إعداد: رضوى رمضان الشريف
أولًا: المقدمة
تُعدُّ المملكة العربية السعودية وإيران أبرز قوتين إقليميتين بالخليج العربي على طرفي نقيض بمعظم الملفات الإقليمية، لاسيما بسوريا واليمن، وشحذت العلاقات السعودية والإيرانية بشكل أكبر منذ عام 2016 بعد الهجوم على السفارة السعودية بطهران وقنصليتها بمدينة مشهد من قبل متظاهرين؛ ما شكل انتهاكًا للقانون الدولي وللأعراف الدبلوماسية وتقاعسًا من السلطات الإيرانية عن حماية البعثات الدبلوماسية ومقارها؛ ما حمل المملكة العربية السعودية لتعليق علاقاتها الدبلوماسية مع إيران.
كما تسبب الهجوم على منشآت شركة النفط الوطنية السعودية “أرامكو” في عام 2019، بتراجع العلاقات الثنائية، بالرغم من إنكار إيران صلتها بالهجوم.
ومع ذلك، فإن قرار الولايات المتحدة بالانسحاب العسكري من أفغانستان والعراق والمخاوف من الانعكاسات المحتملة لهذا الوضع بالمنطقة، حفَّزت كلا الطرفين بإعادة النظر لعلاقاتهما.
شهد العام الحالي محادثات مُعلنة وغير مُعلنة، جمعت بين مسؤولين من السعودية وإيران، فمحادثات الرئيس السابق (حسن روحاني) الذي سلم منصبه لإبراهيم رئيسي في أغسطس الماضي، تتواصل بوساطة عراقية منذ 9 أبريل الماضي، وعقد مؤتمر التعاون والشراكة في 28 أغسطس، الذي شاركت فيه إيران، صرح السفير الإيراني في بغداد إيراج مسجدي بـ”إجراء ثلاث جولات من المفاوضات مع الجانب السعودي، وستعقد الجولة الرابعة بعد تشكيل الحكومة الإيرانية الجديدة”، وبنهاية المطاف، عقدت الجولة الرابعة من المحادثات بشكل سري كما هو متوقع، وقال وزير خارجية المملكة العربية السعودية، فيصل بن فرحان آل سعود، في بيان له يوم 3 أكتوبر الماضي: إن الجولة الرابعة من المحادثات جرت في 21 سبتمبر، ووصفها بـ”المرحلة الاستكشافية”.
الجولات عديدة والملفات كبيرة، وبالرغم من ودية المفاوضات، بحسب المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة، إلا أنها لم تحرز تقدمًا ملموسًا، وبالتالي تطرح الورقة التحديات التي قد تعرقل مسار المفاوضات السعودية الإيرانية؛ إذ تتسم البنود بتعقيدات كثيرة على طاولة المفاوضات، والتي تترجم بالمنطقة على ساحات مختلفة منها اليمن وملف الاتفاق النووي الإيراني.
فهل يتصالح الخصوم؟
ثانيًا: دلالات تحسن العلاقات
بحقيقة الأمر، تتزايد المؤشرات منذ أسابيع على وجود بوادر بتحسن العلاقات بين السعودية وإيران، بعد قطيعةٍ أكثر من 5 سنوات؛ حيث لاحظت وكالة الأنباء الفرنسية أن الإعلام الحكومي السعودي خفَّف من حدة لهجته تجاه إيران، كما أذاعت قناة “الإخبارية” الحكومية تقريرًا بدأته بتصريحات سابقة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، قال فيها: “كل ما نطمح به أن تكون لدينا علاقة طيبة ومتميزة مع إيران”.
وقد أعرب العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، بكلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر سبتمبر الماضي عن أمله بالوصول لـ”نتائج ملموسة لبناء الثقة” وإحياء التعاون الثنائي عبر المحادثات مع إيران، لكنه دعا طهران أيضًا لوقف “جميع أنواع الدعم” للجماعات المسلحة بالمنطقة، مشيرًا بشكل خاص للحوثيين باليمن، الذين صعَّدوا الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة على المملكة.
