المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > المشاركةُ غيرُ الممكنةِ: لماذا لا مكانَ لإسرائيل على طاولةِ المفاوضات النووية؟
المشاركةُ غيرُ الممكنةِ: لماذا لا مكانَ لإسرائيل على طاولةِ المفاوضات النووية؟
- أبريل 11, 2025
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات

إعداد: مصطفى مقلد
باحث فى العلوم السياسية
مقدمة:
في ضوءِ عودةِ المفاوضاتِ النوويةِ بين الولايات المتحدة وإيران بوساطةٍ عُمانيةٍ، برزَ تصريحُ الرئيسِ الأمريكي دونالد ترامب عن “رغبة إسرائيل” في المشاركة في هذه المفاوضات وهو ما يطرح تساؤلاتٍ حول مدى جدية هذا الطرح وتداعياته على التوازنات الإقليمية، حيث يأتي هذا التصريح في سياق متشابك، حيث تسعى واشنطن إلى تحقيق توازن دقيق بين ضمان أمن حليفتها إسرائيل، والحفاظ على مسار التفاوض مع طهران التي ترفض أي دور لتل أبيب في الملف النووي.
تصريحٌ ملُفتٌ:
قالَ الرئيسُ الأميركيُ إن بلاده بدأتْ مباحثاتٍ مع إيران بشأنِ الملفِ النووي، ورأى أن من البديهي أن يكونَ التوصلُ إلى اتفاقٍ هو “الأمر المفضل”. وأضاف أن هذه المباحثات تأتي في إطار السعي لتفادي الصدام والتوصل إلى اتفاق نووي جديد مع إيران، مشيرا إلى أن الاتفاق المقبل “قد يكون مختلفا وأكثر قوة”، لكنه حذرَ من فشلِ المحادثاتِ قائلا إن ذلك “سيعرضُ إيران لخطرٍ كبير”، وأكد في الوقت ذاته أن طهران “لا يمكنها الحصول على سلاح نووي”.
وتابع أن إسرائيل “ترغبُ في أن تكونَ شريكا” في هذه المفاوضات، في إشارةٍ إلى رغبة تل أبيب في لَعِبِ دورٍ في تحديدِ مخرجاتِ أي اتفاق محتمل. [1]
صيغةُ التصريح:
اتسمتْ صياغةُ التصريحِ بالغموض والمرونة، حيث قال ترامب أن “إسرائيل ترغب في أن تكون شريكًا في هذه المفاوضات، وتريد أن تكونَ ضالعةً في ذلك”، دون أن يوضحَ ما إذا كانت هذه الرغبة محلَ تأييدٍ منه أو من إدارته، أو حتى ما إذا كانت قابلةً للتحققِ، وهذه اللغة تُبقي البابَ مفتوحًا دون التزام.
كما نسب ترامب الرغبة لإسرائيل وليس لنفسه، وكأنه يقولُ إن إسرائيلَ تضغطُ لتكونَ جزءًا من التفاوض. بالتالي يبدو هذا التصريحُ وسيلةً لاسترضاءِ إسرائيل، وخصوصًا نتنياهو، بعد أن تفاجأت تل أبيب بعودة المفاوضات مع طهران بوساطة عُمانية دون معرفة مسبقة قبل زيارته لواشنطن.
رمزيةُ التصريح ِبإشراك إسرائيل:
ترامب يعلمُ أن إسرائيلَ لا ترغبُ في التفاوض مع إيران، ويعلم أن نتنياهو يفضل استخدام القوة العسكرية ضد إيران، وعليه، فتصريح ترامب يُشيرُ لمحاولاتِ واشنطن دمج إسرائيل في المنظومة الأمنية للشرق الأوسط، وبالتالى التأكيد على الالتزام بحماية إسرائيل. ويعكسُ كذلك استكمالُ ترامب سلسلةُ ضغوطهِ على إيران عبر الإشارة إلى الدور الإسرائيلي المحتمل في المفاوضات.
