المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الدراسات الأفريقية > أوراق بحثية > المغرب: بين الاستقرار الداخلي والطموح الخارجي
المغرب: بين الاستقرار الداخلي والطموح الخارجي
- يناير 6, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: أوراق بحثية تقارير وملفات وحدة الدراسات الأفريقية
لا توجد تعليقات
إعداد: ريهام محمد
باحثة متخصصة في وحدة شؤون الشرق الأوسط
تُعد المملكة المغربية لاعبًا استراتيجيًا رئيسيًا في شمال إفريقيا، مستفيدًا من موقعه الجغرافي كجسر بين أوروبا وإفريقيا، ونظامه السياسي الذي يجمع بين الاستقرار والانفتاح، وبفضل سياساته التنموية وإصلاحاته الاقتصادية، ظهرت الرباط كقوة اقتصادية محورية مدعومة بتنوع اقتصادي واستثمارات استراتيجية في مجالات البنية التحتية والطاقة المتجددة.
يركز هذا التقرير على تقديم تحليل استراتيجي شامل لعوامل القوة الداخلية للمغرب وسياسته الخارجية الفاعلة، لا سيما تجاه القارة الإفريقية، كما يستعرض التقرير أهم التهديدات الداخلية وكيفية التعامل معها، بالإضافة إلى الصعوبات الخارجية التي يواجهها المغرب، وكيف يوازن بين معالجة هذه القضايا الحساسة وتعزيز دوره الإقليمي والدولي، بما يعكس ديناميكية سياسته ومرونته الاستراتيجية للحفاظ على مركزه كقوة إقليمية ناشئة.
المحددات الداخلية للمغرب:
إستراتيجيًا: يتميز المغرب بموقع استراتيجي مهم يساعده على التطور الاقتصادي والانفتاح الحضاري، وذلك نظرًا لوقوعها في الجزء الشمالي الغربي من قارة أفريقيا، فيحدّها من الشرق، والجنوب الشرقي دولة الجزائر، بينما يحدّها من الجنوب الصحراء الغربية، ويحدّها من الغرب المحيط الأطلسي، ومن الشمال البحر الأبيض المتوسط، وتبعد عن قارة أوروبا بمعدل 15 كم فقط، من خلال مضيق جبل طارق، وبذلك يعتبر نقطة عبور واتصال بين أوربا ودول المغرب العربي من جهة ومع باقي أفريقيا من جهة أخرى.
جدر بالذكر أنّ دولة المغرب هي الدولة الوحيدة في قارة أفريقيا التي تُطلّ ساحليًا على المحيط الأطلسي، والبحر الأبيض المتوسط، إذ تبلغ المساحة المطلة عليهما بمقدار 3500 كم، ويحاول المغرب الاستفادة من موقعه في تطوير البنيات الاقتصادية والاجتماعية، بتمتين علاقاته مع أوربا، وتشجيع قطاع السياحة لجلب العملة الصعبة، ونتيجة موقعه الإستراتيجي، كان المغرب منذ القدم نقطة إلتقاء لمختلف الحضارات، وساهم انفتاحه على أوروبا وإفريقيا عبر مسالك التجارة والقوافل في ازدهار اقتصاده.[1]
سياسيًا؛ بعد استعادة المغرب لاستقلاله في عام 1956، اعتمد نظاماً برلمانياً ليصبح من بين أوائل الدول العربية التي تسير نحو الديمقراطية، فوفقًا للدستور المغربي، تقوم الحكومة على شكل ملكية دستورية برلمانية ديمقراطية حيث تُمارس السيادة بواسطة الأمة بشكل مباشر عبر الاستفتاءات وبشكل غير مباشر من خلال المؤسسات الدستورية، كما يشهد المغرب وجود تعددية حزبية تتيح للأحزاب السياسية والنقابات والجماعات المحلية والغرف المهنية دورًا فعالًا في تنظيم المواطنين وتمثيلهم، بينما يُعتبر نظام الحزب الواحد غير قانوني، وتتكون الحكومة من رئيس وزراء ووزراء وتكون مسؤولة أمام الملك والبرلمان.[2]
أما بالنسبة للسلطة التشريعية، فإن البرلمان المغربي يتألف من مجلسين: مجلس النواب ومجلس المستشارين، ويستمد أعضاؤه سلطتهم من الأمة وحق التصويت هو حق شخصي لا يمكن تفويضه، فيما يقوم النظام القضائي على مبدأ استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية ويرأس الملك المجلس الأعلى للقضاء، ويشمل التنظيم القضائي بالمملكة مجموعة متنوعة من المحاكم تشمل 84 محكمة ابتدائية وسبع محاكم إدارية بالإضافة إلى ثماني محاكم تجارية و22 محكمة استئناف ومحكمتين مختصتين بالاستئناف الإداري وثلاث لمحكمة الاستئناف التجاري ومحكمة النقض.
