المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > انقسامٌ داخليٌّ واستقالاتٌ مبكرةٌ… ولادةٌ متعثرةٌ للحكومة الإيرانية الجديدة
انقسامٌ داخليٌّ واستقالاتٌ مبكرةٌ… ولادةٌ متعثرةٌ للحكومة الإيرانية الجديدة
- أغسطس 24, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات
إعداد: شيماء عبد الحميد
باحثة في وحدة شؤون الشرق الأوسط
لا شَكَّ أن المأزق الداخلي الذي يشهدُه النظامُ الإيرانيُّ لا يَقِلُّ وطأةً عن التحدِّيات الإقليمية التي تواجهها طهران، في ظِلِّ أوضاع الشرق الأوسط حاليًا، وهذا اتضح بشكلٍ كبيرٍ في مُلابسات تشكيل الحكومة الأولى في عهد الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، والتي شهدت كثيرًا من الاختلافات والانقسامات في الآراء، وأوضحت قدْرًا كبيرًا من عدم الاستقرار والخلاف في مستويات الإدارة العُلْيا بإيران:
أولًا: ملامح حكومة بزشكيان الأولى
قدَّم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، يوم 11 أغسطس الجاري، تشكيلته الوزارية الأُولى المقترحة إلى رئيس البرلمان الإيراني، محمد باقر قاليباف؛ للنظر فيها والتصويت على منْحها الثَّقَة، وقد جاء التشكيل الحكومي على النحو التالي[1]:
وقد تمَّ مراجعة أهلية الـ19 وزير من قِبَلِ النُّواب في اللجان البرلمانية المختلفة خلال جلساتٍ مُكثَّفةٍ، عُقِدَتْ على مدار الأسبوع الماضي، فيما تمَّ التصويت على منْح البرلمان الثِّقَة للحكومة الجديدة، في جلسةٍ عُقِدَتْ يوم الأربعاء 21 أغسطس 2024.
وانتهت الجلسة بمنْح البرلمان، الثِّقَة لكل أعضاء الحكومة الـ19 المرشحين من قِبَلِ بزشكيان، وذلك بعد مشاركة 288 نائبًا من أصل 290 في التصويت، وقد حصل وزير الدفاع عزيز نصير زاده، على أعلى نسبة تصويت بواقع 281 صوتًا، فيما حصل وزير الخارجية عباس عراقجي على 247 صوتًا، ووزير الاستخبارات إسماعيل خطيب على 261 صوتًا، ووزير الداخلية إسكندر مؤمني على 259 صوتًا، بينما جاء وزير الصحة محمد رضا ظفرقندي في المرتبة الأخيرة، بعدد أصوات 163 فقط.
ثانيًا: انتقادات حادَّة للتشكيل الحكومي
مع إعلان الرئيس مسعود بزشكيان، التشكيل الوزاري الأول في عهده، وحتى قبْل اعتماده من البرلمان ومنْح الثقة له، تَعَالَتْ الأصواتُ المُندِّدةُ والمنتقدةُ للتشكيلة الوزارية، والتي عدَّها كثيرٌ من الإيرانيين، خاصَّةً الإصلاحيين، بأنها لا ترقى للتطلُّعات المأمولة من بزشكيان، ولا تتماشى مع تعهُّداته الانتخابية؛ حيث[2]:
1- استقالة جواد ظريف من منصبه؛ بعد أدائه القسم أمام البرلمان، في نهاية يوليو الماضي، عيَّن بزشكيان حليفه محمد جواد ظريف في منصب نائب الرئيس للشؤون الإستراتيجية، وهو منصبٌ مُسْتَحَدَثٌ لم يكن موجودًا بالسابق، كما كلَّفه برئاسة المجلس التوجيهي؛ وهو عبارة عن مجموعة من اللجان الاستشارية، تتولَّى مهمة اختيار التشكيل الحكومي الجديد للبلاد.
