المقالات
اللجوء البيئى .. تحدٍ أخر يهدد القارة السمراء
- سبتمبر 15, 2022
- Posted by: mohamed mabrouk
- Category: تقارير وملفات تقدير موقف وحدة الدراسات الأفريقية
إعداد : ميار هاني
وعلى وجه الخصوص، نجد أن القارة السمراء أكثر حساسية في العالم لتبعات تغيُّر المناخ عليها، على الرغم من كونها أقل المساهمين في الانبعاثات الكربونية؛ حيث تشير إحصاءات منظمة الأمم المتحدة، أن أفريقيا تسهم بنسبة لا تتجاوز الـ٤% من الانبعاثات العالمية، في حين يتربع الدول الأربعة، وهم «الصين- الولايات المتحدة الأمريكية- الاتحاد الأوروبي –الهند» على عرش أكثر الدول المُتسببة في الانبعاثات الكربونية، بأكثر من ٥٥% من إجمالي الانبعاثات، وفقًا لتقرير فجوة الانبعاثات لعام ٢٠١٩، الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة.
فالبيئة تضر عادةً بالدول التي تتمتع بقدرة أقل على الاستجابة مما يزيد من مستويات النزوح واللجوء.
اللاجئ البيئي
هو مصطلح حديث نسبيًّا، يصف الأشخاص الذين أُجبروا على ترْك مكان إقامتهم، سواء بشكل مؤقت أو دائم؛ بسبب تدهور بيئي ملحوظ يعرّض حياتهم للخطر بشكل مباشر، أو يؤثر تأثيرًا خطيرًا على نوعية حياتهم.
ومن الجدير بالذكر، أن النزوح الناجم عن التغيُّرات المناخية يكون معظمه داخليًّا وليس عبر الحدود.
فيما يلي سنتناول عدة أمثلة، بخصوص حالات اللجوء البيئي في أفريقيا:
أولًا: القرن الأفريقي «الصومال- إثيوبيا- كينيا»
يضرب القرن الأفريقي حاليًّا موجة جفاف شديد؛ نتيجةً لذلك يتعرض ١٣ مليون شخص لخطر المجاعة، فقد أدى الجفاف الحالي، وكذلك الجفاف السابق في المنطقة إلى نزوح مئات الآلاف من الأشخاص.
إن أعداد النزوح المرتبطة بالجفاف في الصومال مُذْهِلة، ففي عام ٢٠١١، نزح أكثر من ٤٥٠ ألف شخص، كما أدى الجفاف الشديد هذا العام، إلى اضطرار أكثر من ٧٥٥ ألف شخص للنزوح داخل الصومال، ليصل العدد الكلي للنازحين داخليًّا إلى مليون شخص، منذ يناير ٢٠٢١ عند بدْء موجة الجفاف، وذلك وفقًا لأرقام النزوح، الصادرة عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمجلس النرويجي للاجئين.
ثانيًا: أنجولا
تمر أنجولا بأسوأ أزمة جفاف، منذ ٤٠ عامًا، على حدِّ وصْف برنامج الغذاء العالمي؛ حيث تمر المقاطعات الجنوبية الغربية من أنجولا حاليًّا بعامها الخامس على التوالي من الجفاف المدمر؛ ما أدى إلى تأثُّر المناطق الريفية؛ نتيجةً لذلك يواجه أكثر من 1.5 مليون شخص مستويات شديدة من انعدام الأمن الغذائي، وقد أُجبرت هذه الآلاف على الفرار إلى مقاطعات أخرى، وعبر الحدود إلى دولة ناميبيا المجاورة؛ حيث سار البعض لأيامٍ، لمسافةٍ تزيد عن ١٠٠ ميل، سيرًا على الأقدام.
ثالثًا: مدغشقر
في العام الحالي، ضربت العاصفة الاستوائية «آنا» مدغشقر، واضطر ١١٠ ألف شخص إلى النزوح.
بالإضافة إلى إعصار «باتسيراي»، الذي دفع حوالي ٤٨ ألف شخص للنزوح.