بيدَ أنه من اللافت، وجود مؤشرات توضح كيف تمهد السعودية الطريق أمام عودة العلاقات الدبلوماسية مع إيران، بما في ذلك الخطوة التي أقدم عليها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز بعدم تطبيع العلاقات القائمة مع إسرائيل بشكل رسمي، وهو ما تنظر إليه إيران بإيجابية.
كذلك تنخرط السعودية بمساعي عودة الحكومة السورية للجامعة العربية، وهو ما ترحب به إيران، إضافةً لإقدام الإمارات أيضًا على تهدئة التوتر مع إيران بالآونة الأخيرة؛ حيث كشف وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، أن الإمارات ترحب بتعزيز العلاقات بين البلدين، لا سيما التجارية والاقتصادية، كما أفادت بعض المصادر، باتفاق الطرفين فتح القنصليات، لكن مازال هناك المزيد من العمل والتنازلات لتخفيف التوترات.
ثالثاً: دوافع التقارب ولماذا الآن؟
هناك الكثير من الأسئلة حول دوافع إيران لمحاولة بدء الحوار مع السعودية، خاصةً بالوقت الحالي، وربما يكون الدافع الأكثر أهمية هو إحياء المحادثات النووية المتوقفة، فبعد ست جولات من محادثات فيينا، لم يصلوا لاتفاق نهائي؛ حيث استنتجت الأطراف المعنية موت الاتفاق النووي بظل رفض إيران مناقشة مطالب دول المنطقة، لا سيما المتعلقة ببرنامج الصواريخ الباليستية والسلوك العدواني.
لذا على خلفية الضغوط الإقليمية والدولية المتزايدة، بدأت إيران بحل نزاعاتها بشكل ودي مع دول الخليج، خاصةً السعودية، كما يأتي الدافع الإيراني الآخر لمواصلة المحادثات، إقناع الداخل الإيراني بقدرة حكومة إبراهيم رئيسي حل المشاكل الإقليمية، وعكس الوضع الاقتصادي السيئ للبلاد، على عكس الرئيس السابق حسن روحاني وفريقه الدبلوماسي.
لا تقتصر التوترات الخليجية على الخلافات السطحية بين إيران والمملكة العربية السعودية، فإيران لديها مشاكل عميقة مع دول الخليج الأُخرى، التي تقاوم بشدة المشروع الجيوسياسي الشيعي لطهران، باستمرار العقوبات الأمريكية التي أضرت بالاقتصاد الإيراني، فلدى إيران مصلحة كبيرة بتعزيز علاقتها التجارية بمحيطها الإقليمي، وعند اختيار شريك تجاري، ليس هناك أفضل من السعودية كقوة اقتصادية بمنطقة الخليج.
ليست إيران وحدها الساعية لمصالحها سواء الاقتصادية أو السياسية، من وراء التقارب مع السعودية، بل في سياق جائحة كورونا والصدام مع إيران، تعطي السعودية أولوية تحقيق مصالحها الأمنية والاقتصادية.
وفي هذا الإطار، لا يمكن إنهاء الحرب باليمن وتحقيق رؤية السعودية 2030، وجذب الاستثمارات للسعودية دون وجود تهدئة مع إيران؛ حيث تحرص السعودية على الاستقرار الإقليمي بظل طموحها الاقتصادي، والمشاركة بنهج خالٍ من المشاكل بالتعامل مع جيرانها، فالشراكة التجارية مع السعودية ستجعل إيران منفتحة على باقي الأسواق الخليجية، وبالتالي يستفيد جميع الأطراف.
