المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الدراسات الأفريقية > الهجرة غير الشرعية الأفريقية: الدوافع والتأثيرات
الهجرة غير الشرعية الأفريقية: الدوافع والتأثيرات
- يناير 19, 2025
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الدراسات الأفريقية
لا توجد تعليقات
إعداد: أسماء حسن
باحث مساعد في وحدة الشؤون الأفريقية
المقدمة:
تُمثِّلُ الهجرة غير الشرعية في دول أفريقيا تحدِّيًا جيوسياسيًّا مُعقَّدًا، تتضافر فيه العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وتعكس هذه الظاهرة عدم قدرة الدولة على تحقيق حياة كريمة لمواطنيها، إضافةً إلى فشلها في تحقيق متطلبات التنمية؛ ما يدفع المواطنين إلى اللجوء لمسارات غير قانونية؛ لتحقيق طموحاتهم في عيش حياة مستقرة، تضمن لهم قدْرًا من الرفاهية والرخاء؛ اعتقادًا منهم أن الهجرة هي الحلُّ الوحيد لمعاناتهم، كما تُلْقِي هذه الظاهرة بظلالها على العلاقات الدولية؛ حيث تثير توتُّرات بين الدول المرسلة والمستقبلة، إلى جانب الدول التي يتمُّ العبور من خلالها، كما تؤرق حكومات أغلب دول العالم؛ نظرًا لما تفرضه من تحديات أمنية على المستوى الإقليمي والدولي، لا سيما مع تصاعُد نشاط شبكات تهريب البشر، التي تستغل الفراغ الأمني وضعف تطبيق القانون.
الهجرة غير الشرعية في أفريقيا
تعتبر الدول الأوروبية أُولى مقاصد المهاجرين الأفارقة؛ نظرًا لقُرْب المسافة بين القارتيْن عند البحر المتوسط؛ حيث تتركز مسارات الهجرة بشكلٍ رئيسيٍّ عبْر شمال أفريقيا كمعبرٍ نحو أوروبا؛ ما يجعل القارة محورًا مهمًّا في القضايا الدولية المتعلقة بالهجرة، وقد حقَّقت دول أفريقيا أعلى أعداد للمهاجرين غير الشرعيِّين إلى الدول الأوروبية، في ٢٠٢٣؛ إذ سجَّلَ الاتحاد الأوروبي وصول ٣٥٥ ألف مهاجر غير شرعي، وهو الرقم الأعلى في أعداد المهاجرين، منذ عام ٢٠١٦، وتُعدُّ الدول “غينيا وكوت ديفوار وتونس والمغرب ومصر والجزائر”، أكبر ٦ دول أفريقية مُصدّرة للمهاجرين غير الشرعيِّين لأوروبا، ويثير تدفُّق المهاجرين غير الشرعيِّين مخاوف الدول الأوروبية، خاصَّةً مع عدم استقرار الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية، فضلًا عن الاجتماعية لغالبية دول القارة الأفريقية؛ ما يعتبر مؤشرًا لتدفُّق المزيد من المهاجرين، ولكن مع تعاون دول شمال أفريقيا، بدأ تقنين وتقييد المهاجرين بشكلٍ أكبر.[1]
دوافع الهجرة غير الشرعية
تتجذَّرُ دوافع الهجرة غير الشرعية في عددٍ من العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ حيث إنها ناتجة عن الأزمات الهيكلية والتحديات الجيوسياسية بدول القارة، وتتسم هذه الدوافع بالتعقيد؛ نتيجة التداخُل بين الأوضاع المحلية والإقليمية والدولية، ومن أبرزها:
أ- الدوافع الاقتصادية:
تُعدُّ الأزمات الاقتصادية وعجْز الدولة عن توفير الخدمات، والمتطلبات الأساسية للمعيشة من أهم العوامل التي تُحفِّزُ فكرة الهجرة لدى المواطنين، خاصَّةً مع تزايد أعداد السكان وارتفاع مُعدَّلات البطالة، إضافةً إلى الظروف المعيشية الصعبة وانتشار الفقر في العديد من الدول الأفريقية، إلى جانب التفاوت الكبير بين الفئات المجتمعية الناتج عن سوء توزيع الثروات؛ ما يُعزِّزُ الحرمان الاقتصادي لدى الأفراد، ويعتبر فئة الشباب هم الأكثر تأثُّرًا بتلك الأوضاع، حتى الحاصلين منهم على مؤهلات جامعية عُلْيا؛ ما يدفعهم للجوء بشكلٍ غير مشروعٍ إلى دول أخرى، تتيح فرص عمل مناسبة ومتنوعة، كما تضمن لهم حياة كريمة، بها قدْرٌ عالٍ من الرفاهية.
