(رؤية تقيمية)
إعداد: رضوى رمضان عبد الفتاح شريف
تحرير: حسناء تمام كمال
منذ تأسيس إسرائيل عام 1948 وتولي اهتمامًا بالغًا بأفريقيا؛ لأنها تدرك أهمية عمق الروابط بين أفريقيا والدول العربية؛ إذ تسعى إلى الخروج من دائرة وسط عربي معادٍ لوجودها إلى تعزيز علاقات مشتركة بينها وبين دول القارة الأفريقية، وخصوصًا دول شرق القارة، فضلًا عن الاستفادة من الثروات الهائلة التي تحتويها القارة السمراء.
وفي تحرك أخير، قدَّم السفير الإسرائيلي لدى أثيوبيا (أليلي أدماسو)، أوراق اعتماده كمراقب في الاتحاد الأفريقي إلى رئيس مفوضية الاتحاد (موسى فقي محمد)، في مقر المنظمة في أديس أبابا، و أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي (يائير لبيد)، يوم الخميس الماضي 22 يوليو، انضمام إسرائيل إلى الاتحاد الأفريقي، بصفة عضو مراقب، بعد جهود استمرت نحو عقدين من الزمن، منذ تأسيس منظمة الاتحاد الأفريقي عام 2002، كان سبق لإسرائيل أن حصلت في الماضي على صفة مراقب في منظمة الوحدة الأفريقية، لكن بعد حل منظمة الوحدة عام 2002، وتأسيس الاتحاد الأفريقي، فشلت لمدة عقدين في الحصول على هذه الصفة.
يقبل الاتحاد الأفريقي بالدول الغير أعضاء، ويسمح لها بالتمتع بصفة عضو مراقب، مثل (فلسطين وتركيا)، وتُعدُّ صفة المراقب، امتيازًا تمنحه بعض المنظمات لغير الأعضاء؛ لمنحهم القدرة على المشاركة في أنشطة المنظمة، ويتمتع المراقبون عمومًا بالقدرة على المشاركة وحضور الجلسات والاجتماعات، ولكن يفتقرون إلى القدرة على التصويت أو اقتراح القرارات، بالرغم من وجود إسرائيل بصفة عضو مراقب في الاتحاد الأفريقي، إلا أن هناك عدة مخاوف وشكوك؛ حيث قد يؤثر وجود إسرائيل بشكل غير مباشر على عملية صنع القرار الأفريقي، وبالتالي على القضايا العربية وعدد من الملفات الشائكة.
أولًا: جهود حثيثة من أجل الانضمام.
بالرغم من أنه سبق لإسرائيل أن حصلت على صفة مراقب في منظمة الوحدة الأفريقية، لكن بعد حلِّ منظمة الوحدة عام 2002، وتأسيس الاتحاد الأفريقي، جرى إحباط محاولاتها لاستعادة هذه الصفة، لقد شهدت العلاقات الأفريقية الإسرائيلية صعودًا وهبوطًا، فضلًا عن فترات من عدم الاهتمام الدبلوماسي، لكن في العقد الماضي، جددت إسرائيل اهتمامها بأفريقيا، وعمقت علاقاتها مع دول القارة؛ تمهيدًا للعب دور أوسع، وكان أبرز تحركاتها في هذا الصدد ما يلي:
الزيارات الدبلوماسية: شدَّد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق (بنيامين نتنياهو) على ضرورة عودة إسرائيل إلى أفريقيا، معلنًا أن مبادرته الدبلوماسية مع الدول الأفريقية على رأس أولوياته؛ حيث زار نتنياهو في عام 2016، عدة دول أفريقية، لاسيما أربع دول في شرق أفريقيا وهي: (أوغندا وكينيا ورواندا وإثيوبيا)، وبالتالي أصبح هو أول رئيس وزراء إسرائيلي يسافر إلى القارة منذ سنوات.
زادت إسرائيل من تمثيلها في أفريقيا، وأقامت علاقات مع (46 من أصل 55) دولة، عضوًا في الاتحاد الأفريقي، كما شمل آخرها تطبيع العلاقات مع السودان والمغرب، وكلاهما توسطت فيه إدارة الرئيس الأمريكي السابق (دونالد ترامب) العام الماضي.
توطيد العلاقات التجارية وتعزيز قطاعات التنمية والتقنيات الإلكترونية: منذ عقود أدت وكالة إسرائيل للتعاون الدولي في مجال التنمية في وزارة الخارجية (ماشاف) برامج تنموية في أفريقيا، كما قدمت تدريبات في إسرائيل خبراء من دول أفريقية مختلفة، مهتمين بخبرة إسرائيل في الزراعة وإدارة المياه والري والطاقة الشمسية.
