في واقعةٍ غيرِ مسبوقةٍ شهدتْ العاصمةُ العمانيةُ “مسقط” حادثَ إطلاقِ نارٍ في محيطِ مسجدِ “الإمامِ علي” بمنطقةِ الواديِ الكبيرِ مساءَ الاثنين (الخامس عشر) من شهرِ يوليو الجاريِ بالتزامنِ مع ذكرى إحياءِ ليلةِ (العاشرِ) من محرم، أثارتْ هذه الواقعةُ جدلاً وتساؤلاتٍ واسعةً محلياً وإقليماً ودولياً خاصةً أن السلطنةَ تعدُ من أقلِ دولِ العالمِ تعرضاً لمثلِ هذه الوقائعِ وتغيبُ فيها النعراتُ العرقيةُ والطائفيةُ والانقساماتُ الداخليةُ وتتمتعُ بعلاقاتٍ خارجيةٍ متزنةٍ ومعتدلةٍ في المنطقةِ وعلى المستوى الدوليِ، وفي البيانِ الصادرِ عن شرطةِ عُمان السلطانيةِ أكدتْ الأجهزةُ المعنيةُ أن الحادثَ أسفرَ عن وفاةِ ستةِ أشخاصٍ من بينهم فردٌ من أفرادِ الشرطةِ ، فضلاً عن إصابةِ ثمانيةٍ وعشرين آخرينَ من جنسياتٍ مختلفةٍ أغلبُهم باكستانيين، فضلاً عن عددٍ من رجالِ الشرطةِ والدفاعُ المدنيِ والإسعافِ، كما تمكنَ رجالُ الشرطةِ والقواتُ الخاصةُ من تصفيةِ الجناةِ الثلاثةِ منفذيِ الحادثِ وقد تضمنَ البيانُ أن الجهاتِ المعنيةَ انتهتْ من إجراءاتِ التعاملِ معَ الحادثِ وتستمرُ في عملياتِ البحثِ والتحقيقِ والتمشيطِ وحذرتْ من الانخراطِ وراءَ المعلوماتِ غيرِ الدقيقةِ من مصادرَ غيرِ رسميةٍ موثوقةٍ، كما أعلنتْ كافةُ أجهزةِ السلطنةِ استنفارَها الكاملَ للتعاملِ مع تداعياتِ وتبعاتِ الحادثِ، فقد فعّلتْ وزارةُ الصحةِ مركزاً لإدارةِ الحالاتِ الطارئةِ والاستجابةِ الصحيةِ في محيطِ منطقةِ الحادثِ . ([1])
ردودُ الأفعالِ الدوليةِ والإقليميةِ
حتى الآن لم تعلنْ السلطاتُ العمانيةُ عن هويةِ منفذي العمليةِ والجهةِ المسؤولةِ عنه وعليهِ تحديدُ ما إذا كان الحادثـ إرهابياً في إطارٍ تنفيذِ أجندةٍ معينةٍ لدولةٍ أو تنظيمٍ ما أم هو مجردُ حادثٍ جنائيٍٍ عرضيٍ، وفي ذاتِ الإطارِ أعلنَ تنظيمُ الدولةِ الإسلاميةِ “داعش” الثلاثاء (السادس عشر) من يوليو الجاريِ مسؤوليتَه عن الهجومِ، وفي هذا السياقِ أدانتْ العديدُ من دولِ العالمِ الهجومِ على فقد أصدرتْ الخارجيةُ الباكستانيةُ بياناً تنددُ فيه بالهجومِ الذي كانَ أغلبُ ضحاياهُ من أبناءِ الجاليةِ الباكستانيةِ في عُمان وشددتْ على ضرورةِ التعاونِ وفتحِ قنواتِ تواصلٍ عاجلةٍ مع السلطاتِ العمانيةِ للوقوفِ على أهمِ ملابساتِ الحادثِ، أعلنتْ السفارةُ الهنديةُ في مسقطِ عن كاملِ تضامنهِا مع السلطنةِ والتعاونِ فيما بينهما لإجلاءِ رعايا القتلى والمصابينَ في الحادثِ، كما نشرتْ السفارةُ الأمريكيةُ بياناً بشأنِ الحادثِ يؤكدُ على أن الولاياتِ المتحدةَ تتابعُ عن كثبٍ التقاريرَ الواردةَ عن الحادثِ وباهتمامٍ بالغٍ و حذرتْ رعاياها من التواجدِ في محيط ِالحادثِ مع ضرورةِ الاستجابةِ لتوجيهاتِ السلطاتِ العمانيةِ، وفي إطارٍ مماثلٍ أعلنتْ الخارجيةُ الإيرانيةُ تضامنَها مع سلطنةِ عُمان في هذا الحادثِ وأكدتْ أن مثلَ هذه الوقائعِ تهدفُ إلى إثارةِ الانقسامِ في الصفِ العُمانيِ الواحدِ وأكدتْ دعمَها للسلطنةِ شعباً وحكومةً ضد كافةِ مخططاتِ التقسيمِ والتخريبِ. ([2])
وعلى الصعيدِ العربيِ أدانتْ جامعةُ الدولِ العربيةِ بكافةِ أجهزتهِا ومجلسُ تعاونِ دولِ الخليجِ العربيةِ الهجومَ وأعربتْ عن موقفِها الداعمِ للسلطنةِ مثنينَ على الجهودِ التي بذلتَها للتصديِ لهذا الهجومِ الذي يستهدفُ تهديدَ أمنِ واستقرارِ السلطنةِ، كما أعربتْ المملكةُ العربيةُ السعوديةُ عن دعمِها الكاملِ للسلطنةِ وأعربتْ عن دعمِها وتعاونهِا الكاملِ مع الأجهزةِ العمانيةِ في هذا الوقتِ، كما أرسلتْ الخارجيةُ السوريةُ برقيةَ تعازيِ للسلطنةِ أعربتْ فيها عن إدانتِها للحادثِ، كذلك أعربتْ الإماراتُ العربيةُ المتحدةُ عن استنكارِها الشديدِ لمثلِ هكذا حادثٍ يستهدفُ الأمنَ والاستقرارَ ويعرضُ حياةَ المدنيينَ للخطرِ. ([3])
دلالاتُ ودوافعُ الهجومِ
أثارَ هذا الحادثُ الدهشةَ بشكلٍ كبيرٍ في الأوساطِ الأمنيةِ والسياسةِ خاصةً أن سلطنةَ عُمان معروفةٌ تاريخاً بالتسامحِ والتجانسِ على مدارِ تاريخِها على المستوى الرسميِ والشعبيِ، وبناءً على وقائعِ الأحداثِ هناكَ رؤيتين تحليليتينِ بخصوصِ هذا الحادثِ ([4]) :
الاحتمالُ الأولُ كونُ هذا الحادثُ هجوماً إرهابياً ويرجحُ من هذا الاحتمالِ إعلانُ تنظيمِ “داعش” مسؤوليَتهُ عن هذا الحادثِ غيرِ المسبوقِ على السلطنةِ وهو ما عمقَ من حدةِ الدهشةِ والتكهناتِ خاصةً في ظلِّ العلاقاتِ العمانيةِ المتزنةِ مع كافةِ الأطرافِ الفاعلةِ في المنطقةِ الأمرُ الذي جعلَ الكثيرَ يشككونَ في حقيقةِ هذا الإعلانِ خاصةً أن السلطاتِ الرسميةَ المسؤولةُ في عُمان لم تبدي أيَ ردةِ فعلٍ على إعلانِ “داعش” مسؤوليتَها عن الحادثِ بل فضلتْ التأنيَ واستمرارَ البحثِ والتحقيقِ دونَ اتخاذِ قراراتٍ أو إصدارِ بياناتٍ إلا بعد اكتمال كافة إجراءات البحث في ملابساتِ الواقعةِ، علاوةً على ذلك كررتْ ضرورةَ عدمِ الانسياقِ وراء ما يتم تداوله على وسائل الإعلام، وعلى اعتبارِ أن البيانَ الصادرَ عن تنظيِم “داعش” صحيحٌ فإنه قد يكونُ في إطارِ الحربِ بين التنظيمِ وبين الطائفةِ الشيعيةِ في المنطقةِ فيأتي هذا الاستهدافُ ضمنَ عددٍ من العملياتِ العديدةِ التي يشنُها التنظيمُ ضد الشيعةِ في مناطقَ مختلفةٍ.
