إعداد : مصطفى مقلد
مقدمة:
اعترفت إيران – بعد مماطلة ونفى متكررٍ- بأنها زوَّدت روسيا بطائرات مسيرة، لكنها أشارت إلى أنها أرسلتها قبْل أشهرٍ قليلةٍ، من بدْء هجوم القوات الروسية على أوكرانيا، وقالت وزارة الدفاع الأوكرانية: إن طائرة مسيرة، إيرانية الصُّنع، من طراز “مهاجر – 6″، استخدمتها القوات الروسية فى سماء شرق أوروبا، تحمل تواريخ تشير إلى أنها صُنعت فى فبراير الماضى، وهو الشهر الذى شنَّت فيه موسكو هجومها؛ ما يتعارض مع مزاعم طهران، بأنها باعت الأسلحة قبل بداية الحرب.
واستخدمت موسكو هذه الطائرات؛ لاستهداف محطات طاقة، وبنية تحتية مدنية؛ ما دفع الاتحاد الأوروبى وبريطانيا لفرض عقوبات على طهران، ومع ذلك نفى وزير الخارجية الإيرانى، استمرار بلاده فى تزويد موسكو بهذه الطائرات.
ونقلًا عن “فرانس 24″، فإن مسؤولين ودبلوماسيين إيرانيين، قالوا: إن إيران وعدت بتزويد روسيا بصواريخ “أرض – أرض”، بالإضافة إلى مزيدٍ من الطائرات المسيرة، وبذلك تصبح إيران الدولة الوحيدة فى العالم، التى ساعدت روسيا فى حربها على أوكرانيا بالأسلحة، كذلك زعم البيت الأبيض، بأنه ليست المسيرات الإيرانية التي تنتشر (في أوكرانيا) وحسب، بل إن هناك أيضًا مدربين إيرانيين وعاملين فى الدعم التِّقنى، موجودين فعليًّا فى شبه جزيرة القرم، التى تحتلها روسيا، ويساعدون فى إطلاق هجمات المسيرات على أوكرانيا.
وأدَّت حرب روسيا ضد أوكرانيا إلى تقريب موسكو وطهران من بعضهما أكثر من أى وقتٍ مضى؛ ما يحمل انعكاساتٍ خطيرةٍ على ملفات حيوية، بالنسبة لإيران، وعلى رأسها، ملف الاتفاق النووى الإيرانى، فى الوقت ذاته، فإن إيران تُمنِّى النفس بألا تكون نهاية الحرب فى غير صالح روسيا، فإيران تواجه الضغوط الغربية باللعب على الأوتار “الروسية، والصينية”.
ويمكن القول: إن تقهقر القوات الروسية على ساحة المعركة، وزيادة فرص أوكرانيا بالخروج من الحرب بأفضل النتائج، بجانب محاولة إحكام عزلة “مالية، وتجارية” على روسيا من جانب الغرب، يُضعف من مساحة إيران على المناورة فى الاتفاق النووى، ويمنح الغرب مزيدًا من القدرة على ممارسة الضغوط على إيران.
تدهور علاقات إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية:
أصدر مجلس محافظى الوكالة الدولية للطاقة الذرية قرارًا، فى 17 نوفمبر الماضى، يأمر إيران بالتعاون على نحوٍ عاجلٍ بتحقيق الوكالة فى آثار اليورانيوم، التى تم العثور عليها فى 3 مواقع غير معلنة، يأتى هذا بينما يواصل المجلس مناقشاته في فيينا، بشأن ملف إيران النووى، وتحقيقات الوكالة، بشأن مواقع إيرانية، والقرار هو الثانى الذى يصدر هذا العام، موجهًا لإيران بشأن التحقيق، الذى أصبح عقبة أمام محادثات إحياء الاتفاق النووى، الموقع عام 2015؛ لأن طهران تطالب بإنهاء التحقيق.
