المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > تقدير موقف > القمة العربية الطارئة في القاهرة: موقف مُوحد لمواجهة مخاطر تصفية القضية الفلسطينية
القمة العربية الطارئة في القاهرة: موقف مُوحد لمواجهة مخاطر تصفية القضية الفلسطينية
- مارس 5, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات تقدير موقف وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات

إعداد: دينا إيهاب
باحث مساعد في وحدة شؤون الشرق الأوسط
استضافت مصر يوم الثلاثاء الموافق 4 مارس الجاري قمة عربية طارئة بحضور عدد من رؤساء وملوك الدول العربية، من أبرزهم الرئيس السوري “أحمد الشرع” في أول زيارة رسمية له إلى مصر، كما شارك في القمة رؤساء كل من الأردن، وقطر، والسلطة الفلسطينية، والبحرين، ولبنان، بالإضافة إلى عدد من وزراء الخارجية، بما في ذلك وزراء من السعودية، والإمارات، والجزائر، وتونس، وجاء انعقاد هذه القمة في ظل ظروف استثنائية تُعتبر من أكثر المراحل تعقيدًا في تاريخ القضية الفلسطينية، إذ واجهت القضية تحديات غير مسبوقة تُهدد كيانها ومستقبلها، وقد هدفت القمة في إطار موقف عربي موحد رافض لمحاولات تهجير الفلسطينيين، سواء كانت قسرية أو طوعية، والتي تهدف بالأساس إلى تفكيك القضية الفلسطينية وإنهاء وجودها كقضية مركزية في الصراع العربي-الإسرائيلي، وفي هذا السياق، أكد الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” في كلمته في افتتاح القمة “أن معاهدة السلام التي أبرمتها مصر مع إسرائيل عام ١٩٧٩ قد ألزمت كل طرف باحترام سيادة الآخر وهو ما يفرض إلتزامًا قانونيًا بعدم خلق واقع طارد للسكان خارج أراضيهم، كونه يُمثل انتهاكًا للالتزام باحترام قدسية الحدود الآمنة” [1]، إلى جانب ذلك، تُمثل القمة الموقف العربي الغير قانع لخطة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، التي سبق وأن عرضها في يناير الماضي والتي تسعى إلى سيطرة الولايات المتحدة على غزة وإعادة توطين الفلسطينيين في مناطق أخرى، وفي هذا الإطار، عملت مصر على طرح خطة مُضادة تركز على إعادة إعمار قطاع غزة دون تهجير سكانه، في سبيل صياغة التزام عربي يمنع تفكيك القضية الفلسطينية والحفاظ على الهوية الديمغرافية لأراضيها.
أولًا: سياق انعقاد القمة
جاء توقيت انعقاد القمة العربية الطارئة بالقاهرة في ظل تطورات نوعية واستثنائية بالغة التعقيد، تمثلت في مجموعة من العوامل المحورية، والتي منها ما يلي:
1- رفض مُقترح ترامب بشأن التهجير : حيث جاءت القمة لرد فعل في مُواجهة المخطط الذي عرضه ترامب في ٢٧ يناير الماضي بشأن تهجير سكان غزة إلى مصر والأردن والذي كان له أصداء واسعة إقليمية ودولية، كما لاقى رفضًا قاطعًا من الحكومتين المصرية والأردنية، وقد صاحب هذا المُقترح، إعلان ترامب عن نيته تحويل قطاع غزة إلى ما أسماه “ريفييرا الشرق الأوسط”، مع تأكيده على سعي الولايات المتحدة للحصول على “ملكية طويلة الأمد” للقطاع، ولم تزيد هذه التصريحات إلا من تعقيد المشهد الإقليمي ودعت إلى موقف عربي مُوحد في سبيل مواجهتها.
2- زيارة ملك الأردن إلى البيت الأبيض: جاء لقاء العاهل الأردني الملك “عبدالله الثاني” مع الرئيس الأمريكي ترامب في البيت الأبيض يوم 11 فبراير الماضي، لبحث مقترح التهجير الفلسطيني، الذي قوبل بالرفض القاطع من الجانب الأردني، مُشيرًا أن مصر ستقوم بالرد على خطة ترامب بشأن غزة، مُعربًا في الوقت ذاته عن اعتقاده بإمكانية إيجاد سبيل لإحلال السلام والرخاء في المنطقة، مُشددًا على ضرورة حل القضية الفلسطينية بشكل عادل ودائم.
