تُكثِّف القيادة العامة لقوات الشرق الليبي وحكومة الاستقرار برئاسة، أسامة حماد، اهتمامًا غير مسبوق – في الآونة الأخيرة- بمدن ومناطق الجنوب الشرقي، وخاصَّةً مدينة الكفرة، ومع ذلك، لم تتضح – حتى الآن – الدوافع الحقيقية وراء هذا الاهتمام المتزايد، خصوصًا فيما يتعلق بزيادة التواجُد الأمني والعسكري تحت غطاء تقديم الخدمات للمواطنين.
وتُعدُّ مدينة الكفرة أكبر مدن جنوب الشرق الليبي، وتحُدُّها ثلاث دول هي “مصر، والسودان، وتشاد”، وتمتلك مُقوِّماتٍ تجعلها في صدارة المدن المستهدفة لدعم أيِّ مشروعاتٍ سياسيةٍ طموحةٍ لقوات المنطقة الشرقية خلال الفترة القادمة.
مظاهر الاهتمام
بعد سنواتٍ من التجاهُل من قِبَلِ الحكومات المتعاقبة، بما في ذلك حكومة حماد، كثَّفت الأخيرة تواجُدها في مدينة الكفرة في الأسابيع الماضية، من خلال زيارات معظم وزرائها وأجهزتها الأمنية.
كانت إحدى هذه الزيارات هي التي قام بها أسامة حماد، في 17 أبريل الماضي، برفقة بلقاسم نجل المشير حفتر، بصفته مدير صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا، وتبعت هذه الزيارة وصول عددٍ كبيرٍ من المسؤولين من قوات الشرق، من بينهم آمر عمليات القوات البرية اللواء صدام حفتر، برفقة قادة عدة كتائب عسكرية وكبار ضباط القيادة العامة، وكان من بين هؤلاء آمر اللواء 128 حسن معتوق الزادمة، والعميد عمر مراجع، الذين قاموا مع عددٍ من الضباط بتنظيم العديد من الاجتماعات على مدار أكثر من أسبوع مع كافَّة المُكوِّنات في الكفرة، بما في ذلك المسؤولين المدنيين والعسكريين والأعيان والمشايخ، وقد اختتمت زيارتهم بجولة في عددٍ من المواقع العسكرية داخل وخارج المدينة، وبعضها قُرْب الحدود “السودانية، والتشادية”.[1]
أسفرت الزيارات والاجتماعات التي شهدتها مدينة الكفرة للمرة الأولى على هذا المستوى، عن توقيع عددٍ من المشاريع مع شركات محلية وأجنبية، تضمنت هذه المشاريع وعودًا ببدْء رصْف الطُّرق وإنشاء وصيانة المدارس والمستشفيات ومحطات الكهرباء، كما تمَّ تقديم عشرات الآليات للأجهزة الأمنية وجهاز الإسعاف وشركة الكهرباء، بتوصيةٍ من صدام حفتر ، وفقًا لما تداوله الناشطون، بالإضافة إلى وصول شحنات من السِّلَع التموينية لتوزيعها على الأُسَر المحتاجة.
ويغْلُبُ التوجُّه الأمني والعسكري على تحرُّكات قوات الشرق في الكفرة، خاصَّةً بعد تشكيل غرفةٍ أمنيةٍ تحت مُسمَّى “غرفة الطوارئ الأمنية في منطقة الجنوب الشرقي”، برئاسة اللواء صلاح هويدي، تمَّ تشكيل الغرفة تحت غطاء تأمين المنطقة والقبض على المطلوبين والمجرمين والمهربين ومكافحة الجريمة بكافَّةِ أنواعها، وأُعطيت لها كافَّة الصلاحيات[2].
الدوافع
بشكلٍ عامٍ، لم تعلن قوات المنطقة الشرقية عن أيِّ هدفٍ واضحٍ لتواجُدها المُكثَّف حاليًا في الكفرة، باستثناء رغبتها في إنشاء مستشفى على الحدود «الليبية – السودانية»، وهي خُطْوةٌ تُثير مخاوف الكثيرين من استخدامها كمركزٍ لعلاج جرحى قوات الدعم السريع،[3] خاصَّةً مع اتهام المندوب السوداني لدى الأمم المتحدة، قوات اللواء خليفة حفتر بالتدخُّل في الصراع القائم في السودان، وهو الاتهام الذي رفضه مجلس النواب الليبي، خلال بيانٍ أصدره الجمعة 21 يونيو، تعليقًا على جلسة مجلس الأمن التي عُقِدتْ بشأن ليبيا، يوم الأربعاء 19 يونيو.
