المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الدراسات الأفريقية > المباحثات التركية بين الصومال وإثيوبيا.. وساطة هادفة أم تسويق سياسي؟
المباحثات التركية بين الصومال وإثيوبيا.. وساطة هادفة أم تسويق سياسي؟
- يوليو 3, 2024
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات وحدة الدراسات الأفريقية وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات
إعداد: دينا لملوم
مُنسِّق وحدة الشؤون الأفريقية
تسعى تركيا لترسيخ موطئ قدمٍ لها على البحر الأحمر؛ لذا فقد أدركت أن تحقيق مثل هذا الهدف سيأتي عن طريق الصومال التي تستضيف قاعدةً عسكريةً لها، إضافةً إلى رغبة الجانب التركي بالانغماس في طرف المعادلة الإقليمية، في ظل منطقةٍ يتنافس عليها العديدُ من الدول الغربية، إضافةً إلى استغلال تواجُدها العسكري في مقديشو كورقةٍ رابحةٍ، تتمكن من خلالها من زيادة التعاون مع واشنطن وحلف الناتو، بما يخدم طموحاتها وتوجُّهاتها مستقبلًا، وفي 1 يوليو الجاري، استضافت أنقرة محادثاتٍ للطرفيْن الصومالي والإثيوبي، على خَلْفيّة اتفاق أرض الصومال الانفصالي.
مباحثات تركية بين الصومال وإثيوبيا:
في مطلع شهر يوليو الجاري، استضافت العاصمة أنقرة محادثاتٍ للتوسُّط بين الجانبيْن الصومالي والإثيوبي، بعد أزمة اتفاق أديس أبابا مع إقليم أرض الصومال؛ للحصول على مَنْفذٍ على سواحل البحر الأحمر، وتهدف هذه المحادثاتُ إلى إعادة الهدوء للعلاقات الدبلوماسية بين هاتيْن الجارتيْن في شرق أفريقيا، والتي شَابَهَا التوتُّر حتى وصلت إلى حافَّة الهاوية، وهذه المحاولة كانت الجولة الأولى من التفاوُض، والتي عُقِدَت بين وزير الخارجية التركي “هاكان فيدان” ونظرائه الإثيوبي “تايي سيلاسي” والصومالي “أحمد فقي”، في ظل تأكيداتٍ على عزْمهما حلَّ هذا الخلاف بطريقةٍ سلميّةٍ، ومواصلة الحوار؛ بهدف الحفاظ على الاستقرار الإقليمي، ومن المفترض أن يتم عقْد جولة ثانية بالعاصمة أنقرة، في الثاني من سبتمبر المقبل.[1]
تجدر الإشارة إلى أن رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد” كان قد زار تركيا مايو الماضي، التقى خلالها بالرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”، وبعث إليه برسالةٍ؛ مفادها قيام أنقرة بالوساطة بين الصومال وإثيوبيا.[2]
لماذا الصومال محطّ أنظار تركيا؟
تعزيز النفوذ التركي في القرن الأفريقي:
تُولِي الدولةُ التركيةُ اهتمامًا بالغًا بمنطقة القرن الأفريقي، والسعي لتوطيد نفوذها في هذه الرُّقْعة الجغرافية، عبْر إقامة علاقاتٍ مع جيبوتي وإثيوبيا والصومال؛ حيث تمتلك قاعدةً عسكريةً على أراضي الأخيرة، تتمثل وظيفتها في مهام تدريب القوات الصومالية ومساندتها في مكافحة الإرهاب، إضافةً إلى تمتُّع مقديشو بموقعٍ جغرافيٍّ مهمٍّ ومحوريٍّ بالنسبة لتركيا؛ نظرًا لتمركُزِها على مَقْربة من مضيق باب المندب الاستراتيجي، وامتلاكها سواحل طولية تصل لنحو 3 آلاف كيلو مترًا، وهذا الموقع يزيد في الأهمية عن موقع إثيوبيا؛ لذا فهي تُفضِّل الإبقاء على علاقات قوية مع الصومال، حتى لو اضطرت للتضحية بعلاقاتها مع أديس أبابا؛ فالمصالح في هذه الحالة هي التي تحكم جوهر التحرُّك البراجماتي للدول، ومؤخرًا أدَّت الأحداث المتصاعدة في البحر الأحمر إلى تأجيج لعبة النفوذ في هذه المنطقة الجيوستراتيجية؛ وعليه فقد مثَّل طلب الصومال الدعم العسكري من قِبَلِ تركيا فرصةً سانحةً، مكَّنت الأخيرة من توطيد وجودها العسكري، دون الحاجة إلى الانضمام للتحالف «الأمريكي – البريطاني».
