إعداد: منة صلاح
تُعقد القمة “الروسية – الأفريقية” الثانية، في 27 يوليو الجاري، بمدينة سانت بطرسبورج الروسية؛ إذ عقدت الأولى في أكتوبر 2019م، في سوتشي، تحت شعار “من أجل السلام والأمن والتنمية”، وتنطلق القمة الثانية بمشاركة قادة وزعماء ورؤساء روسيا والدول الأفريقية؛ بهدف تعزيز التعاون “الروسي – الأفريقي” الشامل في جميع أبعاده السياسية والأمنية والاقتصادية، وكذلك تحديد مسار تطور علاقات روسيا مع الدول الأفريقية على المدى الطويل، كما تعتبر الحدث الرئيسي في العلاقات “الروسية – الأفريقية”؛ إذ ستحدد مراحل تطورها مستقبلًا.
أولًا: أهمية القارة الأفريقية وبرنامج القمة “الروسية – الأفريقية” الثانية
أهمية القارة الأفريقية بالنسبة لروسيا في إطار القمة
تحظى القارة الأفريقية بقدرٍ كبيرٍ من الأهمية، في ظل نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، يتم تشكيله في الآونة الأخيرة، وجاءت العلاقات “الروسية – الأفريقية” في مقدمة حالة الزَّخَم التي تشهدها القارة، ويظهر ذلك في تصريحات الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بأن روسيا تعطي أولويةً للتعاون مع الدول الأفريقية، وتسعى إلى تعزيز علاقاتها المتعددة ومنظماتها الإقليمية، باعتبارها ضمن أولويات سياساتها الخارجية.
وتشكل القارة الأفريقية أهمية خاصة بالنسبة للسياسة الخارجية الروسية من عدة نواحٍ، فقد تمثل الدول الأفريقية سوقًا محتملًا للسلع الروسية وفرصة لتوسيع النفوذ الاقتصادي والتجاري لها، فضلًا عن سعي روسيا لتعزيز حضورها الجيوسياسي في القارة وزيادة تأثيرها السياسي والعسكري، كما تشكل الدول الأفريقية قاعدة دعم هامة لروسيا في المنظمات الدولية؛ كالأمم المتحدة؛ نظرًا للتحولات التي يشهدها النظام العالمي، وبالتالي؛ يمكن للدول الأفريقية لعب دورٍ حاسمٍ في تحقيق الأهداف الروسية في المحافل الدولية.
برنامج وأهداف القمة “الروسية – الأفريقية” الثانية
يتضمن برنامج القمة أكثر من 30 جلسة نقاشية وفعاليات حول أهم القضايا التعاونية بين روسيا والدول الأفريقية، والتي ترتكز على محاور رئيسية؛ مثل “محور الاقتصاد العالمي” الجديد، والذي يتناول مجالات “الاقتصاد، والتجارة، والزراعة، والعلوم، والتكنولوجيا، والطاقة النووية”، و”المحور الاجتماعي” والذي يتناول التعاون في مجال “التعليم العالي، ونقل أفضل الخبرات التعليمية في مجال التعليم عن بُعْد، والتعليم المهني”، وكذلك دور المرأة في التنمية المستدامة ودور الرياضة في الصداقة بين “روسيا، وأفريقيا”.
وتتضمن القمة أيضًا، عقد المنتدى الإعلامي ومؤتمر عمداء الجامعات ومائدة مستديرة وفعاليات، في إطار برنامج الشباب وجلسات من منتدى الأعمال الإبداعية، ومنتدى المجتمع الصحي، وستتطرق تلك الجلسات إلى تداعيات التهديدات التي يتعرض لها الأمن العالمي على القارة الأفريقية من النزاعات العسكرية التقليدية ونقص الغذاء وأزمات الطاقة والهجرة غير المنظمة، بالإضافة إلى الأنشطة الإرهابية.
وستبحث القمة “الروسية – الأفريقية” آفاق زيادة التجارة الثنائية، في ضوء التحديات الجديدة التي ظهرت في أعقاب “كوفيد – 19” في عام 2019م؛ إذ ستناقش القمة المعايير الجديدة للشراكة بين الشركات الصغيرة “الروسية، والأفريقية” والتعاون وتبادل المنفعة؛ حتى تصبح مصدرًا للدخل، وأسواقًا جديدة للسلع والخدمات، بالإضافة إلى المساهمة في تنمية الاقتصاد الأفريقي وخلْق فرص عمل جديدة، وتحسين المستويات المعيشية لسكان القارة.
