المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > انسحابٌ أم مناورةٌ: تفكيك رواية تخلِّي إيران عن الحوثيِّين ومآلات الدَّعْم الإقليمي
انسحابٌ أم مناورةٌ: تفكيك رواية تخلِّي إيران عن الحوثيِّين ومآلات الدَّعْم الإقليمي
- أبريل 16, 2025
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات

إعداد: رضوى الشريف
منسق وحدة شؤون الشرق الأوسط
بالتزامُن مع انخراط إيران والولايات المتحدة في جوْلةٍ جديدةٍ من المفاوضات النووية، عادت ملفات النفوذ الإقليمي الإيراني إلى واجهة التحليلات السياسية، وعلى رأسها ملف العلاقة بين طهران وجماعة الحوثي في اليمن؛ حيث نقلت صحيفة “تلغراف” البريطانية عن مسؤولٍ إيرانيٍّ رفيعٍ، تصريحات، تفيد بنِيَّة طهران “التخلِّي” عن دعْم الحوثيِّين، في خطوةٍ وُصفت بأنها تعكس رغبة إيران في خفْض التصعيد وتهيئة مناخٍ تفاوضيٍّ ملائمٍ مع واشنطن، وأثارت هذه التصريحات – التي رُوِّجَ لها في سياقٍ دبلوماسيٍّ مَرِنٍ – تساؤلات حول مدى واقعيتها، ومدى ارتباطها بتكتيكٍ إيرانيٍّ متجدّدٍ يسعى إلى كسْب الوقت لا أكثر.
غير أن التوقيت الدقيق الذي صدرت فيه هذه التصريحات – بالتوازي مع تصعيدٍ عسكريٍّ أمريكيٍّ في البحر الأحمر واستهداف مواقع الحوثيين،[1] وتزايُد الضغوط على إيران من أطراف إقليمية ودولية – يفتح المجال لتأويلات مُعقَّدة؛ فإيران التي طالما استخدمت “الحوثيِّين” كورقة ضغطٍ في معادلات التفاوُض، تدرك جيِّدًا أنَّ أيَّ انسحابٍ فِعْلِيٍّ أو تخلٍّ كاملٍ عن الجماعة، سيُضْعِفُ موقعها التفاوضي، ويُقوِّضُ أحد أهمِّ أدواتها في المسرح اليمني ومنطقة الخليج العربي.
وبالتالي، فإن تصريحات “التخلِّي” تبدو أقرب إلى خطابٍ تكتيكيٍّ مُوَجَّهٍ للاستهلاك السياسي الخارجي، دون أن يرافقها أيّ تغييرٍ جوهريٍّ على الأرض.
وفي المقابل، تشير مصادرُ يمنيةُ مُطَّلِعَة، إلى أن دعْم إيران للحوثيين لا يزال قائمًا، بل قد يتصاعد؛ ففي دول القرن الأفريقي، مثل “الصومال وإريتريا وجيبوتي”، يستخدم الحوثيون هذه البلدان كقنواتٍ لتهريب الأسلحة وتدريب المقاتلين، ويعكس هذا الدَّعْم المستمر، وفْقًا للمصادر اليمنية، عدم نية إيران التخلِّي عن الحوثيِّين.[2]، بل على العكس، تدرك طهران أن استمرار دعمها للجماعة يُمثِّلُ أحد أهمِّ أوراق الضغط التي تملكها في معادلات التفاوض الإقليمي والدولي، خصوصًا في ظلِّ تراجُع نفوذ أذرعها الأخرى في المنطقة، مثل “حزب الله في لبنان، والحشد الشعبي في العراق، وسقوط النظام السوري”.
الحوثيون: الورقة الأكثر مرونةً في يد طهران
على عكس ما تُوحِي به التصريحات الإعلامية الأخيرة عن “تخلِّي” إيران عن دعْم جماعة الحوثي، فإن مسار العلاقات بين الطرفين، ومجمل المؤشرات الإقليمية والميدانية، يُظهر واقعًا مختلفًا، بل مناقضًا تمامًا؛ فمنذ عام 2014، تاريخ سيطرة الجماعة على صنعاء، لم تتعامل طهران مع الحوثيِّين، باعتبارهم مُجرَّد حليفٍ محليٍّ ظرْفيٍّ، بل كجزءٍ أصيلٍ في بِنْية نفوذها الإقليمي، وورقة إستراتيجية قابلة لإعادة التوظيف، بحسب تطوُّرات اللحظة.