ما الدورُ المحتملُ:
مشاركةُ إسرائيل قد تأتي في شكلِ طرفٍ استشاريٍ للولايات المتحدة ومن المؤكد والبديهي، ليس طرفا على طاولة المفاوضات، ومع ذلك، يتيحُ لها هذا تأثيرًا غيرَ مباشرٍ على مخرجاتِ المفاوضاتِ ما يُسهمُ في توجيهِ المفاوضاتِ نحو ما يراعي المصالح الأمنية الإسرائيلية، دون أن تتورطَ إسرائيل بشكلٍ مباشر ٍفي عملية التفاوض.
مجرد استرضاء؟
خلال زيارته لواشنطن، لم يتمكنْ نتنياهو من الحصول على تعهدٍ من الرئيسِ الأمريكي بإلغاء الرسوم الجمركية على إسرائيل، فضلا عن أنه لم يتمكنْ أيضا من الحصول على تأييدٍ مطلقٍ من ترامب بشأن الحرب على غزة، كما أنه لم يتمكنْ من دفْعِ ترامب لموقفٍ أكثر راديكالية من إيران، بل على العكس تفاجأ بإعلان ترامب عن المفاوضات المباشرة مع الإيرانيين بشأن الملف النووي، وتفتح هذه المفاوضات البابَ أمامَ تجنّبِ توجيهِ ضرباتٍ عسكريةٍ أمريكيةٍ لإيران، وهو الخيار الذي يسعى نتنياهو لتحقيقه.[2]
إن إشراكَ إسرائيل يُعدُ أمرًا غير واقعيٍ من الناحيتين القانونية والدبلوماسية، فإسرائيل ليست طرفًا في معاهدة عدم الانتشار النووي، ولا يحقُّ لدولةٍ غيرِ موقّعةٍ المشاركةُ في مفاوضات تنفيذ المعاهدة، وسيكون ذلك تناقض صارخ لا تتحمله المفاوضات، فكيف لدولةٍ تمتلكُ ترسانةً نوويةً غيرَ مرخصة تشارك في مراقبة برنامج نووي أخر “قد يصبح” قانوني، كما أن إسرائيل لم تكن جزءًا من الاتفاق النووي السابق عام 2015.
موقفُ إيران
إيرانُ ترفضُ بشدةٍ أيَ تدخلٍ إسرائيلي في المفاوضات النووية، حيث تعتبر تل أبيب عدوًا رئيسيًا في المنطقة، فأيُ إشراكٍ لإسرائيل في المفاوضات يعني تشديدَ الضغوطِ عليها وتعديلَ الاتفاقِ لصالح المصالح الإسرائيلية، ما يعني أن أي محاولة لإدخال إسرائيل في التفاوض ستؤدي إلى انسحابِ إيران فورًا، وانهيارِ مسارِ المفاوضات برمّته، ومن المرجح أن تستخدم طهران هذا التصريح كدليلٍ على سوءِ نيةٍ أميركية إذا ساءت الأمور في التفاوض.
السعوديةُ تتابع:
-
تجاهل وساطتها بخصوص الملف النووي
تمَّ تَجاهلُ الوساطةِ السعوديةِ ضمنياً، في سياق استئناف المفاوضات النووية مع إيران في سلطنة عمان، ولا يمكن اعتبار ذلك حادثًا عابرًا، فمن جهة، تعكس هذه الخطوة تفضيل واشنطن التهدئة الثنائية مع طهران بعيدًا عن تعقيداتِ التداخلاتِ الإقليميةِ وحساسية العلاقات السعودية الإيرانية، التي قد تعرقلُ مسارَ التفاوضِ بمطالبَ إضافيةٍ. ومن جهةٍ أخرى، تُفهم هذه الإشارة كرسالةٍ ضمنيةٍ مفادها أن الملفَ الإيرانيَ لا يزال يُدار من منظور “صفقة ثنائية” بين واشنطن وطهران، وليس من منطلق مقاربة أمنية إقليمية شاملة، وهو ما يُضعف – ولو مرحليًا – من الدور السعودي في هذا الملف.
