إعداد: شيماء ماهر
يعود تاريخ العلاقات “السعودية – الأفريقية” لعقود طويلة، تنوَّعت فيها صور الروابط والتلاقِي في جوانب مختلفة، مليئة بالمواقف المشهودة سياسيًّا واقتصاديًّا، وتُمثِّلُ هذه العلاقات جزءًا من استراتيجية المملكة؛ لتعزيز تواجدها على الساحة الدولية، وتوسيع دائرة علاقاتها الخارجية؛ حيث ارتفعت مستويات التعاون بين الجانبيْن؛ لتشمل مجالات أوسع من التعاون الاقتصادي والمساعدات الإنسانية، وانطلاقًا من حرص المملكة العربية السعودية في أن تصبح لاعبًا إقليميًّا فعَّالًا، وتلعب دورًا مركزيًّا في السياسة الدولية، ويأتي الملف الأفريقي ضمن هذا السياق؛ إذ تتسم الاستراتيجية السعودية تجاه القارة الأفريقية بالتنوُّع والشمولية، وتعكس توجُّهات المملكة نحو تحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية في القارة السمراء، وفي إطار ذلك، انطلقت الجمعة الماضية 10 نوفمبر 2023م، أعمال القمة “السعودية – الأفريقية” هي الأولى من نوعها؛ لتؤسس لتعاون استراتيجي بين الجانبيْن في مختلف المجالات.
توافق “سعودي – أفريقي”
احتضنت المملكة العربية السعودية، الجمعة 10 نوفمبر 2023م، قمة “سعودية – أفريقية” تحت عنوان شراكة مثمرة في جميع المجالات، وشهدت القمة “السعودية – الأفريقية” الأولى مشاركة ممثلين من 50 دولة على مستوى القادة ومن يمثلهم من الشرق الأوسط وأفريقيا، فضلًا عن العديد من المنظمات، وهذا الأمر الذي زاد من أهميتها الاستراتيجية، وقد عكست المواقف الرسمية التي تمَّ الإعلان عنها في القمة، فضلًا عن المُخْرجات الخاصة بها توافقًا “سعوديًّا – أفريقيًّا” حول أولويات المرحلة المقبلة، بالإضافة إلى وضع رؤية استراتيجية للتعامل مع القضية الفلسطينية، وتهدف هذه القمة إلى تطوير العلاقات بين الجانبين في مختلف المجالات، وتعزيز أواصر التعاون المشترك، والارتقاء بعلاقات الشراكة الاستراتيجية بين الجانبيْن، وتنمية الروابط الداخلية؛ لدعم الاستقرار والأمن في المنطقة.
أهمية القمة “السعودية – الأفريقية”
تكتسب القمة أهميةً كبيرةً؛ نظرًا لكوْن المملكة العربية السعودية تجمعها روابط تاريخية وثقافية ومجتمعية مشتركة مع الدول الأفريقية، فضلًا عن التحديات المتبادلة؛ حيث بدأ التعاون “السعودي – الأفريقي” بتحديد الروابط المشتركة مع الدول الأفريقية وتطوير أُطُر التعاون، والواقع أن أفريقيا توفر فرصًا اقتصادية واستثمارية متنوعة وفريدة من نوعها، وفي حين ترى القوى الكبرى فُرصًا استثمارية واعدة في القارة، فإن قُرْب المملكة العربية السعودية من القارة، يمنحها فرصةً للاستثمار أكثر من أيِّ قوى دولية أخرى.
وفي السياق ذاته، تؤكد القمة على الدور المحوري للمملكة في تعزيز روح الجهود الجماعية لبناء مستقبل أكثر إشراقًا للمنطقة والعالم، ومع حضورها المتزايد على الساحة الدولية، ومكانتها السياسية الكبيرة، ونفوذها الاقتصادي الهائل؛ حيث لعبت المملكة العربية السعودية دورًا فعَّالًا في إيجاد الحلول والمبادرات الرائدة، وهي الآن تضع الأُسس لمرحلةٍ جديدةٍ من العلاقات المرتكزة على شراكة حقيقية، وتدعمها المصالح الاستراتيجية المشتركة.
كما تعتبر هذه القمة خطوةً مهمةً لدول القارة الأفريقية؛ للاستفادة من قدرات المملكة العربية السعودية؛ لما تملكه المملكة من ثقلٍ استراتيجيٍّ على المستوييْن السياسي والاقتصادي، وذات أهمية في جلْب المنافع الاقتصادية للدول الأفريقية، في ظل ما تعاني منه دول القارة من نزاعات مسلحة؛ تسبَّبت في توترات عالمية، تتطلب حُلُولًا وتسويات عاجلة؛ لاستمرار التنمية الاجتماعية والاقتصادية والاستقرار السياسي.
