المقالات
القِمَّة الأفريقية الثالثة للتجارة والاستثمار: خارطة طريقٍ لتنميةٍ مُستدامة
- يوليو 25, 2025
- Posted by: ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الدراسات الأفريقية

إعداد/ منة صلاح
باحثة في وحدة الشؤون الأفريقية
شَهِدَتْ العاصمةُ الإثيوبيةُ أديس أبابا، في 21 يوليو الجاري، انطلاقَ فعاليات القمة الأفريقية الثالثة للتجارة والاستثمار، بمشاركة نُخبةٍ من كبار المسؤولين الحكوميين والمستثمرين ورواد الأعمال، إضافةً إلى عددٍ من أعضاء السِّلْك الدبلوماسي المعتمدين في أفريقيا، وتهدف القمة إلى تبادُل الخبرات وقصص النجاح بين الفاعلين في مجالات الاقتصاد والاستثمار، كما تُعَدُّ القمة منصَّة استراتيجية لاستكشاف الفُرَص الاستثمارية الواعدة وتعزيز التجارة البينية بين الدول الأفريقية، وتأتي هذه القمة امتدادًا للنسخة الأولى التي عُقِدَتْ في يونيو 2023، والتي شكَّلَتْ خطوةً مهمةً نحو تعزيز بيئة التجارة والاستثمار في إثيوبيا والقارة الأفريقية بشكلٍ عامٍ.
الغايات الرئيسة للقمة
ترتكز أهداف القمة على تعزيز التكامل الاقتصادي والتنمية المُستدامة في القارة الأفريقية، من خلال تعزيز التجارة البينية والاستثمار بين الدول الأعضاء، وتهدف أيضًا إلى تبادُل أفضل الممارسات وقصص النجاح بين المستثمرين ورواد الأعمال، مع استكشاف فُرَص تعاون جديدة بين المؤسسات المالية وقادة الأعمال لتعزيز النمو الاقتصادي وخلْق بيئة أعمال مواتية ومُستدامة تُعزِّزُ ثقة المستثمرين، خصوصًا داخل الأسواق الأفريقية.
كما تسعى القمة إلى دعْم تنفيذ اتفاقية التجارة الحُرَّة القارية الأفريقية، عبْر تطوير سلاسل القيمة والإصلاحات القطاعية وتوطيد الشراكات الإقليمية القوية، وتُركِّزُ على توسيع نطاق التجارة، عبْر الحدود وتحفيز الاستثمارات المُستدامة التي تدعم التنمية طويلة الأَمَد، مع بناء أُطُرٍ سياسية واستثمارية استراتيجية، تستفيد من الإمكانات الكبيرة في قطاعات “الطاقة المتجددة والزراعة والخدمات الرقمية والبنية التحتية الخضراء”؛ بهدف تحقيق ازدهار شامل ومترابط للقارة الأفريقية[1].
نتائج وتوصيات القمة
تأكيد الدور التحويلي لاتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية :(AfCFTA) شدَّدَت القمة على أن AfCFTA ليست مجرد اتفاقية تجارية، بل هي أداة استراتيجية لتحفيز الاستثمار وتعزيز خلْق فُرَص العمل ودعْم سلاسل القيمة الإقليمية وتحقيق المرونة الاقتصادية للقارة، واعتُبرت الاتفاقية منصَّة رئيسية لدفْع التكامل الاقتصادي وتعزيز النمو الجماعي في أفريقيا.
إثيوبيا نموذجًا في دعْم التكامل الاقتصادي القارِّي: أعادت إثيوبيا التأكيد على التزامها الراسخ بالتكامل الاقتصادي الإقليمي، من خلال مشروعات كبْرَى، مثل “ممر أديس أبابا – جيبوتي”، كما سلَّطَتْ القمة الضوء على الإصلاحات الاقتصادية التي تقوم بها البلاد، من فتْح قطاعات مثل “الاتصالات والخدمات المصرفية” أمام الاستثمارات، إلى إنشاء بورصة وطنية وشركة قابضة للاستثمار السيادي.
