المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > رؤى تحليلية > المحكمة الجنائية الدولية وإسرائيل العدالة التي طال انتظارها
المحكمة الجنائية الدولية وإسرائيل العدالة التي طال انتظارها
- سبتمبر 17, 2024
- Posted by: Maram Akram
- Category: رؤى تحليلية
لا توجد تعليقات
بقلم/ الدكتور: محمود دقدق
المستشار القانوني والباحث
في خطوة لم يعهدها العالم بشأن تطبيق قواعد القانون الدولي على دولة إسرائيل منذ تأسيسها ، قرر المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان وضع حدٍ للافلات المطلق من العقاب الذي ظل يتمتع به المسؤولين الإسرائيليين على كافة المستويات، وذلك عندما كشف عن سعيه لإصدار مذكرات توقيف دولية بحق مسؤولين في الحكومة الإسرائيلية، وقادة من حركة حماس، هذه الخطوة من قبل المدعي العام أقامت الدنيا ولم تقعدها لكونها غير مسبوقة وشكلت منعطفا نحو الميل صوب العدالة الدولية، وبث الروح في جسد المحكمة الجنائية الدولية التي تحولت منذ الإنشاء إلى أداة غير فعالة لتحقيق العدل والإنصاف لضحايا الانتهاكات الجسيمة في أركان المعمورة الأربعة. لقد جاءت هذه الخطوة الممعنة في الجرأة والإقدام نحو انبثاق فجر القسطاس القويم، في وقت ظلت فيه الشعوب والأمم ترنوا إلى مؤسسة عدلية دولية تحتكم إلى القواعد القانونية بصورة عامة ومجردة وتساوي بين جميع الشعوب والأمم في جو من العدل والكرامة الإنسانية أرحب ، ولتحقيق المساواة أمام القانون دون التحيز لشخص معين أو لدولة، وبما يحقق النظام والاستقرار في المجتمع الدولي بالتالي تحقيق الشعور بالعدالة المفقودة منذ تأسيس النظام العالمي في إطاره القانوني والمؤسسي والدبلوماسي والسياسي الناظم للعلاقات الدولية، ومفاهيم العدالة الجنائية الدولية.
هكذا وضع المدعي العام للمحكمة الجنائية كريم خان أوراقه على منضدة القضاة الثلاث وهن القاضية الرومانية يوليا موتوك، والقاضية المكسيكية ماريا ديل سوكورو فلوريس لييرا، والقاضية رين ألابيني غانسو من دولة بنين. ومع تلك الطلبات وضع كريم خان أكبر تحدي أمام القضاة لكي يقرروا ليس في طلبات التوقيف فحسب، بل في مصير ومستقبل المحكمة نفسها، حيث أن جل الشأن العدلي الجنائي الدولي اليوم بيد المحكمة فإما أن تستقيم وتغير منكر العدالة بيدها وإما أن تفنى من الوجود ومن الأنطولوجيا المعرفيّة وتعيد إلى الأذهان موبقات حقبة الهيمنة الاستعماريّة الانتقائيّة. وفي تقديرنا أنها لفرصة تاريخية لا تقدر بثمن أمام المحكمة الجنائية الدولية لرفع راية العدالة التي ينبغي لها أن تتطهر من ذلك الدنس الذي اقعدها لسنوات مضت وتتغلب على آفة التمييز بين البشر كآخر رذيلة تبقت حول العالم.
الأساس القانوني للاتهام:
عملا بالمادتين 25 و28 من نظام روما الأساسي المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية، وفي خطوة جريئة وغير مسبوقة في فضاء القانون الدولي ، وبصفة خاصة في شقه الجنائي حمّل المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كل من بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، ويوآف غالانت، وزير الدفاع في إسرائيل، المسؤولية الجنائية لمشاركتهما في ارتكاب الجرائم ولكونهما مسؤولان عن الجرائم الواردة في صحيفة الاتهام التي تقدم بها إلى المحكمة الجنائية الدولية طالبا اصدار امر توقيف في مواجهتهما، كما تم توجيه الاتهام إلى كل من يحيى السنوار رئيس حركة المقاومة الإسلامية ’’حماس‘‘ في قطاع غزة، ومحمد دياب إبراهيم المصري، المشهور باسم ضيف القائد الأعلى للجناح العسكري لحماس، المعروف باسم كتائب القسام، وإسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس. فيما يتعلق بشق الاتهامات الموجهة إلى المسؤولين الاسرائيلين واستنادا إلى الأدلة التي جمعها مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية وبعد الفحص والتمحيص وتطبيق القانون على الوقائع، أصدر المدعي العام بياناً جاء بأن لديه أسباب معقولة للاعتقاد بأن بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، ويوآف غالانت، وزير الدفاع في إسرائيل، يتحملان المسؤولية الجنائية عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتُكبت على أراضي دولة فلسطين (في قطاع غزة) اعتبارا من الثامن من أكتوبر 2023 على الأقل والجرائم التي وردت في طلب المدعي العام المقدم إلى المحكمة الجنائية الدولية بحق المسؤولين الإسرائيليين هي:
-
تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب باعتباره جريمة حرب بما يخالف المادة 8 (2) (ب) (25) من نظام روما الأساسي؛
-
وتعمد إحداث معاناة شديدة، أو إلحاق أذى خطير بالجسم أو بالصحة بما يخالف المادة 8 (2) (أ) (3) أو المعاملة القاسية باعتبارها جريمة حرب بما يخالف المادة 8 (2) (ج) (1) من نظام روما الأساسي؛
-
والقتل العمد بما يخالف المادة 8 (2) (أ) (1)، أو القتل باعتباره جريمة حرب بما يخالف المادة 8 (2) (ج) (1) من نظام روما الأساسي؛
-
وتعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين باعتباره جريمة حرب بما يخالف المادة 8 (2) (ب) (1)، أو المادة 8 (2) (ه) (1) من نظام روما الأساسي؛
-
والإبادة و/أو القتل العمد بما يخالف المادتين 7 (1) (ب) و7 (1) (أ)، بما في ذلك في سياق الموت الناجم عن التجويع، باعتباره جريمة ضد الإنسانية من نظام روما الأساسي؛
-
والاضطهاد باعتباره جريمة ضد الإنسانية بما يخالف المادة 7 (1) (ح) من نظام روما الأساسي؛
-
وأفعال لاإنسانية أخرى باعتبارها جرائم ضد الإنسانية بما يخالف المادة 7 (1) (ك) من نظام روما الأساسي.
ولقد جاء هذا الاتهام بناءا على الأدلة التي جمعها مكتب المدعي العام، والتي شملت مقابلات مع ناجين وشهود عيان، ومواد مرئية وصورا فوتوغرافية ومواد مسموعة ، وصورا ملتقطة بالأقمار الصناعية، وبيانات أدلت بها المجموعة التي يـُدَّعى بأنها ارتكبت الجرائم، وثبت لدى الادعاء العام أن إسرائيل تعمدت حرمان السكان المدنيين في كل مناطق غزة بشكل منهجي من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم الإنساني. مع فرض حصار كامل على غزة والذي تضمن الإغلاق التام للمعابر الحدودية الثلاثة، وهي رفح وكرم أبو سالم وبيت حانون، ولفترات مطوّلة ثم التقييد التعسفي لنقل الإمدادات الأساسية – بما في ذلك الطعام والدواء – من خلال المعابر الحدودية بعد إعادة فتحها. وشمل الحصار أيضا قطع أنابيب المياه العابرة للحدود من إسرائيل إلى غزة – وهي المصدر الرئيسي للمياه النظيفة التي يحصل عليها الناس – لفترة طويلة وقطع إمدادات الكهرباء ومنعها إلى جانب هجمات أخرى ضد المدنيين، بما في ذلك هجمات على أولئك الذين اصطفوا للحصول على الطعام، وإعاقة توصيل الوكالات الإنسانية للمساعدات، وشن هجمات على عمال الإغاثة وقتلهم، مما أجبر الكثير من الوكالات على إيقاف أعمالها في غزة أو تقييدها. وأن هذه الأفعال قد ارتُكبت في إطار خطة مشتركة لاستخدام التجويع كأسلوب من أساليب الحرب وأعمال عنف أخرى ضد السكان المدنيين مع الإشارة إلى إن استخدام التجويع كأسلوب من أساليب الحرب، مقرونا بهجمات أخرى وبالعقاب الجماعي للسكان المدنيين في غزة، كانت له آثار حادة وظاهرة للعيان ومعروفة على نطاق واسع، وقد أكدها شهود عديدون من بينهم أطباء محليون ودوليون. وشملت هذه الآثار سوء التغذية والجفاف والمعاناة البالغة وتزايد أعداد الوفيات بين السكان الفلسطينيين، ومن بينهم الأطفال الرضع، والأطفال الآخرون، والنساء، مع ظهور المجاعة في بعض مناطق من غزة وهو ما أكده الأمين العام للأمم المتحدة.
