المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > المقاربة التركية تجاه أحداث السويداء
المقاربة التركية تجاه أحداث السويداء
- يوليو 31, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات

إعداد: أماني السروجي
باحث في برنامج دراسات الدول التركية
في منتصف يوليو الجاري، تصدّرت محافظة السويداء المشهدَ السوريَ من جديدٍ بعد اندلاع مواجهاتٍ عنيفةٍ بين مجموعاتٍ درزيةٍ وعشائرَ عربيةٍ، ما أعاد طرْحَ أسئلةٍ عميقةٍ حول مستقبل الجغرافيا السورية، وتوازنات القوى المتصارعة فيها، ورغم أن شرارة الأزمة انطلقت من صدامات محلية، إلا أن أبعادها سرعان ما تجاوزت الطابع الداخلي، لتتحولَ إلى ساحةِ تقاطعٍ إقليميٍ شديد الحساسية، ما دفع تركيا إلى تبنّي موقفٍ واضحٍ اعتبر ما يجري تهديدًا لوحدة سوريا واستقرارها، ولأمنها القومي على حدٍّ سواء، رغم غياب تماسٍ جغرافيٍ مباشرٍ مع المحافظة.
وانطلاقًا من رؤيتها للصراع باعتباره صدامًا بين مشاريع تفكيك الدولة ومشروع الحفاظ على وحدة ترابها، أعلنت أنقرة دعمها لحكومة أحمد الشرع، مُبديةً استعدادها لتقديمِ غطاءٍ سياسيٍ وربما دعم عسكري إذا تطلب الأمر، لذا يسعى هذا التقرير إلى تحليل الموقف التركي تجاه أحداث السويداء، عبر تفكيك خلفياتها الميدانية، واستعراض ردود الفعل الرسمية، وتحليل التحركات الدبلوماسية، وربطها بالسياق الجيوسياسي الأوسع.
أولاً: خلفية المشهد: تطورات أحداث السويداء
شهدتْ أحداثُ السويداء في 13 يوليو تصاعدًا سريعًا وتحولًا معقدًا من نزاعٍ محليٍ إلى صراعٍ متعدد الأبعاد، إذ بدأت بخلافاتٍ عشائريةٍ على خلفيةِ اختطافِ تاجرٍ درزيٍ من قِبَلِ مجموعةٍ مسلحة بدوية، ما أسفر عن مواجهات مسلحة دامية بين الفصائل الدرزية والعشائر البدوية، ومع استمرار الاشتباكات، تدخلت السلطات السورية لاحتواء الموقف، وأعلن وزير الدفاع مرهف أبو قصرة وقفًا لإطلاق النار بعد التفاهم مع وجهاء المدينة.
إلا أنه سرعان ما أعلنت الرئاسة الروحية للمسلمين الموحدين الدروز رفْضَ دخول أي جهات أمنية، لا سيَّما الأمن العام وهيئة تحرير الشام، وطالبت بالحماية الدولية، ما أفسح المجال أمام إسرائيل للتدخل تحت ذريعة “حماية أبناء الطائفة الدرزية”، فأطلقت سلسلةَ غاراتٍ جويةٍ كثيفةٍ تجاوزت 160 غارة، استهدفت مواقع استراتيجية للنظام السوري، من بينها القصرُ الرئاسيُ في دمشق ومقرُ هيئةِ الأركان ووزارة الدفاع، بالإضافة إلى مواقع في السويداء، وهو ما دفع القوات النظامية للانسحاب، ما ضاعف من حالة الانكشاف الأمني.
وفي ظل تصاعد التهديدات واحتمالات الانزلاق إلى مواجهةٍ إقليميةٍ، دخلت الولايات المتحدة على خط الأزمة عبر وساطة مباشرة، أفضت إلى إعلانِ وقْفٍ شاملٍ لإطلاق النار، كشف عنه رسميًا السفير الأميركي في أنقرة والمبعوث الرئاسي إلى سوريا، توم باراك، واعتُبر هذا التطور تحولًا فارقًا في مسار الأزمة، لا سيَّما مع بروز مؤشرات على تدويل الملف، وتزايد المخاوف من تحوّل الجنوب السوري إلى ساحةٍ لتصفية الحسابات بين القوى الإقليمية والدولية.