فتسعى القمة هذا العام إلى تحقيق مستوى جديد ونوعي لشراكة متبادلة المنفعة؛ بهدف مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين وتطوير العلاقات على المدى الطويل، ومن المتوقع، الخروج بنتائج، منها؛ اعتماد خطة عمل مستقبلية للفترة “2023 – 2026” في المجالات التعاونية ذات الأولوية؛ إذ تهدف إلى تطوير إمكانات التصدير لمنتجي السلع والخدمات الروسية، فضلًا عن التعاون على تحقيق أهداف الوثيقة الاستراتيجية للاتحاد الأفريقي في أجندة 2063م.
ثانيًا: مجالات التعاون والتحديات في إطار القمة “الروسية – الأفريقية” الثانية
المجالات التعاونية في إطار القمة “الروسية – الأفريقية” الثانية
تتعدد وتتنوع المجالات التعاونية بين “روسيا، والدول الأفريقية”، في إطار القمة “الروسية – الأفريقية” الثانية؛ إذ تهدف إلى تنويع أشكال ومجالات التعاون “الروسي – الأفريقي” وتحديد تطور هذه العلاقات على المدي الطويل، وسنتطرق إلى تلك المجالات على النحو الآتي:
مجال الزراعة
تسعى روسيا إلى دعم التعاون مع الدول الأفريقية في المجال الزراعي؛ إذ تحتل مكانة مميزة بين أفضل 20 دولة رائدة في هذا المجال، ووفرت المنتجات الزراعية إلى ما يقرب من 160 دولة، وتجاوزت صادراتها الزراعية 41 مليار دولار، كما أن هناك إمكانيات كبيرة لتطوير البنية التحتية للنقل في أفريقيا لزيادة التجارة وتنفيذ مشروعات زراعية مشتركة.
وللشركات الروسية استعداد لنقل التكنولوجيا الزراعية الحديثة إلى أفريقيا؛ بهدف تحقيق الأمن الغذائي والقضاء على الفقر؛ إذ تعتبر القارة الأفريقية أكثر منطقة تعاني من انعدام الأمن الغذائي في العالم، فيعاني 278 مليون شخص في أفريقيا من الجوع المزمع؛ أيْ 20% من سكان القارة، كما أن هناك آفاقًا كبيرةً للتعاون بين “الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وأفريقيا” في ضوء أن القارة أحد المراكز الناشئة للتنمية العالمية، وأن هناك ضرورةً لتحديد مجالات الأولوية للتعاون بين الجانبيْن، والتعرف على تأثير التكامل الاقتصادي على الهيكل الحالي للاقتصاد العالمي، بالإضافة إلى إيجاد رؤية مشتركة لمستقبل بناء التكامل في منطقة “الأوراسي، وأفريقيا”.
مجال الطاقة
ستناقش القمة سُبل تعزيز التعاون في مجال الطاقة في أفريقيا، التي تُعدُّ أحد أسرع أسواق الطاقة نموًا في العالم، وتهتم روسيا بدعم الدول الأفريقية؛ لتحقيق الهدف السابع للتنمية المستدامة للأمم المتحدة، وهو ضمان وصول مصادر الطاقة الحديثة والموثوقة والمستدامة إلى الجميع، وتنفيذ شركات الطاقة الروسية العديد من المشروعات في القارة بمجالي “الطاقة النووية، والطاقة الكهرومائية”.
كما ستناقش أهمية دعم التعاون في مجال اللوجستيات، والتي لها دور هام في تعزيز التجارة بين “روسيا، والدول الأفريقية”؛ إذ أصبح إقامة نظام مسار لوجستي بين “روسيا، وأفريقيا” عمليًّا ومفيدًا لكل الأطراف المعنية؛ ما يشكل قضية أكثر إلحاحًا في السنوات الأخيرة، في ظل التحديات الخاصة بـ”كوفيد – 19″، وإعادة التشكيل العالمي لتدفقات الصادرات والواردات.
