المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > تقدير موقف > انعكاساتُ تطور العلاقاتِ المصرية – التركية على مستقبلِ الصراع في غزة
انعكاساتُ تطور العلاقاتِ المصرية – التركية على مستقبلِ الصراع في غزة
- سبتمبر 25, 2024
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات تقدير موقف وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات
إعداد: هنا داود
باحث مساعد في برنامج دراسات الدول التركية
مقدمة
إستمرارُ العلاقات المصرية-التركية على وتيرةٍ إيجابيةٍ حيث انتقلت من مرحلة التطبيع إلى مرحلة تعميق العلاقات، ويشير هذا التعاون إلى أن الطرفين يطمحَا بدرجةٍ كبيرة لأن يكونا من دول القيادة في منطقة الشرق الأوسط وسط الأزمات والتوترات في منطقة الشرق الأوسط، ومن أهم أهداف التعاون بينهم هو وضعُ حدٍ للصراعات الدائرة في المنطقة، وفي مقدمتها الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة.
وتُعدُ العلاقات المصرية – التركية التي اكتسبت أهمية كبيرة في الفترة الأخيرة، ذات تأثير كبير على سريان الحرب الإسرائيلية في غزة لعلاقة مصر الوثيقة كفاعلٍ في هذا الصراع ليس فقط للاعتبارات التاريخية والجغرافية ولكن لأن مصرَ دولةٌ لها دورٌ فاعل في الصراعات الإقليمية المحيطة ولها تاريخٌ طويل في القضية الفلسطينية، وكذلك لتركيا التي لها دور بارز نتيجةً للتاريخ الطويل في دعمها للشعب الفلسطيني ولعلاقاتها الوثيقة مع مختلف الفصائل الفلسطينية بالأخص مع حركة المقاومة الإسلامية “حماس” التي تصنّفها كحركة مقاومة، وأنها ظهرت نتيجةً لانتهاكات الكيان المحتل.
بالتالى، كلا الدولتين تضعا ملف غزة في مقدمة أولويات أجندة السياسة الخارجية، ومن أولى الملفات على طاولة التعاون بينهم ويُعدُ الهدف المشترك هو حلُّ الدولتين على حدود 1967 وإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية، وتحقيقُ الاستقرار للشعب الفلسطيني ووقفُ اطلاق النار ومنع استمرار الانتهاكات الإسرائيلية. وقد أبرزت الزيارات المصرية -التركية المتبادلة، مدى تركيزها على ملف غزة وكان آخر هذه الزيارات “زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى أنقرة” والتي وثّقتْ التقارب الذي من شأنه أن يخلقَ ديناميكية جديدة في المعادلة الإقليمية والدولية، ويؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على مجريات الحرب في عزة.
الاجتماعُ الأولُ لمجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى
أثناء زيارةِ الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى تركيا في الرابع من سبتمبر الجاري عُقدَ الاجتماعُ الأول لمجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى بين الدولتين لمتابعة الملفات المشتركة وتوقيع عدد من مذكرات التفاهم في مختلف المجالات وتعزيز العلاقات الثنائية لأعلى مستوى، وهذا الاجتماعُ له مؤشراتٌ عدة أبرزها أن الدولتين تخطا مرحلةَ الاختلاف تمامًا وأنه حتى المسائل الخلافية بينهم سيتم العمل على حلها من خلال الحوار السياسي وتوسيع نطاق التشاور في المجالات المختلفة أبرزها المجالات الأمنية والعسكرية.
وعلى الرغم من أن العلاقاتِ المصريةَ التركية تشهدُ هذا التحسن منذ فترة ليست بوجيزة إلا أن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى أنقرة في هذا التوقيت من تطورات وضع الحرب الإسرائيلية على غزة وبعد اغتيال إسماعيل هنية لها معانٍ عدة قد تُسهمُ في إحداث يعض التغييرات على وتيرة الحرب الإسرائيلية في غزة.
نتائجُ الزيارةِ المتعلقة بالحرب الإسرائيلية على غزة
خلال الإعلان المشترك للاجتماع الأول لمجلس التعاون الإستراتيجي كانت الحربُ الإسرائيلية على غزة من ضمن الموضوعات التي نالت اهتمامَ الطرفين، حيث أكدا على عزمهم اتخاذ خطوات أكثر فعالية تصبُ في مصلحة الشعب الفلسطيني وتهدئة ما أسماها “الكارثة الإنسانية” على اعتبارات الانتهاكات الإسرائيلية التي تأخذ مجراها.
