المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشؤون الدولية > القمة الأمريكية العربية الإسلامية في نيويورك: آفاق التسوية ووقف الحرب في غزة
القمة الأمريكية العربية الإسلامية في نيويورك: آفاق التسوية ووقف الحرب في غزة
- سبتمبر 25, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات وحدة الشؤون الدولية
لا توجد تعليقات

إعداد: إسراء عادل
باحث مساعد في وحدة الشؤون الدولية
في ظلّ تصاعد حرب غزة وتفاقم الضغوط الإنسانية والسياسية على النظام الدولي، وتَزايدِ الحاجة إلى مبادراتٍ فعّالةٍ لوقْف التصعيد وفتْح مسارٍ للتسوية، تنعقد القمة الأمريكية-العربية-الإسلامية في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، لتطرحَ اختباراً حقيقياً أمام واشنطن بشأن قدرتها على بلورة رؤية عملية لوقف الحرب في قطاع غزة، وبحْثِ أدوار الدول العربية والإسلامية في إدارة المرحلة المقبلة. وتأتي القمة في وقتٍ تتشابك فيه المصالح الإقليمية والدولية، مما يجعل أي اتفاقٍ محتملٍ خاضعٍ لتوازناتٍ دقيقةٍ وصعبة، ويكشف حجم التحدي أمام الأطراف لتحقيق توافق فعلي يضمن وقْف الحرب وحماية المدنيين ودعم الشعب الفلسطيني. ومن هنا يبرز السؤال الرئيسي: هل تمثّل القمة منعطفاً نحو تسويةٍ سياسيةٍ قابلةٍ للتطبيق، أم ستظل مجرد منصة خطابية تعكس التباينات وتعمق حالة الانقسام؟
أولًا: دلالات انعقاد القمة والظروف الراهنة
انعقد اجتماع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع القادة العرب والمسلمين في 23 سبتمبر 2025 بمدينة نيويورك على هامش أعمال الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، في خطوةٍ دبلوماسيةٍ تحمل بُعداً عملياً واستراتيجياً لبحث سبل إنهاء الحرب في غزة واستعادة الرهائن، وتعزيز الاستقرار السياسي والاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط. وتأتي القمة في توقيتٍ حساس يتزامن مع موجة الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية والتهديدات الإسرائيلية بضمٌّ الضفة، وقبل أيام قليلة من اللقاء المقرر للرئيس ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 29 سبتمبر بالبيت الأبيض، مما يضفي على القمة بعداً تكتيكياً واستراتيجيا في آنٍ واحد.[1] وفي هذا السياق تحمل القمة جملةً من الدلالات المهمة التي يمكن تلخيصها على النحو التالي:
السياق الإقليمي والدولي: تعكسُ القمةُ محاولات واشنطن لاحتواء الأزمة عبر إشراك الأطراف العربية والإسلامية في جهود التسوية في ظلّ تداخل المصالح الدولية والإقليمية، بما في ذلك الدور الأمريكي المباشر، والمواقف المتباينة لدول الاتحاد الأوروبي، والتأثيرات الإقليمية لدول مثل إيران وتركيا، وهو ما يُظهرُ حجم التعقيد الذي يواجه أي عمليةٍ تفاوضيةٍ ويُبرز أهمية التنسيق بين اللاعبين الرئيسيين لضمان إمكانية الوصول إلى نتائج عملية ملموسة لإنهاء الحرب في غزة.
الأبعاد الأمنية والإنسانية: تسعى القمة إلى الحدّ من التصعيد العسكري في غزة وحماية المدنيين، مع التركيز على قضايا الرهائن وتأمين خطوط المساعدات الإنسانية، وبالتالي تبرز الحاجةُ الملحّةُ لتوافقٍ دوليٍ وإقليميٍ حول آليات وقف إطلاق النار وإدارة الأزمات الإنسانية، بما يعكس مسؤولية الأطراف المشاركة في حماية الاستقرار الإقليمي.
الأبعاد السياسية والرمزية: تمثّل القمةُ منصةً لتأكيد الدور الأمريكي كوسيطٍ محوريٍ في الأزمات الإقليمية، وإظهار قدرته على جمع الأطراف المتباينة حول طاولةٍ واحدةٍ رغم الخلافات السياسية العميقة. كما تعكس التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني، وتُبرز فعالية الدبلوماسية الأمريكية في تقديم حلولٍ عمليةٍ للأزمات الكبرى، وتعزيز الاستقرار السياسي والاقتصادي في المنطقة.
