المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > تقدير موقف > المكانة الإستراتيجية للكويت: بين الأزمات الإقليمية والطموحات الوطنية
المكانة الإستراتيجية للكويت: بين الأزمات الإقليمية والطموحات الوطنية
- أكتوبر 23, 2024
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات تقدير موقف وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات
إعداد: ريهام محمد
باحثة في وحدة شؤون الشرق الأوسط
تتبوأ الكويت مكانة بارزة في الخليج العربي، بفضل موقعها الاستراتيجي واقتصادها القوي، ورغم حيادها المتزن في السياسة الخارجية، تواجه تحديات داخلية، أبرزها الأزمة المستمرة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وعلى الصعيد الخارجي، تعيش الكويت وسط أجواء إقليمية مشحونة بالخلافات الحدودية والتوترات السياسية، ومع ذلك، تظل الكويت ملتزمة برؤية طموحة لمواجهة هذه التحديات، ساعية نحو مستقبل مزدهر يعزز الاستقرار والتنمية.
إستراتيجيًا: تتمتع الكويت بموقع جغرافي استراتيجي بارز حيث تقع شمال شرق شبه الجزيرة العربية بإطلالة على الخليج العربي احد أهم مسارات الملاحة الدولية، وتعد من المحطات التي تقع ضمن مشروع الصين “الحزام والطريق” أو ما يعرف ب “طريق الحرير الجديد”، كما تحدها العراق شمالاً والسعودية جنوباً مما جعل منها نقطة التقاء حيوية داخل دول مجلس التعاون الخليجي، وساهم هذا الموقع بشكل كبير في تعزيز دورها كمركز تجاري مهم وحركة نقل رئيسية، ومنحها سهولة الوصول إلى الأسواق الدولية، فضلا عن تعزيز مكانتها كحليف سياسي رئيسي بالمنطقة عبر مساهمتها في تحقيق التوازن الإقليمي وتعزيز التعاون الأمني بين الدول المجاورة، كما تضيف الحدود البرية مع كلٍّ من السعودية والعراق قيمة هامة تتمثل في إمكانية إنشاء علاقات سياسية واقتصادية وتجارية مثمرة بينها وبين هذه الدول فضلاً عن كونها ممرًّان هامان لحركة المسافرين وبوابة أساسية للفرص الاستثمارية المتبادلة.[1]
اقتصاديًا: يعتبر الاقتصاد الكويتي من أبرز الاقتصادات وأكبرها في المنطقة المحيطة، ويرجع ذلك إلى ما تمتلكه الكويت من مقومات أساسية ساهمت في بناء اقتصاد مؤثر وجاذب على الصعيدين الإقليمي والعالمي، ويبرز الاقتصاد الكويتي كاقتصاد مفتوح نسبيًا، حيث يهيمن عليه القطاع الحكومي بصورة كبيرة، ويقوم بشكل كبير على قطاع النفط الذي يشكل نسبة 60%من الناتج المحلي الإجمالي وتعتمد حاليا على إيراداته في تمويل 90% من ميزانيتها العامة، و95% من صادراتها، كونها من أكبر منتجي النفط في العالم،[2] بالإضافة إلى قلة الديون المترتبة عليه، وامتلاك أحد أقوى صناديق الثروة السيادية عالميًا، وهي عضو في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، وعلى الرغم من الاعتماد الكبير على النفط، تسعى الحكومة إلى تنويع الاقتصاد من خلال دعم قطاعات مثل السياحة، والخدمات المالية، والتكنولوجيا. الا ان الأحداث السياسية تعرقل اتخاذ الإصلاحات اللازمة لتنوع مصادر الاقتصاد بينما تواصل الميزانية مواجهتها لعجز متكرر وتواجه أيضًا انخفاضًا في الاستثمارات الأجنبية.
