المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشؤون الدولية > انعدام الثقة: كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي على نزاهة الانتخابات الأمريكية القادمة؟
انعدام الثقة: كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي على نزاهة الانتخابات الأمريكية القادمة؟
- سبتمبر 19, 2024
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات وحدة الشؤون الدولية
لا توجد تعليقات
إعداد: إسراء عادل
باحث مساعد في وحدة الشؤون الدولية
في عصر التطور التكنولوجي المتسارع، يبرز الذكاء الاصطناعي كقوة محورية في تشكيل المستقبل، ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية، يتصاعد القلق حول تأثير هذه التقنية على العملية الديمقراطية، حيث تشهد الساحة السياسية الأمريكية تحولاً جذرياً مع ظهور تقنيات متطورة قادرة على إنتاج محتوى مزيف بدقة مذهلة، فمن الصور المعدلة إلى مقاطع الفيديو المفبركة، أصبحت الحدود بين الحقيقة والخيال أكثر ضبابية من أي وقت مضى. فهل يمكن أن يصبح الذكاء الاصطناعي سلاحاً في أيدي من يسعون لتضليل الناخبين وتشويه الحقائق؟
من هنا تبرز التحديات التي يفرضها الذكاء الاصطناعي على نزاهة العملية الانتخابية، مع تسليط الضوء على الجهود المبذولة لمكافحة انتشار المعلومات المضللة، إلى جانب متابعة دور وسائل الإعلام والمنصات الرقمية في التصدي لهذا التهديد، ومعرفة التدابير التي يمكن اتخاذها لحماية الديمقراطية في العصر الرقمي.
وفي خضم المعركة على البيت الأبيض، تثار تساؤلات ملحة حول قدرة الناخبين على التمييز بين المعلومات الصحيحة والمضللة، فهل سيكون الذكاء الاصطناعي أداة لتعزيز الشفافية والمشاركة السياسية، أم سيتحول إلى سلاح يهدد أسس النظام الديمقراطي؟ وكيف يمكننا ضمان أن تظل الحقيقة منارة وسط بحر من المعلومات المضللة؟
أولًا: استخدام الذكاء الاصطناعي لتزييف الوقائع: “توظيف التكنولوجيا في الصراعات السياسية”
في خضم المعركة السياسية الأمريكية، برز الذكاء الاصطناعي كسلاح جديد في ترسانة المرشحين، مغيراً قواعد اللعبة السياسية بشكل جذري، فقد أثار هذا التحول التكنولوجي تساؤلات عميقة حول مستقبل الديمقراطية في العصر الرقمي، يمكننا الإجابة عنها فيما يلي:
1- تطور استخدام الذكاء الاصطناعي في الحملات الانتخابية
شهدت الانتخابات الأمريكية الأخيرة قفزة نوعية هائلة في توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي، مما أحدث ثورة في عالم الدعاية السياسية، فلم يعد الأمر مقتصراً على مجرد تحليل البيانات وتوجيه الرسائل المستهدفة للناخبين، بل تجاوز ذلك بكثير ليصل إلى مستويات غير مسبوقة من التطور التكنولوجي، فأصبح بإمكان الحملات الانتخابية الآن إنتاج محتوى مزيف بدقة مذهلة، يكاد يستحيل تمييزه عن الواقع، ومن هنا استغل المرشحون هذه التقنيات المتطورة لخلق صور ومقاطع فيديو معدلة بشكل احترافي، تهدف إلى تعزيز مواقفهم السياسية وتقديمهم بصورة مثالية أمام الناخبين. وفي المقابل، استُخدمت نفس التقنيات لتشويه صورة المنافسين، وذلك من خلال فبركة مواقف أو تصريحات لم تحدث في الواقع.[1]
فهذا التطور الهائل في استخدام الذكاء الاصطناعي أدى إلى تغيير جذري في طبيعة الحملات الانتخابية، فبدلاً من الاعتماد على الخطابات التقليدية والإعلانات التلفزيونية، أصبحنا نشهد حملات رقمية متطورة تستهدف الناخبين بدقة عالية، مستفيدة من البيانات الضخمة وخوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحليل سلوك الناخبين وتوجيه رسائل مخصصة لكل فئة منهم.
