المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الدراسات الأفريقية > القِمَّةُ “الأفريقية – الإسبانية” الثالثةُ: شراكةٌ مُسْتَدَامَةٌ وتحالفاتٌ اقتصاديةٌ أوسعُ
القِمَّةُ “الأفريقية – الإسبانية” الثالثةُ: شراكةٌ مُسْتَدَامَةٌ وتحالفاتٌ اقتصاديةٌ أوسعُ
- يوليو 12, 2025
- Posted by: ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الدراسات الأفريقية
لا توجد تعليقات

إعداد: شيماء ماهر
باحثة بوحدة الشؤون الأفريقية
تحت شعار “إسبانيا وأفريقيا: شراكةٌ عالميةٌ ومستدامةٌ وشاملةٌ” استضافت العاصمة الإسبانية مدريد في الفترة من 6: 8 يوليو الجاري قمة أفريقيا إسبانيا لعام 2025م، وتأتي هذه القمة في وقتٍ تسعى فيه إسبانيا إلى ترسيخ موطئ قدمٍ اقتصاديٍّ واستراتيجيٍّ في أفريقيا ،عبْر شراكات مستدامة ومربحة للطرفين، وتحمل القمة طابعًا خاصًّا؛ إذ تنعقد في وقتٍ حَرِجٍ يشهد فيه العالم أزمات متشابكة، من تَبِعَات التغيُّر المناخي إلى التحديات الاقتصادية والأمنية.
وفي هذا السياق، تسعى القمة إلى وضْع خارطة طريق جديدة للعلاقات “الأفريقية – الإسبانية”، ترتكز على تعزيز الاستثمارات، وتوسيع آفاق التعاون في مجالات “الطاقة والبنية التحتية والتعليم والصحة”، فضلًا عن معالجة قضايا الهجرة والتنمية المستدامة بطريقة عادلة وإنسانية.
لمحةٌ عامَّةٌ عن القمة الأفريقية الإسبانية الثالثة
تُنظِّمُ القِمَّة “الأفريقية – الإسبانية” من قِبَلِ الحكومة الإسبانية بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي ومنتديات “One Africa Forums ” في إطار خارطة الطريق الجديدة ” إسبانيا – أفريقيا 2025-2028“ التي تركز على خمسة محاور رئيسية: التعزيز، النمو، التواصل، الحماية، والعيش معا، وتُمثِّلُ القِمَّةُ فُرْصةً فريدةً للحوار وتبادُل الخبرات، في ظلِّ صعود أفريقيا كمركز جديد للاقتصاد العالمي.
وفي السياق ذاته، يجمع برنامج القمة، الذي يعقد في مقرِّ وزارة الخارجية الإسبانية بمدريد، قادة الحكومات والمؤسسات وممثلي المنظمات المتعددة الأطراف من أفريقيا وأوروبا، ويأتي هذا التجمُّع في وقتٍ يشهد فيه العالم تحديات متزايدة، مثل “تدفُّقات الهجرة والتوتُّرات الجيوسياسية”؛ مما يؤكد أهمية التعاون المؤسسي والإنساني[1].
أبرز المشاركين في قمة “أفريقيا – إسبانيا” 2025م
شهدت القمة “الأفريقية – الإسبانية” الثالثة مشاركةً رفيعة المستوى من شخصيات حكومية ومسؤولين بارزين من الجانبيْن “الإسباني والأفريقي”؛ مما يعكس أهمية هذه القمة في تعزيز العلاقات الثنائية، وكان من أبرز المشاركين وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس، الذي قاد الوفد الإسباني في المناقشات الاستراتيجية، وعلى الجانب الأفريقي، فقد شاركت عدة دول بوفود رسمية على رأسها ممثلون من كوت ديفوار وتوغو والصومال؛ حيث شارك وزير الأشغال العامَّة الصومالي علمي محمود نور، الذي سلَّط الضوء على أجندة التحوُّل الوطني في بلاده خلال القمة.