ما يجعل الحوثيين تحديدًا ذراعًا لا يمكن التخلِّي عنه لدى إيران، هو المرونة العالية في الحركة والتوظيف؛ فهم ليسوا محكومين بحسابات داخلية مُعقَّدة، كما هو الحال مع حزب الله في لبنان، ولا يخضعون للضغوط الأمريكية، مثل بعض الفصائل الشيعية في العراق.
على العكس، يتحرَّكُ الحوثيون في بيئةٍ مفتوحةٍ نِسْبِيًّا، تمتدُّ من الجبهات الداخلية في اليمن إلى البحر الأحمر وخطوط المِلَاحة الدولية؛ ما يمنح إيران أداة ضغطٍ يمكن تفعيلها في التوقيت الذي يناسبها، دون تكلفةٍ سياسيةٍ كبيرةٍ.
وعلى مدار السنوات الماضية، خصوصًا مع تصاعُد التوترات الإقليمية، عزَّزت إيرانُ من دعمها اللوجستي والتِّقَني للجماعة؛ إذ تمَّ تهريب الأسلحة والمعدَّات المتطورة، وتمَّ نقل خبرات تشغيلية متقدمة، مع إدماج الحوثيِّين تدريجيًّا ضِمْن منظومة “الحرب الهجينة” التي يتبنَّاها الحرس الثوري؛ بما يشمل الطائرات المُسيَّرة، والصواريخ الدقيقة، والعمليات غير التقليدية.
والأهمّ من كُلِّ ذلك، أن قيمة الحوثيِّين في الحسابات الإيرانية لا تقتصر على بُعْدِها العسكري، بل تتصل بشكلٍ مباشرٍ بقدرة طهران على “التشويش الإستراتيجي” على المصالح الغربية، خصوصًا في البحر الأحمر ومضيق باب المندب؛ حيث يُمْكِنُ لأيِّ تصعيدٍ من طرف الجماعة أن يُعيد خلْط الأوراق، ويمنح إيران أوراق تفاوض إضافية.
إستراتيجية الغموض الإيراني في وقت التفاوض
يُظهر بوضوح تاريخ السياسة الإيرانية في المنطقة، أن طهران لا تميل إلى اتخاذ قراراتٍ مفاجئةٍ أو قطيعةٍ حاسمةٍ مع أدوات نفوذها، بل تُفضِّلُ تبنِّي تكتيكاتٍ تقوم على الغموض والضبابية المرحلية، وهذا ما ينطبق تمامًا على تعاطيها الحالي مع ملف الحوثييِّن؛ فعِوَضًا عن إعلان موقفٍ حادٍّ بالانسحاب أو التمسُّك، تفضل إيران إرسال إشاراتٍ رماديةٍ، تسمح لها بمساحة مناورةٍ واسعةٍ، تارةً عبْر التسريب المقصود لتصريحات لمسؤولين غير معلنين، وتارة عبر الصمت المطبق في مواجهة سلوكيات الحوثيِّين في البحر الأحمر.
هذا النَّمَط السُّلُوكي ينسجم مع العقيدة الأمنية الإيرانية المبنية على مبدأ “الإنكار المعقول” أو Plausible Deniability، التي تتيح لها التحرُّك ميدانيًّا دون دفْع ثمنٍ سياسيٍّ أو دبلوماسيٍّ مباشرٍ، وعندما يتعلق الأمر بالتفاوض مع الولايات المتحدة، فإن إيران تدرك أن إظهار مرونةٍ إعلاميةٍ قد يُسْهِمُ في تخفيف الضغط عنها، لا سيما في ظلِّ إدارةٍ أمريكيةٍ تسعى إلى إعادة ترتيب التزاماتها في الشرق الأوسط، دون التورُّط في مواجهاتٍ جديدةٍ، ولذلك، فإن التصريحات الأخيرة بشأن “التخلِّي عن الحوثيِّين” يمكن فهْمها باعتبارها جُزْءًا من خطاب علاقاتٍ عامَّةٍ أكثر منها تحوُّلًا حقيقيًّا في الإستراتيجية.
