انطلقت أعمال القمة «الكورية – الأفريقية» الأولى على الإطلاق، في مدينة “سيول” بكوريا الجنوبية، على مدار يومي “4-5” يونيو الجاري، تحت شعار “المستقبل الذي نصنعه معًا: النمو المشترك والاستدامة والتضامن”، وذلك بمشاركة وفودٍ من 48 دولةً أفريقيةً، بما في ذلك 25 رئيس دولة وحكومة أفريقية، وتُمثِّلُ القمة بداية حِقْبَةٍ جديدةٍ من التعاون بين رابع أكبر اقتصاد في آسيا والقارة الأفريقية، وهو ما يُعدُّ فُرْصةً للطرفيْن؛ للاستفادة من نقاط قوتهما، في تعزيز النمو المتبادل، ومواجهة التحديات العالمية؛ إذ تهدف القمة إلى تعزيز الشراكة في مختلف المجالات ومواءمة جهود التنمية مع “أجندة 2063” للاتحاد الأفريقي، وشهدت القمة اتفاق الرئيس الكوري الجنوبي “يون سوك يول” وزعماء أفريقيا، بتعميق العلاقات وتطوير المعادن المهمة.
التضامن التاريخي بين كوريا الجنوبية والقارة الأفريقية
تعود بداية العلاقات «الكورية – الأفريقية» إلى الحرب الباردة في خمسينيات القرن الماضي، حينما قدَّمت العديد من الدول الأفريقية الدعم اللازم؛ إذ نشرت إثيوبيا قواتها، وأرسلت جنوب أفريقيا أسْرابًا جوية، وقدمت ليبيريا ومصر مساعدات لوجستية، وهو ما شكَّلَ رابطةً دائمةً بين الطرفيْن، وتطوَّرت هذه العلاقات، من خلال التبادُلات الثقافية والسياسية، وفي التسعينيات، عزَّزت كوريا نشاطها الدبلوماسي في أفريقيا، من خلال انضمامها للأمم المتحدة، وإنشائها للوكالة الكورية للتعاون الدولي، عام 1991م.
وفي القرن الحادي والعشرين، زادت الجهود التضامنية الكورية في كل أنحاء القارة، وحصلت كوريا على صفة مراقبٍ في الاتحاد الأفريقي، عام 2005م، وتشير المبادرة الكورية لتنمية أفريقيا، والتي تمَّ إطلاقُها عام 2006م، إلى مدى الاهتمام بتنمية القارة الأفريقية، وبالإضافة إلى ذلك، أدَّى إطلاق مُخطَّط التعاون الشامل مع أفريقيا، عام 2016م، إلى إنتاج شراكةٍ تعاونيةٍ متبادلة المنفعة، وعلى هذا الأساس، يسعى الطرفان إلى توسيع تعاوُنهما في عِدَّة مجالات، بما في ذلك التجارة والاستثمار والمعادن[1].
الأهمية الإستراتيجية للقارة الأفريقية بالنسبة لكوريا الجنوبية
تكتسب القارة الأفريقية أهمية إستراتيجية متزايدة، ونجد أن مواردها الطبيعية الوفيرة التي تتمتع بها، تجعل منها شريكًا تجاريًّا جذَّابًا، والجدير بالذكر، أن حوالي 30% من الموارد المعدنية في العالم تُوجد في أفريقيا، ومنها الكروم والمنجنيز والكوبالت وغيرها من المعادن الرئيسية الأخرى ذات الأهمية بالنسبة لـ”سيول”، التي تعتمد بشكلٍ كبيرٍ على الواردات لأكثر من 95% من معادنها الخام، كما أن الأوضاع الدبلوماسية في أفريقيا ذات أهميةٍ أيضًا لـ”سيول”؛ إذ يُمْكِنُها التصويت على المناقشات العالمية، فقد يتمُّ تأمين الدعم الأفريقي، لا سيما فيما يتعلق بالقضايا الأمنية، بما في ذلك التهديدات النووية لكوريا الشمالية.
وبالإضافة إلى ذلك، تتمتع القارة الأفريقية بنفوذٍ كبيرٍ في الأمم المتحدة، بحصولها على 54 صوتًا، وهو أكثر من أيِّ قارَّةٍ أُخرى، كما أن حواليْ 40% من بنود جدول أعمال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة متعلقة بأفريقيا، ونظرًا لأن كوريا الجنوبية عضو غير دائمٍ في مجلس الأمن، وتتطلع لأن تكون دولةً عالميةً، فإن تعزيز التعاون مع أفريقيا أصبح ضرورةً، وتسعى كوريا الجنوبية أيضًا إلى زيادة عدد مراكزها الدبلوماسية في أفريقيا، ومن ثمَّ عملت “سيول” على توقيع عددٍ من الاتفاقيات مع الدول المشاركة في القمة[2].
الظروف المهيئة لانعقاد القمة «الكورية – الأفريقية»
جاءت هذه القمة في أعقاب المؤتمر الوزاري السابع للتعاون الاقتصادي «الكوري – الأفريقي» “KOAFEC“، في سبتمبر 2023م، والذي سلَّط الضوء على الدعم الكوري طويل الأمد لتطوير القارة الأفريقية؛ إذ وقَّع بنك التنمية الأفريقي والحكومة الكورية اتفاقيتيْن، بقيمة تصل إلى 28.6 مليون دولار؛ لتعزيز أجندة التنمية في أفريقيا، وهو ما قد يُساهم في الوصول إلى الطاقة وبناء القدرات في العديد من الدول الأفريقية، وسوف يتمُّ صرْف هذا التمويل على ثلاث دفعات، 4.6 مليون دولار في عام 2023م، و24 مليون دولار في عاميْ 2024م و2025م[3].