اقتصاديًا: يتميز الاقتصاد المغربي بالتنوع واعتماده على قطاعات رئيسية تشمل الزراعة والصناعة والتعدين والسياحة، اذ تشكل الزراعة نحو 12-15% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما يعتبر المغرب أحد أكبر الدول المصدرة للفوسفات في العالم، إلى جانب موارده المعدنية الأخرى، كما يشهد القطاع الصناعي نموًا لافتًا خاصة في مجالات صناعة السيارات والطيران، بدعم من مناطق صناعية حديثة مثل “طنجة الحرة”، كما تلعب السياحة دوراً مركزياً أيضًا، حيث تساهم بما يقرب من 7-9% من الناتج المحلي الإجمالي وتجذب ملايين السائحين سنويًا.
يعتمد الاقتصاد المغربي بقوة على التجارة مع الاتحاد الأوروبي وكذلك الاستثمارات الأجنبية، وعلى مدار السنوات الأخيرة، أطلق الملك محمد السادس عددًا من المشاريع الكبرى في مجال البنية التحتية مثل ميناء طنجة المتوسط (شمال) وخط القطار فائق السرعة بين طنجة والدار البيضاء ومشروع محطة “نور” للطاقة الشمسية بالإضافة إلى تعزيز صناعات السيارات والطيران، كما توجد مشاريع مستقبلية تهدف لإنتاج الهيدروجين الأخضر أو تطوير الصناعة المحلية وتعزيز “القوة الناعمة” للبلاد؛ ومن الأمثلة على ذلك القرار الأخير للانضمام الى إسبانيا والبرتغال لترشيحهم لاستضافة كأس العالم 2030،[3] ومع ذلك، يواجه تحديات تتعلق بالبطالة والفروقات الجهوية– والتي تتمثل في تفاوت مستوى التنمية والخدمات بين المناطق– بالإضافة إلى الاعتماد على واردات الطاقة، لكن بالرغم من هذه الصعوبات، أثبت الاقتصاد المغربي قوته أمام التحديات نتيجة للتنويع الذي حققه خلال العقدين الماضيين عبر توسيع شراكاته الاقتصادية لتشمل دول غير تقليدية في شرق آسيا وشرق أوروبا وأميركا اللاتينية؛ مما يعكس استراتيجيتها للنمو المستدام حتى عام 2035 مع هدف مضاعفة الإنتاج والمواد الخام خلال تلك الفترة.
السياسة الخارجية للمغرب:
تستند السياسة الخارجية المغربية إلى مقاربة متوازنة تهدف إلى تعزيز مصالح المملكة على المستويين الإقليمي والدولي، مع الحفاظ على استقلاليتها وخصوصية مواقفها.
على الساحة الدولية والاقليمية، عمل الملك محمد السادس على “تنويع الشراكات”، بعد أن كانت العلاقات مركّزة لفترة طويلة مع فرنسا والاتحاد الأوروبي، وقد أصبح مسعى المغرب نحو الجنوب جليًا في سياسته الخارجية الإفريقية خلال السنوات الأخيرة، حيث أثمرت هذه الاستراتيجية الجديدة عن إنجازات ملحوظة، أبرزها الانضمام إلى الاتحاد الإفريقي بداية عام 2017، وتَقلُّد عضوية مجلس الأمن والسلم الإفريقي أوائل عام 2018، بالإضافة إلى تقديم طلب الانضمام للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا وزيادة المشاريع الاستثمارية في عدد من الدول الإفريقية. جاءت هذه النجاحات نتيجة جهود دبلوماسية مستمرة مصحوبة بأدوات اقتصادية واستثمارية فعالة.[4]
في جانب آخر، تبقى قضية الصحراء الغربية أولوية لم تُحسم بعد ويحيط بها نزاع طويل الأمد مع جبهة البوليساريو التي تسعى للاستقلال بدعم من الجزائر، اذ يُعتبر الملك أن “ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب للعالم”، وفي العام الماضي (2023)، حصل المغرب على تأييد إسبانيا – القوة الاستعمارية السابقة للإقليم المتنازع عليه – لخطة “الحكم الذاتي” تحت السيادة المغربية كحل للنزاع، بينما تطالب جبهة البوليساريو بإجراء استفتاء حول تقرير المصير تحت إشراف الأمم المتحدة، وقبل ذلك بفترة قصيرة، نال العاهل المغربي اعتراف الولايات المتحدة بـ”مغربية” الصحراء أواخر سنة 2020 ضمن اتفاق شمل أيضًا تطبيع العلاقات الوثيقة مع إسرائيل والتي اتخذت موقفًا مشابهًا في يوليو 2023.