ولكن بعد 10 أيامٍ فقط من تولِّيه منصب نائب الرئيس، قدَّم ظريف استقالته للرئيس مسعود بزشكيان؛ اعتراضًا على التشكيل الحكومي، الذي تمَّ اختيارُه وعرْضُه على البرلمان، وقد برَّر ظريف هذه الاستقالة، موضحًا الأسباب التالية:
-
لم يضُم التشكيل الوزاري سوى 3 أشخاصٍ فقط من القائمة التي قدّمتها لجان المجلس التوجيهي إلى الرئيس، فيما يُوجد 10 من الوزراء الجُدُد لم يكونوا مُدْرَجِين في قائمة المجلس أساسًا.
-
أكَّد ظريف عدم رضائه عن التشكيل ونتيجة عمله، خاصَّةً بعد عدم تمكُّنِه من تحقيق رأي الخبراء في اللجان المسؤولة عن اختيار الوزراء المرشحين، وضم النساء والشباب والمجموعات العِرْقِيَّة في الحكومة الجديدة، كما وعد سابقًا عند تولِّيه هذه المهمة.
أما فيما يخُصُّ الحديث عن أن سبب الاستقالة هو الشكوك التي أُثيرت حول أولاده لأنهم يحملون الجنسية الأمريكية؛ فقد نَفَى ظريف هذه الشكوك، مؤكدًا أنه يعيش وأولاده وزوجته في إيران، ويخضع لعقوباتٍ أمريكيةٍ وكنديةٍ تجعله لا يستطيع دخول الولايات المتحدة.
وبغض النظر عن سبب استقالة جواد ظريف المبكرة للغاية، فإنها بالتأكيد تحمل دلالاتٍ عِدَّة؛ أهمها: الانقسام الذي يشهده الداخل الإيراني، خاصَّةً التيار الإصلاحي، والضغوط التي يتعرَّضُ لها الرئيس مسعود بزشكيان، والذي باستقالة ظريف، خسر أكبر داعميه في حملته الانتخابية؛ إذ كان له دورٌ بارزٌ في تشجيع الإصلاحيِّين على المشاركة في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة؛ لذلك يشهد الإصلاحيُّون خيبةَ أملٍ كبيرةٍ تجاه الحكومة الجديدة.
2- انقسام في الآراء داخل التيار الإصلاحي؛ تباينت ردود أفعال الإصلاحيِّين على التشكيلة الحكومية التي قدَّمها بزشكيان للبرلمان من أجل اعتمادها، وانقسمت الآراء بين مؤيدٍ ومعارضٍ؛ حيث:
-
أبْدَتْ جبهة الإصلاحات؛ وهي الإطار التنسيقي لأطراف التيار الإصلاحي، تحفُّظًا إزاء التشكيلة قبْل ساعات من إعلانها رسميًّا؛ إذ دعت رئيسة الجبهة آذر منصوري، الرئيس الإيراني، إلى الحِرْص على ألا تؤدي التعيينات الخاصَّة والإجراءات غير السليمة، إلى استبعاد الكفاءات من الحكومة، وإحباط الناس من اختيارهم.
-
كما انتقد المتحدث باسم جبهة الإصلاح جواد إمام، استمرار هيمنة القوات العسكرية وشِبْه العسكرية على السياسة الإيرانية، متسائلًا عن جدْوَى إجراء الانتخابات إذا كانت النتيجة تظلُّ دون تغيير، فيما طالب الرئيس مسعود بزشكيان، بإعادة النظر في التشكيل الحكومي.
-
انتقد عضو البرلمان الإيراني محمد قاسم عثماني، تشكيلة الحكومة التي اقترحها بزشكيان؛ لعدم إدراجه أسماء من المُكوِّن السُّنِّي فيها، وعن وصْفِ الرئيس الإيراني حكومته الأُولى، بأنها حكومة الوحدة الوطنية، صرَّح عثماني بـ”صوت الشعب لصالح التغيير، لكن هيكل الحكومة لا يُشير إلى التغيير، فلا يمكن تحقيق المصالحة الوطنية من خلال التناقضات”.