أعلنَ الطرفان تأكيدَ رغبتهم في وقف اطلاق النار واطلاق سراح الرهائن والمحتجزين واستمرار استقبال المساعدات التي يتعاونُ الطرفان لإرسالها بدون انقطاع، ولم يقتصرْ اهتمام الطرفين على الأوضاع في غزة بل تطرقا أيضا للوضع في الضفة الغربية وما يحدث فيه من انتهاكاتٍ غير مبررة نتيجةً للأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية ولذا تُعيدُ الدولتان مطالبهَما لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإعادة الحق الشرعي للشعب الفلسطيني وضمان عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم.
وفي هذا السياق أخذا على عاتقهِما دعوةَ الدول للاعتراف بالدولة الفلسطينية كدولةٍ مستقلة ذات سيادة والعمل على توحيد الصف الفلسطيني بمختلف فصائله حتى يتسنَّى العمل لإيجاد حلول حقيقيةٍ قابلةٍ للتنفيذ، وعلى الرغم من أن معظمَ هذه الأهداف ليست جديدةً وقد تمَّ الإعلان عنها من قَبلُ إلا أن تضمينها في ملفات التعاون والتنسيق بين الدولتين وضمن الإعلان المشترك لمجلس التعاون الاستراتيجي ينقل أن هناك فرصاً ستكون متاحةً للتأثير والضغط على إسرائيل قولاً واحدًا لم تكنْ ستُخلقُ في حال استمرار الخلافات بين البلدين.
ولاشك في أن مواقفَ الدولتين الداعمة للفلسطينيين من تقديم المساعدات والمشاركة في محاولات الوساطة، بالإضافة إلى الخطابات التصعيدية والشديدة اللهجة وغيرها من الخطوات التي تثبتُ رغبة الدولتين في إحداث تغييرات في مجريات الحرب لصالح الفلسطينيين، هذا يجعلهما من أكثر دول الشرق الأوسط الأكثرِ قدرةً على التدخل في هذا النزاع.
فرصُ تأثيرِ التقارب المصري- التركي في مجريات الحرب على غزة
يمكنُ القول أنه قبل تحسّنِ العلاقات المصرية التركية كان من الصعب ضمانُ التنسيق بين الطرفين وتوحيد الرؤى حول الأوضاع في غزة، وهذا التقارب والانتقال في العلاقات لمرحلة الوفاق والصداقة قد مثّلَ دفعةً للتحرك ووضع حلول على أرض الواقع لوقف الإبادة في غزة، قد يكون الوضع في غزة من الأساس هو الذي دفع للتعاون ومن ثم التنسيق في الملفات الأخرى حيث كانت زيارة أردوغان إلى القاهرة بعد بدء الحرب على غزة بأربعة أشهر، وتلتها زياراتٌ على المستوى الوزاري وكان ملف غزة أبرز الملفات على طاولة الحوار بينهم.
التقاربُ المصري التركي يصبُّ في صالح غزة، فمصرُ تُعتبرُ فاعلاً أولَ في مفاوضات وقف إطلاق النار إلى جانب قطر وتركيا مازالت ترغب في لَعبِ دورٍ في هذه المفاوضات ولذلك قد يساعدها هذا التعاون على فرض بعض نفوذها، وعلى جانبٍ آخر تركيا تربطها علاقةٌ قوية مع حركة حماس المصنفة عالميًا كجماعة إرهابية وهذه العلاقة ستكون عاملاً مؤثراً في مفاوضات إطلاق النار وهذا ما سيعود بالنفع على كل الأطراف من خلال التعاون بين الطرفين، كذلك تركيا في حاجةٍ للتنسيق مع مصر في مسألة نقل المساعدات الإنسانية من خلال معبر رفح، ولأن كلا البلدين لديهم توافقاتٌ في الأهداف المتعلقة بالقضية الفلسطينية- من وقف إطلاق النار، وعودة الحق الشرعي للشعب الفلسطيني بتأسيس دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية – فإن هذا ربما يفتحُ آفاقاً واسعةً للتحرك كالتالي:
1- الحشد السياسي والدبلوماسي قد يَنجمُ عن هذا التنسيق بين الدولتين العمل على الحشدِ السياسي بمعنى دعوة الدول للاعتراف بفلسطين باعتبارها دولة مستقلة ذات سيادة لها حق التمثيل في الأمم المتحدة، وقد رحبت الدولتان بزيادة عدد الدول التي تعترفُ بفلسطين وقد أكد أردوغان على أن هذا الملف يتصدر اجتماعاتهم، وخلال التنسيق بينهم قد يتمُّ خَلْقُ آليةٍ تحفّزُ مزيداً من الدول على الاعتراف بفلسطين وهذا من شأنه أن يغيرَ في موازين القوى التي لازالت حتى الأن تصب في صالح إسرائيل مع الدعم الأمريكي المطلق.