تحقيق التقارُب مع واشنطن:
ترى أنقرة أن دورها العسكري على سواحل الصومال قد يُمهِّدُ لها مستقبلًا واعدًا؛ لتعزيز التعاون بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو؛ نظرًا لأن أنقرة تدرك أن التواجُد العسكري الأمريكي قد لا يكون دائمًا، وهو ما اتضح فعليًّا في انسحاب القوات الأمريكية من النيجر، فعلى ما يبدو أن واشنطن باتت تُفضِّلُ الاعتماد على حلفائها في الشرق الأوسط؛ لتأمين مصالحها، في ظل انشغالها بمواجهة التنين الصيني في الشرق، وبالتالي قد يحدث مواءمات بين الجانبيْن التركي والأمريكي؛ حال حدوث تقارُبٍ بينهما؛ وذلك في إطار المخطط الأمريكي لتدشين 5 قواعد عسكرية في الصومال، ولكن مع وجود القوات التركية بصلاحيات أوسع على الأرض الصومالية، فإن الحضور العسكري لها في الساحل الصومالي قد يُشكِّلُ ورقة ضغط تدفع للتعاون مع واشنطن في مجالات مجابهة الإرهاب والقرصنة؛ وفي حال تراجعت العلاقات بين الطرفيْن؛ فأنقرة تمتلك سلاحًا رابحًا يُمكِّنُها من استخدامه في أيِّ مفاوضات مستقبلية مع أمريكا، بما يُؤَهِّلُ لرسْم أوْجُه التعاون أو الخلاف بينهما على الخريطة الشرق أوسطية.
أسباب دعم تركيا للصومال على حساب إثيوبيا:
تُعدُّ العلاقات «التركية – الصومالية» أوثق وأقدم من نظيرتها الإثيوبية، وقد سبق لتركيا أن قامت بإنشاء قاعدة عسكرية على مَقْربةٍ من العاصمة مقديشو عام 2017، تُعدُّ هي الأكبر من نوْعها لأنقرة في الخارج، علاوةً على أن عائلة الرئيس أردوغان تتمتع بصلات تجارية مهمة مع الجانب الصومالي؛ على رأسها إدارة ميناء مقديشو البحري ومطارها الجوي، أيضًا على الصعيد الإنساني، تقوم أنقرة بتقديم المساعدات الإغاثية للصومال منذ عام 2011، ومنحها هِبَاتٍ ماليةٍ، كان آخرها دفْع مبلغ 30 مليون دولار عام 2021، بما مكَّن الحكومة الصومالية حينها من دفْع بعض رواتب موظفي الحكومة ونواب البرلمان.