كما أن إعلانَ الرئيس الأميركي عن نيتهِ جعلَ الرياضَ أولى محطاتهِ الخارجيةِ في منتصف مايو المقبل يحمل أبعادًا رمزية، حيث يعكسُ هذا التوجهُ إشارةَ طمأنةٍ مفادها أن السعودية ستظل شريكًا استراتيجيًا للولايات المتحدة في ملفات المنطقة، وقد ترى الرياض في زيارة ترامب فرصةً للضغطِ الإيجابيِ، من خلال ربط ملفات التعاون الأخرى بإشراكها لاحقًا في صياغة ترتيبات ما بعد الاتفاق النووي، بما يحفظ توازن القوى الإقليمي ويضمن مصالحها الأمنية والاقتصادية.
-
تصريحُ ترامب بشأنِ رغبةِ إسرائيل في المشاركة في المفاوضات النووية
من منظورِ السعودية، فإن مجردَ الإشارةِ إلى رغبةِ إسرائيل في أن تكونَ شريكاً في مفاوضات من هذا النوع، قد لا تكون تصريحاً عابراً، فحتى لو قدّمه ترامب بصفته يعبر عن رغبة إسرائيلية، فإن عدمَ معارضته، يُقرأ كإشارةِ قبولٍ ضمنيٍ أو كمحاولةِ “ترضية” لتل أبيب التي عبّرت عن امتعاضها من عودة القنوات التفاوضية بين واشنطن وطهران، لا سيَّما عبر الوساطة العمانية بعيداً عن التنسيق الإسرائيلي.
هذا التوجّهُ الأميركيُ قد يثيرُ لدى السعودية تساؤلاتٍ استراتيجيةً حول موقعها في صياغة أي اتفاق نووي جديد، خاصة إذا ما استُبعدت من المفاوضات أو جرىَ تَهميشُ وساطتهِا كما حدث مؤخراً. فالمملكة، التي تُعدُ من أبرزِ الأطرافِ الإقليميةِ المتضررةِ من البرنامج النووي الإيراني، تنظر إلى أي تغييب لها في هذا الملف على أنه إضعافٌ للدور الخليجي العربي، وفتح الباب أمام قوى خارجية، كإسرائيل، للتأثير في معادلات الأمن الإقليمي.
في هذا السياق، يُرجّحُ أن تقرأ السعودية تصريحَ ترامب على أنه توجّهٌ مقلقٌ، لكنه قابلٌ للاحتواء ضمن الأُطرِ الدبلوماسيةِ، خاصةً في ظل الإعلان عن زيارة مرتقبة لترمب إلى الرياض منتصف مايو القادم. وتدرك القيادة السعودية أن واشنطن، سواء في عهد ترمب أو غيره، لا تزالُ بحاجةٍ إلى دور الرياض كفاعلٍ إقليميٍ محوريٍ، لا سيَّما في ظل تعقيدات الملف الإيراني وتشابك المصالح الخليجية الأميركية.
ختاما، يُظهرُ التصريحُ الأمريكيُ عن إشراك إسرائيل في المفاوضات النووية مع إيران تناقضاً صارخاً بين الرمزية السياسية والواقع الاستراتيجي. فمن ناحيةٍ، تسعى واشنطن إلى طمأنةِ إسرائيل دون إفشالِ المسارِ التفاوضيِ، ومن ناحيةٍ أخرى، تدرك أن أيَ دورٍ لتل أبيب ولو غير مباشر قد يُفشلُ المفاوضاتِ بسبب الموقف الإيراني الثابت.
المصادر:
[1] ترامب يأمل وقف الحرب على غزة ويتحدث عن مباحثات مباشرة مع إيران.. https://linksshortcut.com/GSjBf
[2] نتنياهو عاد “خالي الوفاض” من البيت الأبيض.. https://linksshortcut.com/lphPE