قال وزير الخارجية الإيرانى: إن إيران ستتخذ “إجراءات انتقامية” ضد القرار، وادَّعى أن القرار طُرح بشكلٍ غير متوقعٍ؛ للتأثير على الوضع الداخلى فى إيران، وبما يتماشى مع “سياسة الضغط القصوى” للولايات المتحدة ضد طهران.
إيران كمشارك فى الحرب الأوكرانية:
أثار إمداد إيران روسيا بطائرات مسيرة، غضب الدول الغربية؛ ما قلَّل بالفعل من فرص العودة للاتفاق النووى؛ حيث بدأ الغرب بإرسال الانتقادات لإيران، بعد اشتعال التوتُّر فى ملفاتٍ جديدةٍ موازيةٍ لملف الاتفاق النووى، وجاء ذلك فى تصريح وزير الخارجية البريطانى “كليفرلى”، فى مؤتمر حوار المنامة فى البحرين، بقوله: إن “الأسلحة الإيرانية تهدّد المنطقة بأسرها”، مشيرًا إلى أن “البرنامج النووى الإيرانى اليوم أكثر تقدُّمًا من أىِّ وقتٍ مضى، والنظام لجأ إلى بيْع روسيا الطائرات المسيرة المسلحة، التى تقتل المدنيين في أوكرانيا، بينما يتظاهر شعبهم ضد عقودٍ من القمع، يريق حكام إيران فيه الدماء”، وذلك بعد يومٍ من تعريف رئيسة المفوضية الأوروبية “فون دير لاين” إيران، باعتبارها “مشكلة عالمية”.
وجاء السخط الغربى، والإعداد لفرْض عقوباتٍ، بعد اعتراف إيران بإرسال تلك الأسلحة؛ ما يحمل شيئًا من التناقض، عند مقارنة ذلك بردِّ الفعل الغربى عند بداية التظاهرات فى إيران، منتصف سبتمبر الماضى، الذى وُصف بـ”التمهُّل”؛ بهدف عدم اعتبار ذلك تدخُّلًا لصالح المتظاهرين الإيرانيين، وهو ما لم يُرِد الغرب حدوثه؛ حتى لا يتأثر مسار المحادثات النووية فى فيينا.
ويمثل إمداد روسيا بالأسلحة “خط أحمر” تجاوزته إيران؛ فهو يهدد أمن أوروبا، ويمثل تطوُّرًا خطيرًا فى طبيعة العلاقات بين “إيران، وأوروبا”، وهو تطورٌ قد يؤدى فى النهاية لتغيير الغرب إستراتيجية مواجهة إيران، وذلك فى ضوء تعدُّد وتنوُّع موضوعات الاختلاف، والاحتكاك بين “إيران، والغرب”، بالتوازى مع انخفاض فرص التفاهم، خاصةً فى ملف الاتفاق النووى، خاصةً فيما يتعلق بتحقيق الوكالة الذرية فى آثار اليورانيوم، التى تمَّ العثور عليها، فى 3 مواقع غير معلنة فى إيران.
ويأتى سلوك إيران المُثير لغضب أوروبا، فى وقتٍ تتودد فيه لدول الخليج؛ بهدف زيادة إمدادات الطاقة؛ لمواجهة أزمة الطاقة المشتعلة فى أوروبا؛ نتيجة الحرب الأوكرانية، وكذلك لرغبة أوروبا فى ضْبط سوق الطاقة العالمى، فى ضوء مساعى مجموعة السبع، فرض سقفٍ لأسعار النفط الروسى، وهو قرار سيؤدى لتقلُّباتٍ فى أسعار الطاقة عالميًّا؛ ما يمنح الخليج نفوذًا، تسعى من ورائه؛ لعرقلة إحياء الاتفاق النووى الإيرانى، المُبْرَم فى 2015.
