يقوم رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بزيارةٍ استثنائيةٍ إلى واشنطن، ابتداءً من اليوم الأحد 21 يوليو؛ من أجل إلقاء خطاب أمام الكونغرس الأمريكي، يوم الأربعاء المقبل. وكما كان مُقرَّرًا مُسْبَقًا، أعلن البيت الأبيض، أن اللقاء المُقرَّر بين الرئيس جو بايدن ونتنياهو «سيُعقد كما هو مُخططٌ له في واشنطن، على الرغم من إصابة الرئيس بكورونا»، لكنّ الجديد الذي كشفته قناة «كان» العبرية، هو أن مكتب نتنياهو يعمل على عقْد لقاءٍ مع المرشّح الرئاسي والرئيس السابق دونالد ترامب.
وبالرَّغْم من إصرار ترامب على البقاء هذا الأسبوع في نيويورك، وعدم التوجُّه إلى واشنطن، ينوي نتنياهو، بحسب أوساطه، فِعْلَ كُلَّ ما هو ممكنٌ للقاء ترامب، حتى لو تطلَّب الأمر السفر إليه في نيويورك خِصِّيصًا.
يتطلَّع نتنياهو من خلال هذيْن اللقائيْن إلى كسْب المزيد من الوقت والتأييد، في ظل معركته الطاحنة؛ لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية، التي بموجبها ستُحدد مصيره السياسي، وفي الأشهر الأخيرة من الحملة الانتخابية، يُعرف بأن المرشحين يكونون أسخياء في تقديم الهدايا، وأقل حِدَّة في مواقفهم السلبية؛ ما يجعل نتنياهو يأمل في التقاط صورٍ “سخية” مع كُلٍّ من المرشحين الأمريكيين، بالإضافة إلى ذلك، يخطط لخطاب “تاريخي” سيُلْقِيهِ أمام مجلسيْ الشيوخ والنواب في الكونغرس الأمريكي، وهذا الخطاب يُعدُّ بمثابة فرصةٍ لجذْب دعْمٍ جديدٍ له.[1]
ويسري اعتقادٌ لدى مختلف الأطراف، بأن نتنياهو – على الأقل إلى حين انتهاء زيارته لواشنطن وخطابه في الكونغرس- لن يُقدم على أيِّ خطوةٍ حقيقيةٍ في اتجاه أيِّ صفقةٍ مع حماس، بل سيعمد إلى تمرير الوقت والمراوغة، وفي هذا السياق، عقد نتنيايهو ، نقاشًا «روتينيًّا» كما وصفه الإعلام العبري، يوم الخميس الماضي، حول الأهمية الأمنية لمعبر رفح ومحور فيلادلفيا، موضع الخلاف الأكبر بينه وبين المؤسسة الأمنية، خلال المفاوضات الحالية؛ إذ يرى نتنياهو ضرورة إبقاء قوات جيشه في المحور والمعبر، أو على الأقل في الأول دون الأخير، ويُبْدِي تردُّدًا كبيرًا في الوثوق بالخطة التي طرحتها واشنطن مع القاهرة[2]، كما يتزامن ذلك أيضًا مع تصديق الكنيست الإسرائيلي، يوم الخميس الماضي، على قرارٍ، يرفض “قيام دولة فلسطينية”، القرار الذي أدانته دولٌ عربيةٌ عديدةٌ، على رأسهم “مصر، وقطر، و المملكة العربية السعودية” .
“إستراتيجية المراوغة”: طريقة نتنياهو للحفاظ على مستقبله السياسي
بات ينتهج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، “إستراتيجية المراوغة” كطريقةٍ للحفاظ على مستقبله السياسي، وسط التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهه، ويأتي ذلك، مع مساعي نتنياهو لمنْع انهيار ائتلافه الحكومي؛ الأمر الذي يدفعه لتأجيل أيِّ خلافات، والمماطلة في اتخاذ القرارات الحاسمة بشأنها.
ويأتي في مقدمةالتحديات الداخلية التي يواجهها نتنياهو؛ التهديدات المستمرة من قِبَلِ الوزيريْن إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، بالانسحاب من الائتلاف الحكومي، حال التوصُّل لاتفاق تهدئةٍ مع حركة حماس، إضافةً لأزمة تجنيد اليهود المتشددين “الحريديم”.