كما أن مدغشقر تشهد الآن واحدةً من أسوأ موجات الجفاف على الإطلاق، مثل أنجولا؛ حيث واجه أكثر من 1,5مليون شخص جوعًا شديدًا في أوائل عامنا الحالي، وقد أدى ذلك إلى جانب الأعاصير المتتالية، نزوح مئات الآلاف، عبر أنحاء البلاد.
رابعًا: السودان
في عام ٢٠١٦، أدَّت الأمطار الغزيرة والفيضانات، إلى نزوح أكثر من ٢٠٠ ألف شخص، وفقًا لتقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية «أوتشا» في السودان.
خامسًا: جنوب السودان
في العام الماضي، أفادت تقديرات الأمم المتحدة، تضرُّر ما لا يقل عن ٩٠ ألف شخص؛ جرَّاء فيضانات شديدة في جنوب السودن؛ ما أجبر الآلاف من المواطنين على ترْك منازلهم.
وفي شهر أغسطس من العام الحالي، أعلنت الأمم المتحدة، عن تضرُّر أكثر من ٢٥ ألف شخص، ونزوح ٢٥٠٠ آخرين؛ جرَّاء الأمطار والسيول، التي أدت لفيضانات ضربت «المناقل» وسط السودان.
تجدُر الإشارة أن اللجوء البيئي يمكنه أن يكون مصدر صراع وتوتُّر؛ حيث تنخفض موارد المجتمعات المضيفة؛ جرَّاء إقامة اللاجئين البيئيين لفترات مُطوَّلة، وذلك يمكن أن ينْجُمَ عنه صراعات وتردِّي العلاقات بين كلٍّ من اللاجئين وجيرانهم من غير اللاجئين.
الوضع القانوني للاجئين البيئيين:
عندما ينزح الأشخاص بسبب آثار الكوارث المرتبطة بالتغيُّرات المناخية، ويعبرون الحدود الدولية، فإنهم لا يحملون بشكلٍ عامٍ صفة لاجئين بيئيين.
حيث إن مصطلح «لاجئ بيئي» لا أساس له في القانون الدولي، فإن كلًّا من أدبيّات القانون الدولي والمواثيق الدولية، سواء الخاصة بالهجرة، المناخ أو حقوق الإنسان، لا تنصُّ على أيّ حقوق للاجئ البيئي، ويرجع ذلك إلى تضارُب الآراء، حول كيفية الوضع القانوني الخاص بهم، بالإضافة إلى عدم رغبة الدول الكبرى أن تتحمل أعباء متزايدة.
ومن هنا نستنتج، وجود العديد من التحديات التي تحُول دون تقنين أوضاع اللاجئين البيئيين.
توقعات بشأن ظاهرة اللجوء البيئي في أفريقيا:
من المتوقع، أن تشهد أفريقيا أشد الآثار المدمرة لتغيُّر المناخ، فوفقًا لدراسةٍ أجراها البنك الدولي، أنه مع حلول عام ٢٠٥٠، من المتوقع، أن يجبر حوالي ٢٠٠ مليون شخص على النزوح.
ومن بين هؤلاء، قد يجبر ٨٦ مليون أفريقي على النزوح داخل بلدانهم.
ووفقًا لتقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالمناخ، فإن مجموع سكان أفريقيا يبلغ مليار و٤٠٠ مليون؛ ما يعني أنه بحلول عام ٢٠٣٠، يمكن أن يتعرض نصف سكان القارة الأفريقية لـ«التشريد، والنزوح»؛ نتيجةً لتغيُّر المناخ.
التوصيات:
– تزداد أعداد اللاجئين البيئيين بشكلٍ مستمرٍ في جميع أنحاء العالم، بل أصبحوا أكثر من أولئك الذين شرَّدتهم الحروب؛ لذلك من الضروري، أن يكون هناك حلول بشكلٍ عاجلٍ للاجئ البيئي، وعلى سبيل المثال: جعل الظروف البيئية سببًا من أسباب قبول طلبات اللجوء.
– ضرورة تكاتُف الدول الكبرى ومنظمات المجتمع المدني؛ لتوفير دعمٍ كافٍ على المستوى «المادي، والصحي، والنفسي» لضحايا التغيُّرات المناخية.