تسليح دول القارة: إضافةً إلى قطاع التنمية تُعدُّ إسرائيل من أكثر الدول التي تقوم بتبادل (تجاري – عسكري) في القارة، تُعدُّ المعدات العسكرية الإسرائيلية وتقنيات المراقبة وجمع البيانات والحرب الإلكترونية مطلوبة للغاية؛ حيث بلغت الصادرات العسكرية الإسرائيلية إلى أفريقيا في عام 2016، 275 مليون دولار، وفقًا لوزارة الدفاع الإسرائيلية.
ثانيًا: الدوافع الاقتصادية والسياسية وراء الانضمام
تنظر الحكومة الإسرائيلية إلى أفريقيا على أنها منطقة نفوذ طويلة الأمد تحتاج إلى تأمين نفوذها فيها، وسبب اكتساب أفريقيا أهمية كبيرة في سياسة إسرائيل الخارجية، هو تنامي أهميتها الاقتصادية والسياسية، فضلًا عن استغلالها لحالة الصراعات والانقسامات في القارة؛ حيث استغلت حالة ضعف كل دولة على حدة، وبالتالي، استطاعت التغلغل في كافة القضايا والأنشطة الموجودة في القارة، وبالتالي، وجود إسرائيل في القارة له عدة دوافع تبرر وجودها.
(أ) دوافع اقتصادية:
تسعى إسرائيل لتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع دول القارة، بالرغم من تحديات التنمية وقضايا الفقر والجوع التي تعاني منها أفريقيا، إلا أنها تحتوي على موارد طبيعية تتنافس عليها الدول، وفي مقدمتهم إسرائيل؛ إذ تُعدُّ وكالة إسرائيل للتعاون الدولي في مجال التنمية في وزارة الخارجية (ماشاف)، هي الذراع الرئيسي للتدخل الإسرائيلي في مجالات التنمية والاقتصاد في أفريقيا، منذ نشأتها في أواخر عام 1957، سعت (ماشاف) جاهدةً لمشاركة العالم النامي، المعرفة والتقنيات، التي وفرت الأسس للتطور السريع لإسرائيل.
على الرغم من كثافة الوجود الإسرائيلي الاقتصادي في القارة السمراء في الوقت الحالي، إلا أن وجودها بصفة مراقب في الاتحاد الأفريقي، يتيح لها العديد من القنوات الشرعية إلى الكثير من المنظمات التي تهتم بموارد القارة السمراء مثل: (السوق المشتركة لأفريقيا الشرقية والغربية، المجتمع الاقتصادي لوسط أفريقيا، تجمُّع دول الساحل والصحراء)، وهو ما يجعل وجود إسرائيل في الاتحاد الأفريقي له مكاسب اقتصادية مباشرة بالنسبة لتل أبيب.
تعتمد الدول الأفريقية النامية على مساهمات وكالة إسرائيل للتعاون الدولي في مجال التنمية في وزارة الخارجية (ماشاف)، نستخدم الاسم الرسمي بشكل كبير على مجهود التطورات الإسرائيلية التكنولوجية والإنسانية والطبية والبيئية والزراعية، في كل جانب من جوانب الحياة تقريبًا، فعلى سبيل المثال لا الحصر:
قامت (ماشاف) من خلال عدد لا يحصى من المشاريع التنموية والزراعية في (إثيوبيا وغانا وكينيا ورواندا والسنغال وجنوب السودان وأوغندا)، إضافةً إلى الشركات الإسرائيلية الخاصة، ومشاركة المنظمات غير الربحية أيضًا، إرسال الوكالات الإسرائيلية مثل (إسرائيل) لفرق إغاثة باستمرار للتخفيف من حالات الطوارئ الغذائية والطبية في دول مثل (كينيا وجنوب السودان).
أُعلن عن مشروعين جديدين في عام 2014، وهما: (التحديات الكبرى لإسرائيل والمبادرة الإسرائيلية الألمانية الأفريقية)، ويُعَدُّ مشروع التحديات الكبرى لإسرائيل، هو جزء من برنامج عالمي؛ لدعم الأساليب التكنولوجية والمبتكرة للصحة العامة والأمن الغذائي في البلدان النامية، بينما تتضمن مبادرة أفريقيا استثمارًا إسرائيليًّا، بقيمة 7 ملايين دولار، واستثمارًا ألمانيًّا بقيمة 70 مليون دولار، لمهمة مشتركة؛ لمساعدة كينيا وغانا وإثيوبيا في الزراعة وإدارة المياه والأمن الغذائي والصحة.