ومن جهة أخرى تم توجيه تهم إلى أعضاء في حركة حماس والتي شملت كل من يحيى السنوار رئيس حركة المقاومة الإسلامية حماس في قطاع غزة، ومحمد دياب إبراهيم المصري، المشهور باسم ضيف القائد الأعلى للجناح العسكري لحماس، المعروف باسم كتائب القسام، وإسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس على اعتبارهم يتحملون المسؤولية الجنائية عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التالية المرتكبة في أراضي إسرائيل ودولة فلسطين (في قطاع غزة) اعتبارا من السابع من أكتوبر 2023 على الأقل:
-
الإبادة باعتبارها جريمة ضد الإنسانية، بما يخالف المادة 7 (1) (ب) من نظام روما الأساسي؛
-
والقتل العمد باعتباره جريمة ضد الإنسانية، بما يخالف المادة 7 (1) (أ)، وباعتباره جريمة حرب، بما يخالف المادة 8 (2) (ج) (1) من نظام روما الأساسي؛
-
وأخذ الرهائن باعتباره جريمة حرب، بما يخالف المادة 8 (2) (ج) (3) من نظام روما الأساسي؛
-
والاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي باعتبارها جرائم ضد الإنسانية، بما يخالف المادة 7 (1) (ج)، وباعتباره أيضا جريمة حرب عملا بالمادة 8 (2) (ه) (6) في سياق الأَسر؛
-
والتعذيب باعتباره جريمة ضد الإنسانية، بما يخالف المادة 7 (1) (و)، وباعتباره أيضا جريمة حرب، بما يخالف المادة 8 (2) (ج) (1)، في سياق الأَسر؛
-
وأفعال لاإنسانية أخرى باعتبارها جريمة ضد الإنسانية، بما يخالف المادة 7 (1) (ك)، في سياق الأَسر؛
-
والمعاملة القاسية باعتبارها جريمة حرب بما يخالف المادة 8 (2) (ج) (1)، في سياق الأسر؛
-
والاعتداء على كرامة الشخص باعتباره جريمة حرب، بما يخالف المادة 8 (2) (ج) (2)، في سياق الأَسر.
لم يركن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إلى البينات الواردة إليه فقط بل عمد إلى تقوية موقفه القانوني وذلك بجمع الحجج والبراهين والأسانيد القانونية مدعومة بالمعلومات التي جمعها مكتبة وعلى الزيارة الشخصية التي قام بها إلى كيبوتس بئيري وكيبوتس كفر عزة، وكذلك إلى موقع مهرجان سوبرنوفا الموسيقي في رعيم، ومشاهدته الدمار الذي خلفه الهجوم الإسرائيلي والأثر البالغ الذي أحدثته الجرائم التي جاءت في لائحة الاتهام والتي يأباها الضمير الإنساني . فضلاً عن حديثه مع الناجين، وقد سمع المدعي العام حديثاً عن المعنى الحقيقي للحب بين أفراد الأسرة، وأعمق الأواصر التي تجمع بين الآباء والأبناء، وكيف أنها شوّهتِ بغية إلحاق الألم بالناس بقسوة مدروسة وغلظة مفرطة بشكل لا سبيل لاستيعابه.