وفي هذا الشأن، يعتمد المغرب نهجاً يجمع بين المبادرات السياسية والمشاريع التنموية والاستثمارات الاقتصادية لتعزيز موقفه فيما يخص قضية الصحراء؛ حيث يستخدم استراتيجيته الاستثمارية كوسيلة لكسب الدعم لقضيته، اذ تعمل الرباط على ترويج نفسها كشريك اقتصادي قوي من خلال مشاريع تنموية ضخمة تشمل البنية التحتية والزراعة والطاقة المتجددة مثل مشروع “أنبوب الغاز الأفريقي” الذي يربط نيجيريا بأوروبا عبر الأراضي المغربية؛ مما يؤدي إلى إقامة شراكات اقتصادية متينة مع العديد من الدول الإفريقية ودفع بعضها لإعادة النظر في مواقفها حيال النزاع القائم.
كيف تتعامل المغرب مع التهديدات غير التقليدية؟
تواجه المملكة نوعًا من التهديدات يُمكن وصفها بالتهديدات المرنة، والتي تُعد الأكثر أهمية بالنسبة للمغرب في الوقت الراهن، وتتعلق هذه التهديدات بالأبعاد الأمنية غير التقليدية المرتبطة بالعوامل الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية والدينية. وفي هذا السياق، يمكن تحديد ثلاثة تهديدات رئيسية تعاني منها المغرب ووسائل تعامل الدولة معها كما يلي:
التحديات الاقتصادية: يواجه الاقتصاد المغربي ثلاث مشاكل رئيسية:
الأولى تتعلق بمسألة المياه، حيث يعمل المغرب على معالجة أزمة المياه بشكل أساسي من خلال اعتماد تحلية مياه البحر، وإنشاء محطات لتحلية المياه وإقامة خزانات مائية، وترتبط الثانية بتكاليف الطاقة، إذ يسعى المغرب لزيادة إنتاجه من مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة ليصل إلى 52 بالمئة بحلول عام 2030، فيما تتمثل المشكلة الثالثة في التضخم؛ فالمغرب يبذل جهوداً لتقليص معدلات التضخم عبر تحقيق موسم زراعي جيد والحفاظ على استقرار الأسعار بالنسبة للنفط والمواد الأولية والخدمات والسلع الغذائية.
وفي هذا الصدد، قام البنك المركزي المغربي بزيادة معدلات الفائدة مرتين خلال العام الماضي 2023 لتبلغ 3 بالمئة، وهو أعلى مستوى منذ عام 2014، بالإضافة إلى ذلك، تواصل الحكومة دعم أسعار الغاز والسكر والدقيق عبر صندوق المقاصة بمبلغ يقارب الثلاثة مليارات دولار، فضلاً عن دعم العاملين في مجال نقل المسافرين والبضائع واستمرار تثبيت أسعار الكهرباء.[5]
الفوارق الاجتماعية: تشكل الاختلافات الاجتماعية داخل المغرب تهديداً داخلياً يعوق الاستقرار والتماسك الاجتماعي؛ يتجلى ذلك في التفاوت الواضح بين المناطق الحضرية الغنية بالخدمات والمناطق القروية التي تعاني نقص البنية الأساسية والفقر المدقع، من جانب اخر؛ يمثل الشباب والنساء أكثر الفئات تأثراً نتيجة البطالة والإقصاء الاجتماعي مما يؤدي الى تصاعد الاحتجاج الشعبي وعدم الثقة بالمؤسسات الحكومية كما تُعطل هذه الفجوات التنمية الشاملة وتحد من الاستفادة من الموارد البشرية، مما يستوجب تبني سياسات عادلة لتقليص التفاوت وتعزيز الاستقرار الوطني، ما يستدعي فرض سياسات عادلة للحدّ منها وتعزيز المصالحة الوطنية وهو ما يمثل تحدياً حقيقياً للعاهل المغربي، وعلى الرغم من محاولاته التنموية فإن الهوة تزداد اتساعًا بين الأغنياء والفقراء وبين الحواضر والأرياف. [6]
الهجرة الجماعية: تُعتبر موجات الهجرة التي تشهدها المملكة المغربية أحد الأنماط غير التقليدية؛ حيث كانت المغرب لعقود طويلة بلدًا مُصدراً للهجرة، لكن بروز الأحداث في الشرق الأوسط وأفريقيا أضفى عليها صبغة جديدة بحيث باتت وجهة للمهاجرين، وأدت النزاعات المتزايدة إلى نزوح جماعات من السكان نحو المغرب الذي تحول إلى نقطة عبور نحو أوروبا.