لماذا الآن؟
تزامنت المفاوضات مع التطورات الأخيرة بأفغانستان والتي تنعكس آليًّا على المنطقة، فما وقع بأفغانستان سيعيد الثقة للتنظيمات الإرهابية والأصولية مثل تنظيم القاعدة وفروعها وتنظيم داعش، وسيؤكد لها أن ما يسمونه بالجهاد قد يكون وسيلة لإثبات الذات وتحقيق الأهداف السياسية، وهذا -بطبيعة الحال-سيؤثر على الوضع الأمني بالمنطقة.
ومع صعود طالبان بأفغانستان، سيزداد نشاط تنظيم الدولة الإسلامية بالشرق الأوسط، خصوصًا بـ (سوريا والعراق واليمن وشمال أفريقيا).
لدى إيران علاقات مع طالبان منذ عدة سنوات، ولا سيما من خلال فيلق القدس، التابع للحرس الثوري الإيراني (IRGC) المتخصص بالحروب غير التقليدية، والذي تعتبره الولايات المتحدة جماعة إرهابية، وبالتالي توجد مخاوف من زيادة نفوذ إيران بالبلاد.
إلا أن مفارقة عدم الاستقرار الناجم بأفغانستان سيؤثر سلبًا على الصعيد الاقتصادي لإيران، بفعل توقف أو تراجُع الصادرات لأفغانستان، وتُشير التقديرات لخسائر بحجم نحو 250 مليون دولار كل شهر؛ لتوقف الصادرات لأفغانستان، منها الخسائر الناجمة عن توقف صادرات البنزين لأفغانستان التي تُشكِّل الزبون الأول من بين زبائن الوقود الإيراني؛ حيث بلغت صادراته بالعام الماضي نحو 3 مليار دولار.
وتشير التوقعات، أنه باستمرار عدم الاستقرار بأفغانستان، أو هيمنة حركة طالبان عليها، سينعكس ذلك سلبًا على مشاريع تطوير ميناء جابهار الإيراني الذي وضعته الولايات المتحدة خارج نطاق العقوبات بسبيل دعم الاقتصاد الأفغاني.
فبطبيعة الحال، سينعكس تدهور الوضع الأمني بأفغانستان سلبًا على الأسواق الإيرانية، بينما سينعكس أمنيًّا على المنطقة العربية، خاصةً (سوريا واليمن والعراق).
بالتالي دفعت عدم الموثوقية الأمريكية دول المنطقة بجميع أنحاء الشرق الأوسط لبدء حوار يهدف للانفراج، بدلًا من الاعتماد على الأطراف الخارجية، وأصبح ذلك السمة البارزة بالسياسة الخارجية لدول المنطقة؛ حيث بدأت مصر حوارها مع قطر وتركيا، بينما بدأت السعودية حوارها مع إيران.
رابعاً: التحديات الإقليمية
تقع السعودية وإيران على طرفي نقيض بمعظم الملفّات الإقليمية؛ حيث يؤرخ الكثيرون بعودة التنافس بين السعودية وإيران لتأسيس جمهورية إيران الإسلامية في عام 1979؛ ما يعكس سلسلة من القضايا المتعلقة بالجغرافيا ومعاملة الأقليات، ففي العقود التالية، بدأ هذا التنافس بالظهور بالمجتمعات المنقسمة بجميع أنحاء الشرق الأوسط، مثل (العراق ولبنان وسوريا واليمن).
ومن أبرز التحديات التي قد تعرقل أي تسوية ممكنة الآتي:
- الملف اليمني
الصراع باليمن -صراع مرير لم يُظهر حتى الآن أي علامة على انحساره-هو الشاغل الأكبر على طاولة المباحثات السعودية الإيرانية.
تخلَّت أمريكا مسبقًا عن دعمها العسكري لقوات التحالف الذي تقوده السعودية لتعزيز شرعية الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي باليمن، ومواجهة المتمردين الحوثيين، وباستمرار الدعم الإيراني للحوثيين وتقدمهم بمأرب – التي تملك احتياطات وفيرة من النفط-أصبحت موارد قوات التحالف الذي تقوده السعودية مستنزفة بالحرب اليمينة، وجاء الانسحاب الأمريكي من أفغانستان؛ ليغير موازين القوى بالمنطقة.