جدل سياسي وقانوني
لقد أثار إعلان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية عن سعيه لاصدار أوامر توقيف من المحكمة الجنائية الدولية في حق مسؤولين إسرائيليين وقادة من حركة حماس العديد من ردود افعال سياسية وقانونية نوجزها في النقاط التالية:-
1- هل فلسطين دولة عضو في المحكمة الجنائية الدولية؟
حسمت المحكمة الجنائية الدولية وبشكل قاطع مسألة عضوية فلسطين في المحكمة الجنائية الدولية وعلى ذلك وكذلك اختصاص المحكمة وكذلك الاختصاص الإقليمي للمحكمة على الوضع في فلسطين، باعتبارها دولة طرف في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وأن الاختصاص يمتد إلى الأراضي التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967، وهي غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وبناء على ذلك أسس المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية صحيفة الاتهام على أن جرائم الحرب المدعى بها في الطلبات التي تقدم بها إلى المحكمة قد ارتُكِبت في إطار نزاع مسلح دولي بين إسرائيل وفلسطين، ونزاع مسلح غير دولي بين إسرائيل وحماس (بالإضافة إلى جماعات مسلحة فلسطينية أخرى)، وهذا يعني وفق تصنيف القانون الدولي الإنساني أن النزاع بين إسرائيل وفلسطين هو نزاع بين دولتين وهو ما يعرف في القانون الدولي الإنساني بالنزاع المسلح الدولي International Armed Conflict مما يسمح بأن تنطبق عليه اتفاقيات جنيف الأربعة والبرتوكول الأول الملحق بها، اما النزاع بين إسرائيل وحماس فهو نزاع مسلح غير دولي Non-International Armed Conflict وينطبق عليه البروتوكول الثاني لسنة 1977 والمادة الثالثة المشتركة لاتفاقيات الأربعة لسنة 1949.
لكن هذا التوصيف لم يرق للدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا التي تبنت سردية تقوم على النقد والتشكيك في تناقض مفضوح باعتبارها هي التي ساندت المحكمة الجنائية الدولية ورحبت بقرارها بشأن الصراع الروسي الأوكرانى وصدور أمر التوقيف في مواجهة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقد سارت دول غربية أخرى على ذات الطريق لتشكك في الأساس القانوني للاتهام قائلين أن دولة فلسطين لم تكن دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة وبالتالي فإن تصنيف هذه الحرب على غزة على أساس أنها حرب بين دولتين لهو تصنيف غير صحيح ويفتقر إلى الأساس القانوني الصائب. وتأتي أهمية هذا النقد في أنه سيهدم الأساس القانوني للائحة الاتهام – إذا ترك من غير مناهضة- وبالتالي يؤدي إلى رفض لائحة الاتهام من قبل قضاة المحكمة الجنائية الدولية. ومن ثم العودة إلى مربع الإفلات المطلق من العقاب بالنسبة لدولة إسرائيل، وفي سياق النقد الممنهج هذا رأينا أن الولايات المتحدة الامريكية قد صرحت عبر المتحدثين باسم البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية “بأنها لا تعتقد أن المحكمة الجنائية الدولية تتمتع بالسلطة القضائية للتحرك ضد إسرائيل، خاصة وأن إسرائيل ليست من الدول الموقعة أو المصادقة على نظام روما الأساسي، المعاهدة الدولية التي تشكل الأساس القانوني لعمل المحكمة الجنائية الدولية” وأضاف الرئيس بايدن بأن قرار المدعي العام شائن. أما بريطانيا فرأت أن قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية طلب إصدار أمر باعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي ليس مفيد. ودعمت ألمانيا إسرائيل بحياء، قائلة إن طلب إصدار مذكرات التوقيف بالتزامن بحق قادة في حماس من جهة وبحق مسؤولين إسرائيليين من جهة أخرى أعطى انطباعا بوجود معادلة خاطئة لكنها تحترم قرارات المحكمة. وجاء موقف فرنسا مغايراً تماما وداعماً لخطوة المحكمة وهنا تكمن اهمية هذه الإجراءات المتخذة من قبل المدة العام في مستقبل القضية الفلسطينية.