ب- الدوافع السياسية والأمنية:
تتمثَّلُ الدوافع السياسية للهجرة غير الشرعية في الدول الأفريقية، في الحروب الأهلية والصراعات الداخلية؛ إذ أنها السبب الأبرز في انعدام الاستقرار الأمني بالدول؛ الأمر الذي يدفع المواطنين للجوء السياسي، ويزيد من أعداد النازحين؛ بحثًا عن دولٍ أكثر أمانًا واستقرارًا، كما أن النُّظُم السياسية الاستبدادية، التي تكاد تنعدم بها الديمقراطية والحريات العامَّة، تُعدُّ عاملًا مُحفِّزًا للهجرة إلى دول تدعم الديمقراطية وحرية الرأْي، ومن ناحية أخرى، استشراء الجماعات الإرهابية وتوغُّلها في أعماق الدول الأفريقية، إضافةً إلى انتشار شبكات الاتّجار بالبشر، التي تُعدُّ العامل الأكبر في تفاقُم ظاهرة الهجرة غير الشرعية؛ تجعل الدول بيئة خصبة للانعدام الأمني، الذي يفرُّ منه المواطنون إلى دولٍ أُخرى تستقر بها الأوضاع الأمنية.[2]
ت- الدوافع الاجتماعية:
ترتبط الدوافع الاجتماعية بالبُعْد الديموغرافي بشكلٍ عميقٍ؛ لما يمثله تزايد أعداد السكان من ضغط على الحكومات في توفير الموارد والخدمات الأساسية للمواطنين؛ ما يؤدي بدوره إلى الحرمان النِّسْبي للفرد من حقوقه في الرعاية الاجتماعية والصحية الجيدة، علاوةً على ذلك، عدم توفير فُرَصٍ جيِّدةٍ في التعليم والإسكان؛ بما يشمله من وصول المياه والكهرباء وشبكات الصرف الصحي للمنازل، وغير ذلك من الخدمات الترفيهية وتسهيلات النقل والمواصلات، وفشل الحكومة في التعامُل مع تلك القضايا، يؤدي إلى أزماتٍ اجتماعيةٍ كُبْرَى، مثل انتشار الفقر وتفاقم الأمراض وتنامي مُعدَّلات البطالة، كما تدفع الشباب إلى الهروب للدول التي يظهر على سكانها معالم الثراء والرفاهية.
تتداخل تلك العوامل وتتضافر معًا؛ حتى تدفع الأفراد التي تُمثِّلُ فئة الشباب الغالبية العظمى منها، إلى إلقاء أنفسهم وسط البحار؛ أملًا في الحصول على حقِّهم في الحياة بدولٍ أكثر رفاهية، مع ضعْف مؤشرات بقائه على قيْد الحياة من الأساس.[3]
تداعيات الهجرة غير الشرعية
لا تؤثر الهجرة غير الشرعية على الدول المستقبلة فقط؛ فالتأثيرات السلبية لها تشمل جميع الأطراف، وهم (الدول المرسلة – الدول المستقبلة – المهاجرون):
أ- التداعيات على الدول المرسلة
تتمثل خطورة الهجرة غير الشرعية بالنسبة للدول المرسلة في:
-
استنزاف رأْس المال البشري:
تعاني الدول الأفريقية المرسِلة للمهاجرين من “هجرة العقول”؛ حيث تهاجر الكفاءات العلمية والمهنية؛ بحثًا عن فُرَص عملٍ أفضل؛ ما يؤدي إلى تآكل القاعدة الإنتاجية للدولة، إضافةً إلى ذلك، تعيق هذه الظاهرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، كما تؤدي إلى اختلالٍ في هيكل القُوَى العاملة.
-
تعزيز التوتُّرات الاجتماعية:
يؤدي خروج أعدادٍ كبيرةٍ من الشباب إلى خللٍ ديموغرافيٍ، ينعكس على استقرار المجتمع، كما تُساهم الهجرة في ارتفاع مُعدَّلات الاعتماد على المساعدات الخارجية؛ بسبب عدم وجود القوة البشرية للدولة؛ ما يضعف العقْد الاجتماعي بين الحكومة والمجتمع، ويفاقم الأزمات الاجتماعية.
-
تصاعد النزاعات الإقليمية:
نتيجةً لزيادة الهجرة غير الشرعية، تظهر صراعات حدودية بين الدول المرسلة والمستقبل؛، حيث تُلْقِي هذه الهجرة بعِبْءِ أمنيٍّ واقتصاديٍّ على الدول المجاورة، إضافةً إلى ذلك، تُستخدم الهجرة كأداة ضغطٍ سياسيٍّ في المفاوضات الثنائية والإقليمية.
-
إضعاف النظام السياسي:
تفقد الدول الأفريقية المرسلة للمهاجرين جزءًا كبيرًا من فئة الشباب، التي تُعتبرُ المحرِّك الرئيسي للتغيير السياسي والإصلاح؛ ما يؤدي إلى تراجُع الشرعية السياسية لأنظمة الحُكْم القائمة، ويؤثر على قدرتها على بناء أنظمة ديمقراطية مستقرة.
