إعداد: رضوى رمضان عبد الفتاح شريف
لا يزال انسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة معضلةً لكل الأطراف الفاعلة في البلاد سواء المحلية أو الدولية، خاصةً مع اقتراب الانتخابات الليبية في 24 ديسمبر القادم، تشهد ليبيا عدة تطورات فيما يخص المسار السياسي والأمني، وفي لقاء صحفي جمع رئيس المجلس الليبي (محمد المنفي) مع المستشارة الألمانية (أنجيلا ميركل) يوم الخميس الموافق 30 سبتمبر، ناقش (المنفي) ملف انسحاب المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا قبل بدْء العملية الانتخابية القادمة.
يقبع على الأراضي الليبية ما يقارب من 11 ألفًا من المرتزقة ومقاتلين من جنسيات متعددة، فقد أرسلت تركيا وحدها آلاف المرتزقة السوريين مع قواتها التركية على مدى الأشهر الماضية إلى الأراضي الليبية، ولا يزال حوالي أكثر من 6000 منهم هناك، فضلًا عن وجود شكوك حول وجود قوات (فاغنر) المرتزقة التابعة لروسيا، وعدد من القوات التابعة للدول الأوروبية، والأفريقية.
تحديات الانسحاب واستكمال مسار الانتقال السياسي.
إن استبعاد المرتزقة وخروج القوات الأجنبية وتحجيم التدخلات الخارجية الذي جاء ضمن مُخرجات اللجنة العسكرية (5+5)، يساعد على توحيد مؤسسة الجيش، باعتباره العمود الفقري الذي يضمن استقرارا البلاد، خاصةً مع تقدُّمها نحو الانتخابات الوطنية القادمة، ولعل عدم انسحاب المرتزقة والقوات الأجنبية لا يشكل فقط تهديدًا لليبيا بل للمنطقة بأسرها، وقد وافقت القوى الدولية والإقليمية في مسار برلين بكافة مراحله، على انسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة، بمراعاة كاملة لجهود أممية وإقليمية، وخاصةً دول الجوار.
يشكل سحب المرتزقة ضرورةً أمنيةً ليس فقط لدى الليبيين، بل لدى دول المنطقة وخاصةً دول الجوار الليبي (مصر، تونس، الجزائر) بالدرجة الأولى؛ لتضررهم سواء من العمليات الإرهابية التي انطلقت من ليبيا بحكم الجوار، أو من صعوبة حسْم الأزمة لتعدد تحدياتها ومنها:
عدم وجود خارطة مقترحة لتنفيذ الانسحاب: فبالرغم من وجود قرار لمجلس الأمن بسحب القوات الأجنبية إلا أنه لا يُوجد جدول زمني لسحبها، سواء كان ذلك بجدول زمني مبدئي أو بخطوات محددة، كما يُوجد اختلافات بين القوى الدولية على بداية الخروج من المشهد الليبي؛ إذ تنتظر كل دولة من نظيرتها بأن تقوم بسحب قواتها أولًا؛ لعدم الثقة المتبادلة بين الفاعليين الخارجيين في الملف الليبي، خصوصًا أن ملف القوات الأجنبية والمرتزقة ليس ملفًا ليبيًّا خالصًا.
تعنُّت الموقف التركي: إن تدخل تركيا بذلك الحجم الكبير لقواتها الأجنبية والمرتزقة كان بضوء أمريكي أخضر في ظل إدارة (دونالد ترامب)؛ لمحاولة درْء الوجود الروسي في المنطقة، وهو بمثابة ضامن للاستمرار.
كما يُوجد قلق تركي إزاء تنامي الدور المصري بمحاولة التوسط بين الفرقاء الليبيين لإجراء الانتخابات في موعدها، فلاتزال تركيا تراقب بحذر تحركات مصر في الملف الليبي، خاصةً مع الزيارة الرسمية لرئيس الحكومة الليبية، (عبدالحميد الدبيبة)، في 16 من سبتمبر الماضي إلى القاهرة على رأس وفد رفيع؛ للمشاركة باجتماعات اللجنة العليا (المصرية – الليبية) المشتركة، وإجراء مباحثات مع عدد من المسؤولين المصريين؛ لذلك تبرر تركيا وجودها أنه باتفاق (شرعي) مع الحكومة السابقة، وهذا أمر يؤثر على القرارات الدولية والأُممية وقرارات برلين وجنيف، ويؤكد وزير الخارجية التركي (مولود جاويش أوغلو) في الوقت نفسه على تعهد بلاده مواصلة الدعم القوي لليبيا.
