يَعْقِدُ المجلسُ الأعلى للدولة في ليبيا غدًا، الثلاثاء 6 أغسطس، جلسةً عامَّةً، سيتمُ خلالها انتخابُ الرئيس الدوري للمدة النيابية القادمة، في ظل مواجهةٍ مفتوحةٍ بين ثلاث شخصياتٍ، وأوَّل المرشحين؛ هو الرئيس الحالي “محمد تكالة” الذي يحْظَى بدعْمٍ قويٍّ من رئيس الحكومة “عبد الحميد الدبيبة”، وأمَّا ثاني المرشحين؛ فهو “خالد المشري” الذي يطمح إلى العودة لمنصب رئيس المجلس بعد عامٍ من إزاحته عنه، أمَّا المرشح الثالث؛ فهو رئيس اللجنة القانونية بمجلس الدولة “عادل كرموس”.
وتُعدُّ نتيجةُ انتخابات رئاسة المجلس الأعلى للدولة (بمثابة الغرفة السفلى للبرلمان)، التي تُجرى بشكلٍ دوريٍّ سنويًّا، مُعْطًى مهمًا في المشهد السياسي الليبي المُعَقَّد، وخلافًا لدوراتٍ سابقةٍ، تكتسي عمليةُ انتخاب رئيسٍ جديدٍ لـلمُدَّة القادمة أهميةً بالغةً؛ كوْن أن الفائز المنتظر قد يحْسِمُ مصيرَ بعض القضايا الخلافية الكُبْرَى، في مقدمتها؛ تشكيل حكومةٍ جديدةٍ خَلَفًا للوحدة الوطنية المنتهية ولايتها، التي يرْأَسُها عبد الحميد الدبيبة.
توقيت “حسَّاس”
يأتي ذلك الحدثُ بالتزامن مع إعلان مجلس النواب، يوم 28 يوليو الماضي، بفتْح باب الترشُّح لرئاسة الحكومة الجديدة حتى يوم 11 أغسطس الجاري[1]، هذه الخطوة جاءت بعد سلسلةٍ من اللقاءات والحوارات المُكثَّفة التي أجراها المجلس على مدى الفترة الماضية، بدْءًا من إصدار قوانين الانتخابات، مرورًا بالاجتماع الأخير الذي عُقِدَ في مارس الماضي، بمقرِّ جامعة الدول العربية في القاهرة، بين “عقيلة صالح”، رئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس الدولة، ورئيس المجلس الرئاسي، والذي خَلُصَ إلى اتفاقٍ على ضرورة إجراء الانتخابات، وتشكيل حكومةٍ مُوحَّدةٍ قادرةٍ على إدارة البلاد.
ولكن تتزايد الشُّكُوك في الداخل الليبي، حوْل مصيرِ تشكيلِ تلك الحكومة، خاصَّةً بعد تفاقُم الخلافات بين رئيسَيْ مجلس الأعلى للدولة “محمد تكالة”، والنواب “عقيلة صالح”؛ بسبب إقرار الأخير مشروعَ ميزانيةٍ عامَّةٍ ومُوَحَّدةٍ للدولة لعام 2024.
كما رَفَضَ “تكالة” إعلان رئيس مجلس النواب الليبي “عقيلة صالح”، فتْح بابِ الترشيحات لحكومة مُوَحَّدةٍ؛ مُبرِّرًا في بيانٍ له، بأن “التوافق وعدم التفرُّد بالقرار هو ما سعيْنا إلى تحقيقه ووضْع نقاطه الرئيسية في الاجتماع الثلاثي، برعاية الجامعة العربية، في إطاره العام”، مشيرًا إلى أن العملية كان من المقررِّ أن تُستكمل بوضْع الآليات المتعلقة بجميع النقاط التي تضمَّنها بيانُ الجامعة، وتابع البيان، بأن “الخطوةَ الأُحاديةَ التي اتخذها مجلس النواب، بإقراره موازنةً ضخمةً مخالفةٌ للاتفاق السياسي وتُكرِّس الانقسام، وقد حَالَت دون الاجتماع (لوضع الآليات)”.[2]
وبالرغم من ذلك الاستياء، لم يُحدِّدْ مجلس الدولة – حتى الآن – آلياتٍ واضحةً لتنفيذ الاتفاقات؛ حيث أيُّ نقاشٍ حول تزكية حكومةٍ جديدةٍ لن يتم إلا بعد إجراء الانتخابات لمكتب الرئاسة.
ويشترط ” تكالة”، أن تكون هناك قوانين انتخابية مُتفَّقٌ عليها، وأن يتمَّ العودة لمُخْرَجات لجنة “6+6″، ويرى أن هذا الاتفاق يتطلب آليةً واضحةً لكيفية تشكيل الحكومة، سواء عن طريق الانتخاب، أو عن طريق دمْج الحكومتيْن الحاليتيْن.
