المسارات المطروحة للمشهد العراقي في ظل مبادرة «التيار الصدري»
إعداد حسناء تمام كمال
بعد أشهرٍ من الانسداد السياسي، وتأزُّم المواقف في الداخل العراقي، أعلن «التيار الصدري» مبادرته؛ للخروج من الانسداد السياسي في العراق، وذلك بعد رفْضه لكافة المبادرات التي طُرِحت سابقًا، وعزوفه عن حضور جلسات الحوار، التي عقدها «الكاظمي»، ارتكزت المبادرة على محوريْن رئيسييْن، الأول: أن تتم انتخابات مبكرة، وأن يُحَلَّ البرلمان، والثاني: أن تستمر «حكومة الكاظمي» في منصبها، تُشْرِف على الانتخابات القادمة، وتُدير المرحلة الانتقالية، وبهذا الطرْح عبَّر «الصدر» عن رؤيته؛ لإيقاف حالة التأزُّم تلك، وفي ظل حالة الخلْط التي تشُوب المشهد، نحاول الاقتراب لفهم أبرز الرُّؤى المطروحة بين الطرفيْن المتنافسيْن، واستشراف أبرز المسارات المطروحة، وفرضها، وتحدياتها.
أولًا: ما بين «الصدر، والمالكي».. ما هي الرُّؤى المطروحة؟
من جهة «التيار الصدري»
في بيانٍ دعا «وزير الصدر» من أسماهم الحلفاء والمستقلين لموقفٍ شجاعٍ يُنهي الأزمة برُمَّتِها، وأكد أن الحل حينئذ لن يكون «تياريًّا» – في إشارةٍ لـ«التيار الصدري» – بل «وطنيًّا، وسنيًّا، وشيعيًّا، وكرديًّا، ومستقلين»، وليبقى «رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء» على رأس حكومةٍ لتصريف الأعمال، والإشراف على الانتخابات المبكرة، أو بمعونة آخرين «عراقيين، أو دوليين»، والموقف الشجاع: يُقصد به استقالات «جماعية، وفردية» من البرلمان، تُفْضِي إلى حَلِّهِ؛ الأمر الذي يعني أن الحل لدى «التيار الصدري» يبدأ بحلِّ البرلمان، ويستند إلى استمرار«الكاظمي»، واستبعادٍ لـ«الإطار».
من جهة «الإطار التنسيقي»
أعلن «الإطارُ التنسيقي» رفضَه إجراءَ انتخاباتٍ مبكّرةٍ، قبلَ عودةِ جلساتِ البرلمان، وتشكيلِ حكومةٍ جديدةٍ، ويُجرى بحثُ مساعي تشكيلِ الحكومةِ، وإعادةِ عقْدِ جلساتِ البرلمان، بعدَ زيارةِ أربعينَ «الإمامِ الحسين».
وخلال اجتماعٍ أجراه «الإطار»، أكَّد على فتْحِ قنواتِ «حوارٍ، وتواصُلٍ» مع كافةِ الأطرافِ السياسيةِ؛ بهدفِ التوصُّلِ إلى حلولٍ وتفاهماتٍ، تُسرِّعُ من مهامِ تشكيلِ الحكومةِ الجديدةِ، خلال المرحلة المقبلة مجددًا، والمُضيّ بتشكيل الحكومة الجديدة، واستئناف عمل البرلمان، وأنه لم يعُدْ هناك داعٍ للحديث عن حلّ البرلمان، بعدما رفضت المحكمة الاتحادية، الأسبوع الماضي، النظر بالشكوى، التي اعتبرتها خارج إطار صلاحيتها الدستورية.
والحل من وجهة نظر «الإطار» يتمثل في تشكيل الحكومة، واستئناف عمل البرلمان، لحين استكمال المهام المؤكلة إليه؛ لذا يواصل مساعيه في إجراءات انتخاب رئيسٍ جديدٍ، ودعا لاستئناف عمل البرلمان، ويبحث تشكيل الحكومة، بعيدًا عن «التيار الصدري».
تحالفا «السيادة» و«كردستان»
أكد تحالفا «السيادة»، الممثل السياسي عن العرب السنة في العراق، و«الحزب الديمقراطي الكردستاني»، الحاكم في إقليم كردستان العراق، في بيانٍ مشتركٍ، ضرورة إجراء انتخابات مبكرة، يسبقها تشكيل حكومة بصلاحياتٍ كاملةٍ، وسط ما يشير بأن التحالفيْن اتفقا على توحيد موقفهم السياسي من الأزمة الحالية، والحل من وجهة نظر الكُتلتيْن يستند إلى تشكيل الحكومة في البداية، ثم إجراء انتخابات مبكرة.