تدهور العلاقات “الإيرانية – الأمريكية”:
عبَّرت الولايات المتحدة عن “قلق عميق”، بشأن التقدُّم الذى تحرزه إيران فى برنامجها النووى، بعدما كشفت تقارير إيرانية، عن بدْء تخصيب اليورانيوم، بدرجة نقاء 60%، القريبة من الدرجة اللازمة؛ لصنع أسلحة فى موقع “فوردو”، باستخدام أجهزة الطرد المركزي “IR-6″، وهو ما أكدته الوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ لذا كرَّرت إدارة “بايدن” تهديدها، مؤكدةً أن جميع الخيارات “متاحة” على الطاولة؛ لمنع طهران من الحصول على قدرة أسلحة نووية.
فى سياقٍ موازٍ، حذَّر نائب وزير الخارجية الروسى، 29 نوفمبر الماضى، من أن جهود إحياء الاتفاق النووى الإيرانى، باتت على وشك الانهيار، فى وقتٍ تبدأ فيه مناورات جوية بين “الولايات المتحدة، وإسرائيل”؛ لمحاكاة توجيه ضربات لمواقع نووية إيرانية، فقد أعلن الجيش الإسرائيلى، أنه سيُجرى تدريبات جوية مشتركة مع الجيش الأمريكى، ومحاكاة ضربات ضد مواقع بعيدة، على غرار ما قد يحتاجه الطيارون الإسرائيليون؛ للوصول إلى إيران، وفق ما ذكرته صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية، وستحاكى عددًا من سيناريوهات التهديد الإقليمى.
وتمَّ تحديد هذه التدريبات خلال زيارة رئيس أركان الجيش الإسرائيلى “أفيف كوخافى” إلى الولايات المتحدة، الأسبوع الماضى؛ حيث أخبر المسؤولين العسكريين الأمريكيين، أن البلديْن بحاجةٍ إلى تكثيف تعاونهما العسكرى؛ استعدادًا لهجومٍ محتملٍ ضد إيران، بحسب تقارير إسرائيلية.
ونقل موقع “والا” الإخبارى الإسرائيلى، عن مسؤول أمنى إسرائيلى، قوله: إنه فى الاجتماعات الأخيرة لممثلي الجيش الإسرائيلي مع نظرائهم الأمريكيين، “أظهروا تقدُّمًا فى استعدادهم للخيار العسكرى ضد إيران، وتم نقل رسائل، مفادها، أنه من أجل ردع إيران، يجب إظهار خيارٍ عسكرىٍ حقيقىٍ ومناسبٍ للتهديد”.
ختامًا
فإن تعنُّت إيران فى محادثات فيينا؛ على أمل الحصول على تنازلات غربية، قد جاء بمردودٍ عكسىٍّ، خاصةً بعد اندلاع التظاهرات فى الشارع الإيرانى؛ ما يُضعف موقف النظام خارجيًّا، بالإضافة للضربات التى وجهتها إيران لإقليم كردستان داخل العراق؛ ما أثار الغضب دوليًّا ضد إيران؛ حيث انفجر الاستنكار الدولى؛ نتيجة جملة تحرُّكاتٍ قامت بها إيران، يأتى على رأسها، اعتراف طهران بتزويد روسيا بمسيرات فى حربها على أوكرانيا، وكذلك المُضى قُدُمًا فى تخصيب اليورانيوم، والتحلُّل من المزيد من التزاماتها النووية، فى وقتٍ يبدو متزامنًا.
وعليه؛ فإنه يمكن القول: بسهولة أن فرص إحياء الاتفاق النووى قد تقلَّصت؛ نتيجة تزايد التوترات فى ملفات متعددة وشائكة بين أطراف الاتفاق، وفى وقتٍ يشعر الغرب بامتلاك زمام الأمور فى الحرب الأوكرانية، بعد تقهقُر القوات الروسية على عدة جبهات؛ ما يُفقد إيران عاملًا مساعدًا، كانت ترتكن إليه؛ لمواجهة الضغوط الغربية عمومًا.