وفي المقابل لم يكن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية قد أغفل هذه الحجج القانونية التي يمكن أن تؤثر سلبا على قرار قضاة المحكمة الجنائية الدولية، بل يمكن أن تهدر فرص اتخاذ قرار ايجابي بشأن توقيف الأشخاص المذكورين في طلب المدعي العام، وإمعاناً في تقوية موقفه القانوني فقد إستعان المدعي العام برأي أشهر الخبراء في العالم، حيث ذكر أنه استعان بلجنة من الخبراء في القانون الدولي، كإجراء احترازي إضافي، وهم مجموعة من الخبراء المحايدين الذين جمعهم لتقديم الدعم في مراجعة الأدلة والتحليل القانوني فيما يتصل بطلبات إصدار أوامر القبض هذه. وتتألف اللجنة من خبراء ذوي مكانة رفيعة في القانون الدولي الإنساني والقانون الجنائي الدولي، ومن بينهم السير أدريان فولفورد الحائز على شهادة ’’بي سي‘‘، وهو مستشار محكمة الاستئناف سابقا والقاضي السابق في المحكمة الجنائية الدولية؛ والبارونة هيلينا كينيدي الحاصلة على لقب ’’كي سي‘‘، وهي رئيسة معهد حقوق الإنسان التابع لنقابة المحامين الدولية؛ وإليزابيث ويلمشورست الحاصلة على لقب ’’سي إم جي‘‘ ولقب ’’كي سي‘‘، وهي نائبة المستشار القانوني لوزارة الخارجية والكومنولث البريطانية سابقا؛ وداني فريدمان الحاصل على لقب ’’كي سي‘‘؛ واثنان من مستشاريّ الخاصين – وهما أمل كلوني وسعادة القاضي ثيودور ميرون الحاصل على لقب ’’سي إم جي‘‘. وقد أيّد هذا التحليل المستقل الذي قدمه الخبراء الطلبات التي قدمها مكتب المدعي العام كما تمت استشارة المستشارين الخاصين منهم أداما ديينغ والأستاذ الدكتور كيفين جون هيلر.
2- اختصاص المحكمة:
ما أن أصدر المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بيانه بشأن طلب إصدار أوامر التوقيف من المحكمة الجنائية في حق مسؤولين إسرائيليين وقادة من حركة حماس حتى انبرى القانونيين والسياسيين لتحليل مدى قانونية وسلامة الإجراءات التي قام بها المدعي العام، وتساءل البعض هل المحكمة مختصة أصلا ؟ وهل فلسطين هي دولة كاملة السيادة وهل هي دولة عضو في نظام روما الأساسي؟، ومدى سريان نظام روما الأساسي على دولة إسرائيل التي لم تكن طرفا في المعاهدة حيث أنها لم توقع ولم تصادق عليها؟. للإجابة على هذا الطرح بالغ الأهمية لابد من الرجوع إلى الممارسة القانونية ذات الأهمية البالغة التي ابتدرتها المدعية العامة السابقة للمحكمة الجنائية الدولية السيدة فاتو بنسودة التي طلبت من الدائرة التمهيدية الأولى بالمحكمة الجنائية الدولية تحديد ولايتها بشأن الأراضي الفلسطينية بما في ذلك القدس الشرقية، و في ذات السياق تقدم 16 مارس 2020، أصدقاء المحكمة “Amicus Curiae ” – ( ويقصد به اي فرد أو منظمة غير طرفًا في القضية، ولكن يُسمح له او لها بمساعدة المحكمة من خلال تقديم المعلومات أو الخبرة أو الرؤية التي لها تأثير على القضية المنظورة ) – الذين يمثلون حوالي 50 دولة ومنظمة غير حكومية طلبات للنظر في مسألة الولاية القضائية للمحكمة الجنائية الدولية على الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، وقد طلبت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية وقتها فاتو بنسودا شهرًا مهلة لدراسة الطلبات وفي 29 أبريل 2020، دعمت أكثر من 180 منظمة وأفراد فلسطينيين وشخصيات دولية بارزة الطلبات السابقة عبر رسالة مفتوحة لدعم فلسطين.