مازالت تداعيات فوْز الرئيس الأمريكي العائد إلى البيت الأبيض دونالد ترامب تُلْقِي بظلالها على الساحة الإقليمية والدولية، وتُثار تساؤلاتٌ عِدَّة حول انعكاسات هذه العودة على السياسة الأمريكية تجاه السودان، فهل سيكون له دور فعَّال في وقْف الحرب السودانية، خاصَّةً أنه يميل إلى اتخاذ القرارات المباشرة للوصول إلى نتائج سريعة بناءً على المصالح الأمريكية؛ فهو لا يتبع الدبلوماسية التقليدية في طريقة تعامُله مع الصراعات القائمة، ويبقى السؤال هل ستبقى العلاقات “السودانية – الأمريكية” محكومةً بالمصالح الإستراتيجية التي تُركِّزُ بشكلٍ رئيسيٍّ على النُّفُوذ في أفريقيا في حين قد تتغير طريقة التعامُل حسب تطوُّر الأحداث على أرض الواقع.
موقف الأطراف السودانية من فوز ترامب
تسارعت القوى والشخصيات السودانية على تقديم التهاني للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ويعكس هذا اهتمام هذه الأطراف بتعزيز علاقاتها مع الإدارة الأمريكية الجديدة، وقد يُعبِّرُ هذا الحِرْص على التهنئة عن محاولةٍ لكسْب دعْمٍ سياسيٍّ من الولايات المتحدة، خاصَّةً في ظِلِّ الظروف السياسية والاقتصادية المُعقَّدة التي يمُرُّ بها السودان، وحاجته إلى علاقات خارجية قوية لدعم استقراره ومساعيه التنموية.
وقد عبَّر رئيس مجلس السيادة الانتقالي، عبد الفتاح البرهان، عن تطلُّع السودان لتعزيز العلاقات مع واشنطن، وهي خطوةٌ تشير إلى أهمية العلاقات الثنائية لتحقيق مصالح مشتركة، أمَّا تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية هنَّأت ترامب مُعْرِبَةً عن أملها في أن يلعب دورًا بارزًا في تحقيق السلام في السودان والمنطقة والإقليم والعالم، على الجانب الآخر، وصف قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو “حميدتي”، فوْز ترامب بـ “التاريخي”، وأبْدَى استعداده للتعاون الوثيق مع الإدارة الأمريكية الجديدة في أيِّ جهودٍ تهدف إلى تحقيق سلامٍ حقيقيٍّ في السودان يُبْنَى على مبادئ: “الشمول، والعدالة، والاحترام المتبادل[1]“.
الدور الأمريكي في التعامُل مع الأزمة السودانية
تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية أحد أبرز القُوَى الدولية التي تعاطت مع الحرب السودانية مُنْذُ اندلاعها في 15 أبريل 2023م، ففي بداية الصراع، أعلنت الولايات المتحدة ضرورة عودة الاستقرار، ودعا البيت الأبيض في 17 أبريل 2023م، إلى وقْفٍ فوريٍّ لإطلاق النار دون شروط بين القوات المسلحة السودانية وميليشيا الدَّعْم السريع، والتأكيد على أن المسؤولين الأمريكيِّين على اتصالٍ بالقادة العسكريِّين.
كما أجرى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في 18 أبريل 2023م، اتصاليْن هاتفييْن، أحدهما مع قائد الجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان، والآخر مع قائد الدَّعْم السريع “حميدتي”، مُشدِّدًا على الحاجة الملحة للتوصُّل إلى وقْف إطلاق النار؛ للسماح بتسليم تقديم المساعدات الإنسانية للمتضررين من القتال ولمِّ شمْل الأُسَر السودانية، والتأكيد على توفير الأمان لمنظمات المجتمع الدولي في الخرطوم، ومُحمِّلًا القائديْن مسؤولية ضمان سلامة ورفاهية المدنيِّين والموظفين الدبلوماسيِّين والعاملين في المجال الإنساني.