تحاول إسرائيل خلْق مصالح لها مع الدول الأفريقية، فأقامت شركة النجمة السوداء للملاحة البحرية في (غانا)، وشركة الأسطول البحري في (ليبيريا)، وساهمت في بناء مطار (أكرا) في (غانا)، وأقامت أيضًا مدارس وجامعات، مثل جامعة (هيلاسيلاسي) في إثيوبيا، مستشفيات، مثل (مستشفى مصوع في أرتيريا).
(ب ( الدوافع السياسية:
لا يعتبر الاهتمام الإسرائيلي بالقارة الأفريقية حديث العهد، فقد سعت إسرائيل إلى تطبيع علاقاتها مع الدول الأفريقية؛ من أجل سياستها التوسيعية؛ حيث تسعى إسرائيل بشكل متكرر لتشكيل تحالفات سياسية وعسكرية في أفريقيا للضغط على خصومها في الشرق الأوسط وإضعافه وتعويضهم.
تسعى إسرائيل إلى فرض سياسة ضغط على مصر في ظل مستجدات القضية الفلسطينية؛ حيث بدأت مصر في عمليات إعادة الإعمار في غزة، وهذا أمرٌ لا توافق عليه إسرائيل، فبالتالي، وجود إسرائيل عضوًا مراقبًا في الاتحاد الأفريقي، قد تستخدمه في الخروج بتسوية مرضية لها مع الجانب الفلسطيني، وكسب عدد من الدول المؤيدة لسياستها في هذا الملف، وفق النظرة الإسرائيلية التي تتمحور حول قدرة أفريقيا على أداء دور محوري في أية تسوية محتملة للصراع العربي الإسرائيلي، إضافةً إلى محاولة تحسين الصورة الإسرائيلية أمام الرأي العام الأفريقي، مُعتمدةً في ذلك على الحضور السياسي والاقتصادي، وتبادل الزيارات الرسمية، رحَّبت إثيوبيا بفكرة انضمامها كعضو مراقب في الاتحاد، بينما لم تبدِ الكونغو (الرئاسة لمجلس الاتحاد الأفريقي)، أيَّ تعليقات رسمية حتى الآن، حول الانضمام.
تُعتبرُ منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى أيضًا سوقًا جذابة لتكنولوجيا الدفاع الإسرائيلية المتقدمة؛ حيث أدَّت التهديدات الأمنية التي تُشكِّلها الجماعات المتطرفة، مثل (بوكوحرام) والجماعات التابعة لـ(داعش)، إلى زيادة الطلب على الابتكارات الأمنية؛ حيث حصلت تشاد -وهي واحدة من عدة دول أفريقية- تخوض قتالًا مع (بوكوحرام) في منطقة بحيرة تشاد- على أسلحة ومعدات إسرائيلية؛ للمساعدة في محاربة المتمردين، ومن المتوقع أن يُعزِّز وجود إسرائيل بصفة مراقب في الاتحاد الأفريقي، بوضع الشرعية على تسليح دول القارة، بدون وجود حساسيات من المجتمع الدولي.
يأتي الوجود العسكري الإسرائيلي في القارة، ولاسيما في شرق أفريقيا، مكملًا لمشهد تراجع الدور العربي في أفريقيا، فهو يضمن لها التأثير على دول حوض النيل؛ للضغط على مصر والسودان من ناحية، ويؤمن حرية الملاحة الإسرائيلية عبر باب المندب من ناحية أخرى.
ثالثًا: ماهي المخاطر المحتملة؟
من المحتمل أن يؤثر وجود إسرائيل بصفة عضو مراقب في الاتحاد الأفريقي بشكل غير مباشر على عملية صنع القرار الأفريقي، خاصةً في ظل تحسين العلاقات بين إسرائيل ودول القارة، وبالرغم من عدم وجود ردِّ فعل رسمي من دول الاتحاد الأفريقي على انضمام إسرائيل كعضو مراقب، يمكن أن يُسْتدلَّ على مساندة بعض الدول لذلك القرار، في ضوء لفتة سابقة، خلال زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو لأفريقيا؛ إذ أعلنت عدة دول أفريقية دعمها حصول إسرائيل على وضع مراقب، وتشمل هذه الدول كلًا من (كينيا ورواندا وإثيوبيا وزامبيا وملاوي)؛ لما ترتبط به من تحالفات خاصة مع إسرائيل؛ حيث وقَّعت (تل أبيب) العديد من الاتفاقيات مع هذه الدول في مجالات (المياه والزراعة والتكنولوجيا والأمن وغيرها)، كما تعهدت إسرائيل بتبادل المعلومات الاستخباراتية ومساعدة أفريقيا في الحرب ضد الإرهاب.