– ضرورة مراعاة سلامة وكرامة اللاجئين البيئيين، والعمل على إعادتهم إلى مجتمعاتهم الأصلية، والاندماج فيها، أو تحقيق الاندماج في المجتمعات التي وجدوا فيها مأوى، أو في مكان آخر بناءً على رغباتهم.
من الجدير بالذكر، أنه للحدِّ من ظاهرة اللجوء البيئي، فلا بُدَّ من التصدي لجذور الأزمة، ألا وهي التغيُّرات المناخية، كالآتي:
– التصدي لتغيُّر المناخ هي مسؤوليةٌ عالميةٌ مشتركةٌ؛ لذلك لا بُدَّ من وجود تحوُّل فعلي وحقيقي على المستوى الدولي نحو الحلول البيئية، والتعامل مع تلك الأزمة، باعتبارها أزمةً طارئةً، تستوجب مكافحاتها استخدام جميع الآليات الممكنة؛ لتجنُّب مستقبلٍ مرعبٍ.
– على الدول الكبرى الأكثر ثراءً، والمتسببة في القدْر الأكبر من الانبعاثات الكربونية، بالإضافة إلى الأمم المتحدة والمنظمات المعنية التي تتبع لها، تقديم المساعدات المالية والتقنية للدول الأفريقية؛ لمواجهة الأزمة البيئية، ولتعويض الخسائر المرتبطة بتغيُّر المناخ،
فوفقًا لنائب رئيس مؤسسة التمويل الدولية:
«القارة قد تحتاج ما بين ١٤٠ إلى ٣٠٠ مليار دولار سنويًّا، قد تصل إلى ٥٦٠ مليار دولار في ٢٠٥٠، إذا لم نكن حذِرين، وهو رقم لن تستطيع قدراتنا التمويلية على تلبيته؛ لذلك تحتاج أفريقيا لرافعة مالية».
– إطلاق مبادرات عالمية ووطنية؛ لخفض الانبعاثات الكربونية، وتحقيق التحوُّل السريع للاقتصاد الأخضر.
– يجب على متخذي القرار في البلدان الأفريقية، إضفاء الطابع الأمني لقضية المناخ، أيْ جعلها على رأس أولويات البلاد.
– لا بُدَّ من إجراء دراسات علمية، تتوقع المناطق التي قد تصبح مناطق إرسال، وتلك المتوقع أن تصبح مناطق الاستقبال، وفهْم انعكاس ذلك على مستقبل مناطق الإرسال والاستقبال؛ من أجل الاستعداد الجيد؛ لمواجهة تلك الأزمات بشكلٍ استباقي.
– الحاجه لنقل التكنولوجيا؛ من أجل تعزيز نُظُم الإنذار المبكر عن التغيُّرات المناخية، بما يتضمن نُظم رصْد «الطقس، والمناخ، والمياه».
– فرض قوانين صارمة تحمي البيئة، مع ضرورة التطبيق الحاسم للقوانين.
– القيام بمبادرات على المستوى «الفردي، والجماعي»؛ لمكافحة آثار التغيُّر المناخي.
– من الضروري توعية الجمهور، من خلال «وسائل الإعلام، والمُنشآت التعليمية» بخطورة التغيُّرات المناخية على كوكبنا، وكيفية الحفاظ على البيئة؛ حتى لا يكون الأفراد عائقًا أمام تنفيذ السياسات المعنية بذلك الأمر.
الخاتمة
إن الهدف من هذا المقال بشكلٍ أساسيٍّ، لفْت الانتباة بضرورة الاهتمام، والتعامُل على وجه السرعة، مع قضايا التغيُّر المناخي؛ المُتسبِّبة في ظاهرة اللجوء البيئي المتزايدة، إلى جانب توفير الدعم لضحايا التغيُّرات المناخية، فهل ستستطيع أفريقيا التصدي لتلك التحديات؟
– وأخيرًا سوف تستضيف مصر مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لتغيُّر المناخ «COP27» فـي مدينة «شرم الشيخ»، خلال الفترة من «٧ – ١٨» نوفمبر، من العام الحالي، ونأمل أن يكون هذا المؤتمر بداية عملٍ بقدْر أكبر من الجدية؛ لمواجهة التغيُّرات المناخية في العالم.