وفي السياق ذاته، تبنَّت الولايات المتحدة دور الوساطة بين طرفي الصراع السوداني بالتعاون مع المملكة العربية السعودية، ونجحت محادثات جدة في دفْع طرفيْ الصراع للموافقة على عددٍ من الهُدَن الإنسانية، وطالبت الولايات المتحدة من دول المنطقة، منْع أيِّ تدخُّلٍ خارجيٍّ أو دعْمٍ عسكريٍّ؛ منْعًا لإطالة أَمَدِ الصراع، وبالإضافة إلى ذلك، دعت وزارة الخارجية الأمريكية طرفيْ الصراع لإنهاء القتال[2].
كما عقدت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأفريقية “مولي فاي” اجتماعات في أديس أبابا مع الحكومة الإثيوبية والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية للتنمية “الإيجاد” والأمم المتحدة، خلال مايو 2023م؛ للتشاور بشأن الجهود الإقليمية والدولية؛ الرامية إلى إنهاء الصراع في السودان، وفي السياق ذاته، شاركت في اجتماع اللجنة الرباعية المُكوَّنة من (جيبوتي، وجنوب السودان، وكينيا، وإثيوبيا)؛ لتسوية الأزمة السودانية، وذلك في يوليو 2023م.
على الجانب الآخر، سعت الولايات المتحدة في مايو 2023م، إلى فرْض عقوباتٍ على طرفيْ الصراع؛ لدفعهما للوقْف الدائم لإطلاق النار، وجاءت هذه العقوبات بعد عِدَّة تحذيرات من المسؤولين الأمريكيِّين؛ لوقْف إطلاق النار، وبعد الأمر التنفيذي الصادر من الرئيس جو بايدن، في 4 مايو 2023م، والخاص بتوسيع صلاحيات السلطات الأمريكية؛ للمساهمة في إنهاء الصراع، والسماح للوزارات الأمريكية بتنفيذ هذا الأمر، من خلال عدة إجراءات تعمل على تعزيز المساءلة والشفافية، وشَمِلَتْ تلك الإجراءات فرْض عقوبات على القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع والكيانات التابعة لهما؛ إذ شَمِلَ هذا القرار فرْض عقوبات على شركتيْن تابعتيْن للجيش وشركتيْن أُخرييْن تابعتيْن لقوات الدَّعْم السريع، وحظْر منْح التأشيرات، كما قد تتخذُّ المزيد من الإجراءات في حالة الضرورة[3].
وأعلن وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، في 26 فبراير 2024م، تعيين الدبلوماسي وعضو الكونجرس السابق، توم بيرييلو، مبعوثًا خاصًّا إلى السودان، في وقتٍ تسعى إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، إلى زيادة التركيز على الصراع العسكري المحتدم بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، مُنْذُ منتصف أبريل الماضي، والذي قارب على افتتاح عامه الثاني، وفرض تداعيات عديدة على المستويات المختلفة الأمنية والسياسية والإنسانية.
والجدير بالذكر، أن واشنطن دعت الجيش السوداني وقوات الدعم السريع لإجراء جوْلة جديدة من المفاوضات في جنيف في 14 أغسطس الجاري؛ بهدف توسيع نطاق إيصال المساعدات الإنسانية، وإيجاد آلية مراقبة لضمان تطبيق المُخْرَجات، وقد رحَّبت قوات الدعم السريع بحضور المفاوضات، ورفضت الحكومة السودانية المشاركة.
انعكاسات فوز ترامب على مسار الحرب السودانية
إن السياسة الأمريكية تجاه السودان ليست على سُلَّم أولويات الإدارة الجديدة بقيادة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ لأنه سيُركِّزُ بشكلٍ أساسيٍّ على القضايا الأكثر إلحاحًا في مناطق أخرى، مثل الشرق الأوسط وآسيا وأوروبا؛ نظرًا للتوتُّرات المستمرة في تلك المناطق وتأثيرها المباشر على الاقتصاد الأمريكي؛ لذلك فإن ملف السودان يُعدُّ ثانويًّا بالنسبة للإدارة الأمريكية، فمن المتوقع أن تتعاطى الإدارة الأمريكية الجديدة مع الأزمة السودانية من خلال وكلاء، مثل المملكة العربية السعودية ومصر، وفي السياق ذاته، قد يحدث مواءمات بين إدارة ترامب والأطراف الداعمة لقوات الدعم السريع بشأن التوقُّف عن توريد الأسلحة لهذه القوات، أو إقناعهم بشأن وقْف إطلاق النار.