كما جاءت في ظِلِّ تعزيز التعاون الكوري الجنوبي مع تنزانيا في عِدَّة مجالات، بما في ذلك التنمية والتجارة والاستثمار؛ نظرًا لما تتمتع به تنزانيا من مكانةٍ متميزةٍ في شرق أفريقيا؛ إذ بها رؤوس أموالٍ بشريةٍ وطبيعيةٍ، مثل المعادن، كما تعمل الشركات الكورية الجنوبية على تعزيز شراكاتها في تنزانيا، لا سيما في مشاريع البنية التحتية والنقل؛ بهدف مساعدة تنزانيا على تطوير إمكاناتها التنموية، وتعمل الدولتان أيضًا لتحقيق رُؤْية تنزانيا، لعام 2025م، وفي زنجبار أكملت الشركة الكورية مشروع خطة “ماتر”؛ بهدف تطوير صناعة المعارض والمؤتمرات، وبُناءً على ذلك؛ دفعت القمة «الكورية – الأفريقية» كوريا وتنزانيا إلى تعاوُنٍ أوْثق[4].
أهداف القمة «الكورية – الأفريقية»
تهدف القمة إلى تعزيز التعاون المتبادل والمُسْتَدَام بين كوريا والقارة الأفريقية في عِدَّة مجالات، منها التحوُّل الرقمي والمعادن الحيوية، وذلك من خلال الجمْع بين رؤساء الدول والمنظمات الدولية في أفريقيا والشخصيات المهمة في المجتمع الحكومي الكوري، بما في ذلك الرئيس الكوري الجنوبي، فضلًا عن مناقشة الحلول التعاونية لتعزيز التضامن من أجل تحقيق التنمية المُسْتَدَامة ومعالجة التحديات العالمية، مثل الأمن الغذائي والتغيُّرات المناخية، إضافةً إلى تحقيق التكامُل بين الجهود التنموية في كوريا الجنوبية وأجندة 2063م للاتحاد الأفريقي.
النتائج الناجمة عن القمة «الكورية – الأفريقية»
طبقاً لوزارة التجارة الكورية، تمَّ اختتام المحادثات بين الطرفيْن بتوقيع حوالي 50 اتفاقيةً أوَّليةً ومذكرة تفاهم؛ بهدف تعزيز التعاون في مجالات “الطاقة والمعادن والطاقة”، وعلى الصعيد الحكومي، تمَّ توقيع 12 مذكرةً تفاهُمٍ بين كوريا الجنوبية و11 دولةً أفريقيةً؛ إذ أعلنت كوريا الجنوبية وتنزانيا، بدْء المفاوضات بشأن اتفاقية الشراكة الاقتصادية (EPA)؛ بهدف إنشاء شبكةٍ تجاريةٍ ذات منفعة متبادلة، وتوصَّلت كوريا الجنوبية إلى اتفاقيةٍ مماثلةٍ مع المغرب؛ بهدف تعزيز العلاقات الخاصة بسلاسل التوريد والصناعات الرقمية.
ووقَّعت كوريا الجنوبية إطارًا لترويح التجارة والاستثمار مع 8 دول أفريقية، مثل زيمبابوي ومالاوي وغانا؛ لتسهيل التجارة والاستثمار فيما بينهم، هذا فضلًا عن توقيعها اتفاقيات خاصَّة بالمعادن المهمة مع مدغشقر وتنزانيا؛ بهدف ضمان سلاسل التوريد المستقرة لكوريا الجنوبية، وطبقًا لوزارة الصناعة الكورية، وقَّعت وكالات حكومية وشركات خاصَّة كورية مع الدول الأفريقية حوالي 16 مذكرة تفاهم و19 عقدًا؛ بهدف تعزيز التعاون الثنائي في مشاريع البنية التحتية والتجارة والاستثمار وموارد الطاقة المتجددة والمعادن المهمة، ومن بين تلك العقود، توقيع شركة Hyosung Corp الكورية الجنوبية مع وكالة الطاقة الموزمبيقية اتفاقيةً لتوريد الُمحوِّلَات[5].
إجمالًا:
تعتبر القمة «الكورية – الأفريقية» أحدث مراحل تطوّر علاقة كوريا الجنوبية بالدول الأفريقية؛ إذ تتبنَّى “سيول” إستراتيجية أكثر شُمُولًا؛ لتعزيز تعاونها مع دول القارة الأفريقية في مجالات عِدَّة، وهو ما جاء في وقتٍ يشهد فيه العالم احتياجًا لدفع التعاون الدولي، وتهدف الاتفاقيات المُبْرَمة خلال القمة بشأن الإمداد المستقر وتطوير المعادن الحيوية إلى تحقيق استقرارٍ في سلاسل التوريد؛ من خلال التعاون ذا المنفعة المتبادلة، ويشير بروز المعادن المهمة وتعزيز الاستثمار التجاري الكوري في القارة إلى أن القضايا الاقتصادية والموارد والقوة الناعمة هي بمثابة دوافع مهمة للاهتمام الكوري المتزايد، ولكن قد تواجه كوريا الجنوبية صعوبةً في توسيع تواجُدِها في القارة مع وجود شراكات من الهند والصين واليابان.
المصادر:
[1] Mahamadou Simpara, A Continent of Opportunity: Why Korea-Africa 2024 Summit Matters?, May 15, 2024.