سياسيًا: تعتبر الكويت إمارة وراثية يقودها أمير من نسل الشيخ مبارك الصباح، نظام الحكم فيها يُصنف كملكي دستوري حيث تمثل السلطة التنفيذية في الأمير ومجلس الوزراء، ويمنح الدستور الأمير صلاحية تعيين رئيس مجلس الوزراء، الذي يقوم بدوره بتسمية وزراء حكومته دون الحاجة لموافقة مجلس الأمة الكويتي، إذ يكفي مصادقة الأمير فقط، وتتمتع الدولة بنظام برلماني يعبر عنه بمجلس الأمة الذي يمثل السلطة التشريعية ويضم 50 عضوًا منتخبًا لمدة أربع سنوات بالإضافة إلى أعضاء الحكومة بصفة وظائفهم، وتتألف السلطة القضائية من مجلس القضاء الأعلى وجميع درجات المحاكم.[3]
بالنسبة للسياسة الداخلية؛ فرغم أن المادة 43 من الدستور الكويتي والمذكرة التفسيرية لها لا تمنع إنشاء الأحزاب، إلا أنه لا توجد أحزاب فعلية بسبب غياب قانون ينظم نشاطاتها؛ ومع ذلك، تتواجد كتل برلمانية مثل كتلة العمل الشعبي والكتلة الإسلامية والتحالف الوطني الديمقراطي وغيرها من التحالفات السياسية.
وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية: تُعرف السياسة الخارجية للكويت بأنها معتدلة ومحايدة، اذ تتبع الكويت سياسة خارجية تسعى للحفاظ على وجودها السياسي وأمنها عبر التعاون مع الدول الخليجية وتأسيس المجلس (مجلس التعاون الخليجي) الذي نشأ لأسباب أمنية متعددة (داخلية وإقليمية ودولية) للتعامل مع الأزمات التي تواجه منطقة الخليج العربي، اضافة الى تعزيز الكويت علاقاتها بجيرانها وتعزيز التعاون العربي والإقليمي بجانب تقديم مساعدات اقتصادية لدول مختلفة لمواجهة التحديات الاستراتيجية، كما تعد الكويت شريكًا في حلف درع الجزيرة وعضوًا مؤسسًا في الجامعة العربية ومنظمة الأمم المتحدة منذ عامي 1961 و1963 على التوالي.[4]
كما تعد الكويت حليف رئيسي -غير تابع للناتو- للولايات المتحدة الأمريكية وواحدة من الأعضاء المؤسسين لمنظمة “أوبك”، وعقب انتهاء حرب الخليج الثانية، سعت الكويت لتعزيز تحالفاتها عالميًّا وخاصة مع مجلس الأمن الدولي والولايات المتحدة واستحدثت ترتيبات دفاعيه مع المملكة المتحدة وروسيا وفرنسا، وبنت أيضًا علاقات قوية مع بعض الدول الأعضاء الرئيسين خلال ائتلاف حرب الخليج مثل مصر وسوريا, وتتمتع بتمثيل دبلوماسي متبادل مع معظم دول العالم باستثناء إسرائيل.
التحديات الداخلية والتهديدات الخارجية:
أولًا: التحديات الداخلية:
الأزمة المستمرة بين مجلس الأمة والحكومة: على عكس الدول الخليجية الأخرى، تتمتع الكويت بحياة سياسية نابضة وببرلمان قوي، ورغم أن السلطة تبقى أساساً بيد العائلة الحاكمة آل الصباح، المسؤولة عن تعيين رئيس الوزراء بموجب النظام الملكي، إلا أن الكويت -كانت- تملك برلمانًا منتخبًا يعبر عن مصالح متنوعة، مع ارتفاع نسب المشاركة في الانتخابات التشريعية ووجود معارضة سياسية قد تنتقد الحكومة وأحيانًا – بشكل غير مباشر وفي حدود معينة – النظام الملكي، لكن المشكلة الأساسية تكمن في الأزمة المستمرة القائمة بين مجلس الأمة والحكومة والتي تعكس التوترات السياسية المعقدة المتعلقة بالسلطات والصلاحيات.[5]