ثانيًا: مُحدِّدات إعلان حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة
تقدَّم «التيار الصدري» بدعوى لحل البرلمان، وقد ردَّت المحكمة القضائية العليا هذ الدعوى، وأعلنت أنها لا تملك السلطة الدستورية لحل البرلمان، وقالت: إن على «مجلس النُّواب العراقي» حل نفسه، في حالة عدم قيامه بواجباته الدستورية، معتبرةً أن «استقرار العملية السياسية يفرض على الجميع، الالتزام بأحكام الدستور، وعدم تجاوزه، ولا يجوز لأيّ سلطةٍ، الاستمرار في تجاوُز المُدَدَ الدستورية إلى ما لا نهاية»، ويوضح الدستور العراقي، آلية حل البرلمان، وهي: أن «المجلس» يُحل بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه بخياريْن؛ الأول: بناءً على طلب ثُلث أعضائه، والآخر: طلب من رئيس مجلس الوزراء، وبموافقة رئيس البرلمان.
ثالثًا: الرّهان على تحالف «السيادة» و«إقليم كردستان»
إن تحالف «السيادة» – أكبر تحالف سنّي عربي، له 36 مقعدًا في البرلمان – و«الحزب الديمقراطي الكردستاني» – أكثر من 30 مقعدًا – وكما ذكرنا آنفًا، أن تحالف «السيادة» و«إقليم كردستان» الحلفاء الرئيسيِّين لـ«التيار الصدري» في البرلمان، أعلنا ضرورة إجراء انتخابات مبكرة، يسبقها تشكيل حكومة بصلاحياتٍ كاملةٍ، فيما يبدو أنها اتفاق ضمني لموقفهم السياسي من الأزمة الحالية.
ومن جهةٍ أُخرى، فإن هناك مساعيًا من «الإطار التنسيقي»؛ لاستقطاب التياريْن، لكن يبدو أن هذه المساعي لم تنجح، فقد بلَّغ تحالفا «السيادة» و«إقليم كردستان»، «الإطار التنسيقي»، بأنهما لن يذهبا مع تشكيل أيِّ حكومةٍ دون موافقة حليفهم «الصدري»، في محاولةٍ من التياريْن أن يُمسكوا العصا من المنتصف، وعدم الانحياز إلى أيٍّ من «التيار الصدري» أو «الإطار»، والتمسُّك بالتوصُّل إلى حلولٍ توافقيةٍ، مرتكزة على ما أكدته الاتحادية العليا.
لذا من المرجح، أن تشهد الفترة القادمة، مبادرةً من «السيادة» و«كردستان»؛ للعمل على تقريب وجهات النظر بين «التيار» و«الإطار»، وفي حال فشل جهودهما، فإنهما لن يقفا مع «الإطار التنسيقي» ضد «التيار الصدري».
رابعًا: المسارات المحتملة
بالأخير: يمكن القول: إن مبادرات الحل المطروحة على الساحة العراقية الآن، غير كافية لحل حالة التأزُّم الموجودة، ولا تُكرِّس لحلٍّ على أساسٍ توافقيٍّ، ولا تضمن استقرارًا سياسيًّا مُسْتَدَامًا، كما يمكن التأكيد على أن الفاعلين الأساسيين في الداخل العراقي، والذي يمكنهم طرْح مبادراتٍ توافقيةٍ، هم كلٌّ من «مجلس السيادة» و«تحالف كردستان»، ورئيس الحكومة الحالية، مصطفى الكاظمي، وهنا يمكن التمييز بين مساريْن أساسييْن للتسوية:
«المسار التوافقي»: أن تستمر مساعي البحث عن مبادرة وحل مناسبيْن للتسوية، يخلق بناء عليه؛ حالة توافق بين «الإطار» و«التيار»، باعتبارهما طرفيْن أساسييْن في المعادلة، هذا المسار قد يتضمن مبادرةً جديدةً، يطرحها أيٌّ من الأطراف، التي يمكن أن تكون حلقة وصْلٍ كـ«التيار» و«كردستان»، أو «الكاظمي»، أو يكون بتقديم أحد الأطراف تنازلات، قد تُمثِّل استبعاد محمد سودان الشياع، واختيار رئيس وزراء يكون توافقيًّا غير «الكاظمي»، وهذا المسار هو المرجوُّ، والذي يضمن انتقالًا حقيقيًّا من الأزمة، وعدم اختلاق أزماتٍ أُخرى.
«المسار غير التوافقي»: يتمثل هذا المسار في الاستجابة لمطالب طرفٍ متين دون الآخر، إمَّا بحل البرلمان دون تشكيل حكومة جديدة؛ استجابةً لمطالب «الصدر»، أو انتخاب رئيس جمهورية، وتشكيل حكومة، دون موافقة «التيار الصدري»، واستكمال السيْر في تنفيذ رؤية «الإطار التنسيقي»، أو ربما اتخاذ المزيد من الإجراءات الاستثنائية، غير المستندة إلى الدستور، هذا المسار في ظاهره ينقل العراق لمرحلة جديدة، لكن يخلق كذلك مشكلات جديدة، ويُعمِّق الخلاف بين الأطراف، وهو مسار لا يُوصَى بسلْكِه مُطلقًا.