ترى أنقرة أن محاولة إثيوبيا تقسيم الأراضي الصومالية، من خلال الاتفاق الذي أقدمت على إبرامه مع صومالي لاند، قد يدفع أديس أبابا إلى التعاون مع دولٍ أُخرى، ويفاقم من قوتها، ويدعِّم نفوذها بشكلٍ ربما يحدُّ من لجوء وحاجة إثيوبيا إلى تركيا، وبالنظر إلى طبيعة الخلاف بين مصر وإثيوبيا على خلفية ملف سد النهضة العالق، وفي ظل التقارُب «المصري – التركي» الأخير، فإن دعم أنقرة للصومال أهم لها استراتيجيًّا وتكتيكيًّا من إثيوبيا، لا سيما وأن ميزان القوة بين مقديشو وأديس أبابا يُعتقد أنه أصبح في صالح الأخيرة، والتي يُفترض أن يكون وراء تحرُّكاتها قوى دولية خفيّة تدعمها بشكلٍ ضمنيٍّ، ومن هذا المنطلق، فقد رأت تركيا أن التعاون العسكري مع الصومال ربما يساعد في حلحلة الأزمة وإفساح المجال نحو أُفُقٍ دبلوماسيٍّ، يؤثر إيجابًا على مسار الخلافات بين مقديشو وحكومة أرض الصومال.[3]
تحديات التمركُز التركي في الصومال:
في 8 فبراير الماضي، قام كُلٌّ من وزير الدفاع التركي “يشار غولر” ونظيره الصومالي “عبد القادر محمد نور”، بتوقيع اتفاقية للتعاون الاقتصادي والعسكري بين البلديْن، على خلفيتها عملت مقديشو على إفشال مساعي أرض الصوما؛ للحصول على اعتراف إثيوبيا باستقلالها، مقابل حصول الأخيرة على مَنْفذٍ على البحر الأحمر، عبْر ميناء بربرة، ومن هذا المنطلق، تتواجد أنقرة عسكريًّا بشكلٍ مُوسَّعٍ يفُوق منافسيها بمنطقة القرن الأفريقي، ومن ثمَّ تطويق إثيوبيا، والحيلولة دون تحقيق حلمها القديم، المتعلق بالخروج من دائرة الدولة الحبيسة، والانفتاح على العالم الخارجي، عبْر التواجُد البحري بشكلٍ دائمٍ، إلَّا أن هناك بعضَ العراقيل والتحديات التي ربما تضع تركيا في مهبِّ الريح، بما يجعلها تواجه تهديدات وتحديات عديدة، أبرزها:
ثمَّة تخوُّفات من احتمالية تعرُّض القوات التركية في الصومال لهجماتٍ إرهابيةٍ، أو محاولة وضعها في مواجهة مباشرة مع حركة الشباب، قد تكون عواقبها وخيمة على الجانب التركي، لا سيما وأن هذه الحركة كانت قد رفضت اتفاقية التعاون، هذا بالإضافة إلى أن المصالح التركية قد سبق وتعرَّضت لعدة هجمات من قِبَلِ حركة الشباب، وصلت إلى حدِّ سفارتها ومكتب الطيران التركي، ناهيك عن قاعدتها العسكرية وبعض رجال الأعمال الأتراك.
إن طبيعة المناوشات والتوتُّرات في البحر الأحمر بين الحوثيين من جهةٍ والقوات الأمريكية من جهةٍ أُخرى، يجعل هناك بعض الغموض بشأن مستقبل الوضع الأمني في منطقة البحر الأحمر وباب المندب، فبالرغم من سعي أنقرة لتجنُّب المواجهة المباشرة مع جماعة الحوثي، إلا أن النفوذ التركي في القرن الأفريقي قد يجعل إيران تزُجُّ بالحوثيين لمحاولة استفزاز القوات التركية بهذه المنطقة؛ من أجل القضاء على تواجُدهم، وفي هذه الحالة عَلّ أنقرة تجد نفسها تواجه الحوثيين إذا ما ازداد نفوذُهم وتوغُّلهم في المنطقة ومحاولة المساس بالمصالح الصومالية في باب المندب.
بالنظر إلى طبيعة السواحل الصومالية، والتي تمتاز بطولها؛ إذن فلا بُدَّ من وجود قوة بحرية ضخمة تتمكن من إحكام قبضتها عليها وحمايتها، وفي حالة أنقرة، فإنه لا يمكن الجزْم بأنها تستطيع بشكلٍ مطلقٍ حماية هذه المنطقة، إلى أن يتم تشكيل قوة بحرية عسكرية صومالية في وقتٍ لاحقٍ؛ وذلك في ضوء بعض التحديات التي تجابهها تركيا، والممثلة في التوتُّرات في شرق المتوسط وبحر إيجة، والتي تنغمس فيها تركيا؛ حيث إن إرسال السفن الحربية التركية إلى الصومال لحماية سواحله، سيؤدي إلى إضعاف القدرة الدفاعية التركية في منطقة المتوسط، في ظل الأطماع المتزايدة لليونان بدعمٍ أمريكيٍّ وفرنسيٍّ، أيضًا تحريك سفن التنقيب التابعة لها إلى سواحل مقديشو، ربما يُفهم على أنه تخلٍّ ضِمْنِيٌّ منها عن حقِّ التنقيب في شرق المتوسط وقبولها للأمر الواقع؛ الأمر الذي لن تسمح به السلطات التركية.