قد يكون لحل التوترات بين السعودية وإيران تأثير كبير بجميع أنحاء المنطقة، ومع ذلك، فإن التفاعل بين السياسات الإقليمية والمحلية، يعني إعاقة أي اتفاقيات سلام إقليمية لاستمرار القتال باليمن.
في غضون ذلك، تستمر التوترات بفضل توفير التمويل من قبل إيران لدعم ميليشيات الحوثيين، التي ترتكب أكبر الانتهاكات ضد المدنيين، وقصفها لحدود المملكة، والأمر الخطير الذي يندد به المجتمع الدولي ويراه تصعيدًا خطيرًا لما يحدث باليمن.
لذا هناك حاجة لآلية واضحة لبناء الثقة والسلام بنهاية المطاف لإنهاء القتال باليمن، وتعد هذه الآلية هي موضوع مناقشات بين المسؤولين السعوديين والإيرانيين.
بالنسبة للسعودية، فإن أي سلام مع إيران يعتمد على وقف الهجمات بأراضيها من صواريخ الحوثيين، وسيتطلب ذلك ضمانات إيرانية بأن هجمات الحوثيين على المملكة ستنتهي، وقد يتطلب أيضًا إعادة فتح مطار صنعاء، الذي لا يزال حاليًا تحت الحصار.
في المقابل، يتوقع الإيرانيون سحب المملكة العربية السعودية معارضتها للاتفاق النووي واستئناف العلاقات الدبلوماسية.
لكن بناء السلام ليس سهلًا، فبعد أيام من البيان السعودي حول التقدم الجيد لمحادثات السلام، أبرز اعتراض الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار المحملة بالقنابل التي أطلقها الحوثيون تجاه السعودية مدى خطورة الأمور باليمن.
لذلك لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين على إيران القيام به، بسحب دعمها العسكري للحوثيين.
- نفوذ إيران النووي
جاءت مفاوضات فيينا بالعام الجاري؛ لإنقاذ الاتفاق حول الملف النووي الإيراني، الذي بات مهددًا بالانهيار، منذ أعلن ترامب الانسحاب منه عام 2018، وقام بفرض عقوبات مشددة انعكست سلبًا على الاقتصاد الإيراني وقيمة العملة المحلية؛ ما أدى لتراجع إيران التدريجي عن تنفيذ معظم التزاماتها الأساسية بالاتفاق؛ إذ رفعت نسبة تخصيب اليورانيوم لـ60 % في أبريل الماضي، بينما لمحت إيران لاحقًا بقدرتها تخصيب اليورانيوم بنسبة 90 %، وهذا يجعلها على خطوة واحدة لصنع قنبلة نووية.
قدرة إيران على امتلاكها لسلاح نووي تقترب بشكل سريع على غرار كوريا الشمالية، وهذا يخل بالتوازن الإستراتيجي بالمنطقة؛ لذا ترى دول المنطقة خاصةً إسرائيل والسعودية، اللذان يُعدَّان أكثر دول المنطقة اهتمامًا بمنع إيران امتلاك السلاح النووي، وأكثرهما تضررًا إن لم تُوضع قيود على الملف النووي الإيراني؛ لما قد يشكله من تهديد حقيقي لأمن المنطقة.
ومن الجانب الآخر، تبدي إيران استياءها بشدة حول وجود قوات إسرائيلية بحدودها الشمالية عند أذربيجان، الدولة المجاورة الواقعة بشمال غرب إيران، والمتعاونة مع إسرائيل بالنسبة للقضايا العسكرية؛ ما أثار قلق إيران إزاء تواجد الإرهابيين وقوات إسرائيلية بجوارها.