أولوية الاستثمار في القطاعات الحيوية: برزت قطاعات الزراعة والطاقة النظيفة والخدمات الرقمية والبنية التحتية الخضراء والتعدين والتصنيع واللوجستيات كأولويات استثمارية واعدة، وتمَّ التأكيد على أهمية تنشيط التعاون بين الدول الأفريقية لاستغلال هذه الإمكانات بما يخدم التنمية المُستدامة.[2]
أهمية بناء بيئة أعمال جاذبة ومُلْهِمَة للمستثمرين: دعت القمَّة إلى ضرورة وضْع الأُطُر الصحيحة وتعبئة رأس المال الاستراتيجي وخلْق بيئة أعمال تبعث على الثقة، خاصَّةً بين المستثمرين الأفارقة أنفسهم؛ لضمان تحويل الإمكانات الاقتصادية إلى ازدهارٍ فِعْلِيٍّ على أرض الواقع.
تعزيز الشراكات الاستراتيجية العابرة للحدود: أكَّدت القمَّة على ضرورة توسيع نطاق التعاون بين المؤسسات المالية والمستثمرين وقادة الأعمال في أفريقيا، بما يُعزِّزُ التكامل الاقتصادي ويدعم التجارة والاستثمار عبْر الحدود، وتمَّتْ الدعوة إلى إطلاق مبادرات وشراكات جديدة، تُسْهِمُ في خلْق سوق أفريقية متكاملة.[3]
دور النَّقْل واللوجستيات في تسهيل التجارة: تمَّ تسليط الضوء على مساهمة الخطوط الجوية الإثيوبية في تعزيز الترابُط التجاري داخل القارة، من خلال تسهيل عمليات التصدير والاستيراد ونقْل المنتجات الطازجة والموارد الأفريقية إلى الأسواق العالمية؛ مما يجعلها عنصرًا فاعلًا في سلاسل القيمة الأفريقية.[4]
الإمكانات الاقتصادية الأفريقية
تمتلك القارةُ الأفريقيةُ إمكاناتٍ اقتصاديةً هائلةً، تُنْذِرُ بتحوُّلٍ كبيرٍ في أنشطتها التجارية والصناعية، خلال العقود القادمة؛ إذ يتوقع أن يصل الإنفاق الاستهلاكي والتجاري في القارة إلى نحو 16.1 تريليون دولار، بحلول عام 2050، وتفتح هذه التوقُّعات المجال أمام فُرَصٍ واسعةٍ للشركات العالمية وخاصَّةً الأمريكية، التي تسعى إلى دخول أسواق ناشئة، ومع ذلك يبقى تحقيق هذا التحوُّل مرهونًا بتجاوُز الحواجز الهيكلية التي تُعيق التجارة والاستثمار بين دول القارة، وهنا تبرز أهمية الاتفاقيات التجارية مثل “قانون النمو والفرص في أفريقيا” (AGOA)، واتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية(AfCFTA) ، اللتين تساهمان في إزالة العقبات أمام التصنيع وتعزيز فرص التكامل الإقليمي.
وتُعَدُّ اتفاقية AfCFTA الأداةَ الأهمَّ في إعادة هيكلة الاقتصادات الأفريقية، عبْر إنشاء سوقٍ مُوَحَّدة، تُسهِّلُ تقاسُم الإنتاج وتدفع نحْو تنويع سلاسل القيمة والتصنيع الإقليمي، ووفْقًا لصندوق النقد الدولي؛ فإن تنفيذ الاتفاقية بنجاحٍ سيُعزِّزُ من كفاءة أسواق العمل والسِّلَع ويزيد من قُدْرة الدول الأفريقية على المنافسة العالمية، وفي المقابل يُسْهِمُ قانون AGOA في توسيع فُرَص التصدير المعفاة من الرسوم إلى الولايات المتحدة رغم التحديات المرتبطة بموعد انتهائه في 2025، ورغم أن التكامل بين دول القارة ما زال محدودًا (أقلّ من 17% من التجارة تتمُّ داخل أفريقيا)، فإن الجمْع بين AGOA وAfCFTA يمكن أن يُطلق العنان لنموٍّ صناعيٍّ أوسعَ، خاصَّةً إذا تمَّ تنسيق السياسات وتعزيز قنوات الاتصال بين أفريقيا وشركائها الدوليِّين؛ لتصبح القارَّة لاعبًا محوريًّا في الاقتصاد العالمي بَدَلًا من أن تظلَّ على الهامش[5].