مجال العلوم والتكنولوجيا
ستناقش القمة فرص التعاون في مجال التحول الرقمي العالمي والاعتماد المتزايد على تكنولوجيا الاتصالات؛ والتي أدت إلى دفع أمن المعلومات في موقع الصدارة وضرورة تعاون المجتمع الدولي للتصدي للتهديدات الناجمة عن الإرهاب والجرائم العابرة للحدود، واستخدام الطائرات بدون طيار لأغراض غير قانونية، بالإضافة إلى نشاط الإنترنت غير القانوني.
كما تُولِي روسيا اهتمامًا كبيرًا بتعزيز التعاون مع الدول الأفريقية، في مجال العلوم والتكنولوجيا النووية؛ إذ تسعي مؤسسة “روس اتوم” الروسية إلى دعم الدول لاستخدام التكنولوجيات، التي تضمن أمن الطاقة والتنمية المستدامة لكل القطاعات الاقتصادية، وتزويد القدرات العلمية والبشرية؛ لذا ركزت الدول الأفريقية على التكنولوجيا النووية، التي لها آثار إيجابية، سواء اقتصادية أو اجتماعية على العديد من المجالات؛ مثل “إزالة الكربون من الاقتصاد، وتسهيل تحقيق أهداف التنمية المستدامة”.
مجال التعليم العالي
ستناقش جلسات القمة تعزيز التعاون في مجال التعليم العالي بين “روسيا، والدول الأفريقية” ومشاركة الجامعات الروسية الرائدة في مشروعات تعليمية مشتركة، وكذلك الاهتمام بدعم التعليم المهني، وتنفيذ مبادرات في مجال التعليم، وجذب الطلاب للدراسة في الجامعات الروسية، فضلًا عن فرص التعاون في مجالي “الثقافة، والفنون”؛ لدعم الروابط الثقافية بين “روسيا، والدول الأفريقية” ودور الصناعات الإبداعية كمحرك للنمو.
تحديات القمة “الروسية – الأفريقية” الثانية
هناك مجموعة من التحديات التي تواجه تعزيز العلاقات “الروسية – الأفريقية” وأهمها؛ أن روسيا ليست اللاعب الأوحد؛ إذ إن هناك الكثير من المتنافسين على الساحة الدولية، وكل منهم يمتلك أدواته الخاصة؛ فالطريق لا يبدو ممهدًا أمام روسيا تمامًا، وذلك في ضوء التنافس الدولي، وسوف تزداد وتيرة التنافس على مختلف الأصعدة داخل القارة الأفريقية بين “الصين، ودول الاتحاد الأوروبي، وروسيا”، باعتبار أن القارة ستكون أحد أهم مناطق التنافس والسيطرة والنفوذ بشكلٍ واضحٍ، وقد تواجه أفريقيا مجموعةً من الصعوبات؛ جرَّاء هذا التنافس، بما في ذلك الخلافات الداخلية التي قد تتعرض لها.
ومن أبرز التحديات التي تعيق نجاح القمة، تداعيات الحرب الأوكرانية على روسيا، والتي تم فرض عقوبات على موسكو جراء ذلك؛ إذ تأتي القمة في ظل شروط حلف الناتو؛ لدفع روسيا إلى الهاوية، ومحاولة تطويق موسكو في مناطق متعددة من العالم، فستواجه الدول الأفريقية مشكلة العقوبات المفروضة على روسيا؛ ما يشكل تهديدًا خطيرًا للأمن الغذائي في القارة.
وفي إطار التحديات أيضًا، وصف الرئيس الأمريكي، جو بايدن، نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، بأنه مجرم حرب؛ بهدف إدانة الرئيس الروسي لغزوه لأوكرانيا؛ إذ تعرضت المستشفيات وأقسام الولادة للقصف، وهذا صعَّد التوتر الدبلوماسي بين “روسيا، والغرب” بما يشكل عائقًا أمام انعقاد القمة “الروسية – الأفريقية” الثانية، وتعزيز العلاقات “الروسية – الأفريقية”.