وبالتحفظ السعودي تجاه ضرورة التزام إيران بالاتفاق النووي الإيراني، وكبقية دول المنطقة، تدعم السعودية كل الجهود الدولية لمنع إيران امتلاك سلاح نووي؛ ما يهدد المنطقة والعالم أجمع، تطرق المتحدث باسم الخارجية الإيرانية خطيب زاده بخصوص الاتفاق النووي ليطمئن الجانب السعودي، على أنه أصبح بناء على قرار مجلس الأمن “وثيقة دولية”، لكن الطرف الأمريكي انتهك القرار 2231 وكافة بنود الاتفاق النووي، بل عمد لمعاقبة جميع الأطراف المشاركة بهذا الاتفاق، وفرض أقسى أنواع الحظر الظالم على الطرف الإيراني، وأكد أن إيران ستوقف كافة إجراءاتها التقويضية، عند رفع جميع العقوبات وبنحو مؤثر عنها؛ مبينًا أن تلك الإجراءات اتخذت تعويضًا عن الخسائر.
بالتأكيد لن تتنازل إيران عن استكمال مشروعها النووي؛ حيث أصدرت وكالة الطاقة الذرية تقريرًا، أكدت فيه أن مهام المراقبة التي تجريها بإيران تعرضت لعرقلة جدية، بعدما علقت طهران بعض عمليات التفتيش لأنشطتها النووية في فبراير 2021، وأثبت التقرير استمرار إيران بالكذب على العالم، والتقدم ببرنامج لتطوير أسلحة نووية، بينما تنكر التزاماتها الدولية.
- حزب الله اللبناني
من الملفات المستجدة والتي ستؤثر بمسار المفاوضات قضية حزب الله بلبنان؛ حيث رافقت المفاوضات السعودية الإيرانية تصعيد الأزمة الدبلوماسية الحالية بين لبنان ودول الخليج.
وتشهد العلاقة السياسية بين لبنان والسعودية فتورًا منذ سنوات، على خلفية تعاظم دور حزب الله، الذي تعتبره السعودية منظمة إرهابية تنفذ سياسة إيران، ويبدو أن السعودية تمارس ضغوطًا متزايدة على الحكومة اللبنانية لاتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه حزب الله، وظهر ذلك واضحًا في بيان سابق للخارجية السعودية يوم الجمعة الموافق 29 أكتوبر، على هامش التصريحات المسيئة للمملكة الصادرة من وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي بشأن الحرب باليمن، والتي جاء على إثرها قطع العلاقات الدبلوماسية بين لبنان وعدد من دول الخليج، وجاء بيان الخارجية السعودية مؤكدًا أن “سيطرة حزب الله الإرهابي على قرار الدولة اللبنانية جعل من لبنان ساحة ومنطلقًا لتنفيذ مشاريع دول لا تضمر الخير للبنان وشعبه”.
كما دعا وزير الخارجية اللبناني من جانبه، عبد الله بو حبيب، السعودية وإيران لإدراج قضية حزب الله بمحادثاتهما، قائلًا: إن الجماعة المدعومة من إيران والمسلحة “مشكلة إقليمية”، لا يمكن لبلده حلها، وشدد بو حبيب على أن بلاده تريد “أفضل العلاقات” مع المملكة السعودية، ودعا الرياض للحفاظ بوجودها بلبنان، من خلال تعزيز حلفائها اللبنانيين، وخلق “توازن” بدلًا من قطع العلاقات مع لبنان.
بالطبع إن تداخل الملفات الإقليمية يدفعنا للتساؤل عما إذا كان ثمة محاولة بخضم المفاوضات بين السعوديين والإيرانيين للضغط على لبنان لإعادة النظر بتشكيل الحكومة اللبنانية لموازنة التنازلات المقدمة بالحرب باليمن!