كما كان للمغرب مشاركة نشطة، ممثلة في وفد رسمي يعكس عُمْق العلاقات “المغربية – الإسبانية” في إطار التعاون “الأفريقي – الإسباني”، بالإضافة إلى ذلك، حضر الأمين العام لمنطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (AfCFTA)؛ مما أضفى بُعْدًا اقتصاديًّا مهمًا على المحادثات، إلى جانب ممثلين عن مؤسسات إقليمية أفريقية أخرى، وتؤكد هذه المشاركة الواسعة والمتنوعة من الدول والمؤسسات الأفريقية إلى جانب المسؤولين الإسبان، أن القمة كانت منصَّةً حيويةً لتعزيز الاستثمار والتبادل التجاري في مجالات البناء والطاقة المتجددة وتحلية المياه والصناعات الدوائية، مع التركيز على بناء شراكة استراتيجية طويلة الأمد بين إسبانيا وأفريقيا[2]
أهداف القمة “الأفريقية – الإسبانية” الثالثة
تهدف القمة “الأفريقية – الإسبانية” الثالثة إلى تعزيز شراكة استراتيجية متوازنة ومستدامة بين إسبانيا والدول الأفريقية، من خلال خمسة محاور رئيسية تُشكِّلُ جوهر استراتيجية (“إسبانيا – أفريقيا” 2025-2028)، وتتمثل هذه الأهداف في تعزيز الاتصال الاقتصادي بين الطرفين، عبْر تطوير قنوات التجارة والاستثمار؛ مما يفتح آفاقًا جديدةً للتعاون في مجالات متعددة، بالإضافة إلى تشجيع الاستثمار الثنائي في قطاعات البنية التحتية والطاقة، مع التركيز على مشاريع البناء والطاقة المتجددة وتحلية المياه والصناعات الدوائية؛ سعْيًا لدعم التنمية الاقتصادية في أفريقيا وتعزيز فُرَص الأعمال.
كما تركز القمة على التعاون الأمني ومكافحة الإرهاب، باعتبارهما من التحديات الكبرى التي تواجه القارة؛ مما يتطلب تنسيقًا وثيقًا بين إسبانيا والدول الأفريقية؛ لضمان الاستقرار والتنمية المستدامة، وتدعم القمة التكامل الإقليمي عبْر مشاريع النقل والطاقة؛ لتعزيز الرَّبْط بين دول القارة وتسهيل حركة التجارة والاستثمار.
وتأتي الاستجابة للتحديات المناخية والتنموية ضمن أولويات القمة؛ حيث تسعى إلى تطوير مبادرات مشتركة لمواجهة آثار التغيُّر المناخي وتعزيز التنمية المستدامة في أفريقيا، وبهذه الأهداف، تُمثِّلُ القمة منصَّةً استراتيجية لتعزيز التعاون متعدد الأبعاد بين إسبانيا وأفريقيا، وتأكيد الدور المحوري لإسبانيا في دعم التنمية والتكامل الإقليمي بالقارة.
كيف تحدد استراتيجية (“إسبانيا – أفريقيا” 2025-2028) ملامح الشراكة المستقبلية بين الطرفين؟
ستسهم قمة “أفريقيا – إسبانيا” 2025 بشكلٍ كبيرٍ في تعزيز الشراكة الاقتصادية بين الطرفين عبْر عدة آليات واستراتيجيات واضحة؛ حيث توفر منصَّةً حيويةً تجمع ممثلي الحكومات والقطاع الخاصّ من الجانبين في جلسات نقاشية واجتماعات ثنائية، وتستفيد إسبانيا من قُرْبِها الجغرافي من أفريقيا لتكثيف التعاون التجاري، وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين الطرفين نحو 30 مليار يورو في النصف الأول من 2024؛ مما يشير إلى إمكانات كبيرة للنمو والتوسع.
كما تسعى القمة إلى مضاعفة فُرَص الشركات الإسبانية في أفريقيا وتعزيز تموْضع مدريد كفاعل استثماري موثوق؛ ما يفتح آفاقًا جديدةً لتطوير مشاريع مشتركة تدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية في القارة، وتحقق مصالح الطرفين، في ظلِّ التحديات العالمية المتزايدة وبهذه الطريقة، تُمثِّلُ القمة خطوةً استراتيجيةً لتعميق التعاون الاقتصادي بين إسبانيا وأفريقيا، وتحويل العلاقات إلى شراكة طويلة الأمد قائمة على المصالح المشتركة والتنمية المستدامة.
وتُشدِّدُ القمة على التعايش والتنمية المستدامة، مع التركيز على مواجهة التحديات المناخية وتنفيذ مبادرات بيئية واجتماعية، تهدف إلى تحقيق تنمية مستدامة وشاملة هذه الاستراتيجية، التي تتضمن أكثر من 100 إجراء محدد، تمثل خارطة طريق واضحة لإسبانيا لتعزيز شراكتها مع أفريقيا، مستفيدةً من قُرْبها الجغرافي وروابطها الثقافية، وتستهدف بناء تعاون طويل الأمد يحقق مصالح مشتركة، في ظلِّ التحوُّلات العالمية والتحديات المشتركة[3].
أبرز مُخْرَجَات قمَّة “أفريقيا – إسبانيا” 2025م
خرجت قمة “أفريقيا – إسبانيا” 2025م، بعِدَّة مخرجات رئيسية تُعزِّزُ الشراكة الاستراتيجية بين الطرفين، وتضع أُسُسًا متينةً للتعاون المستدام والشامل؛ حيث أكدت على أهمية تنفيذ الأهداف الخمسة لاستراتيجية (“إسبانيا – أفريقيا” 2025-2028)، والتي تركز على تعزيز الاتصال الاقتصادي، زيادة الاستثمارات، التعاون الأمني، دعم التكامل الإقليمي، والانتقال المستدام؛ مما يرسخ شراكة متوازنة ومفيدة للطرفين.