-
علَّقت النائبة الإصلاحية السابقة بروانة سلحشوري على الأمر، مؤكدةً أن بزشكيان “رسب في أول امتحان له”، مشددةً على أن “الحكومة التي تشكَّلت ليس أساسها الكفاءة والتخصُّص واستشارة الفِرَق واللجنة الإستراتيجية، بل على أساس المحاصصة والتدخُّلات الصريحة”، مشيرةً إلى أن “التجربة العالمية أظهرت أن عُمْرَ مِثْل هذه الحكومات قصيرٌ، ولا تصل إلى نهاياتٍ جيِّدَةٍ”.
في المقابل؛ حاول الرئيس الإصلاحي الأسبق محمد خاتمي، تهدئة التوتُّر بين الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وحلفائه في التيار الإصلاحي، الذين وجَّهوا انتقاداتٍ لاذعةً لتشكيلته الوزارية، داعيًا إلى “فهْم الوضْع المُعقَّد والخطير الحالي والتعامُل بواقعيةٍ، وبناءً على معلوماتٍ صحيحةٍ، إلى جانب مساعدة الرئيس في أداء المهام الثقيلة المُلْقَاة على عاتقه، وتنفيذ مطالب الشعب والوعود التي قطعها”.
كما وصف خاتمي اختيارات الحكومة الجديدة بالجيِّدَة، مطالبًا بزشكيان، بالالتزام بوعوده المتعلقة بالتعامُل مع العالم على أساس المصالح الوطنية، خصوصًا رفْع العقوبات المتعلقة ببرنامج إيران النووي، وكذلك الإصلاحات في المجالات الاقتصادية، بما في ذلك الوضْع المعيشيِّ لعامَّة الإيرانيين.
وكذلك أشار إلى أن الوِفَاق الوطني ليس تحالُفًا سياسيًّا، بل هو اهتمامٌ جماعيٌّ بمطالب الشعب؛ من أجل التغيير والإصلاح، داعيًا الحكومة وكُلَّ التيارات السياسية إلى دعْم هذا النَّهْج عمليًّا.
3- اتهامات للرئيس الإيراني بمخالفة وعوده الانتخابية؛ رأى جزءٌ كبيرٌ من الداخل الإيراني، أن التشكيل الحكومي الجديد لا يتوافق مع العهود التي أبداها الرئيس مسعود بزشكيان، خلال حملته الانتخابية؛ حيث:
-
أسند بزشكيان 8 وزارات إلى أشخاصٍ ينتمون للتيار المحافظ، بينهم 3 وزراء كانوا في حكومة إبراهيم رئيسي السابقة؛ ما سبَّب خيبة أملٍ للإصلاحيِّين، الذين رأوْا أن الحكومة الجديدة لا تختلف عن الحكومة السابقة؛ من حيثُ هيْمنة الجانب الأمني عليها، وبالتالي القضاء على أيِّ آمالٍ بالتغيير، وبقاء الوضْع على النحو السابق.
-
شغل 11 من أصل الـ19 وزيرًا المتواجدين في الحكومة الجديدة، مناصب في إدارات رؤساء سابقين، مثل إبراهيم رئيسي وحسن روحاني؛ ما يشير إلى تدوير الشخصيات السياسية، ومن ثمَّ؛ استمرارية السياسات التي أوْصلت إيران إلى حالتها الحالية من الأزمة، وهو ما يتنافى مع كُلِّ وعود بزشكيان، بشأن الإصلاح والتغيير.
-
تتعارض التشكيلة الوزارية الجديدة، والتي يبلغ متوسط أعمار أعضائها 59.7 عامًا، مع وعْد بزشكيان السابق، باختيار 60% من الوزراء دُونَ سِنِّ الـ50 عامًا، وإعطاء الفُرْصة للمُكوِّن الشبابي، والذي غاب أساسًا عن الحكومة.