3- لقاء غير رسمي لقادة الخليج ومصر والأردن: حيث عقد قادة دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن لقاءً تشاوريًا في الرياض يوم الجمعة الموافق ٢٢ فبراير الماضي، ناقشوا خلاله التطورات الإقليمية والدولية، مع تركيز خاص على دعم القضية الفلسطينية والأوضاع في غزة، حيث جاء هذا اللقاء كاستعداد للقمة العربية الطارئة في القاهرة، ومن أجل توحيد الرؤى وصياغة موقف عربي موحد لمواجهة مخططات التهجير الفلسطيني.
4- انتهاء المرحلة الأولى من الاتفاق وإيقاف إدخال المُساعدات: حيث انتهت المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة يوم السبت الماضي الموافق ١ مارس، لتدخل المنطقة مرحلة جديدة من الغموض وعدم اليقين، خاصةً فيما يتعلق بمستقبل الاتفاق وقرارات إسرائيل التعسفية تجاه سكان القطاع، وفي تصعيدٍ جديد، أغلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي معابر قطاع غزة في اليوم التالي، وعلّقت إدخال البضائع والمساعدات الإنسانية، وذلك ردًا على رفض حركة حماس مقترح المبعوث الأمريكي “ويتكوف” الذي دعا إلى استمرار المفاوضات ووقف إطلاق النار المؤقت خلال شهر رمضان وعيد الفصح اليهودي حتى منتصف أبريل، وقد حذّرت إسرائيل من عواقب إضافية في حال عدم الامتثال لمطالبها [2]، لكن أصرت حركة حماس على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بمراحله الثلاث، وفي نفس الوقت حمّلت الحركة الحكومة الإسرائيلية عن تعطيل تقدم الاتفاق، بما في ذلك التداعيات الإنسانية المترتبة على ذلك، لا سيما فيما يتعلق بوضع الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة[3].
5- الممارسات الإسرائيلية في الضفة الغربية: حيث شنت إسرائيل عملية عسكرية واسعة النطاق في شمال الضفة الغربية في ٢١ يناير الماضي، إذ جاءت بعد يومين من دخول وقف إطلاق النار في قطاع غزة حيز التنفيذ، مُركزة على مدينة جنين ومخيمها، تحت مسمى “الجدار الحديدي”، وذلك في إطار تصعيدها العسكري والأمني المستمر في المنطقة، حيث جاءت هذه العملية بالتزامن مع خطاب سياسي إسرائيلي مُتصاعد يدعو إلى ضم الضفة الغربية، والذي يعكس بدوره توجهًا إسرائيليًا نحو إعادة تشكيل الواقع الجيوسياسي في فلسطين، وبالتالي مزيد من الضغوط على الموقف العربي.
ثانيًا: الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة
قدمت القاهرة خطتها المُنتظرة لإعادة إعمار قطاع غزة دون اللجوء إلى تهجير سكان القطاع، كبديل لمقترح ترامب، والخطة المصرية المؤلفة من 112 صفحة تتضمن خرائط[4] توضح كيفية إعادة تطوير أراضي غزة وعشرات الصور الملونة التي تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي لمشاريع الإسكان، كما تبلغ قيمة الخطة المصرية 53 مليار دولار، وتستغرق عملية الإعمار خمس سنوات، كما تركز على ثلاث محاور رئيسية: الإغاثة الطارئة، إعادة الإعمار، والتنمية الاقتصادية طويلة المدى[5]، تنقسم الخطة إلى مرحلتين رئيسيتين:
1- مرحلة التعافي المبكر (6 أشهر ): تهدف هذه المرحلة إلى معالجة الأوضاع الطارئة وتوفير الاحتياجات الأساسية للسكان، وتشمل:
-
إزالة الركام: يتم إزالة الركام من المحور المركزي (محور صلاح الدين) ومناطق أخرى في القطاع.
-
توفير السكن المؤقت: توفير 200 ألف وحدة سكنية مؤقتة سابقة التجهيز.