كما تمَّ تسليط الضوء على ضرورة مضاعفة فرص الاستثمار والتبادل التجاري، خاصَّةً في قطاعات البناء، الطاقات المتجددة، تحلية المياه، والصناعات الدوائية، مع تأكيد دعم الشركات الإسبانية لتوسيع حضورها في الأسواق الأفريقية المتنامية، وأبرزت القمة الدور المحوري للمغرب كشريك اقتصادي رئيسي لإسبانيا في القارة، إلى جانب دول أخرى، مثل “الجزائر ونيجيريا وليبيا وجنوب أفريقيا”، مع التركيز على تطوير شبكات التعاون المؤسسي واللوجستي، مثل شبكة غرف التجارة “الإيبيرية – الأفريقية” “أفريكو”.
كذلك، تمَّ الاتفاق على تعزيز التعاون في مجالات التدريب المهني والتوظيف، ومكافحة الهجرة غير النظامية، وربط البنية التحتية المادية والرقمية بين القارتين، بما يدعم التكامل الاقتصادي والاجتماعي.
وفي سياق أمني، شدَّدت القمة على أهمية التنسيق المشترك لمواجهة التحديات الأمنية في مناطق، مثل “الساحل والقرن الأفريقي”، والحفاظ على استقرار حركة الملاحة الدولية، كما مثَّلت القمة منصَّةً لتوقيع أو التمهيد لاتفاقيات ومبادرات جديدة تعزز التعاون الاقتصادي والتنمية المستدامة، وتجسّد التزام إسبانيا وأوروبا بتعزيز شراكة استراتيجية طويلة الأمد مع أفريقيا، تستجيب للتحديات والفرص، في ظلِّ التحوُّلات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية، وأكَّدَ المشاركون على أهمية تحويل القرب الجغرافي بين أفريقيا وإسبانيا إلى فرص اقتصادية ملموسة، خاصَّةً في ظلِّ التحديات الاقتصادية والسياسية العالمية الراهنة، مع الإشارة إلى أن حجم التبادل التجاري بين الطرفين بلغ نحو 30 مليار يورو في النصف الأول من 2024، متجاوزًا حجم التجارة مع أمريكا اللاتينية.
ختامًا:
تمثل القمة “الأفريقية – الإسبانية” خطوةً استراتيجيةً نحو تعزيز الشراكة بين إسبانيا والدول الأفريقية؛ حيث أرْسَتْ أُسُسًا متينةً للتعاون في مجالات “الاقتصاد، الأمن، التنمية المستدامة، والطاقة المتجددة”، وقد أكَّدَتْ على أهمية الحوار المتكافئ وبناء جسور الثقة والمصالح المشتركة، بما يُسْهِمُ في تحقيق مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا للجانبيْن، وقد شكَّلت القمة منصَّةً استراتيجيةً لتقوية الروابط التاريخية والسياسية والاقتصادية بين إسبانيا والدول الأفريقية، وسلَّطت الضوء على أهمية العمل المشترك لمواجهة التحديات المتصاعدة في مجالات الأمن، الهجرة، التغيُّر المناخي، والتنمية المستدامة.
وتُمثِّلُ هذه القمة تأكيدًا عَمَلِيًّا على التزام إسبانيا بدورها كشريكٍ موثوقٍ للقارة الأفريقية، وسعْيها لبناء علاقات متوازنة تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة وبذلك، تكون مدريد قد احتضنت لحظةً فارقةً في مسار العلاقات “الأفريقية – الإسبانية”، مُمَهِّدَةً الطريق نحو شراكة متجددة وأكثر شُمُولًا تخدم تطلُّعات الشعوب وتستجيب لطموحات التنمية والاستقرار.
المصادر:
[1] انطلاق القمة الأفريقية – الإسبانية الثالثة، قراءات أفريقية، 2025م، متاح على: https://qiraatafrican.com/30382/%D8%A7%D9%86%D8%B7%D9
[2] القمة الأفريقية الإسبانية.. مدريد ترسم ملامح شراكة اقتصادية طموحة، العين الاخبارية، 2025م، متاح على: https://al-ain.com/article/madrid-opens-gateway-continent-africa-summit
[3] مدريد.. مشاركة مغربية نشطة في الدورة الثالثة لقمة أفريقيا-إسبانيا، وكالة المغرب العربي للأنباء ، 2025م، متاح على: https://www.mapexpress.ma/ar/actualite/%D9%85%