ومع الأيام، ومع استمرار التشدد في السيطرة على المنافذ الأوروبية، بدأت المملكة تناسب المهاجرين كبديل للاستقرار ما أدى لظهور تحديات أمنية جديدة مرتبطة بعدم المعرفة الدقيقة بخلفيات هؤلاء المهاجرين وتوجهاتهم الثقافية وقدرة الحكومة على ضبطهم داخل البلد، كما برز أمام المغرب تحدٍ اقتصادي مع زيادة عدد المهاجرين الذي يُقدر بعشرات الآلاف وضرورة إدماجهم ضمن نسيج المجتمع المغربي، مما يرتبط أيضًا بمخاوف تتعلق بزيادة الجرائم الاقتصادية المرتبطة بأعباء العيش.
في ظل هذه الصعوبات وغيرها المتعلقة بتزايد أعداد المهاجرين، انتهجت السياسة المغربية تجارب الإدماج من خلال “شرعنة” أو توطين العمالة الوافدة، إذ قام الملك محمد السادس بتشكيل لجنة لتسوية أوضاع اللاجئين تقدم إليها حوالي 100 ألف طلب تم قبول نصفهم تقريباً، وقد نجحت هذه التجربة بشكل ملحوظ في مواجهة الانتقادات الدولية موجهة ضد البلاد.[7]
الراديكالية والتطرف: ظهرت هذه القضية في المغرب منذ التسعينيات، حيث برزت الحركات الإسلامية بشكل ملحوظ خلال تلك الفترة، ولكن تم تجاهلها للتصدي للتيار اليساري، مما جعلها فيما بعد شكلت عبئاً على الدولة، وغدت أحداث 2003 نقطة تحول كبيرة عندما وقعت سلسلة من الهجمات الإرهابية الكبيرة في الدار البيضاء ومراكش، وهو ما استدعى اتخاذ تدابير أمنية صارمة وشن حملة اعتقالات واسعة النطاق أسفرت عن توقيف 3000 شخص وإصدار عقوبات مشددة بالحبس لعدد كبير منهم، كما واجه حزب العدالة والتنمية تهديدات بحله بسبب تحميل جهات عديدة له مسؤولية هذه الهجمات.
وبعد عام 2003، تبنت المغرب استراتيجية أمنية تتضمن بُعدين؛ الأول أمني بحت والثاني يستهدف الأمور غير الأمنية التي تعالج جذور الراديكالية بهدف منع تكرار مثل هذه الحوادث الإرهابية مستقبلاً، وقد تم التركيز على الإجراءات الاستباقية لمنع وقوع عمليات إرهابية جديدة.
وفي عام 2004، أُطلقت سياسة إصلاح الشأن الديني لمنع انتشار الفكر المتطرف داخل البلاد والتي شملت عدة جوانب رئيسة منها؛
-
إعداد أئمة المساجد نظراً لأن التوجه نحو التشدد قد ينطلق بالفعل من المساجد باعتبارها أول تجربة دينية للفرد خارج إطار الأسرة، وقد حققت تجربة تأهيل الأئمة نجاحاً ملحوظاً إذ تقوم المغرب بإرسال عدد من هؤلاء إلى دول أفريقية وأوروبية مما ساعد في ظهور ما يُعرف بـ”النموذج المغربي للتدين”.
-
فتح قنوات حوار مع المشتبه بهم والمتورطين في أعمال العنف والراديكالية، وهو ما سمح بإجراء مراجعات متعددة.
-
اعتماد نموذج “الحوكمة الأمنية”، حيث أنشئ لأول مرة مجلس أعلى للأمن تحت إشراف الملك مباشرة ويضم وزراء الداخلية والعدل والدفاع وبعض الأشخاص المعنيين بالأمن غير التقليديين.