ثانيًا: أبرز المواقف التركية من أحداث السويداء
تبلورَ الموقفُ التركي تجاه أحداث السويداء، ضمن مقاربةٍ متعددة المستويات، عكست إدراكًا لحساسية التحولات الجارية في الجنوب السوري، وارتباطها بتغيراتٍ إقليميةٍ أوسع، فمنذُ اللحظةِ الأولى لتَصاعدِ الاشتباكات، أعلنت أنقرة متابعتها الدقيقة للتطورات، داعيةً إلى التهدئةِ وضبط النفس، بالتوازي مع إدانةٍ صريحةٍ للهجمات الإسرائيلية على سوريا، التي رأتْ فيها محاولةً لزعزعةِ الاستقرار وفرْضِ وقائع جديدة على الأرض.
التصريحات الرسمية:
ظهر موقف أنقرة من خلال تصريحات أردوغان والتي عبّر فيها عن دعمه الكامل للرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، مشيدًا بموقفه “الحازم” في التعامل مع الأزمة ورفضهِ تقديم أي تنازلات، رغم حساسية الوضع الميداني، وفي أعقاب التوغلات الإسرائيلية في جنوب غرب سوريا، حذّرَ من محاولاتِ التدخل في دمشق، وأكد على رفضه التام لأي محاولاتٍ لتقسيم سوريا.
كما وجّه انتقاداتٍ حادّةً لإسرائيل، متهمًا إياها بمحاولة تقويض الاستقرار في سوريا والعمل على منع وحدتها، واصفًا إياها بـ”العدو الذي لا يريد السلام”، كما حذر من خطورة “الاستقواء بإسرائيل” في إدارة الأزمات الإقليمية، مؤكداً أن تركيا تتابعُ التطوراتِ عن كثب.
اتخذ الموقف التركي طابعًا مؤسسيًا واضحًا، حيث صدّق البرلمان التركي على مذكرةٍ رسميةٍ أدانت العدوان الإسرائيلي على دمشق والجنوب السوري، وربطتهُ بسياساتٍ تصعيديةٍ شاملةٍ تستهدف غزة ولبنان وإيران، وأكدت المذكرة، الموقعة من رئيس البرلمان نعمان قورتولموش، دعم تركيا الكامل للشعب السوري، معتبرة أن هذا العدوان يشكّل انتهاكًا سافرًا للقانون الدولي، ويهدف إلى التغطية على الجرائم الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية.
أدانتْ الخارجية التركية بشدةٍ الضرباتِ الإسرائيلية على دمشق، واعتبرتها محاولةً “تخريبيةً” لجهود الاستقرار في سوريا، أما وزير الخارجية هاكان فيدان، فذهب أبعد من ذلك في تصريحاته، إذ حمّل إسرائيل مسؤوليةَ اتباع “سياسة بحكم الأمر الواقع” تقوم على زعزعة الاستقرار الإقليمي، مشيراً إلى إنها لا تشكّل خطراً على المنطقة فحسب، بل على إسرائيل أيضًا”، وأكد أن تل أبيب تضعُ أمنَها فوق أي اعتبارٍ قانونيٍ أو سياديٍ في المنطقة.
وفي هذا السياق، أعلن فيدان عن وجود “خريطة طريق جديدة في سوريا”، تمّ إعدادُها بجهودٍ تركيةٍ مباشرةٍ وبمشاركةٍ من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والسعودية، ما يشير إلى سعي أنقرة لتحويل موقفها السياسي إلى مبادرة عملية لإعادة تنظيم الترتيبات في سوريا، بمنأى عن السياسات التصعيدية.
كما وجّه تحذيراً صريحًا للجماعات الكردية وغيرها من الجماعات في سوريا من استغلال التوترات للسعي إلى الحكم الذاتي، مشيرا إلى أن أيَ محاولةٍ لتقسيم سوريا ستعتبر تهديداً مباشراً للأمن القومي التركي وقد تؤدي إلى التدخل.
وفي تصعيدٍ واضحٍ للنبرة التركية، قال هاكان “لقد نفد صبرنا، هذا كلّ ما سنتحدّث عنه مع إسرائيل، فهي لا تريد السلام”. وطالب الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، ودول المنطقة بإظهارِ قدْرٍ عالٍ من المسؤولية السياسية ووضْعِ حدّ للممارسات الإسرائيلية، محذرًا من أن “عواقب وخيمة ستظهر في المنطقة إذا استمر هذا المسار”، وقد تؤدي – بحسب تعبيره – إلى “إلقاء الجميع في النار”.