والجدير بالذكر، أن هذه القمة سبقها أعمال المؤتمر الاقتصادي “السعودي – العربي – الأفريقي” الذي عقد بحضور عددٍ من الوزراء الأفارقة ونخبة من المسؤولين في المملكة العربية السعودية، والدول “العربية، والأفريقية” وقادة المال والأعمال والاستثمار من القطاعيْن “الحكومي، والخاص” والاتحادات التجارية والمنظمات الدولية والشخصيات البارزة في الأوساط الأكاديمية ومراكز الفكر؛ من أجل بحْث سُبل العلاقات وفرص التعاون المشتركة.
وتتمتع المملكة العربية السعودية والدول الأفريقية بعلاقات اقتصادية، وبلغ حجم تبادلها التجاري لعام 2023م 74.735 مليار دولار سعودي، ومثَّلت نسبة الصادرات منها 53.071 مليار دولار، وبلغت نسبة الواردات 21.664 مليار دولار، وبلغ إجمالي استثمارات المملكة العربية خلال الأعوام العشر الأخيرة نحو 49.5 مليار ريال، ووصل عدد الشركات السعودية العاملة إلى 47 شركة، تعمل في مجالات (الطاقة المتجددة – خدمات الأعمال- الخدمات المالية – المنتجات الاستهلاكية)[1].
أبرز مخرجات القمة “السعودية – الأفريقية”
خَلُصَتْ القمة إلى اعتماد مشروع ” إعلان الرياض” الذي يتضمن وضع خارطة طريق للتعاون “السعودي – الأفريقي”؛ حيث جدّد من خلاله القادة، الالتزام بتعزيز التعاون بين الدول “الأفريقية، والسعودية” على أساس الشراكة الاستراتيجية والمصالح المشتركة والروابط الجغرافية والتاريخية والثقافية، التي تتقاسمها القارة الأفريقية مع المملكة العربية السعودية.
ومن ناحيةٍ أُخرى، قام القادة بإقرار توصيات بشأن تشكيل مجموعات العمل الأربع (مجموعة الشأن السياسي والأمني والعسكري ومحاربة التطرف – مجموعة الشأن الاقتصادي والتنموي والتجاري والاستثماري – مجموعة الشأن الثقافي والتعليمي والتواصل الحضاري – مجموعة الشأن الإنساني والصحي)، ويتم عقْد لقاءات خلال ستة أشهر؛ للتأكد من انتهاء القمة لمتابعة مُخْرجاتها، وعليه؛ سوف نقوم بإبراز أهم مُخْرجات القمة في العديد من المستويات على النحو الآتي:
- المستوى السياسي
- أكَّد القادة المشاركون على التزامهم بتعزيز التعاون بين “الدول الأفريقية، والمملكة العربية السعودية” على أساس الشراكة الاستراتيجية والمصالح المشتركة والروابط الجغرافية والتاريخية والثقافية، التي تتقاسمها القارة الأفريقية مع المملكة العربية السعودية، وعلى الجانب الآخر، أكَّدت المملكة العربية السعودية على الروابط التاريخية مع القارة الأفريقية واهتمامها بتطوير علاقاتها مع جميع الدول في المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والاستثمارية والتنموية والثقافية، وحرْص القادة على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وحُسْن الجوار على أساس مبدأ المساواة والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة بين الدول، وفقًا للقانون الدولي.
- ناقش المجتمعون تطورات الأوضاع في فلسطين، وأعربوا عن بالغ قلقهم تجاه الكارثة الإنسانية في غزة، وشدَّدوا على ضرورة وقْف الانتهاكات الجسيمة التي تحدث على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وضرورة حماية المدنيين، وفقًا للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.
- أكَّد القادة على أهمية الدور الذي يجب أن يقوم به المجتمع الدولي في الضغط على الجانب الإسرائيلي؛ من أجل إيقاف الهجمات الإسرائيلية والتهجير القسري للفلسطينيين من قطاع غزة، الذي يُعدُّ انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني وجميع القوانين الدولية، وشدَّدوا على ضرورة السماح بتمكين المنظمات الدولية والإنسانية بدورها المنوط به في تقديم الإغاثة والمساعدات الإنسانية إلى الشعب الفلسطيني، بما في ذلك منظمة الأمم المتحدة.