2- الشراكة لدعم السلام كلا البلدين متوافقان على أن الحل الأمثل هو تحقيق حل الدولتين، وقيام دولة فلسطين المستقلة عاصمتها القدس الشرقية بحدود 1967، وقد أعرب الجانبان عن استعدادهم للمشاركة في قوةٍ أو رابطة دولية تساعد على استمرار السلام بعد حل الدولتين طمأنة الأطراف المتخوفة من حل الدولتين، وهذا من شأنه أن يزيدَ فرص الدول والقوى الدولية المؤيدة لهذا الحل.
3- تشكيل تحالف الدول الإسلامية أشار أردوغان إلى أنه لابد أن يتمَّ تشكيل تحالف من الدول الإسلامية لمواجهة انتهاكات الكيان المحتل، ولعل هذا كان أحدَ أهدافه من التقارب مع مصر وسوريا، وبالتالي قد يمكّنهم هذا التنسيق من تشكيل مثل هذا التحالف مما يصب في مصلحة الجهات الفاعلة في غزة.
إلى جانب فرصٍ أخرى سيتم توافرها من خلال التنسيق والتعاون لاستمرار وصول الدعم التركي والمصري للشعب الفلسطيني وهذا التقارب سيمثّلُ عاملَ ضغط على إسرائيل للسماح بمرور المساعدات، أضف إلى ذلك سيوفر فرصاً واسعةً للمشاركة في إعادة إعمار القطاع بعد الدمار الذي تعرّض له، ولا شك من أن هذا التقارب يمثلُّ عامل قوة وضغط في الوقت ذاته في حالةِ نجاح أهدافه قد يُسهمُ في إحداث تغييرات جذرية في موازين الحرب في غزة.
وختامًا:
يمكن القول أن العلاقاتِ المتنامية بين مصر وتركيا فرصة فريدة لإعادة تشكيل المشهد الإقليمي، من خلال توحيد جهودهما بشأن القضية الفلسطينية، يمكن للبلدين ممارسة تأثير كبير على الصراع والالتزام المشترك بحلِّ الدولتين وإنهاء الأعمال العدائية يمثّلُ لحظةً محورية في المنطقة، ومع استمرار تعميق التعاون بين هاتين الدولتين، ستزداد آفاقُ السلام في غزة والشرق الأوسط بشكلٍ عام.
المصادر
أردوغان: تحالف إسلامي لمواجهة إسرائيل، هسبريس، 7 سيتمبر 2024، أردوغان: تحالف إسلامي لمواجهة إسرائيل (hespress.com)، الدخول 8 سبتمبر 2024.
” تركيا تدعو الدول الأوروبية للاعتراف بفلسطين”، الجزيرة، مايو 2024، تركيا تدعو الدول الأوروبية للاعتراف بفلسطين | أخبار | الجزيرة نت (ajnet.me) ، الدخول 8/9/2024.
” لغة المصالح- أي دور لعبته حرب غزة في تقارب السيسي وأردوغان؟” DW، 4 سبتمبر 2024، لغة المصالح– أي دور لعبته حرب غزة في تقارب السيسي وأردوغان؟ – DW – 2024/9/4، الدخول 9/9/2024
” الإعلان المشترك للاجتماع الأول لمجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى بين مصر وتركيا”، الهيئة العامة للاستعلامات، 4 سبتمبر 2024، الإعلان المشترك للاجتماع الأول لمجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى بين مصر وتركيا–الهيئة العامة للإستعلامات (sis.gov.eg)، الدخول 7/9/2024.