من جهته، أدان برهان الدين دوران، رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، الغاراتِ الإسرائيليةَ واعتبرها تهديدًا مباشرًا لوحدة سوريا واستقرارها، مشددًا على التزام أنقرة الثابت بدعم وحدة الأراضي السورية، الموقف ذاته أكده نائب الرئيس التركي جودت يلماز، الذي وصفَ الهجماتِ الإسرائيليةَ بأنها “تهديدٌ صارخٌ” ليس فقط لسيادة سوريا، بل لاستقرار المنطقة ككل.
تُظهر هذه التصريحات والمواقف أن تركيا تعاملت مع أحداث السويداء من زاويتين مترابطتين: الأولى داخليةٌ تتعلقُ بمنْعِ تفكك الجنوب السوري والحيلولة دون استغلاله كمساحةٍ لأي تمددٍ لا سيَّما الكردي أو الإسرائيلي؛ والثانية استراتيجيةٌ، حيث تمَّ ربْطُ ما جرى في السويداء بمشروعٍ إقليميٍ أوسع تسعى إسرائيل من خلاله إلى إعادة رسم توازنات المنطقة، وهو ما ترفضه أنقرة بشكل قاطع.
التحركات الدبلوماسية: تتّسق هذه المقاربة مع جهود تركيا في التهدئة الميدانية، حيث لعبتْ دوراً اساسيًا في اتفاقي وقف إطلاق النار في السويداء.
ففي الاتفاق الأول، الذي أعقبَ اشتباكاتٍ عنيفةٍ بين الجيش السوري والفصائل الدرزية المسلحة، دعمت تركيا موقف حكومة دمشق الانتقالية بشكلٍ واضحٍ، وبذلت كل الجهود الممكنة لضمان الهدوء بين الأطراف، وكان لها دورٌ محوريٌ في وقْفِ إطلاق النار.
حيث سعت عبر قنواتٍ أمنيةٍ ودبلوماسيةٍ عالية المستوى، شاركَ فيها رئيس جهاز الاستخبارات التركي إبراهيم قالن ووزير الخارجية هاكان فيدان، للتوصّل إلى تفاهمٍ يضع حدًا للمواجهة، فقد أجرى قالن اتصالًا مع الزعيم الدرزي السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لدعم جهود التهدئة، بينما تباحث فيدان مع المبعوث الأمريكي توماس باراك، ونظرائه السوري أسعد الشيباني، والسعودي فيصل بن فرحان، والأردني أيمن الصفدي، في إطار تنسيق إقليمي لاحتواء الأزمة، إلا أنه سرعان ما إنهار الاتفاق إذ تجددت الاشتباكات، إثرَ قيامٌ مجموعةٍ تابعةٍ لحكمت الهجري، أحد مشايخ الدروز في السويداء، بتهجيرِ عددٍ من أبناء عشائر البدو من السنة وممارسة الانتهاكات ضدهم.
أما في الاتفاق الثاني بتاريخ 19 يوليو، والذي أعقب الغارات الإسرائيلية، فقد جاءَ ثمرةَ جهود وساطة دُبرت بدعم أمريكي، وشاركت فيها تركيا بالتنسيق مع الأردن والولايات المتحدة، حيث ذكر المبعوث الأمريكي باراك في منشور على منصة إكس، إن الطرفين السوري والإسرائيلي، بدعم من الولايات المتحدة، اتفقا على وقْفِ إطلاقِ نارٍ تبنّته تركيا والأردن وجيرانهما.
الدعم العسكري والمؤسسي: أعلنت وزارة الدفاع التركية في 23 يوليو، أن الإدارة السورية طلبت دعمًا رسميًا من أنقرة لتعزيز قدراتها الدفاعية ومكافحة التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم “داعش”، وأكدت الوزارة أن تركيا تواصل جهودها لتقديم التدريب والاستشارات والدعم الفني استجابةً لهذا الطلب.
المشاركة الإنسانية: قدمتْ أنقرة عبر هيئة الإغاثة الإنسانية التركية (IHH) مساعداتٍ إنسانيةً لعائلاتٍ بدويةٍ اضطرت للنزوح من منازلها نتيجةَ الاشتباكات في السويداء، حيث وزّعت الطعام ومياه الشرب ومساعدات طارئة على العائلات النازحة.