- المستوى الاقتصادي والتجاري والاستثماري
- أكَّد القادة على عُمْق العلاقات التاريخية بين “المملكة العربية السعودية، ودول القادة الأفريقية”؛ حيث قدَّمت المملكة العربية السعودية خلال 50 عامًا دعْمًا تنمويًّا بأكثر من 45 مليار دولار، في العديد من القطاعات الحيوية، استفادت منه 46 دولة أفريقية.
- اتفقوا على تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الجانبيْن في قطاعيْ “الصناعة، والتعدين” وزيادة الصادرات النفطية، ورحَّبوا بالمشاركة في مؤتمر التعدين الدولي، الذي يُعْقَد سنويًّا تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين، الذي يُعدُّ أحد أكبر المنتديات التعدينية على المستوى الدولي.
- رحَّبوا بنتائج المؤتمر الاقتصادي، الذي تمَّ عقْدُه على هامش هذه القمة، والذي تمَّ التوقيع فيه على أكثر من 50 اتفاقية ومذكرة تفاهم في العديد من المجالات الاقتصادية (السياحة – الاستثمار – المالية – الطاقة – التعدين – النقل – الخدمات اللوجستية – الزراعة والمياه – الاتصالات وتقنية المعلومات).
- تم بحث سُبُل تعزيز العلاقات مع الدول الأفريقية، من خلال استكشاف مجالات الاستثمار والفرص المتاحة، في ضوء رؤية المملكة 2030م؛ حيث يصل حجم الاستثمارات السعودية في القارة الأفريقية حوالي 96 مليار ريال سعودي، وسوف يقوم الصندوق السعودي للتنمية بتمويل مشاريع تنموية في القارة الأفريقية حتى عام 2030م، بما يعادل حوالي 18.75 مليار ريال سعودي[2].
- أكَّدت الدول الأفريقية على دوْر المملكة الريادي في مجال الطاقة والطاقة الكهربائية والطاقة المتجددة؛ مثل “الطاقة الشمسية – طاقة الرياح”، والعمل على توطين منتجات قطاع الطاقة، ورحَّبوا بإطلاق مبادرتيْ “السعودية الخضراء، والشرق الأوسط الأخضر”، ودعمهم لجهود المملكة، في مجال التغيُّر المناخي، من خلال الاعتماد على نهج الاقتصاد الدائري للكربون الذي أطلقته المملكة وأقرَّته مجموعة دول العشرين.
- وفيما يتعلق بتنمية الاقتصاد الرقمي، أطلقت المملكة العربية السعودية بالتعاون مع هيئة الحكومة الرقمية ومنظمة التعاون الرقمي، مبادرة السوق الرقمي “إمباكت”، والتي تهدف إلى التركيز على مشاركة الدول لنجاحاتها في مجال الحكومة الرقمية؛ ما يساهم في تعزيز الوصول إلى الخدمات الرقمية، ورفع جودة الحياة وتنمية الاقتصاد الرقمي.
- المستوى الأمني والعسكري
- اتفق القادة على تطوير التعاون والتنسيق في المجالات الدفاعية، وتوحيد الجهود لمحاربة الإرهاب والتطرُّف بكافَّة صوره وأشكاله، وبحثوا سُبُل تعزيز التعاون وتنسيق الجهود وتبادل الخبرات بما يخدم ويحقق المصالح المشتركة وتحقيق الأمن والسلم في العالم واتخاذ جميع التدابير اللازمة؛ من أجل منع وقوع الجرائم الإرهابية بالتعاون الوثيق، وتعزيز العمل في مجال نشْر ثقافة الاعتدال والتسامح وتحقيق الأمن والسلام ومحاربة التطرُّف والغلو والإرهاب.
- عمل القادة على تكثيف التعاون في مجال الأمن البحري كأحد عوامل الاستقرار والتنمية للدول، وبما يساهم في تعزيز سلامة البيئة البحرية والعمل المشترك؛ من أجل مكافحة الجريمة المنظمة وتهريب المخدرات والمؤثرات العقلية وغسيل الأموال وشبكات التهريب ومعالجة اللاجئين والهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر وقرصنة السفن؛ ما يساهم في تنمية واستقرار الدول الأفريقية ومكافحة الجرائم العابرة للحدود بكافة أشكالها، وتعزيز ذلك بما يحقق الأمن والاستقرار لهذه الدول وشعوبها.
- والجدير بالذكر، أن المملكة العربية السعودية تترأَّس مجموعة التركيز المعنيّة بالشأن الأفريقي، التابعة للتحالف الدولي ضد تنظيم داعش الإرهابي إلى جانب “الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المغربية، وإيطاليا، والنيجر”، ودعمت المملكة العربية السعودية هذه المجموعة بمبلغ 2 مليون دولار أمريكي، كما أنشأت المملكة العربية السعودية مجلس الدول العربية والأفريقية المُطلِّة على البحر الأحمر.