-
غياب التمثيل السُّنِّي والكُرْدي، والاكتفاء بوجود امرأةٍ واحدةٍ فقط، مع شطْب اسم الوزير المرشح الكُرْدي السُّنِّي الوحيد قسيم عثماني من الحكومة المقترحة، وهذا على عكس كُلِّ وعود بزشكيان وظريف قبْل استقالته، وقد مثَّل ذلك الأمر صدمةً كبيرةً لأهل السُّنَّة والأقليات الدينية والعِرْقِيَّة الأُخرى، التي صوَّتت لبزشكيان في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
-
الإبقاء على إسماعيل خطيب في منصب وزير الاستخبارات الإيرانية، رغم أنه من الحكومة المحافظة السابقة، التي أشرفت على الاعتقالات الجماعية والقمْع خلال المظاهرات، التي شهدتها طهران في 2022، في أعقاب مقتل الفتاة الكُرْدية “مهسا أميني”، على يد شرطة الأخلاق الإيرانية، هذا إلى جانب إخفاقاته السلبية الأخيرة، بما في ذلك الانفجار الذي وقع في كرما، خلال ذكرى وفاة قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني، في يناير الماضي، وأوْدى بحياة المئات، فضلًا عن حادثة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنيَّة في طهران.
-
تولِّي إسكندر مؤمني؛ وهو أحد كبار قادة الحرس الثوري، منصب وزير الداخلية، والذي كان قد شارك في قمْع احتجاجات عام 2009، كما أنه مؤيدٌ لفرْض الحجاب بقوة، وهو ما يتنافى مع وعود بزشكيان، في إعطاء مزيدٍ من الحرية للنساء.
ثالثًا: ردّ الرئيس الإيراني على الانتقادات
دافع مسعود بزشكيان عن اختياراته الحكومية ضِدَّ الانتقادات العديدة التي طالتها، وذلك خلال خطابيْن له أمام البرلمان الإيراني، أحدهما: في جلسة يوم 17 أغسطس، والآخر: في بداية جلسة التصويت على منْح الثِّقَة للحكومة، يوم 21 أغسطس الجاري؛ حيث أكَّد الرئيس الإيراني على التالي[3]:
-
يعود استياء الشعب الإيراني إلى أداء السلطات الداخلية، وليس بسبب الولايات المتحدة، ولو تمَّ التعامُل بنزاهةٍ مع الإيرانيِّين؛ لوقفوا بقوةٍ خلْفَ هذه الحكومة، لكن لم يحْدُثْ ذلك.
-
التدابير والإجراءات الحالية غير قادرةٍ على حلِّ المشكلات الإيرانية؛ ما قد يؤدي إلى حدوث خيبات أملٍ، والتي بدورها قد تُدمِّرُ الثِّقَة، خاصَّةً إذا لم يُسمعْ صوت الناس في الوقت المناسب؛ لذلك فالفرصة متاحة الآن للتحوُّل والتغيير والإصلاح.
-
الحكومة الجديدة هي حكومة وفاقٍ وطنيٍّ لكُلِّ الشعب الإيراني، وتهدف إلى تحسين نظام الحكم في إيران، وتعزيز قدرة الحكومة على حلِّ المشكلات والأزمات متعددة الأبعاد والمُعقَّدة المقبلة، من خلال طُرُقٍ مختلفةٍ، بما في ذلك التعلُّم من التجارب العالمية.
-
الفريق الوزاري المُشكَّل، يُمثِّلُ مجموعةً من التيارات المختلفة، لكنها تتفق على الرُّؤْية العامَّة والسياسات الشاملة؛ فالمجتمع الإيراني يعاني من مشكلاتٍ عِدَّة، وطريق النجاة الوحيد يكْمُنُ في الوحْدة والتماسُك وحلّ الخلافات، وليس بالانقسام وإدانة كُلِّ طرفٍ للآخر.
-
اختيار هؤلاء الأفراد جاء بعد تفاهُمٍ وتنسيقٍ مع المستويات العُلْيا في البلاد؛ حيث المرشد الإيراني علي خامنئي، والمؤسسات الأمنية والحرس الثوري.