تداخُل مصالح القوى الأوروبية: تمتلك فرنسا العديد من المصالح بالداخل الليبي؛ حيث تُوجد استثمارات فرنسية بمليارات الدولارات من قِبَل شركة توتال في قطاع النفط بليبيا، فضلًا عن تخوفات فرنسا من ظاهرة الهجرة غير الشرعية؛ ما دفع فرنسا في 2014 لإنشاء قاعدة عسكرية شمال النيجر في عام 2014، بالقرب من جنوب ليبيا.
كما يظهر التنافُس الإيطالي الفرنسي الذي اتّسم بالدينامية والتغيير المستمر بما يحقق مصالح كلا الدولتين، ويعزز نفوذهما، ويضمن أمنهما القومي، وقد قاد ذلك إلى تناقض وعدم اتفاق بين الدولتين وتطور الأمر بين مسؤولي الدولتين حين اتهم نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية الإيطالي (ماتيو سالفيني) – زعيم حزب رابطة الشمال اليميني المتطرف – فرنسا بأنها: “تسلب خيرات أفريقيا”، وأنه “لا مصلحة لها في استقرار ليبيا؛ لأن لديها مصالح نفطية تتناقض مع المصالح الإيطالية.
قد يتفاقم الوضع بين التنافُس الفرنسي الإيطالي في ليبيا على نحوٍ ربما يُفضي إلى أزمة دبلوماسية بين الطرفين تؤثر في توجهات وقرارات الاتحاد الأوروبي لإيجاد حل مشترك للملف الليبي الذي تشكل تهديدًا أمنيًّا لدى دول المنطقة والدول المُطلّة على البحر الأبيض المتوسط.
الموقف الأمريكي من الملف: عقب تولِّي (جو بادين) الإدارة الأمريكية في يناير 2021، و في موقف يتناقض مع سياسة (دونالد ترامب) إزاء الملف الليبي، طلبت الولايات المتحدة من تركيا وروسيا الشروع فورًا بسحب قواتهما من ليبيا، بما يشمل القوات العسكرية والمرتزقة، وتجدد ذلك حديثًا في إقرار الكونجرس بقانون الاستقرار في ليبيا لفرض عقوبات على المُعرقلين في نهاية سبتمبر الماضي، ووافق مجلس النواب على القانون، الذي ينص على معاقبة الجهات الأجنبية وأي طرف سياسي أو عسكري، يُعرقل جهود الحكومة المؤقتة و اتفاق وقف إطلاق النار، وحاز مشروع القانون على موافقة 386 نائبًا ورفضه 35 فقط، و تزامن القانون مع لقاءٍ عقده رئيس حكومة الوحدة الوطنية (عبد الحميد الدبيبة) مع قائد القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (ستيفان تاونسند) في طرابلس؛ حيث جرى مناقشة تطورات الوضع الأمني، بحضور السفير الأمريكي (ريتشارد نورلاند)، فالاستراتيجية الأمريكية الجديدة تُعدُّ إيجابية حول ما يحدث بليبيا، قد يكون لها تأثيرات تغير المعادلة نحو السلام والاستقرار، باعتبار الإدارة القديمة دعمت الحرب بالبلاد.
استراتيجيات الانسحاب
الانسحاب العشوائي: يُوجد تخوفات إقليمية حول استمرار بقاء القوات الأجنبية والمرتزقة مع قُرْب الانتخابات الليبية بنهاية العام، ومع ضيق الوقت، قد يكون الانسحاب العشوائي والجماعي وغير المشروط لجميع القوات الأجنبية هو الحل الأفضل مع إلزام مجلس الأمن بمدة زمنية محددة للخروج قبل بدْء العملية الانتخابية، ففي الاجتماع الافتراضي لمجلس السِّلْم والأمن الأفريقي الذي انعقد الخميس الماضي، أكد وزير الخارجية المصري (سامح شكري) على حتمية الخروج غير المشروط والمتزامن والمنسق لكافة القوات الأجنبية والمرتزقة والمقاتلين الأجانب من ليبيا دون استثناء.
الانسحاب المخطط: بينما يمثل تأجيل الانتخابات الليبية تهديدًا للمسار السياسي الليبي، يأمل أن يتم سحب القوات بشكل مدروس؛ إذ أكدت الجزائر من جانبها على آثار وتداعيات خطيرة لانسحاب المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا بشكل عشوائي غير مدروس على جيرانها، كما شددت في الوقت ذاته على الدور المحوري لدول الجوار، وضرورة إشراكها بشكل كامل في المحادثات والمسارات التي يتم إطلاقها في هذا الصدد.
بجعل الانسحاب برعاية أُممية وبحضور أطراف الملف الليبي ودول الجوار، وإلزام مجلس الأمن الأطراف التي تعرقل العملية السياسية، سحْب قواتها بشكل تدريجي في جدول زمني محدد ينتهي بانتهاء البعثة الأُممية للدعم في ليبيا في نهاية يناير القادم، مع استمرار سحْب باقي القوات الأجنبية التي لا تشكل تهديدًا كبيرًا في إطار خطة زمنية أُخرى من العام المقبل مع مراعاة عدم التسويف في الانسحاب.
وتأتي القوات التابعة لتركيا على مقدمة الانسحاب، وقد يعارض العديد من جماعة الإخوان المسلمين من اتفاق خارطة الطريق فبعد الجولات الخارجية لـ(خالد المشرى) – رئيس ما يعرف بالمجلس الأعلى للدول – التقى (المشري) مع وزير خارجية إيطاليا (لويجو دي مايو) في طرابلس في أغسطس الماضي، و لمَّح إلى دعم بقاء القوات التركية بليبيا، معتبرًا وجودها بشكل رسمي وبناءً على اتفاقيات تعاون، كما قام (المشري) بزيارة أنقرة في 9 من سبتمبر الماضي؛ لإقناعها بتأجيل الانتخابات؛ خوفًا من سقوط الإخوان في ليبيا، فهناك تخوُّفٌ واضحٌ من جانب جماعة الإخوان المسلمين بخروج المرتزقة والقوات التركية.
سيناريوهات الأزمة:
تقف ليبيا اليوم بمفترق الطرق ومع قرب الانتخابات الوطنية في 24 ديسمبر 2021، لا يزال ملف القوات الأجنبية والمرتزقة من الملفات الأمنية الشائكة المتبقية؛ من أجل الانتقال السلمي للمسار السياسي المقبل، ويوفر استمرار وجود القوات الأجنبية في ليبيا بكافة أشكاله بيئة غير مستقرة حاضنة للإرهاب والتطرف؛ ما يتيح انتقال العناصر الإرهابية في المنطقة من وإلى خارج ليبيا؛ حيث لا يؤثر وجود قوات أجنبية خارجية على الداخل الليبي فقط، بل يمتد ليؤثر على المنطقة وخاصةً دول الجوار الليبي؛ لذلك فالمسار الأمني والسياسي بليبيا لا يُعُّد خالصًا، بل تُوجد ضرورة لحشد الجهود الإقليمية لمساعدة ليبيا في عملية الانتقال السياسي المقبلة بطريقة آمنة وبدون الحيْد عن استحقاقات خارطة الطريق التي أقرها الليبيون، وفيما يلي أبرز السيناريوهات المحتملة للأزمة:
السيناريو الأول: في ظلِّ غياب قرار إلزامي من مجلس الأمن على سحب المرتزقة والقوات الأجنبية، ليس مرجحًا سحب القوات الأجنبية، وخاصةً القوات الأجنبية التابعة لتركيا بالوقت الراهن؛ إذ تنظر تركيا إلى وجودها العسكري بأنه شرعي ومتفق عليه، ومن الجانب الآخر ترى تركيا وجودها في ليبيا يعزز من قوتها لتحقيق مصالحها في منطقة شرق المتوسط، خاصةً بعد استبعادها من الانضمام لمنتدى غاز شرق المتوسط الذي تدير ملفاته وتستضيفه مصر.
السيناريو الثاني: سحب المرتزقة قُبيْل الانتخابات، ويستند هذا السيناريو على ضغط مجلس الأمن لتنفيذ عملية السحب قبل الانتخابات، لكن هذا الخيار مستبعد؛ نظرًا لقرب موعد الانتخابات، وعدم وجود خارطة طريق مع وجود اختلافات في الداخل الليبي؛ لسحب البرلمان الثقة من حكومة (الدبيبة).
التوصيات
- يتعين إيلاء الاهتمام الواجب والأولوية اللازمة لخروج القوات الأجنبية التي تدخلت سابقًا لتوحيد مؤسسات الدولة.
- ضرورة صدور قرار أُممي مُلزم بخروج كافة الأطراف الدولية التي أرسلت قوات أجنبية ومرتزقة إلى ليبيا عن طريق تحديد موعد زمني ومُلزم للجميع.
- يجب عدم التباطؤ في إنجاز استحقاقات خارطة الطريق، فقد يمثل إحباطًا كبيرًا للشعب الليبي الذي علَّق آمالًا واسعةً على العملية السياسية المقبلة، وما تنطوي عليه من فرصة لإخراج البلاد من النفق المظلم الذي دخلت فيه لأكثر من 10 سنوات.
- ضرورة تشجيع كافة التيارات السياسية والمناطق الجغرافية والفرقاء الليبيين للانتقال من نقطة تنافُس إلى نقطة توافُق وبصفة خاصة خلال الأشهر القادمة.
- ضرورة إرساء قاعدة دستورية عن طريق العمل بشكل حثيث لتسهيل وحلِّ كل العقبات القانونية والدستورية واللوجستية التي تُعرقل إتمام الانتخابات في موعدها.