ثانيًا: الدول المشاركة في القمة
شهدت القمةُ حضوراً واسعاً لعددٍ من القادة والزعماء العرب والمسلمين إلى جانب مسؤولين بارزين، بما يعكس حرص الدول المشاركة على إبراز ثِقَلها السياسي في مناقشة مسار الأزمة في غزة. فقد حضر اللقاء كل من أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، والملك عبد الله الثاني ملك الأردن، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والرئيس الإندونيسي برابو سوبيانتو، ورئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، ورئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، ووزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، ونائب رئيس الوزراء الإماراتي عبد الله زايد آل نهيان. فيما شارك في الاجتماع من إدارة ترامب، وزير الخارجية ماركو روبيو، ووزير الخزانة سكوت بيسنت، والمبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف.[2]
وقد يؤشر هذا الحضورُ المتنوعُ إدراكاً جماعياً بأهمية القمة كمنصةٍ سياسيةٍ للتشاور وتوحيد المواقف لإنهاء الحرب في غزة، بما يُبرز رغبةَ الدول العربية والإسلامية في تعزيز دورها الفعّالِ في مسار الأزمة، وتأكيد مكانتها في صياغة الرؤى والبدائل المطروحة للحل.
ثالثًا: أجندة القمة وأبرز مخرجاتها
افتتح الرئيس الأمريكي اجتماعه مع قادة الدول العربية والإسلامية مؤكداً أن هدفَه يتمثّل في إنهاء الحرب الدائرة في غزة وضمان إعادة الرهائن. وتركّزت مناقشاتُ القمة على مجموعةٍ من القضايا الجوهرية المرتبطة بالحرب في غزة ومستقبل التسوية السياسية، وذلك على النحو التالي:
– الوضع الإنساني في غزة: شدّد القادة على أن الوضعَ الإنسانيَ في قطاع غزة “مأساوي وغير محتمل”، متضمناً الخسائر البشرية الفادحة والدمار الهائل في البنية التحتية. وأكدوا ضرورةَ التعاملِ مع هذا الملف بشكلٍ عاجلٍ، مع رفْضِ التهجير القسري وضمان عودة جميع النازحين إلى منازلهم. وفي هذا السياق، شدّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على أن استمرار العمليات العسكرية يهدد الأمن الإقليمي ويعمّق المأساة الإنسانية. كما أكد أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني على ضرورة فتْحِ الممرات الإنسانية بشكلٍ فوريٍ ودائمٍ.[3]
– وقف فوري لإطلاق النار وإعادة الرهائن: اتفق القادة على أن وقْفَ الحرب هو الخطوةُ الأولى نحو السلام العادل والدائم، مع التركيز على إطلاق سراح الرهائن وتأمين دخول المساعدات الإنسانية بشكلٍ عاجلٍ وكافٍ.
– إعادة الإعمار: اتفق المشاركون على أهمية وضْعِ خطةٍ شاملةٍ لإعادة إعمار قطاع غزة، استناداً إلى خطة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، والتي تشمل تمويل مشاريع البنية التحتية الأساسية وإعادة الخدمات الاجتماعية الحيوية، مع وضع ترتيباتٍ أمنيةٍ لضمان حماية المنشآت والمرافق. كما أعرب القادة عن التزامهم بالعمل معاً لضمان نجاح هذه الخطط وضمان بناء حياة الفلسطينيين في غزة.
– خطة الاستقرار وحماية المقدسات: ركّزت المناقشات على وضْعِ آلياتٍ لضمان استقرار الضفة الغربية، بما يشمل تعزيزَ الأمن الداخلي وحمايةَ المقدسات في القدس، مع التأكيد على أهمية التنسيق بين السلطات المحلية والدول العربية لضمان تنفيذ الخطط بطريقةٍ مستدامةٍ تدعم السلْمَ المجتمعي وتَحدُّ من أي تصعيدٍ محتملٍ. وفي هذا السياق وعد ترامب خلال الاجتماع بعدم السماح لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بضمِّ الضفة الغربية، فيما حذّر المشاركون من أن أي ضمٍّ إسرائيليٍ للضفة سيقضي تماماً على آمال حل الدولتين. ومن جانبه، ثمّنَ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ما طرحه ترامب معتبراً إياه أساساً هاماً يمكن البناء عليه خلال الفترة القادمة لتحقيق السلام.
– إصلاح السلطة الفلسطينية: شدد القادة على ضرورة دعم جهود الإصلاح الداخلي للسلطة الفلسطينية بما يمكّنها من أداء دورها القيادي في الضفة الغربية وقطاع غزة. وشمِلَ النقاش تعزيز المؤسسات الحكومية والخدمات الأساسية، ورفْعَ الكفاءة الإدارية، مع ضمان مشاركة المجتمع الدولي لتقديم الدعم الفني والمالي اللازم لتحقيق استقرار مؤسسات السلطة.
ومن هذا المنطلق، أسفرت القمة عن عددٍ من النتائج التي تعكس توافقاً إقليمياً ودولياً حول الأولويات الإنسانية والسياسية، تمثّلت فيما يلي:
تجديدُ الالتزام بالعمل مع الرئيس ترامب لصياغة مسارٍ جديدٍ يفتح آفاقًا لسلام عادل ودائم.
الحفاظُ على الزخم الدولي لضمان تحويل القرارات إلى خطواتٍ عمليةٍ على الأرض، لتخفيف معاناة الفلسطينيين وتعزيز التعاون الإقليمي.
تأكيدُ التعاون العربي–الإسلامي والدولي لدعم خطة إعادة إعمار غزة، وترتيبات الاستقرار والأمن، بما يضمن استدامة الحلول وتنفيذها بشكل فعال.[4]