خامساً: الخاتمة
تأتي دوافع التودد الإيراني تجاه السعودية بشكل خاص لكونها دولة إقليمية ذات ثُقلٍ سياسي وعسكري واقتصادي بمنطقة الشرق الأوسط؛ حيث تعد إحدى دول مجموعة العشرين، ولديها طموح بتحقيق التنمية، وهي رؤية 2030، إضافةً لكونها واجهة العالم الإسلامي، فتحسن علاقة إيران مع السعودية هو بمثابة فك الحصار والخناق الاقتصادي عن إيران.
إن مسار التهدئة في الحقيقة تفرضه حسابات القوة والتي قد تستجد بالمنطقة عند الانسحاب المترقب للقوات الأمريكية من العراق خشية الفراغ الاستراتيجي المحتمل على أمن الخليج، فمن الطبيعي إعادة دول الخليج حساباتها، وحماية مصالحها من أي تهديدات مباشرة أو مفترضة.
ومن الواضح يبدو بأن إيران لم تتخلى من جانبها عن أهدافها التوسعية والتي قد تمتد إلى البحر الأحمر والدول الأفريقية المتاخمة لمضيق باب المندب، ويمكن القول إن إيران تجيد شراء الوقت وتستخدم التفاوض لكي تكسب الوقت وتعزز من مواقعها في أماكن عدة.
في مجمل القول، المعادلة الإقليمية بين الدولتين محكومة في الواقع بما قد يحدث بمباحثات فيينا القادمة بشأن الاتفاق النووي الإيراني والمرتقب استئنافها بنهاية نوفمبر الجاري، فإذا ما نجحت المباحثات بالتوصل لاتفاق نهائي، فإن المعادلة ستختلف ويصبح التوافق السعودي الإيراني ممكنًا بالأزمة اليمنية وغيرها من الأزمات الإقليمية، بمعنى آخر، المفاوضات السعودية الإيرانية معلقة بالنتائج الأخيرة لمباحثات فيينا.
توصيات لنجاح المحادثات
يتطلب نجاح تلك المحادثات العديد من الخطوات لتصل لنتائج ملموسة، ومن أهم الخطوات:
- رغبة إيران الحقيقية وحسن نيتها لإقامة علاقات جيدة مع دول المنطقة وعلى رأسها السعودية بما يخدم مصالح شعوب المنطقة ويساعد بتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية الحقيقية، ويحول الشرق الأوسط من منطقة صراعات وتوتر لمنطقة مزدهرة اقتصاديًّا، ويجب أن تترجم إيران هذه الرغبة لسياسات حقيقية على أرض الواقع ترتكز على إحداث تغيير جذري، وذلك عن طريق عدم التدخل بشؤون دول المنطقة، واحترام سيادتها ووحدتها واستقلالها وإقامة علاقات تعتمد على حسن الجوار والاحترام المتبادل.
- يجب وقف إيران دعمها المادي والعسكري للميليشيات والتنظيمات المسلحة، الموالية لها والموجودة بالعراق واليمن ولبنان وسوريا؛ لقيام الميليشيات بتغذية الطائفية وتفكيك الدول وإطالة أمد صراعات المنطقة.
- أن تقدم إيران ضمانات حقيقية بعدم تطويرها السلاح النووي، وذلك عن طريق السماح للسعودية بالمشاركة بمحادثات فيينا الخاصة بإحياء الاتفاق النووي.
بالتأكيد عودة العلاقات بين السعودية وإيران ستكون من مصلحة كل دول المنطقة، وستقود تلك الخطوة لتحسين علاقات إيران مع العديد من دول المنطقة خصوصًا مصر، كما يعني نجاح المفاوضات، أن جزءًا كبيرًا من الأموال والموارد التي ينفقها البلدان على سباق التسلح والحروب الإقليمية، يمكن توجيهه لبرامج التنمية وتوفير فرص عمل لملايين الشباب بالمنطقة.
وبالحقيقة لا يسعني إلا أن أتمنى بصدق أن تؤدي المحادثات ثمارها وتنتهي بنتائج ملموسة ترضي جميع الأطراف.