على الجانب الآخر، في حالة إذا كان هناك تصعيد مستمر من قِبَلِ الأطراف المتحاربة، فقد يدفع ذلك الإدارة الأمريكية للتدخُّل بشكلٍ مباشرٍ إذا أصبحت الأزمة تهدد الأمن والسِّلْم الإقليمي والدولي، وفي حال تفاقُم الوضع، قد يمارس ترامب ضغوطًا على مستشاريه لتقديم حلول فعَّالة، خاصَّةً إذا أصبح الصراع يُشكِّلُ تهديدًا للمصالح المريكية أو حلفاء واشنطن في المنطقة.
وفي هذا الصدد، لا يستبعد أن يكون للإدارة الجديد دورٌ كبيرٌ لوقْف الحرب في السودان، من خلال الاتفاق على وقْف إطلاق النار وتطبيق آليات رقابية؛ لضمان الامتثال لمثل هذه القرارات، وفي حالة عدم الالتزام يتمُّ فرْض عقوبات على كافَّة الأطراف المنخرطة في النزاع، ومن المتوقع فرْض عقوبات على السودان، في إطار التعاون مع ايران وتعقب الجماعات المتطرفة التعاون مع الأجهزة الاستخباراتية لتعقُّب الجماعات المتطرفة المتواجدة في المنطقة.
السودان والتطبيع مع إسرائيل
قد تتغير سياسة ترامب تجاه السودان بعد تحقيق تقدُّم في حرب غزة والحرب “الروسية – الأوكرانية”، وربما بالتوازي مع جهوده لحلِّ الأزمات سيعمل ترامب بالتعاون مع شركائه وحلفائه في المنطقة لوقْف الحرب في السودان، مع الضغط على كلا الطرفيْن في الوقت نفسه، وإذا نجحت مساعي ترامب في السودان، فسيسعى لإعادة إحياء تطبيع العلاقات بين السودان وإسرائيل؛ حيث شهدت فترة ترامب السابقة تقدُّمًا ملحوظًا في تطبيع العلاقات بين إسرائيل والعديد من الدول العربية من خلال الاتفاقيات الإبراهيمية[4].
كما أن السودان كان جزءًا من هذه المبادرة في عام 2020؛ لذلك سيعمل ترامب على إعادة السودان إلى إطار الاتفاقيات الإبراهيمية؛ الأمر الذي بدوره يؤدي إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية بين السودان وإسرائيل؛ ما قد يُسْفِرُ عن زيادة التعاون بينهما في مجالات، مثل التكنولوجيا والزراعة والتجارة والأمن.
ختامًا:
بالنظر إلى مستقبل السودان، نجد أنه يواجه تحدياتٍ كبيرةً في تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي، وخاصَّةً مع تصاعُد النزاع الداخلي، ويبقى الصراع السوداني رهينًا لما قد تُحدِّدُه السياسات الخارجية الخاصَّة بالإدارة الأمريكية، في ظِلِّ إدارة ترامب الثانية، خاصَّةً وأن للصراع له تمدُّداته الإقليمية في المحيطيْن “العربي، والأفريقي” فمن المتوقع ألَّا تحتلَّ الأزمة السودانية موقعًا متقدِّمًا في أولويات الرئيس المنتخب وادارته الجديدة في بداية ولايته، وفي حالة استمرار الأعمال العدائية من قِبَلِ الطرفين، فقد تكتسب الحرب السودانية واقعًا إيجابيًّا يُعجِّلُ بإنهائها من خلال قيام إدارة ترامب بممارسة ما يمكن من ضغط وسياسات بقوة نفوذها على كُلِّ الأطراف العسكرية والمدنية؛ للتوصُّل إلى حلٍّ شاملٍ وفعَّالٍ للأزمة السودانية.
[3] أميرة محمد عبد الحليم، حسابات القوى الدولية تجاه الصراع الراهن في السودان، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، (ع 107)، يوليو 2023م، ص 25.