ومع ذلك، يمكن ترجيح عددٍ من الأسباب التي تقف خلف هذا التوجُّه، أهمها:
الأزمة السودانية وديناميكيتها المتسارعة؛ حيث يُوجد تخوُّفٌ من زيادة حِدَّة المواجهات في الحرب هناك بين الجيش وقوات الدعم السريع، مع انتقال الاشتباكات خلال الآونة الأخيرة إلى مدن ومناطق حدودية، خاصَّةً في إقليم دارفور، وهناك تخوُّفٌ من أيِّ ردِّ فعلٍ أو عمليةٍ عسكريةٍ وشيكةٍ للجيش السوداني في منطقة المثلث الحدودي مع ليبيا، التي تُعتبرُ نقطةً تجاريةً مهمةً ومركزًا رئيسيًّا لدعم قوات حميدتي، وبالتالي، من المتوقع أن تشهد هذه المنطقة حربًا كبيرةً بين طرفيْ النزاع في السودان؛ بسبب أهميتها العسكرية والاقتصادية.
أيضًا، هناك تخوُّفٌ أمنيٌّ كبيرٌ من تدفُّق آلاف النازحين السودانيين إلى الكفرة؛ حيث صرَّح عبد الرحمن عقوب، رئيس بلدية الكفرة الليبية، لصحيفة لشرق الأوسط، عن تصاعُد نِسَبِ التدفُّق اليومي من النازحين السودانيين لمدينته خلال الأسبوعيْن الماضييْن، مشيرًا إلى أن الكفرة باتت تُعدُّ الوجهة الرئيسية الأولى لأغلب النازحين من المعارك بالسودان؛ حيث كانت تستقبل خلال الشهور الماضية ما بين 300 و500 نازحٍ في اليوم الواحد؛ لكن بعد امتداد المعارك للفاشر “ارتفعت النسبة لقُرَابة ألف نازحٍ كُلّ يومٍ وربما أكثر”.[4] ويخشى الليبيون من أن تسبب أزمة النازحين في العديد من الأزمات الصحية والأمنية والاقتصادية، بجانب المخاوف المتعلقة من أن تؤدي إلى زعزعة الأمن في المدينة، خاصَّةً مع وصول أعداد النازحين إلى قُرَابة نصف سكان المدينة.
ومن بين الدوافع الأُخرى، هناك توجُّهٌ أوروبيٌّ لتقديم نحو 2 مليار يورو، كمساعدات إنسانية للسودان، يُتوقعُ أن تقدم انطلاقًا من إحدى دول الجوار، ويعتقد البعض أن ليبيا هي الأكثر ترشيحًا لتكون نقطة انطلاق هذه المساعدات؛ ما قد يكون حافزًا لقوات المنطقة الشرقية لمحاولة استثمار أزمة السودان، عبْر تكثيف تواجُدِها في الكفرة، موجهةً رسالةً للاتحاد الأوروبي، بأنها هي المسيطرة على الأرض، وأن أيَّ تنسيقٍ يجب أن يكون معها، وليس مع حكومة الوحدة الوطنية المعترف بها دوليًّا.
أيضًا من ضمن دوافع تعزيز تواجُد قوات حفتر في الجنوب الشرقي، هو توجيه رسالةٍ دوليةٍ، بأن قواته قادرةٌ على تقديم الخدمات والتنمية وإنشاء مشاريع جديدة، يحاول حفتر استثمار أيِّ خُطْوةٍ يقوم بها لاستقطاب المواطنين وكسْب الرأي العام؛ استعدادًا لأيِّ انتخاباتٍ قادمةٍ.
الخلاصة:
تُعدُّ مدينة الكفرة بموقعها الجيواستراتيجي الحساس نقطة تماسٍ مع ثلاث دول مهمة بالنسبة لليبيا، وهي “مصر، وتشاد، والسودان”، ولذلك، فإن إحكام السيطرة عليها يُعدُّ أمرًا حيويًّا لأيِّ طَرَفٍ من أطراف الصراع الليبي الداخلي.
كما ترتبط المدينة بشكلٍ وثيقٍ بالصراع في السودان، من خلال ملف النازحين السودانيين والدعم اللوجستي والعسكري الذي يقدمه المشير حفتر لحميدتي، طبقًا لما يُتداول إعلاميًّا من العلاقة الوطيدة بين الطرفيْن؛ حيث اتهم المندوب السوداني لدى الأمم المتحدة، خلال جلسة مجلس الأمن بشأن ليبيا، يوم الأربعاء 19 يونيو، قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر ، بالتدخُّل في الصراع القائم في السودان.
أيضًا تُمثِّلُ مدينة الكفرة مركزًا مهمًا في تهريب اللاجئين والاتِّجار بالبشر وتهريب الوقود والمخدرات وغيرها من الجرائم المنظمة، فضلًا عن المخاوف من أن يسقط الجنوب الليبي في أيدي المهاجرين غير النظاميين والنازحين، وبناءً على هذه المعطيات، يرى معسكر الشرق بأنه من الضروري إحكام السيطرة عليها.