2- اتهامات ترامب والتلاعب بالحقائق
برز دونالد ترامب كمثال صارخ على الاستغلال المكثف لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في الساحة السياسية الأمريكية، ففي سلسلة من المناظرات والمؤتمرات الصحفية، لجأ ترامب إلى استخدام صور ومقاطع فيديو معدلة بواسطة تقنيات الذكاء الاصطناعي المتطورة لدعم ادعاءاته المثيرة للجدل حول تزوير الانتخابات، فعلى سبيل المثال، عرض ترامب في إحدى المناظرات الرئاسية مقطع فيديو يظهر فيه ما ادعى أنه دليل على التلاعب بأصوات الناخبين، وتبين لاحقاً أن المقطع كان نتاج تقنيات الذكاء الاصطناعي المتطورة، حيث تم دمج لقطات حقيقية مع أخرى مفبركة بشكل يصعب اكتشافه، ولم يقتصر الأمر على ترامب وحده، بل امتد ليشمل العديد من السياسيين الآخرين الذين وجدوا في تقنيات الذكاء الاصطناعي وسيلة فعالة لتعزيز روايتهم السياسية، حتى وإن كانت تفتقر إلى الدقة أو المصداقية.[2]
ولكن هذه الممارسة أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والإعلامية، وفتحت الباب على مصراعيه لنقاش حاد حول مصداقية الأدلة المقدمة في النقاشات السياسية، كما أدت إلى تساؤلات جوهرية حول قدرة الناخب العادي على التمييز بين الحقيقة والخيال في ظل هذا التطور التكنولوجي الهائل.
3- أدوات الذكاء الاصطناعي في خدمة التضليل السياسي
تطورت الأدوات الرقمية بشكل مذهل في السنوات الأخيرة، مما فتح الباب واسعاً أمام إنتاج محتوى مزيف يصعب تمييزه عن الحقيقة، فهذا التطور التكنولوجي الهائل وضع في أيدي السياسيين وفرق حملاتهم أدوات قوية للتأثير على الرأي العام وتشكيل الواقع السياسي وفقاً لأجنداتهم الخاصة. من بين هذه الأدوات المتطورة ما يلي:
تقنيات توليد الصور: تستخدم هذه التقنيات خوارزميات الذكاء الاصطناعي المتطورة لخلق صور واقعية لأحداث لم تحدث قط، على سبيل المثال، يمكن إنتاج صور لتجمعات سياسية ضخمة لم تحدث في الواقع، أو إظهار سياسيين في أماكن لم يزوروها أبداً، فهذه التقنية تستخدم ما يعرف بالشبكات العصبية التوليدية التنافسية (GANs) لإنتاج صور شديدة الواقعية.
التزييف العميق (Deepfake): تعد هذه التقنية من أخطر أدوات التضليل السياسي، حيث تسمح بإنشاء مقاطع فيديو مزيفة تظهر السياسيين وهم يقولون أو يفعلون أشياء لم تحدث في الواقع، على سبيل المثال، يمكن إنتاج فيديو لسياسي يعترف بارتكاب مخالفات أو يدلي بتصريحات مثيرة للجدل، رغم أن ذلك لم يحدث أبداً، وتعتمد هذه التقنية على تحليل آلاف الصور ومقاطع الفيديو للشخص المستهدف لإعادة إنتاج حركاته وتعبيرات وجهه بدقة مذهلة.
برامج تحرير الصوت المتقدمة: تمكن هذه البرامج من تعديل التصريحات الصوتية أو خلق أصوات مزيفة للشخصيات السياسية، فيمكن استخدام هذه التقنية لإنتاج تسجيلات صوتية مزيفة لسياسيين يدلون بتصريحات مثيرة للجدل، أو لتحريف كلماتهم الحقيقية لتبدو بمعنى مختلف تماماً، وتعتمد هذه التقنية على نماذج الذكاء الاصطناعي التي تحلل نبرة الصوت وطريقة الكلام لإعادة إنتاجها بدقة عالية.
خوارزميات تحليل وسائل التواصل الاجتماعي: تستخدم هذه الخوارزميات لتحليل اتجاهات الرأي العام وتحديد المواضيع الأكثر تأثيراً على الناخبين، فقد يتم استغلال هذه المعلومات لتوجيه حملات تضليل مستهدفة بدقة عالية، تستغل المخاوف والاهتمامات الشخصية للناخبين.[3]
روبوتات المحادثة المتقدمة (Chatbots): تستخدم هذه الروبوتات للتفاعل مع الناخبين عبر منصات التواصل الاجتماعي، ونشر معلومات مضللة أو تضخيم روايات سياسية معينة، فهذه الروبوتات قادرة على التفاعل بشكل طبيعي يصعب تمييزه عن البشر الحقيقيين.[4]
ثانيًا: الذكاء الاصطناعي كأداة للتلاعب بالناخبين: إلى أي مدى يمكن الوثوق بالنقاش السياسي؟
في عصر التطور التكنولوجي المتسارع، أصبح الذكاء الاصطناعي جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، ومع انتشار استخدامه في مختلف المجالات، بما في ذلك السياسة والانتخابات، برزت تساؤلات مهمة حول تأثيره على النظام الديمقراطي الأمريكي. وفيما يلي يمكن توضيح الآثار الأخلاقية والقانونية للذكاء الاصطناعي وكيف يمكن أن يؤدي استخدامه غير المسؤول إلى تقويض ثقة الجمهور في العملية الديمقراطية.