ومن المتوقع، أن تؤثر القمة على تعاون الدول الأفريقية مع باقي القوى؛ إذ ستتم وسط منافسة دولية حادة، كما هو الحال بين “بكين، وواشنطن، وموسكو”، كما تعرضت الدول الأفريقية لتهديدات من الدول الغربية لوقف التعاون مع روسيا، إلا أن روسيا دعت كل الدول الأفريقية للمشاركة في القمة، كما ستؤثر تلك القمة على العلاقات الأفريقية الخارجية؛ نظرًا لأنها تعمل على تعزيز العلاقات الدبلوماسية بين “روسيا، والدول الأفريقية” على حساب نفوذ دول أخرى؛ مثل فرنسا، عبر وسائل شتى، منها تعزيز حضور مجموعة فاغنر العسكرية، في بعض المناطق التي تشهد نزاعات مسلحة.
ثالثًا: أهمية القمة بالنسبة لمصر وتوقع نجاحها
المشاركة المصرية في القمة “الروسية – الأفريقية” الثانية
تأتي مشاركة مصر في القمة انعكاسًا لديناميكية العلاقات الثنائية، باعتبار روسيا شريكًا استراتيجيًّا، وتتسم العلاقات بالتعاون الوطيد في عدة مجالات؛ مثل “مشاريع بناء محطة الضبعة النووية، والغاز الطبيعي، وإنشاء المنطقة الصناعية الروسية بقناة السويس”، فضلًا عن التعاون الاقتصادي والتجاري والأمن الغذائي والسياحة والنقل والثقافة، وشهدت العلاقات تطورًا كبيرًا، لا سيما بعد أن دخلت اتفاقية الشراكة الاستراتيجية حيِّز التنفيذ عام 2021م، كما تعتبر روسيا من أكبر موردي القمح وبعض المنتجات الزراعية الأخرى لمصر، ليصل حجم التجارة والاستثمار بين البلديْن إلى ستة مليارات دولار، عام 2022م.
كما تعكس مشاركة مصر في القمة نجاح الاستثمار في علاقاتها الإقليمية والدولية، ودورها المتميز في القارة الأفريقية؛ إذ تعكس المشاركة نجاح السياسة الخارجية المصرية تجاه القارة السمراء، وظهر ذلك جليًّا خلال عام رئاستها للاتحاد الأفريقي، والمشاركة في المنتديات الإقليمية الكبرى، فقد نجحت في استثمار علاقاتها الدولية لصالح الشعوب الأفريقية؛ نظرًا لأن مصر بوابة العالم للدخول إلى دول القارة الأفريقية.
هل ستنجح القمة “الروسية – الأفريقية” الثانية ؟
من المرجح نجاح القمة؛ بناءً على مخرجات القمة الأولى، ولكن تطبيق جدول الأعمال والاتفاق على المشروعات سيكون محل تجاذب كبير، كما تأتي القمة في ظل شروط حلف الناتو القوية؛ لدفع روسيا إلى الهاوية، ومحاصرتها في مناطق متعددة من العالم، وتحاول روسيا الدخول في لعبة مقايضة سياسية مع “الولايات المتحدة، والصين”؛ لتخفيف العقوبات المفروضة عليها بشكلٍ أو بآخر، وهناك أهداف خاصة بتطبيق عالم متعدد الأقطاب لمواجهة ما يحدث؛ لذا ستواجه الدول الأفريقية مشكلة العقوبات المفروضة على روسيا.
إجمالًا
يمكن القول: إن روسيا تسعى لتعزيز تعاونها التجاري والاقتصادي مع دول القارة الأفريقية، في وقتٍ تواجه فيه ضغوطات غربية واسعة؛ جرَّاء الحرب الأوكرانية، وتعتبر القمة “الروسية – الأفريقية” الثانية، أحد أهم المحطات المرتقبة على صعيد العلاقة بين “روسيا، وأفريقيا”، والتي تزيدها زخمًا أزمة الحبوب الحالية بعد انهيار اتفاقية الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود؛ لذا يُعوّلُ على تلك القمة وضع أُطُر تنفيذية؛ للبناء على ما تمَّ الاتفاق عليه خلال القمة الأخيرة؛ من أجل بناء حقبة جديدة من العلاقات، يلعب فيها الجانب الاقتصادي دورًا هامًا في سياق المصالح المشتركة للطرفين، ومن المتوقع، أن يزداد التعاون “الروسي – الأفريقي” بشكلٍ كبيرٍ في المرحلة القادمة.