيز الاعتراف بالدولة الفلسطينية. وأكدوا دعمهم للوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس، ودور لجنة القدس برئاسة المغرب في حماية الهوية العربية والإسلامية للمدينة. واختُتم البيان بالتعبير عن الامتنانِ لقطر على استضافتها القمة وعلى جهودها المتواصلة لتعزيز التضامن والعمل العربي والإسلامي المشترك، وهو ما يعكس روحًا جديدةً في العمل متعدد الأطراف لمواجهة التحديات المشتركة.

رابعًا: بدائل وخيارات ما بعد القمة

أول ما يطرح نفسه بعد قمة الدوحة هو ضرورةُ الانتقال من مرحلةِ البيانات إلى مرحلة الأفعال، حيث لم يعدْ الاكتفاءُ بالتنديد أو المطالبة كافيًا في مواجهة التصعيد الإسرائيلي غير المسبوق. ومن هنا، فإن الدول العربية والإسلامية أمام مجموعة من البدائل التي يمكن أن تتحولَ إلى أدواتٍ ضغط فاعلةٍ على الساحة الإقليمية والدولية، والتي يُمكن إجمالها فيما يلي:

1- التهديد بسلاح الطاقة: يبقى النفط والغاز من أهم الأوراق الاستراتيجية التي تملكها الدول العربية، ويمثلان أداة ضغطٍ فعّالةٍ في المعادلات الدولية. لقد أثبت التاريخ، مُنذ تجربة حظر النفط عام 1973، أن استخدام الطاقة كسلاحٍ قادرٍ على تغيير الموازين وإجبار القوى الكبرى على مراجعة مواقفها. وفي السياق الحالي، يُمكن التفكير في خيارات مرحلية تبدأ بترشيد الإمدادات، مرورًا بفرْض شروطٍ سياسيةٍ مرتبطة بالقضية الفلسطينية، وصولًا إلى إجراءات أكثر صرامةً إذا استمر التصعيد الإسرائيلي.

2- تعليق العلاقات الاقتصادية والتجارية: يُمثّل تقليص العلاقات التجارية والاقتصادية مع إسرائيل خيارًا واقعيًا ومباشرًا، يوجّه رسالة واضحة بأن العدوان له ثمنٌ باهظٌ. قد يبدأْ الأمرُ بتجميد بعض الاتفاقيات الثنائية، أو تعليق أشكال التعاون الاقتصادي والتكنولوجي، مع دعوة الدول التي نسجت علاقات مع إسرائيل إلى مراجعة مكاسبها الاستراتيجية مقارنة بالخسائر السياسية والشعبية. فالعزلةُ الاقتصادية يمكن أن تكونَ أداةَ ضغط تضاهي في فعاليتها الردع العسكري.

3- المزيد من الجهود نحو تفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك: تطرح القمة فرصة لإحياء اتفاقية الدفاع العربي المشترك التي ظلت حبرًا على ورق لعقود. إن الاعتداءَ على قطر، دولة عضو في الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، يمثّل سابقةً خطيرةً تستوجب تفعيل هذه الاتفاقية، ولو بشكلٍ تدريجيٍ، لتشكيلِ مظلة ردْعٍ حقيقيةٍ. إن مجرد تحريك آلياتها وتأسيس لجان دائمة لمتابعة تنفيذها سيعيد لإسرائيل حساباتها، ويمنح العمل العربي المشترك مصداقية طال انتظارها.

4- التعاون العسكري العربي – العربي: حيث تعزيز التعاون العسكري والأمني بين الدول العربية يمثّل خطوةً ضروريةً لمأسسة الثقة وبناء منظومة ردع إقليمية. هذا التعاونُ قد يأخذ شكلَ تدريباتٍ مشتركةً، تبادل معلومات استخباراتية، أو إنشاء مراكز عمليات إقليمية، وكلها خطواتٌ كفيلةٌ بإيصال رسالة بأن الاعتداءَ على أي دولة عربية لن يمرَّ دون تكلفة جماعية.

5- بناء نظام إقليمي للردع: ما بعد القمة يفتح الباب أمام التفكير في بناء نظامٍ إقليميٍ جديد قائم على الأمن الجماعي والمصير المشترك. مثل هذا النظام يتجاوز ردود الفعل اللحظية ليؤسسَ لعقيدة ردْعٍ متكاملةٍ، تستند إلى أدواتٍ سياسيةٍ واقتصاديةٍ وعسكرية وقانونية، قادرةٍ على حماية سيادة الدول العربية والإسلامية وردع أي عدوان خارجي.

ختامًا:

تُبرز قمةُ الدوحة بوضوح أن التحدياتِ الأمنية الراهنة لم تعدْ قابلةً للاحتواء بالوسائل التقليدية، وأن استدامة الاستقرار الإقليمي باتت مرهونةً بقدرة الدول العربية والإسلامية على بناء منظومات مؤسسية تتجاوز ردود الفعل الظرفية نحو صياغة استراتيجيات ردعٍ شاملةٍ. إن القيمة العلمية والسياسية لهذه اللحظة تكمن في أنها أعادت تعريف مفهوم الأمن الجماعي وربطته مباشرةً بمسألة السيادة والشرعية الدولية، بما يحتّم الانتقال من منطق التضامن الخطابي إلى بلورة آليات عملية قادرةٍ على موازنةِ القوة في النظام الإقليمي والدولي. ومن ثمَّ، فإن اختبار المرحلة المقبلة لا يُقاس بحدّة المواقف المعلنة، بل بمدى قدرة الفاعلين على تحويل الإجماع السياسي إلى ترتيباتٍ واقعيةٍ تؤسس لبنيةٍ أمنيةٍ عربية–إسلامية أكثر صلابةً وفاعلية.

المصادر:

[1] قمة الدوحة تدعو “لاتخاذ التدابير الممكنة للتصدي لانتهاكات إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني”، ونتنياهو لا يستبعد المضي في استهداف قادة حماس “أينما كانوا”، BBC News، ، تاريخ النشر: ١٥ سبتمبر ٢٠٢٥، متاح على الرابط: https://www.bbc.com/arabic/articles/cvg9npy3eezo

[2] ماركو روبيو يزور إسرائيل لبحث الأمن ودعم الموقف الأميركي ضد الاعتراف بدولة فلسطينية، صوت الإمارات، تاريخ النشر: ١٤ سبتمبر ٢٠٢٥، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/TOXYi

[3] روبيو: ترامب يفضل صفقة شاملة مع “حماس”.. وزيارتي لقطر لن تؤثر على العلاقات مع إسرائيل، الشرق للأخبار، تاريخ النشر: ١٥ سبتمبر ٢٠٢٥، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/YrYnC

[4] قمة الدوحة تدعو “لاتخاذ التدابير الممكنة للتصدي لانتهاكات إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني”، ونتنياهو لا يستبعد المضي في استهداف قادة حماس “أينما كانوا”، مرجع سبق ذكره.

[5] كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي أمام القمة العربية الإسلامية الطارئة، الموقع الرسمي لرئاسة جمهورية مصر العربية، تاريخ النشر: ١٥ سبتمبر ٢٠٢٥، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/sWbgj

[6] رسائل داخلية لإسرائيل.. ما دلالات خطاب السيسي في قمة الدوحة؟، سكاي نيوز العربية، تاريخ النشر: ١٥ سبتمبر ٢٠٢٥، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/qTnyV

[7] النص الكامل لبيان القمة العربية والإسلامية في الدوحة حول العدوان الإسرائيلي على قطر، الشرق للأخبار، تاريخ النشر: ١٥ سبتمبر ٢٠٢٥، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/JtYSd