1- تأثير الذكاء الاصطناعي على وسائل التواصل الاجتماعي
في عصر المعلومات الرقمية، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي ساحة رئيسية للنقاش السياسي، فمع دخول الذكاء الاصطناعي إلى هذا المجال، تغيرت قواعد اللعبة السياسية بشكل جذري، فقد أصبح من الممكن الآن توجيه رسائل سياسية مخصصة لكل فئة من الناخبين، بل ولكل ناخب على حدة، استناداً إلى تحليل دقيق لبياناتهم الشخصية وتفضيلاتهم، إذ يستخدم الذكاء الاصطناعي خوارزميات معقدة لتحليل سلوك المستخدمين على مواقع التواصل الاجتماعي، مما يسمح للحملات السياسية بتوجيه محتوى مصمم خصيصاً لاستهداف نقاط الضعف العاطفية والفكرية لكل فئة من الناخبين، وهذا التخصيص الدقيق للرسائل السياسية يجعل من الصعب على الناخبين تكوين رأي موضوعي ومستقل.
2- أساليب الجمهوريين في استخدام الذكاء الاصطناعي خلال المناظرات
برز الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة كمستخدم رئيسي لتقنيات الذكاء الاصطناعي في المناظرات السياسية، من بين الأساليب التي استخدموها:
تحليل اللغة في الوقت الفعلي: استخدام برامج ذكاء اصطناعي لتحليل ردود فعل الجمهور على الفور أثناء المناظرات، مما يسمح للمرشحين بتعديل خطابهم وفقاً لذلك.
توليد الحجج المضادة: عبر استخدام نماذج لغوية متقدمة لتوليد ردود سريعة وفعالة على حجج الخصوم.
تضخيم الرسائل الرئيسية: استخدام “بوتات” ذكية على وسائل التواصل الاجتماعي لنشر وتضخيم الرسائل الرئيسية للمرشحين فور إطلاقها في المناظرات.
وظهر ذلك جلياً خلال المناظرة الأخيرة بين الرئيس السابق دونالد ترامب، والمرشحة الديمقراطية ونائبة الرئيس الحالية كاملا هاريس، وتضمنت المناظرة الحديث عن الذكاء الاصطناعي، إذ ركز تفاعل الجمهوريين بشأن الذكاء الاصطناعي على ادعاء من قبل مرشحهم تم دحضه، حيث انتشرت نظريات المؤامرة حول هاريس بسبب صور متداولة اتهمت على خلفيتها بارتداء سماعة أذن تمكنها من التواصل مع حملتها خلال المناظرة، ولكن كشف التفاعل على منصات التواصل الاجتماعي بشأن المنافسة، أن الجمهوريين يستخدمون الذكاء الاصطناعي لتوضيح وجهات نظرهم السياسية، أما الديمقراطيون فلا يفعلون ذلك.[5]
3- التأثيرات السياسية والاجتماعية للمعلومات المضللة
إن استخدام الذكاء الاصطناعي لنشر معلومات مضللة له تأثيرات عميقة على المجتمع الأمريكي، يمكن توضيحها فيما يلي:
– تعميق الانقسام السياسي: فقد يؤدي استهداف الناخبين برسائل مخصصة إلى تعزيز الانقسامات القائمة وخلق “فقاعات معلوماتية” يصعب اختراقها.
– تقويض الثقة في المؤسسات: فانتشار المعلومات المضللة قد يؤدي إلى تآكل ثقة الجمهور في وسائل الإعلام التقليدية والمؤسسات الحكومية.
– تشويه الحقائق: حيث يصبح من الصعب على الناخبين التمييز بين الحقائق والأكاذيب، مما يؤثر على قدرتهم على اتخاذ قرارات مستنيرة.
4- استجابة الديمقراطيين للتحدي
ففي مواجهة هذا التحدي، اتخذ الحزب الديمقراطي عدة خطوات كان أهمها ما يلي:
الدعوة إلى تنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي في الحملات السياسية.
إطلاق حملات توعية لتثقيف الناخبين حول كيفية التعرف على المعلومات المضللة.
الاستثمار في تقنيات مضادة للكشف عن المحتوى المزيف وتعقبه.
التركيز على الشفافية في استخدام البيانات والتقنيات الرقمية في حملاتهم الخاصة.