- المستوى الثقافي والتعليمي والتواصل الحضاري
- أجمع القادة على أهمية تعزيز التعايش الحضاري والتسامح الإنساني بين المملكة العربية السعودية ودول القارة الأفريقية، ودعوا إلى تعزيز التعاون الثقافي بينهما في كافة المجالات الثقافية، بما يساهم في تبادل الخبرات والمحافظة على التراث الثقافي، والعمل على زيادة تنظيم الأنشطة المشتركة في مجاليْ “الرياضة، والشباب”، وخلْق مبادرات مشتركة.
- الاتفاق على وضْع تصوُّر استراتيجي مشترك للتعاون الإعلامي “السعودي – الأفريقي” في مجالات التبادُل الإخباري والإذاعة والتليفزيون وتنظيم قطاع الإعلام، وأهمية تمكين المرأة؛ لتصبح عضوًا فعَّالًا في الأسرة والمجتمع ونشْر القيم الاجتماعية والمبادئ التي تُعزِّزُ تماسُك الأسرة والمجتمع المدني واستقرارهما.
- أعلن قادة الدول الأفريقية عن دعمهم الكامل للمملكة العربية السعودية لاستضافة معرض إكسبو 2030م في مدينة الرياض، وبذل جميع الجهود؛ لدعم هذا الترشيح، ورحَّبت المملكة العربية السعودية بدعم السياسات والخطط والتوجُّهات التي من شأنها تطوير قطاع السياحة في دول الاتحاد الأفريقي.
- المستوى الإنساني والصحي
- أكَّد قادة الدول الأفريقية على أهمية تعزيز الرقابة الغذائية والدوائية في دول القادة الأفريقية، وزيادة التعاون المشترك؛ لتعزيز برامج التنمية المستدامة؛ لتحسين المستوى المعيشي لشعوب دولهم، والعمل على خلْق فُرص عملٍ جديدةٍ، وخفْض معدلات الفقر وتوفير الغذاء، والحدّ من الجوع، من خلال الاعتماد على خطة تنموية ترتكز على مجالات التنمية الإنسانية والزراعية والصحة والخدمات الإنسانية النوعية.
ختامًا:
تستمر الرياض في احتضان مختلف أنواع القمم التي تهتم بجميع شؤون الأمة “العربية، والأفريقية”؛ ما يؤكد اهتمام المملكة العربية السعودية بمختلف القضايا، وتأتي القمة “السعودية – الأفريقية” الأولى؛ لتبرهن على ثقل المملكة العربية السعودية، وعبَّرت القمة “السعودية – الأفريقية” عن توافق “سعودي – أفريقي” حول أولويات العمل المشترك بين الجانبيْن في مختلف المجالات؛ إذ تُشكِّلُ القارة الأفريقية للمملكة العربية السعودية فضاءً استثماريًّا واسعًا وقُطْبًا تنمويًّا قاريًّا واعدًا؛ بفضل الطاقات البشرية والموارد الطبيعية والحيوية؛ الأمر الذي يُعزِّزُ نشاطها لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وسيتيح هذا القطب التنموي القاريّ عبْر تعزيز الشراكة مع المملكة العربية السعودية فُرصًا لإنشاء العديد من المشاريع التنموية العملاقة في الكثير من المجالات والبُنَى التحتية والطاقات المتجددة والرقمنة، كما يساعد قيام هذه الشراكة البنَّاءة في تعزيز علاقات الصداقة والأخوة المتينة والروابط الحضارية الوثيقة بين “المملكة العربية السعودية، والدول الأفريقية”؛ حيث تدرك المملكة أن تعزيز الأمن والاستقرار في أيِّ منطقة لا يتحقق إلا من خلال التعاون والحوار المستمر بين الدول والالتزام بالتنمية.
المصادر:
[1] القمة السعودية الأفريقية تشدد على ضرورة وقف العمليات العسكرية في الأراضي الفلسطينية، النيل، مصر، 2023م، متاح على الرابط: https://www.nile.eg/%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%85%D8% تاريخ الدخول: 11-11-2023م.
[2] صدور إعلان الرياض في ختام أعمال القمة السعودية الأفريقية، المدينة، المملكة العربية السعودية، متاح على الرابط: https://www.al-madina.com/article/861827/ تاريخ الدخول: 111-11-2023م.