-
تعزيز هيمنة الجريمة المنظمة:
تُشجع الهجرة غير الشرعية على انتشار شبكات الاتّجار بالبشر والجريمة العابرة للحدود؛ ما يؤدي إلى إضعاف سيطرة الدولة على أراضيها وتقويض السيادة الوطنية.[4]
ب- التداعيات على الدول المستقبلة
تُشكِّلُ الهجرة غير الشرعية عِبْئًا مركبًا على الدول الأفريقية المستقبلة؛ حيث تؤثر سلبًا على عدة جوانب منها:
-
زيادة الضغوط على الموارد العامة:
تُلْقِي الهجرة غير الشرعية عِبْئًا كبيرًا على البِنْية التحتِيَّة الوطنية، خاصَّةً في قطاعات الصحة التعليم والإسكان؛ ما يُضعف قدرة الدولة على تحقيق العدالة الاجتماعية وتلبية احتياجات مواطنيها.
-
تحديات الهويات الوطنية:
تؤدي زيادة أعداد المهاجرين غير الشرعيِّين إلى تهديد التماسُك الوطني والمجتمعي؛ حيث يُنظر إلى المهاجرين على أنهم يُشكِّلُون تهديدًا للثقافة والهوية الوطنية؛ ما يدفع نحو تفكُّك النسيج الاجتماعي للدولة.
-
زعزعة الأمن القومي:
تؤدي الهجرة غير الشرعية إلى تصاعُد التحديات الأمنية؛ حيث تستغل شبكات الجريمة المنظمة ضعْف السيطرة الحدودية؛ لتمرير المهاجرين والبضائع غير المشروعة، ويساهم ذلك في تقويض السيادة الوطنية ويزيد من مخاطر الإرهاب العابر للحدود.
-
إخلال العلاقات الدبلوماسية:
تتأثر علاقات الدول المستقبلة مع الدول المرسلة؛ بسبب الخلافات حول إعادة المهاجرين أو توزيع الأعباء، كما يمكن أن تؤدي هذه الخلافات إلى تدهور التعاون الإقليمي وزيادة التوتُّرات الجيوسياسية.
-
الإضرار بالاقتصاد الوطني:
تسبب الهجرة غير الشرعية اختلالاتٍ في سوق العمل؛ حيث يؤدي دخول أعدادٍ كبيرةٍ من العمالة غير النظامية إلى انخفاض الأجور وارتفاع مُعدَّلات البطالة بين المواطنين، وفي الوقت نفسه، يؤدي ذلك إلى ظهور اقتصادٍ موازٍ يضعف النظام المالي للدولة.[5]
ت- التداعيات على المهاجرين
تُمثِّلُ الهجرة غير الشرعية معاناةً مستمرةً للمهاجرين، لعدة أسباب منها:
-
انتهاك حقوق الإنسان:
يواجه المهاجرون غير الشرعيِّين انتهاكات جسيمة لحقوقهم الأساسية؛ حيث يُحرمون من الحماية القانونية التي توفرها الأنظمة الوطنية والدولية، كما يتمُّ استغلالهم في العمل القسْري أو يُحتجزون في ظروفٍ غير إنسانيةٍ في مراكز الاحتجاز.
-
التعرض للاستغلال والاتجار بالبشر:
يتعرض المهاجرون غير الشرعيِّين للاستغلال من قِبَلِ شبكات الجريمة المنظمة التي تقوم بأنشطة، مثل “التهريب والاستغلال الجنسي والعمل القسْري”، إلى جانب افتقار هؤلاء المهاجرين إلى الحماية القانونية اللازمة للوقوف ضد هذه الانتهاكات؛ ما يُعرِّضهم للعيْش في ظروفٍ مهينةٍ، تهدد حياتهم وسلامتهم الجسدية والنفسية.
-
المخاطر الصحية والمعيشية:
يتعرَّضُ المهاجرون غير الشرعيِّين لمخاطر صحية جسيمة؛ نتيجةً لعدم تمكُّنِهم من الوصول إلى الرعاية الصحية؛ بسبب عدم امتلاكهم وثائق قانونية أو التأمين الصحي، وغالبًا ما يعيش هؤلاء المهاجرون في ظروفٍ غير صحيةٍ في المخيمات أو المستوطنات العشوائية؛ ما يزيد من احتمالات انتشار الأمراض المُعْدِية، ويُعرِّضُهم لخطر سوء التغذية والأوبئة.
-
ضعْف المشاركة السياسية:
يعيش المهاجرون غير الشرعيِّين في عُزْلةٍ سياسيةٍ؛ نتيجةً لعدم قدرتهم على التمثيل السياسي أو المشاركة في الأنشطة الديمقراطية مثل التصويت أو الترشيح في الانتخابات، كما يحرمون من التمثيل في الهيئات التشريعية، أو المشاركة في القرارات الحكومية التي تؤثر على حياتهم؛ ما يُسْهِمُ في إضعاف تمثيلهم السياسي، وإعاقة تأثيرهم السياسي في الدول المستقبلة.
-
الافتقار للوصول إلى التعليم: