المقالات
انسحاب مالي من مجموعة دول الساحل الخمس في ظل تجدُّد الحراك المناهض لفرنسا
- مايو 17, 2022
- Posted by: mohamed mabrouk
- Category: رؤى تحليلية
بقلم السفير محمد سالم الصوفي: المدير العام للمعهد الثقافي الأفريقي العربي
أعلنت مالي مساء الأحد 15 مايو الجاري انسحابها من مجموعة دول الساحل الخمس ومن قوّتها العسكرية المشتركة لمكافحة الإرهاب في المنطقة.
و برَّرت باماكو قرارها بالاحتجاج على رفض توليها رئاسة هذه المنظمة الإقليمية التي تضم موريتانيا واتشاد وبوركينا فاسو والنيجر و تعتمد كثيرا على الدعم الفني و المالي الذي تتلقاه من فرنسا.
و كان من المنتظر أن تتولى مالي الرئاسة الدورية للمجموعة بعد مؤتمر الرؤساء الذي كان مقررا في شهر فبراير الماضي و مرَّ على تأجيله حتى الآن ثلاثة شهور. و قد عزا بيان السلطات المالية السبب في ذلك إلى عمل إحدى الدول الأعضاء في المجموعة لم يذكرها بالاسم و لكن المطلعين على خفايا الملف يعتبرون أن المقصود هو دولة النيجر التي برز التنافر بين رئيسها الجديد محمد بعزوم و بين رئيس المجلس العسكري المالي في وقت مبكر في بداية الأزمة الفرنسية المالية كما أن باريس نقلت مركز ثقلها إلى النيجر بعد انسحابها من مالي.
كما ذكر بيان الانسحاب أن دولة من خارج المجموعة، لم يذكرها كذلك بالاسم و لكن المطلعين على الملف يعتبرون أن المقصود هو فرنسا ، تقف وراء هذه العرقلة سعيا منها لجعل السلطات الحاكمة في مالي في موقف عزلة مستغلة في ذلك نفوذها لدى رؤساء دول المجموعة.
يأتي انسحاب مالي من مجموعة الساحل إذن في ظل الأزمة الدبلوماسية مع فرنسا، التي وصلت حد القطيعة النهائية عبر قرارات اتخذتها سلطات باماكو من آخرها إعلان الحكومة الانتقالية في مالي قبل أسبوعين، إنهاء الاتفاقيات والمعاهدات العسكرية مع فرنسا، والمؤطرة للوجود العسكري الفرنسي في مالي منذ 2013.
و قد عرفت نهاية الأسبوع المنصرم تجدُّدا لحراك الشارع المعادي لفرنسا في ثلاثٍ على الأقل من دول مجموعة الساحل الخمس. فقد خرج الآلاف يوم الجمعة 13 مايو الجاري في شوارع العاصمة المالية باماكو و غيرها من كبريات مدن البلاد في مظاهرات غاضبة دعا لها المجلس العسكري الحاكم رفضا للعقوبات التي تفرضها المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “الاكواس” و للضغط الدولي المتزايد من اجل الدفع إلى انتقال سريع للسلطة إلى مدنيين منتخبين.
لكن المتظاهرين سرعان ما تحولوا إلى تخصيص حيِّزٍ كبير من المظاهرة للتنديد بفرنسا مرددين شعارات معادية لها بالإضافة إلى تمزيق العلم الفرنسي تحت أقدامهم وهم يرفعون الأعلام الروسية.
و إذا كانت مظاهرات الماليين غير مفاجئة للمراقبين،فإن اللافت أكثر بالنسبة لهم هو خروج مظاهرات مماثلة في كلِّ من بوركينا افاسو و اتشاد مع رفع نفس الشعارات و ترديد نفس المطالب.
فقد خرجت أعداد كبيرة من السكان في بوركينا افاسو يوم 14 مايو من فئة الشباب خاصة في مظاهرات عرفت رفع و ترديد شعارات تطالب بالقطيعة مع فرنسا و تدعو إلى الدخول في شراكة مع دول أخرى من بينها روسيا بديل رفع العلم الروسي أثناء المظهرات.
و في اتشاد أطلقت قوات الشرطة الغاز المسيل للدموع واستخدمت مدافع المياه لتفريق مئات المحتجين الذين نزلوا إلى شوارع العاصمة انجامينا ومدن أخرى في إطار احتجاج مناهض لفرنسا.
الاحتجاج الذي يقوده ائتلاف المجتمع المدني، رفعت فيه شعارات تستنكر تضامن فرنسا مع المجلس العسكري الانتقالي الذي تولى السلطة بعد مقتل الرئيس إدريس ديبي خلال زيارته لجبهة القتال في أبريل عام 2021.
وصرح منسق حركة “واكيت تاما” أي حان الوقت، أنهم سعداء في الحركة بأن أتشاديين أصبحوا أكثر وعيا لنضالهم وانضموا إليهم بأعداد كبيرة وأضاف أن “فرنسا تنصب الطغاة على شعب اتشاد وهم لا يطلبون سوى احترام إرادة شعبهم حسب تعبيره.
لا يتردد المراقبون في وصف هذه التطورات بأنها مؤشر واضح على فشل سياسات فرنسا في تعاملها مع مستعمراتها السابقة في إفريقيا عموما و في منطقة الساحل الإفريقي على وجه الخصوص.
و لا يتبيَّن هؤلاء المراقبون في الظرف الراهن ملامح المقاربة التي ستعتمدها باريس لمعالجة هذه الوضعية باعتماد أسلوب جديد للتعامل مع هذه الدول التي كانت تعتبر إلى وقت قريب منطقة نفوذ خاص لفرنسا لن يكون من السهل عليها فقدانها خاصة إذا كان ذلك يعني حسب المعطيات الحالية تحولها إلى النفوذ الروسي.