في حين يُقلِّل البعض من أهمية وضعية العضو المراقب في المنظمات الدولية المختلفة؛ حيث لا يضمن للدولة المراقب حق التصويت على القرارات الصادرة عن تلك المنظمات، بَيْدَ أن وجود إسرائيل بصفة المراقب في منظمة الاتحاد الأفريقي، تترتب عليه مجموعة من التداعيات أو النتائج التي تصب في صالح إسرائيل، فيما تُعَدُّ خصمًا مباشرًا من رصيد الدول العربية؛ حيث يتفاقم ضرر بعض القضايا والملفات الشائكة منها القضية الفلسطينية: كان الاتحاد الأفريقي يطالب إسرائيل في كل قمة يعقدها، بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية، التي احتلتها عام 1967، فضلًا عن أن الاتحاد الأفريقي معروف عنه مواقفه الثابتة في دعم إقامة الدولة الفلسطينية، ويُدينُ باستمرار الاستيطان الإسرائيلي، وبالرغم من تمتع فلسطين بوضعية الدولة المراقب بالاتحاد الأفريقي في كفة، ووجود إسرائيل بصفة المراقب أيضًا في كفة أخرى، فضلًا عن تبادل المصالح الواضحة بين معظم دول الاتحاد وإسرائيل في مجالات التنمية والاقتصاد والتجارة، سيكون لهذا ورقة ضغط كبيرة على معظم دول الاتحاد، وبالتالي وجود إسرائيل في الاتحاد لن يُقوِّض جهود الدول العربية، وعلى رأسها مصر، والتي طالما نجحت في استمالة مواقف الدول الأفريقية للتضامن مع القضية الفلسطينية، ومطالبة الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني.
أزمة السد النهضة الإثيوبي: الاهتمام الإسرائيلي بمصادر المياه عمومًا، وبحوض النيل على وجه الخصوص، يقع في قلب الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي، خاصةً أن توقيت انضمام إسرائيل للاتحاد الأفريقي كعضو مراقب في خضم أزمة السد الإثيوبي، فضلًا عن سعيها؛ لتحسين علاقاتها مع دول حوض النيل، وفي مقدمتهم (إثيوبيا وكينيا وأوغندا)؛ لمحاصرة مصر والسودان، وتشجيع إثيوبيا على مطالبها، بإلغاء معاهدات تقسيم المياه، وإعادة تقسيمها من جديد، وبالتالي، فإن دورها سيكون سلبيًّا للغاية في تلك الأزمة.
رابعًا: الخاتمة والسيناريوهات
إن وجود إسرائيل باعتبارها عضوًا مراقبًا في الاتحاد الأفريقي، سيسمح لها في المشاركة بالأنشطة والمناقشات الأفريقية، والتغلغل بصورة أكبر في لجان الاتحاد الأفريقي، وإبداء الرأي في القضايا الأفريقية والعربية، بما يسمح لها بممارسة مخططاتها التخريبية، خاصةً في القضية الفلسطينية، وجود إسرائيل لا يؤثر على القضية الفلسطينية فحسب، بل يشكل خطرًا على الأمن القومي العربي، وخاصةً في الدول العربية بالشمال الأفريقي.
السيناريو الأول: هو استمرار حالة الصمت من أعضاء دول الاتحاد الأفريقي حول عضوية إسرائيل بصفة المراقب في الاتحاد، وتستمر في علاقاتها مع إسرائيل في إطار علاقات ثنائية، خارجة عن الاتحاد الأفريقي، خصوصًا إذا ضمنت إسرائيل 46 دولة أفريقية في منظمة الأمم المتحدة.
أما السيناريو الثاني: فهو قيام بعض الدول العربية الممثلة في الاتحاد، بتبني استراتيجية عربية جديدة؛ لمجابهة ما يجري، والانخراط بصورة مخطط لها جيدًا في الاتحاد الأفريقي، وعدم ترك الساحة لإسرائيل؛ حيث توقيت دخول إسرائيل الاتحاد الأفريقي، يثير علامات استفهام، ليس في قضية الأمن المائي، ولكن في مجمل القضايا (الأفريقية – العربية).
السيناريو الثالث: ويتوقع هذا السيناريو، ألا يكون هناك تغيير يطرأ بحصول إسرائيل على صفة العضو المراقب، وذلك على اعتبار أن إسرائيل تدرك جيدًا محدودية الصلاحيات الممنوحة للأعضاء المراقبين، إضافةً إلى رغبتها في عدم إثارة المشكلات مع دول شمال أفريقيا والدول العربية.