وفي المقابل تقدمت مجموعة من أصدقاء المحكمة “Amicus Curia ” متمثلة في دول أطراف في نظام روما الأساسي المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية، والدول هي أستراليا والنمسا والبرازيل وكندا وجمهورية التشيك وألمانيا والمجر وأوغندا، وجاء في طلبهم بأن المحكمة الجنائية الدولية ليس لها اختصاص على أساس أن فلسطين ليست دولة. وقد حسمت المحكمة الجنائية الدولية كل هذه الأسئلة القانونية المحيطة بالتحقيقات المحتملة في “الوضع في فلسطين”. وعلى وجه التحديد، عند الاجابة على طلب المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية السابقة، فاتو بنسودة بشأن تأكيد نطاق ولايتها القضائية في هذه المسائل والمناطق التي قد تمارس عليها تلك الولاية القضائية. فوفقاً للمادة 19(1) من نظام روما الأساسي – المعاهدة التي أنشأت المحكمة الجنائية الدولية – فإن المحكمة ملزمة بالفعل بضمان امتلاكها للسلطة القضائية للتحقيق في حالة معينة. وقد طلبت المدعية العامة حسم للجدل الدائري بشأن الطلبات الكثيرة المقدمة إلى المحكمة والمرتبطة بمسألة ما إذا كان يجب اعتبار فلسطين دولة، وبالتالي طرف في المحكمة الجنائية الدولية الأسئلة القانونية المحيطة بالتحقيقات المحتملة في “الوضع في فلسطين. وقد تم النظر في الموضوع من قبل الدائرة التمهيدية الأولى بالمحكمة الجنائية الدولية، والتي تتألف من ثلاثة قضاة التي أصدرت حكماً بالأغلبية صدر في 5 فبراير 2021، رأت الدائرة أن المحكمة الجنائية الدولية تملك اختصاصاً في هذه الحالة، وأن المنطقة المعنية تشمل غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية. وفي 3 مارس من ذات العام ، أكدت بنسودة أن مكتبها فتح تحقيقاً في القضية بعد أن مهد الحكم المشار إليه الطريق للسير صوب التحقيقات. وهنا نود أن نشير أن دولة فلسطين هي الدولة العضو رقم 123 في المحكمة الجنائية الدولية منذ 1 أبريل 2015 وذلك إثر انضمامها إلى المحكمة الجنائية الدولية ولكن رغم الانضمام ظلت هناك حالة من الجدل القانوني حول مدى إمكانية معاملة دولة فلسطين كدولة كاملة السيادة وهو الجدل العقيم الذي ظلت تتبناه إسرائيل وتدعمه الدول الغربية، وحسمته المحكمة بحكم بات. وفي تقديرنا أن الحكمة من إنشاء المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة الجرائم الأكثر فظاعة وجسامة والتي تهز ضمير الإنسانية يتماشى و قرار المحكمة والتفسير السليم القانون والميل صوب العدل.
3- طبيعة النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين
التعريف التعاهدي للنزاع المسلح بما في ذلك ضمن نصوص اتفاقيات جنيف الاربعة لسنة 1949 أو البروتوكولات الإضافية لعام 1977. جاءت في سياق عام ومقتضب لذلك فإن السوابق القضائية الدولية وممارسات الدول والدراسات الأكاديمية كانت ذات أهمية خاصة في تحديد المعنى القانوني للنزاع المسلح مع أن القانون الدولي الإنساني يقسم النزاعات المسلحة إلى نوعين وهما النزاع المسلح الدولي والنزاع المسلح غير الدولي وذلك على النحو التالي :-
-
النزاع المسلح الدولي International Armed Conflict (IAC) التي تحدث بين دولتين أو أكثر
-
النزاع المسلح غير الدولي Non-International Armed Conflict (NIAC) التي تحدث بين الدولة والجماعات المسلحة غير الحكومية أو بين الجماعات المسلحة فقط.