“عبد الله بليحق”، الناطق باسم مجلس النواب، أوضح أن هذه الخطوة تأتي في إطار الجهود المستمرة للمجلس لتجاوز العقبات القانونية والإجرائية، مؤكدًا أنه لا يُوجد أيُّ عائقٍ أمام فتْح باب الترشُّح، وأشار إلى أن المجلس قد اعتمد آليةً واضحةً ومُحدَّدةً لاختيار رئيس الحكومة؛ ما يفتح الباب أمام الشخصيات الوطنية للتقدُّم وإدارة البلاد في هذه المرحلة الحاسمة.
وبناءً على تلك الحالة من الشَّدِّ والجذْب بين مجلسيْ الدولة والنواب، تتجه الأنظار غدًا نحْو انتخابات رئاسة مجلس الدولة الاستشارية، والتي قد ينتج عنها تغييرٌ للرئيس ولتوجُّهاته، ومن المرجَّحِ، بأن تشهد تلك الانتخاباتُ منافسةً حاميةً على رئاسة المجلس، خاصَّةً بين الرئيسيْن الحالي والسابق، محمد تكالة، وخالد المشري.
في سياق ذلك، يمكن الإشارة إلى عددٍ من النقاط المهمة:
أولًا: احتدامُ المنافسة على رئاسة المجلس راجعٌ لاختلاف توجُّهات المرشحين السياسية، خصوصًا حِيَالَ حكومة الدبيبة؛ حيث يراهن تكالة – وهو قيادي في حزب العدالة والبناء، الجناح السياسي لجماعة الإخوان في ليبيا – على الاستمرار في منصبه كرئيسٍ لمجلس الدولة، لا سيما بعد مواقفه الأخيرة التي اتخذها، منها؛ رفضه التصديق على ميزانية الدولة للعام 2024، ومقاطعته للاجتماع الثلاثي، الذي كان مُقرَّرًا عقْدُهُ في العاصمة المصرية بينه وبين رئيسيْ المجلس الرئاسي محمد المنفي ومجلس النواب عقيلة صالح.
وقد يعني فوز تكالة – الذي يحظى بدعْمٍ كبيرٍ من حكومة الدبيبة – تجميدَ المشهد السياسي لمدة عامٍ آخر، في ظل اعتراضه على ما يُصدرُهُ البرلمان من قراراتٍ وتشريعاتٍ؛ ما يعني استبعاد توصُّل المجلسيْن لأيِّ تفاهماتٍ، بشأن إجراء الانتخابات المُؤَجَّلة.
ثانيًا: يطمح خالد المشري للعودة إلى منصب رئيس المجلس بعد عامٍ من إزاحته عنه؛ بهدف مواصلة مشواره السياسي، وكان المشري قد انْتُخِبَ في 8 أبريل 2018، رئيسًا لمجلس الدولة خَلَفًا لـ“عبد الرحمن السويحلي”، الذي تولَّى رئاسة المجلس لولايتيْن، ثم استمرَّ على رأس المجلس إلى أغسطس 2023، عندما تمَّت الإطاحة به خلال انتخابات المجلس، بفارق 4 أصواتٍ فقط[3]؛ حيث كان هناك حديثٌ عن وجود صفقةٍ بين الدبيبة وأعضاء المجلس؛ من أجل قطْع طريق الفوْز على المشري؛ بسبب تقارُب الأخير مع مجلس النواب.
وإذا نجح المشري في انتخابات رئاسة المجلس غدًا؛ فستكون هناك خطواتٌ ملموسةٌ بالتقارُب مع البرلمان؛ حيث سوف يضغط المجلسان على المجتمع الدولي والبعثة الأممية؛ ليقبلا بتشكيل حكومةٍ مُوحَّدةٍ لإدارة البلاد، وتدريجيًّا قد تصل ليبيا لمحطة الانتخابات، ولكن هذا بطبيعة الحال سيستغرق وقتًا طويلًا.
ثالثًا وأخيرًا: لا شَكَّ بأنَّ عملية انتخاب رئيسٍ جديدٍ لمجلس الدولة تكتسي أهميةً بالغةً، ولكن يجب التقليل من حجْم التوقُّعات؛ حَالَ فوْز المشري، أو أيّ شخصية أُخرى مُعَارِضة لحكومة الدبيبة؛ لأن المشري أو غيره أيًّا كان، لا يستطيع اختزال قرار المجلس في رؤيته؛ لأن الكتلة العريضة داخل المجلس هي صاحبة القرار النهائي.
المصادر:
[1] البرلمان يستقبل طلبات الترشح لرئاسة الحكومة الجديدة، سكاي نيوز، 28 يوليو، متاح على الرابط: https://shorturl.at/7fenK
[2] ليبيا.. رفض فتح باب الترشيحات لتشكيل حكومة موحدة، أخبار شمال إفريقيا، 20 يوليو، متاح على الرابط: https://shorturl.at/HnAuJ
[3] «القضايا الخلافية» تُشعل المنافسة على رئاسة «الأعلى للدولة» في ليبيا، صحيفة الشرق الأوسط، 3 أغسطس، متاح على الرابط: https://shorturl.at/md4VC