ثالثًا: أبرز ملامح الاستراتيجية التركية المقبلة في سوريا
في ضوء التصعيد الأخير في السويداء، تتعامل أنقرة مع الأزمة باعتبارها جزءًا من صراعٍ أوسع بين مشروعين متضادين في سوريا: مشروعٍ يسعى إلى ترسيخ الاستقرار ووحدةِ الأراضي السورية، وآخر يدفعُ نحو الفوضى والتفتيت، وتتموضعُ تركيا بوضوحٍ في معسكر المشروع الأول ، مدفوعةً بحساباتٍ أمنيةٍ صُلبةٍ، وبقناعةٍ أن تفكك الدولة السورية سيمتد أثره إلى عمقها الاستراتيجي.
في هذا السياق، تُحمّل أنقرة أطرافًا إقليميةً، وعلى رأسها إسرائيل، مسؤوليةَ تغذية النزعات الانفصالية، وتُدرج التحركاتِ الأخيرةَ في السويداء ضمن هذا الإطار، ورغم أن أنقرة لا تُجمل موقفها تجاه جميع المكونات المحلية، فإنها تفرّق بين القوى الدرزية المختلفة، معتبرةً أن بعض الزعامات في السويداء باتت تعملُ كأذرعٍ لوكلاء خارجيين يسعون لإدامة حالة اللادولة، ولذا، فإن حماية وحدة سوريا لا تُعدُّ فقط التزامًا سياسيًا بالنسبة لتركيا، بل خطًا أحمر ترتبطُ به جملةٌ من الإجراءاتِ الأمنيةِ والعسكرية المحتملة، إن اقتضى الأمر، ومن هذا المنطلق يُتوقع أن تتخذَ تركيا خلال المرحلة القادمة عدداً من الخطواتِ الاستراتيجيةِ في سوريا والتي تتمثل في التالي:
العمل على إنهاء ملف قسد بشكل سريع:
من المرجّح أن تكثّف تركيا في المرحلة المقبلة جهودها لإنهاء ملف قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، نظرًا لما تمثّله هذه القوات من تهديدٍ مباشرٍ للأمن القومي التركي، لا سيَّما في ظل تواصلها الوثيق مع تل أبيب، التي تحاول تدشين ممرٍ آمنٍ يمتد من جنوب سوريا إلى شمال شرقها، لتمويل ودعم “قسد”.
كما تمتد خطورتها أيضًا في دعمها الواضح للتحركات الانفصالية داخل سوريا، وهو ما تجلّى بوضوحٍ في أحداث السويداء، وكذلك في التطورات التي شهدها الساحل السوري في مارس الماضي، لذا من المتوقّعِ أن تواصلَ أنقرة تحرّكها على مسارين متوازيين: زيادة الضغط السياسي والدبلوماسي لإنهاء الملفِ كجزءٍ من عملية الحل مع حزب العمال، او عبر تعزيز حضورها الأمني والعسكري تحسّبًا لأي حاجةٍ لحسمٍ ميدانيٍ، لا سيما إذا ما تزايدت مؤشرات التنسيق بين “قسد” والقوى الخارجية المعادية للمصالح التركية.
تفعيل التحالف الأمني الخماسي كمنصة إقليمية للضبط المشترك:
في إطار سعى أنقرة لترسيخ مفهوم “الملكية الإقليمية”، من المرجّح أن تدفعَ باتجاه تفعيل التحالف الأمني الخماسي الذي أُعلن عنه في مارس الماضي، ويضم سوريا ولبنان والعراق والأردن إلى جانب تركيا، باعتباره أداة مؤسسية لإدارة الأزمات المتفاقمة، ويُعد ركيزةً لمأسسة التنسيق الأمني وضبط الحدود، وتطويق التهديدات العابرة، لا سيَّما مع تزايد الانخراط الإسرائيلي في المنطقة.
كما يمكن أن توسّع نطاقَ هذا التحالف لا سيَّما في ظل رغبة أنقرة في بناءِ موقفٍ موحدٍ مع دول المنطقة، خاصةً التي تمتلكُ من أدوات التأثير العالمية ما يمكّنها من إحداثِ ضغوطٍ حقيقيةٍ على الولايات المتحدة وأوروبا، وأهمها سلاح الطاقة والتمويل المالي، إضافةً إلى تحكّم هذه الدول في العديدِ من الممرات الملاحية وطرق التجارة العالمية.