-
إنشاء مواقع إيواء: إنشاء سبعة مواقع تستوعب أكثر من 1.5 مليون فرد، حيث يتم تسكين الفلسطينيين في وحدات سكنية مؤقتة (حاويات) تستوعب متوسط 6 أفراد لكل وحدة.
-
ترميم الوحدات السكنية: ترميم 60 ألف وحدة سكنية مدمرة جزئياً، بهدف استيعاب 360 ألف فرد عند الانتهاء من عملية الترميم.
2- مرحلة إعادة الإعمار (4.5 سنوات): تنقسم هذه المرحلة إلى مرحلتين فرعيتين:
-
المرحلة الأولى (حتى عام 2027) : وتبلغ التكلفة التقديرية لهذه المرحلة 20 مليار دولار، وتشمل إنشاء أعمال المرافق والشبكات والمباني الخدمية، إنشاء وحدات سكنية دائمة، وأخيرًا استصلاح 20 ألف فدان من الأراضي الزراعية.
-
المرحلة الثانية (حتى عام 2030): تبلغ التكلفة التقديرية لهذه المرحلة 30 مليار دولار، وتشمل إنشاء مناطق صناعية، إنشاء ميناء صيد، إنشاء ميناء بحري، وأخيرًا إنشاء مطار.
3- تمويل خطة إعادة إعمار غزة: لضمان تمويل الخطة، تم اقتراح الآليات التالية:
-
إنشاء صندوق ائتماني: يتم إنشاء صندوق ائتماني تحت إشراف دولي كآلية تمويلية يتم توجيه التعهدات المالية إليه.
-
مؤتمر وزاري رفيع المستوى: تنظم الحكومة المصرية مؤتمرًا بالتعاون مع السلطة الفلسطينية والأمم المتحدة، بمشاركة الدول المانحة والمنظمات الدولية والإقليمية والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني، بهدف حشد الدعم المالي اللازم.
4- الإدارة المستقبلية لقطاع غزة: تتضمن الخطة المصرية رؤية لإدارة قطاع غزة خلال المرحلة الانتقالية وما بعدها:
-
تشكيل لجنة إدارة غزة: لجنة مستقلة مؤلفة من تكنوقراط وشخصيات غير منتمية للفصائل الفلسطينية، تعمل تحت مظلة الحكومة الفلسطينية لمدة 6 أشهر، تمهيداً لعودة السلطة الوطنية الفلسطينية بشكل كامل إلى القطاع.
-
إجراء انتخابات عامة: إجراء انتخابات في كل الأراضي الفلسطينية خلال عام إذا توافرت الشروط المناسبة.
-
تدريب الشرطة الفلسطينية: تعمل مصر والأردن على تدريب عناصر الشرطة الفلسطينية تمهيداً لنشرها في قطاع غزة.
-
الوجود الدولي: دراسة فكرة نشر قوات حفظ سلام دولية في الأراضي الفلسطينية (الضفة الغربية وقطاع غزة) في إطار جدول زمني متكامل لإقامة الدولة الفلسطينية وبناء قدراتها.
5- التحديات والحلول المقترحة:
-
مُعضلة تعدد الجبهات المسلحة: يتم التعامل مع هذه القضية من خلال إيجاد أفق سياسي واضح وعملية سياسية ذات مصداقية تعيد الحقوق إلى أصحابها.
-
نزع السلاح: تم التأكيد على ضرورة نزع سلاح قطاع غزة بشكل كامل، حيث لن تقدم الجهات المانحة أي استثمارات طالما استمر وجود السلاح في القطاع، تؤكد الخطة المصرية على أن جميع الجهود المبذولة تصب في اتجاه تنفيذ حل الدولتين، مع التأكيد على أنه لا بديل عن إقامة الدولة الفلسطينية كحل عادل ودائم للقضية الفلسطينية، وبالتالي فإن هذه الخطة تمثل رؤية شاملة ومتكاملة لإعادة إعمار قطاع غزة، مع الحفاظ على حقوق السكان وعدم اللجوء إلى التهجير، وذلك في إطار جهود دولية وإقليمية لتحقيق الاستقرار والتنمية في المنطقة.