الاحتمالُ الثاني يرىَ البعضُ أن هذا الحادثَ بعيدٌ عن كونِه هجوماً إرهابياً وهو مجردُ واقعةٍ جنائيةٍ خاصةً أنها تأتيِ في منطقةِ الواديِ الكبيرِ هذه المنطقةُ المعروفةُ بالطابعِ الصناعيِ ذي الكثافةِ العماليةِ خاصةً الوافدةَ وعليه فإن بعضَ التحليلاتِ تشيرُ الى أنه يرجعُ إلي بعضِ الخلافاتِ بين هذه الفئاتِ خاصةً أن أغلبَ البياناتِ الصحفيةِ الصادرةِ تؤكدُ أن منفذيِ الهجومِ من نفسِ جنسيةِ الأفرادِ الموجودينَ داخلَ المسجدِ والذين هم أغلبهُم باكستانيون وأن مثلَ هذه الحوادثِ واردةُ الحدوثِ بشكلٍ ما أو بآخرَ حتى في أكثرِ الدولِ أمناً وسماحةً كالسلطنةِ.
وبغضِ النظرِ عن ما إذا كانَ هجوماً إرهابياً مدبراً أو حادثاً عرضياً واردَ حدوثةُ في أيِ مكانٍ في العالمِ ولأيِ دولةٍ حتى وأن كانتْ السلطنةُ الأكثرَ هدوءًا واستقراراً في المنطقةِ الخليجيةِ والعربيةِ والشرقِ الأوسطيةِ بشكلٍ عام، فهو يعدُ بكلِ تأكيدٍ تهديدٌ خطيرٌ للأمنِ والاستقرارِ في عُمان خاصةً أنه لم يسبقْ لها التعاملُ مع مثلِ هذه الحوادثِ ويتطلبً حذراً وجديةً شديدةً في المستقبلِ بل وقد يحدثُ تغيراً جذرياً في الاستراتيجيةِ الأمنيةِ العمانيةِ للتعاطيِ مع كافةِ السناريوهاتِ المطروحةِ حالياً بشكلٍ يضمنُ عدمَ تكرارِ هذا الحدثِ مرةً أخرى لضمانِ استمرارِ تمتعِ السلطنةِ بكونِها صاحبةَ أوثقَ نسيجٍ مجتمعيٍ في المنطقةِ، وفيما يتعلقُ بإمكانيةِ تكرارِ هذا الحادثِ مرةً أخرى فهو أمرٌ يتعلقُ بشكلٍ كبيرٍ بنتائجِ التحقيقاتِ التي سوف تصلُ إليها السلطاتُ العمانيةُ المختصةُ.
المصادر:
[1]) وكالة الأنباء العمانية، الانتهاء من إجراءات التعامل مع حادثة إطلاق النار بمنطقة الوادي الكبير في محافظة مسقط، 2024، متوفر على: https://omannews.gov.om
[2]) France 24، تنظيم “الدولة الإسلامية” يعلن مسؤوليته عن هجوم على مسجد شيعي في مسقط يسفر عن ستة قتلى، 2024، متوفر على: https://www.france24.com
[3]) الشرق الأوسط، داعش يعلن مسؤوليته غن الهجوم على مسجد في عُمان، 2024، متوفر على: https://aawsat.com
[4]( سكاي نيوز عربية، تنظيم داعش يتبنى الهجوم في باحة مسجد الوادي الكبير في سلطنة عمان، 2024، متوفر على: https://www.youtube.com