الدفع نحو شراكة دفاعية مؤسسية مع دمشق:
في ضوء الأحداث الأخيرة والتدخلات الإسرائيلية المتزايدة، قد تتجهُ لتوقيعِ اتفاقيةِ تعاونٍ عسكريٍ ودفاعيٍ مع دمشق تسمح لأنقرة بالوجود الشرعي لقواتها، كما تمنحها حقوق إعادة تأهيل وتدريب الجيش السوري، وذلك ليس لحماية سوريا ومقدراتها فحسب، بل لتأمين مصالحها وضمان استقرار أمنها القومي أيضًا.”
تعزيز الحضور التركي في الجنوب السوري لحماية طريق “التنمية” وموازنة مشروع “خط السلام” الإسرائيلي:
تدركُ أنقرة أن الصراعَ في الجنوب السوري، وتحديدًا في السويداء، لم يعدْ أمنيًا فقط، بل بات جزءًا من سباقٍ جيوسياسيٍ على السيطرة على ممرات التجارة الإقليمية، فبينما تعمل تركيا على تنفيذ “طريق التنمية” الذي يربط الخليج العربي بأوروبا مرورًا بالبصرة وتركيا، تسعى إسرائيل إلى تمرير مشروع “خط السلام” الذي يمتد من الخليج إلى البحر المتوسط عبر جنوب سوريا، في هذا السياق، تتحولُ مناطق مثل السويداء إلى ساحاتِ صراعٍ حيويةٍ نظرًا لموقعها الجغرافي الحاسم ضمن هذه الممرات.
لذلك، من المتوقّعِ أن تُكثف تركيا حضورها الاستباقي في هذه المناطق، سواء عبر أدواتٍ دبلوماسيةٍ أو ترتيباتٍ أمنيةٍ، لمنْعِ تل أبيب من فرضِ وقائعَ ميدانيةٍ تخدم مشروعها، ولتأمين العمق الاستراتيجي لطريق التنمية، كما أن أيَ انفلاتٍ أمنيٍ في الجنوب السوري قد يُشكّل تهديدًا مباشرًا للربط اللوجستي العابر للحدود، ما يجعل الحفاظ على الاستقرار هناك مصلحة عليا لأنقرة.
الخاتمة
تُظهر تطوراتُ السويداء أن الجنوبَ السوريَ لم يعدْ هامشًا في معادلات الصراع، بل بات نقطةَ ارتكازٍ لتقاطع المشاريع الإقليمية، وفي هذا السياق، تبدو المقاربة التركية مزيجًا من التحسّبِ الاستراتيجي والانخراط النَشطِ، في محاولةٍ لمنع إعادة تشكيل الخارطة السورية بما يهدد مصالحها، كما أن العدوانَ الإسرائيليَ الاخير على سوريا، يمكن أن يكونَ بمثابةِ إنذارٍ مبكرٍ لتركيا، يدفعها إلى إعادة تقييم أولوياتها في الجنوب السوري، واتخاذ التدابير اللازمة تحسبًا لأي مواجهةٍ مباشرةٍ أو غيرِ مباشرةٍ مع إسرائيل قد تندلعُ في أي لحظةٍ، ضمنَ مشهدٍ إقليميٍ يتجه نحو مزيد من التصعيد والتشابك.
المراجع
SUZAN FRASER, Syria asks Turkey for defense support after sectarian clashes, Turkish officials say, Ap News, 23 July 2025. https://apnews.com
Jasper Ward, Israel and Syria agree to ceasefire, US ambassador to Turkey says, Reuters, 19 july 2025. https://www.reuters.com
من الخارجية إلى البرلمان فالرئاسة.. كيف تفاعلت تركيا مع تطورات السويداء السورية؟، ترك برس، 17 يوليو 2025. https://www.turkpress.co
غامزي توركوغلو أوغوز، عمر عاشور شهدار، دور تركي محوري في تحقيق وقف إطلاق النار بالسويداء السورية، وكالة الأناضول، 17 يوليو 2025. https://www.aa.com.tr
تركيا تتابع تطورات السويداء.. دعم مشروط لدمشق وتحذيرات صارمة لـ”قسد”، ترك برس، 23 يوليو 2025. https://www.turkpress.co
مالك الخوري، معركة السويداء: البوابة البرية بين نيوم وطرابلس، ذا كريدل عربي، 18 يوليو 2025. https://thecradlearabic.com
سمير العركي، ماذا يعني نفاد صبر تركيا تجاه إسرائيل؟، الجزيرة نت، 18 يوليو 2025. https://aja.ws/vswdlx