يبدو أن السنوات القليلة الماضية، شهدت تصاعد لهذه التوترات بين أعضاء البرلمان والحكومات المتعاقبة مما أدى إلى تفاقم الجمود السياسي وعدم إقرار العديد من القوانين، وقد استُغل هذا الأمر ضمن إطار المنافسة الداخلية داخل العائلة المالكة التي أدت إلى تغيير حكومات متعددة وحل البرلمان عدة مرات كان آخرها في مايو 2024 مما أعاق أي محاولة للإصلاح وقلص اهتمام المستثمرين، وقد واجه أمير الكويت الشيخ “مشعل الجابر الصباح” هذا الوضع بالنقد خلال خطابه عند تأدية اليمين الدستورية، حيث أشار إلى أن السلطتين التشريعية والتنفيذية تعاونتا على الإضرار بمصالح البلاد والمواطنين وأن هناك “استحقاقات وطنية” ملحة ينبغي القيام بها لخدمة الوطن والمواطنين، ويرتبط الإشكال الرئيسي المراد حله بهذه الحالة بشبه شلل سياسي واجتماعي وقانوني يعوق اتخاذ قرارات مهمة ويعرقل سن قوانين جديدة تلبي احتياجات المواطن الكويتي بدءاً من ملف الإسكان مرورًا بالتوظيف وانتهاءً بقضايا الفساد وغيرها من المواضيع الملحة.[6]
الاعتماد على العمالة الأجنبية: تشكل العمالة الوافدة نسبة كبيرة تصل تقريبًا إلى 70% من إجمالي القوة العاملة في الكويت، ما جعل الاقتصاد عرضة للضغوط الناتجة عن الأزمات العالمية، وانطلاقًا عن ذلك يظهر تأثير هذا الاعتماد في عدم قدرة السوق المحلي على استيعاب القوى العاملة الوطنية مما أدى لارتفاع معدلات البطالة بين الكويتيين ولا سيما الشباب؛ إذ بلغت نسبة البطالة حسب موقع “تريدينغ إيكونوميكس” حوالي 2.1% بحلول ديسمبر 2023. بالإضافة لذلك تستمر المطالب الشعبية والنيابية لإبعاد الوافدين عن المناصب الحساسة والوظائف التي يستطيع المواطن الكويتي القيام بها، وظلت هذه المشكلة محلا للخلاف والمعارضة داخل مجلس الأمة، اذ استخدامت المعارضة لتلك الورقة كأداة استراتيجية في سياق التوظيف السياسي، عبر تسليط الضوء على الأعباء الاقتصادية والاجتماعية التي تنجم عن وجود هذه الفئة و توجيه الرأي العام نحو اعتبار العمالة الوافدة عاملاً رئيسياً في تفاقم الأزمات الاقتصادية، مما ساهم في ترسيخ مشاعر الاستياء تجاه الحكومة وضعف ثقة المواطنين في قدرتها على إدارة الاقتصاد بكفاءة وفاعلية.[7]
ريعية الاقتصاد: تعتمد الكويت على إيرادات النفط بشكل كبير، حيث تشكل أكثر من 90% من إجمالي الإيرادات الحكومية، هذه الاعتمادية جعلتها أكثر تعرضًا للتقلبات في أسعار النفط، وتعاني ميزانية البلاد حاليًا من عجز ضخم يبلغ 6.8 مليار دينار، نتيجة لانخفاض العائدات النفطية وزيادة النفقات الجارية، مما ولد العديد من التداعيات السلبية الاجتماعية والاقتصادية، ومع استمرار هذا العجز، يتزايد الدين العام مما يثير مخاوف بشأن الاستدامة المالية.[8]
كما تتميز الخصوصية المالية للكويت بعدم كفاية الإيرادات غير النفطية بسبب انخفاض نسبة الضرائب، وتشمل كذلك مجالات أخرى، وعلى عكس دول الخليج الأخرى، فإن صندوق الثروة السيادي لا يسهم في تعزيز الوضع المالي للكويت بل يعمل بالعكس تماماً، كما أنه ليس لأي حق للحكومة اللجوء إلى الاقتراض؛ لذا عندما تنخفض أسعار النفط يتعرض اقتصاد الكويت لضغوط أكبر مقارنة بجيرانها الخليجيين، وتصبح الإصلاحات الاقتصادية حينها أكثر تعقيدًا وصعوبة خاصة عند إدخال عوامل سياسية فيها، مما يستدعي ضرورة إعادة تقييم السياسة المالية بالكامل.[9]