ما يُعزِّزُ هذا الطَّرْح هو تزامُن التصريحات الإيرانية مع عِدَّة تطوُّراتٍ ميدانيةٍ تعاكس مضمونها؛ ففي الوقت الذي تتحدث فيه طهران عن “سحْب يدها” من اليمن، تتواصل عمليات تهريب الأسلحة إلى الحوثيِّين؛ عن طريق قنواتٍ أُخرى غير مباشرةٍ، خصوصًا بعد تداول الحديث عن وجود تعاونٍ بين حركة الشباب في الصومال وجماعة الحوثي. [3]
لذا فإن هذه المناورة الإعلامية ليست جديدةً على إيران، بل استخدمتها سابقًا في ملفاتٍ مشابهةٍ، مثل إعلانها تقليص دعمها لفصائل عراقية، بينما كانت تعيد تموْضعها عبْر قنوات خلفية، أو في سوريا حين تحدثت عن سحْب مستشارين، في الوقت الذي كانت تعيد تشكيل انتشارها العسكري.
وبالتالي، من المهمِّ فهْم خطاب التخلِّي عن الحوثيِّين ضِمْنَ هذا النَّمَط المتكرر، لا كحالةٍ استثنائيةٍ نابعةٍ من تحوُّلٍ فِعْلِيٍّ.
روسيا كبديلٍ تكتيكيٍّ – حقيقة الدَّعْم وحدوده
بالرغم من مركزية العلاقة بين إيران والحوثيِّين في فهْم خريطة النفوذ الإقليمي، إلَّا أنه في الأشهر الأخيرة، ظهرت تحوُّلاتٌ مهمةٌ قد تشير إلى تغييرات في إستراتيجية الحوثيِّين، وتكشف عن ملامح تحوُّلٍ دقيقٍ وربما استباقي، تسعى من خلاله جماعة الحوثي إلى تعزيز استقلالها النِّسْبِي، والبحْث عن قنوات دعْمٍ موازيةٍ، تحميها من ارتدادات أيِّ تبدُّلٍ مفاجئٍ في المِزَاج السياسي الإيراني أو الدولي، ويُعدُّ أحد أبرز الاتجاهات الناشئة في هذا السياق ما تروِّجُه تقارير إعلامية، من بينها ما نشرته صحيفة وول ستريت جورنال، حول وجود مؤشرات على تقارُب بين الحوثيِّين وموسكو، بوصفها طَرَفًا دوليًّا لا يُعادِي الجماعة، ويمتلك أدوات تأثيرٍ سياسيٍّ ودبلوماسيٍّ قد تتيحُ للحوثيِّين هامش حركةٍ أوسعَ خارج العباءة الإيرانية التقليدية، وبالرغم من أن هذه الاتهامات، لا تؤكد وجود تحالُفٍ إستراتيجيٍّ واضحٍ، لكنها تفتح باب التأويل، بشأن بحْث الجماعة عن بدائل أو داعمين محتملين، في ظلِّ سيولة المشهد الإقليمي.[4]
وتشير تقارير، أبرزها ما نشره موقع جلوبس الإسرائيلي، في 4 أبريل 2025، إلى أن الحوثيِّين، رغم الضربات العسكرية المتلاحقة من قِبَلِ الولايات المتحدة وإسرائيل، لم يُظهروا تراجُعًا كبيرًا في نشاطهم القتالي، بل حافظوا على وتيرة القصْف، ما يُشيرُ إلى مرونةٍ لوجستيةٍ وقدرةٍ مستمرةٍ على التعافِي والتكيُّف، وعلى الرغم من التقديرات التي تفيد بامتلاكهم “بضْع عشرات” فقط من منصَّات الإطلاق والصواريخ الباليستية، القادرة على الوصول إلى إسرائيل، فإن هذا لم ينعكس في انخفاضٍ فِعْلِيٍّ لمعدَّلات إطلاق الصواريخ أو الهجمات البحرية، وهو ما يدفع لتحليلٍ أعمقَ، حول مصادر القوة والاستمرار لدى الجماعة.
اللافت في الطَّرْح الإسرائيلي، أن المؤسسة الأمنية بدأت تلاحظ مؤشرات على أن الحوثيِّين لا يتصرفون فقط كذراعٍ طهرانيةٍ مطلقة التوجيه، بل يتبنَّوْن نَمَطًا مستقِلًّا نِسْبِيًّا في القرار والعمل الميداني، مدعومًا بقدرةٍ متناميةٍ على التكيُّف مع نقْص الموارد أو تغيُّر شبكات التوريد.
في هذا السياق، يظهر بوضوحٍ، أن الحوثيين المدركين لاحتمال تراجُعٍ إيرانيٍّ تكتيكيٍّ في الدعم، أو تحوُّله إلى دعْمٍ محدودٍ ومنخفضٍ الكثافة، باتوا يبحثون عن داعمٍ بديلٍ أو مُكَمِّلٍ، وقد تُمثِّلُ روسيا هذا البديل؛ نظرًا لعدة اعتبارات:
-
موسكو لا تصنف الحوثيِّين كجماعةٍ إرهابيةٍ وتُبقي قنواتها الدبلوماسية مفتوحةً معهم.
-
روسيا تسعى لتعزيز حضورها في البحر الأحمر وخليج عدن، وهو ما يضعها في تقاطُع مصالحَ محتملٍ مع الجماعة.
-
وجود موسكو كراعٍ بديلٍ، أو على الأقلِّ كشريكٍ محتملٍ، يمنح الحوثيِّين مساحةً للمناورة في مواجهة الضغوط الأمريكية والإسرائيلية المتزايدة.
تأسيسًا على ما سبق، يمكن القول: إن الحوثيِّين بدأوا في تبنِّي إستراتيجية “تعدُّد الرُّعَاة” أو “التحوُّط الإستراتيجي”؛ حيث لا يُعادُون إيران، لكنهم لا يعتمدون عليها فقط، ويشير هذا التحوُّل إلى نقْلَةٍ نوعيةٍ في بِنْيَة الجماعة؛ إذ تتجاوز علاقتهم العضوية التقليدية بطهران، وتضعهم في موقعٍ أكثرَ فاعليةً، قادرين على التفاوض والمطالبة بدلاً من الاكتفاء بتلقي الدعم.
وفي هذا السياق، فإن التوجُّه نحو روسيا، رغم أنه في مراحله الأولى، يعكس سعْي الحوثيِّين لإعادة تعريف دورهم في المنطقة؛ فمن جهةٍ، يسعوْن لتحصين أنفسهم من أيِّ تغييراتٍ مفاجئةٍ في السياسة الإيرانية، ومن جهةٍ أُخرى، يطمحون إلى توسيع مساحة تحرُّكهم في المشهد الإقليمي والدولي.
انعكاسات خطاب “التخلِّي” على مسار الأزمة اليمنية
سواء اعتُبرت تصريحاتُ إيران بشأن “التخلِّي عن الحوثيِّين” خطوةً حقيقيةً أو مُجرَّد خطابٍ تكتيكيٍّ، فإن مُجرَّدَ صدور هذه الإشارات يُحْدِثُ أثرًا ملموسًا في المشهد اليمني، وهو ما يمكن عرْضُهُ على النَّحْو الآتي.
-
ارتباكٌ مرحليٌّ في تموْضع الحوثيِّين: في الداخل اليمني، تُشكِّلُ هذه الرسائل المتضاربة من طهران مصدر قلقٍ للجماعة الحوثية، التي لطالما بنت جزءًا كبيرًا من تماسُكها السياسي والعسكري على مظلَّة الدعَّم الإيراني؛ فحتى لو لم يتوقف هذا الدَّعْم فِعْلِيًّا، فإن إشارات التراجُع – إعلاميًّا – تفتح الباب أمام تشكُّكٍ داخليٍّ في استمرارية العلاقة، وتُثير تساؤلاتٍ حول إمكانية إعادة تعريف أولويات طهران. وقد يدفع ذلك الحوثيِّين إلى أحد مساريْن متناقضيْن، وهما: (تصعيدٌ ميدانيٌّ لإثبات الحضور ورفْع كُلْفَة “التخلِّي”، أو مرونة تفاوضية نِسْبِيَّة لاحتواء احتمالات العُزْلة)
-
تآكُل هيبة الحوثيِّين على مستوى التوازُن الداخلي: إذا ما تلقَّتْ الأطرافُ اليمنيةُ الأخرى، خاصَّةً الحكومة المعترف بها دوليًّا والمُكوِّنات الجنوبية، هذه التصريحات على أنها بداية لتراجُع الدعم الخارجي للحوثيِّين، فقد تعزّز من ثقتها في إمكانية قلب المعادلة السياسية والعسكرية، وربما تُشجعها على التشدُّد في أيِّ مفاوضات مُقْبِلَة، أو الدَّفْع باتجاه الحسْم الميداني في بعض الجبهات، وقد يضعف هذا التحوُّل في التوازُن النَّفْسي والسياسي من قُدْرة الحوثيِّين على فرْض شروطهم المعتادة في أيِّ مسار تسوية.