نبذة عن اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية
تُعَدُّ اتفاقية التجارة الحرة القارِّية الأفريقية (AfCFTA) من أبرز المبادرات الاستراتيجية التي أطلقها الاتحاد الأفريقي ضِمْن رُؤْيته الشاملة لأجندة 2063، والتي تُعْنَى بقيادة التحوُّل الاجتماعي والاقتصادي للقارة خلال خمسة عقود، وتُركِّزُ هذه الاتفاقية الطموحة على إنشاء سوق أفريقية مُوحَّدة تُسْهِمُ في تسهيل حركة الأفراد ورؤوس الأموال، بما يُعزِّزُ تكامل الاقتصادات الأفريقية ويُعزِّزُ فُرَص الازدهار المشترك والسلام المُستدام في رُبُوع القارَّة.
وتهدف AfCFTA إلى تحفيز التجارة البينية الأفريقية من خلال خفْض الرسوم الجمركية والتقليل من الحواجز التجارية غير التعريفية، بما يدفع نحو تسريع وتيرة التصنيع القارِّي والاستفادة المُثْلَى من الموارد الطبيعية المحلية، كما تسعى الاتفاقية إلى خلْق بيئة استثمارية أكثر جذْبًا واستقرارًا، تُسْهِمُ في دعْم التنمية الاقتصادية طويلة الأجل وتعزيز قُدْرة الدول الأفريقية على المنافسة في الأسواق الإقليمية والعالمية[6].
في الختام:
تُجسِّدُ القِمَّةُ الأفريقيةُ الثالثةُ للتجارة والاستثمار منصَّةً حيويةً لإطلاق العنان للإمكانات الضخمة التي تزْخَرُ بها القارة؛ حيث تجمع بين الموارد الغنية والأفكار المبتكرة وشباب أفريقيا الطموح، وبفضل التزام مركز الاستثمار في أفريقيا بتعزيز الاستثمار المُستدام ودفْع عجلة النمو الاقتصادي، من المتوقع، أن تُشكِّلَ القِمَّة حافزًا قويًّا لاستكشاف فُرَص استثمارية واعدة وتعزيز التجارة البينية، بما يفتح آفاقًا جديدةً للتعاون والتكامل بين الدول الأفريقية، كما تُمكِّنُ القِمَّة من بناء شراكات استراتيجية واسعة النطاق وتوسيع نطاق التجارة عبْر الحدود، والاستفادة من الأسواق الناشئة والفُرَص المالية المتجددة؛ لتُسْهِمَ جميعُها في تحقيق التنمية الاقتصادية المُستدامة والقوية التي تطمح إليها القارَّة.
المصادر:
[1] Liya Bekele, Ethiopia Hosts Africa Trade and Investment Summit to Boost Intra-Continental Growth, further Africa, July 22, 2025. https://furtherafrica.com/2025/07/22/ethiopia-hosts-africa-trade-and-investment-summit-to-boost-intra-continental-growth/
[2] Ethiopia sees AfCFTA as game-changer for economic transformation, Ethiopian Press Agency, July 22, 2025.
https://press.et/herald/?p=119378
[3] Africa Urged to Mobilize Strategic Capital, Create Business Env’t to Boost Investors’ Confidence, Ethiopian News Agency, July 21, 2025. https://www.ena.et/web/eng/w/eng_6983604
[4] Ethiopia stands firm in championing Africa’s trade and investment agenda, Fana Media Corporation, Jul 21, 2025.
[5] لاندري سينيي، كيف نطلق العنان لإمكانات أفريقيا الاقتصادية؟، مؤسسة محمد بن راشد آل مكتون للمعرفة.
[6] هدير ماهر، اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية.. نحو كيان واحد يحصد إمكانات القارة، حلول للسياسات البديلة، ٢٨ أغسطس، ٢٠٢٤.