ثانيًا: التهديدات الخارجية:
الخلافات الحدودية مع دول الجوار: فرغم مرور 32 عامًا على انتهاء الغزو العراقي للكويت عام 1990، وما يزيد عن 19 عامًا منذ استعادة العلاقات الطبيعية بين العراق والكويت بعد الاحتلال الأميركي للعراق في 2003، تستمر الخلافات الحدودية بين بغداد والكويت في التوتر، رغم محاولات تحسين العلاقات بين البلدين، ففي السنوات الأخيرة، كانت هناك جهود للتعاون في مجالات النفط والطاقة، ولكن بعض القضايا لا تزال عالقة بين الدولتين، كإدارة المناطق الحدودية، بما في ذلك “المنطقة المقسومة” و”الوفرة”، وفي عام 2023، أُعيد التأكيد على أهمية الحوار بين الجانبين خلال الاجتماعات الثنائية، حيث ناقش المسؤولون إمكانية تطوير مشاريع مشتركة لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، ومؤخرا عادت القضايا الحدودية إلى الواجهة بعدما أطلق الطرفان خلال الأسابيع الأخيرة من سبتمبر بيانات أكدت على ضرورة معالجة الملفات العالقة والالتزام بالاتفاقيات المبرمة، ورغم ذلك، تظل بعض المناوشات والتوترات قائمة، مما يعكس الحاجة المستمرة للحل الدبلوماسي وتعزيز الثقة بين البلدين.[10]
وبينما تسعى الكويت للاستفادة من احتياطيات الغاز الطبيعي المتواجدة في مناطقها البحرية، تواجه مقاومة من إيران التي تعارض حق الكويت في استغلال هذه الموارد بحجة عدم اكتمال ترسيم الحدود البحرية الإقليمية بينها وبين الكويت والسعودية، وتواصل طهران المطالبة بحقوق مشتركة لاستغلال حقل “الدرة” مع كلٍ من السعودية والكويت، إلا أن هذين الأخيرتين تؤكدان امتلاكهما وحدهما لحق الاستفادة من الثروات الطبيعية في المنطقة المقسومة بما فيها “حقل الدرة” للغاز. وفي هذا السياق، دعت الكويت والسعودية إيران للتفاوض بشأن ترسيم الحدود كمفاوض واحد بينما تكون إيران طرفًا ثانيًا، وهو ما قوبل برفض طهراني، واعتبر هذا الرفض سببًا محتملًا لتوتر قد يتصاعد مع تطورات الأوضاع، وفي عام 2022، تم الإعلان عن رغبة الكويت في توقيع اتفاقية للتعاون مع إيران بشأن حقل الدرة، ولكن لم يتحقق تقدم ملحوظ حتى الآن، ومن ثم تظل هذه القضية حساسة وتحتاج إلى حوار مستمر للتوصل إلى حل يرضي كلا الطرفين.[11]
التصعيد الإيراني إبان الحرب الإسرائيلية: فمع ارتفاع التوترات بين إيران وإسرائيل، تنشأ تهديدات جدية على دول المنطقة بما فيها الكويت، اذ يُعتبر هذا التصعيد ربما خطرًا مباشرًا على الكويت لا سيما إذا ما قامت الميليشيات الإيرانية المتواجدة في العراق باستهداف القواعد الأمريكية فوق أراضيها، إذ أن للكويت وجود عسكري أمريكي بارز والذي يعد ركيزة أساسية للأمن الإقليمي، فجدير بالذكر أن للكويت مقر التحالف الدولي المعروف رسميًا باسم قوة المهام المشتركة – عملية العزم الصلب، بالإضافة إلى عدة قواعد أمريكية مثل قاعدتي علي السالم وأحمد الجابر الجوية ومعسكرات عريفجان وبيوري (الذي كان يعرف سابقا بعديري) ومعسكر باتريوت الذي هو جزء من قاعدة الكويت البحرية وكذلك معسكر سبيرهيد الواقع في ميناء الشعيبة.[12]