-
إرباكٌ محتملٌ لمبادرات الحلِّ السياسي: في حال فسَّرت الأطراف الدولية المعنِيَّة، وعلى رأسها الأمم المتحدة، الخطاب الإيراني باعتباره خطوةً تمهيديةً لتفكيك الأزمة، فقد يُسْهِمُ ذلك في الدَّفْع نحو إحياء مبادرات التفاوض المُجمَّدة، إلَّا أن الخطر هنا يكْمُنُ في الاعتماد على معطى غير مؤكدٍ؛ فبناء أيِّ عملية سياسية على أساس أن الحوثيِّين فقدوا دعمهم الإقليمي قد يُفْضِي إلى نتائجَ معكوسةٍ، إذا ما تبيَّنَ لاحقًا أن الدَّعْم مستمرٌ ولكن بصيغةٍ أقلّ وضوحًا.
-
انعكاسات على الخارطة الإنسانية والمعيشية: أمَّا على الأرض، قد يؤدي أيُّ تراجُعٍ – وإن كان إعلاميًّا ومؤقتًا، في الدَّعْم الإيراني – إلى إضعاف القدرات التشغيلية للجماعة، وبالتالي تأثُّر مناطق سيطرتها من الناحية المعيشية، خصوصًا مع استمرار الضغوط الاقتصادية وتدهور الأوضاع الإنسانية؛ ومع تفاقُم الأزمات الحياتية، قد تتسع فجوة السَّخَط الشعبي في مناطق نفوذ الحوثيِّين؛ ما يُضيف بُعْدًا اجتماعيًّا إلى حالة التوتُّر السياسي والعسكري.
مآلات المرحلة المقبلة
بناءً على المُعْطيات الميدانية والتصريحات العلنية والسياق الإقليمي العام، من الصعب تصديق أن إيران في طريقها إلى التخلِّي الفِعْلِيِّ عن الحوثيِّين؛ فما يُروَّج في الإعلام، من تسريباتٍ أو تصريحاتٍ غامضةٍ، يندرج ضِمْنَ سلسلةٍ طويلةٍ من المناورات الإيرانية التي تسعى إلى إظهار مرونةٍ في الخطاب دون تغييرٍ جوهريٍّ في السلوك.
الرَّهَان على الحوثيِّين لم يعُدْ خيارًا إيرانيًّا مَرِنًا فحسب، بل ضرورة إستراتيجية، بعد أن تآكلت هوامش التأثير في السَّاحات التقليدية؛ فمع تراجُع حزب الله، وانهيار النظام السوري، وتذبذب ولاءات الفصائل العراقية، يبقى الحوثي هو الذراع الأكثر قدرة على التحرُّك ضِمْنَ هامشٍ واسعٍ، وبأقلِّ تكلفةٍ سياسيةٍ على طهران؛ لذا فإن الحديث عن تخلِّي إيران عن الجماعة في هذه اللحظة لا يبدو إلا محاولةً لتجميل السلوك الإيراني أمام الغرب، وليس قرارًا إستراتيجيًّا قابلًا للتنفيذ.
في المرحلة المقبلة، من المرجح أن تستمرَّ إيرانُ في استخدام الحوثيِّين كورقة ضغطٍ مُركَّبةٍ ميدانيًّا ضد خصومها، وتفاوضيًّا في علاقتها مع واشنطن والعواصم الأوروبية، وإذا ما تعثَّرت المفاوضات النووية، فقد يُعادُ تفعيل هذه الورقة بشكلٍ أوسعَ وأكثرَ خطورةً.
لذا فإن التقديرَ الواقعيَّ يشير إلى أن علاقة إيران بالحوثيين ستظلُّ قائمةً، بل مرشحة للتطوُّر، باعتبارها آخر أوراق طهران النَّشطة في معركة النفوذ الإقليمي.
المصادر:
[1] “مسؤول إيراني: طهران تتخلى عن الحوثيين لتجنب الحرب مع أميركا”، العربية ، 3 أبريل 2025، https://bit.ly/3kDlMvq.
[2] “إيران عززت تواجد الحوثيين في دول القرن الأفريقي”، بلقيس نت، 11 أبريل 2025، https://shorturl.at/yDday
[3] مرجع سابق، بلقيس نت
[4] “روسيا قدّمت معلومات للحوثيين استخدمت في مهاجمة سفن”، صحيفة الشرق الأوسط، 24 أكتوبر 2024، . https://aawsat.com/5074619