حتى وإنْ كانت التهديدات المستمرة من بن غفير وسموتريتش بالانسحاب من الحكومة، غيْر جِدِّيَّةٍ؛ إلا أنها تُؤَرِّقُ نتنياهو، وتجبره على تأجيل اتخاذ العديد من القرارات المصيرية، خاصَّةً ما يتعلق بالتهدئة مع حركة حماس في غزة، كما أن نتنياهو أصبح يدرك صعوبة إعادة تشكيل حكومة جديدة، في إطار الكنيست الحالي، في حال انسحاب أيِّ حزب من حكومته.
أما خارجيًّا؛ تُعدُّ الخلافات المتعلقة بالحرب على غزة، والتوتُّر الأمني على مختلف الجبهات، والملف الإيراني، والخلافات مع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، والضغوط الممارسة عليه من قِبَلِ واشنطن، من أبرز التحديات الخارجية التي يواجهها نتنياهو وائتلافه الحكومي.
وتهدد تلك التحديات استقرار حكومة نتنياهو، على اعتبار أنها قد تؤثر على علاقات إسرائيل الخارجية وصورتها أمام العالم؛ وهو الأمر الذي يمكن أن تستفيد منه أحزاب المعارضة الإسرائيلية؛ حيث إن المطالبات بوقْف الحرب وزيادة التحديات الأمنية التي تواجهها إسرائيل، والمخاطر المتعلقة بالملف الإيراني، وضغوط واشنطن المتواصلة، قضايا يمكن للمعارضة الإسرائيلية أن تتحرك في إطارها لإسقاط ائتلاف نتنياهو، ومن المرجح بأن تحْظَى تحرُّكات المعارضة بهذا الشأن بدعمٍ كبيرٍ من إدارة بايدن، التي ترغب في إقصاء الأحزاب اليمينية عن الحُكْم في إسرائيل قبْل الانتخابات الرئاسية المقبلة.
كيف يراهن نتنياهو على عودة ترامب؟
نتيجةً للتحديات السالف ذكرها، يقوم نتنياهو بالمراوغة من أجل البقاء على رأس الحكومة، عن طريق ثلاثة مسارات أساسية متصلة ببعضها البعض، وهي: “مواصلة الحرب لأطول فترة مُمكنة، وضمان بقاء الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل في الحرب لأطول فترة مُمكنة، ويقع الرّهان الأهم والأخير على فوْز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المُقرَّر انعقادُها في شهر نوفمبر القادم”.
ولعل المساعي الحثيثة التي يقوم بها مكتب نتنياهو من أجل عقْد لقاء مع ترامب، خلال زيارته الأُولى إلى الولايات المتحدة هذا الأسبوع، مؤشرًا إلى ما يتطلّع إليه نتنياهو فعليًّا، وهو بقاؤه على رأس الحكومة الإسرائيلية، بأيِّ طريقةٍ، حتى وصول ترامب إلى السُّلْطة في واشنطن؛ لما يراه في الأخير من طوْق نجاةٍ وحيدٍ له.
في ضوء ذلك، يتشبّث نتنياهو بذكريات رئاسة دونالد ترامب، الذي توّج كأعظم صديق لإسرائيل في البيت الأبيض؛ إذ حقَّق ترامب لدولة إسرائيل في سنوات قليلة مالم يحققه أيُّ رئيس أمريكي مُنْذُ قيام الدولة في عام 1948؛ فعندما تسلَّم ترامب الرئاسة الأمريكية في العام 2016، أحدث انقلابًا في السياسة الأمريكية الخارجية، لا سيما في الشرق الأوسط، وبالتحديد تجاه إسرائيل، فقد أعلنت إدارة ترامب رسميًّا عام 2017، عن اعترافها بالقدس عاصمةً لإسرائيل، كما أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية عن البدْء بعملية بناء سفارةٍ أمريكيةٍ جديدةٍ في القدس.
وفي عهْد ترامب، تمَّ إغلاق مكتب بعثة منظمة التحرير الفلسطينية، وقطْع تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، التي تقدم الدعم للاجئين الفلسطينيين.
وفي فترة رئاسة ترامب، تمَّ التوصُّل إلى اتفاقات أبراهام؛ حيث وقَّعت “إسرائيل، والإمارات، والبحرين”، في البيت الأبيض، على اتفاقيات لتطبيع العلاقات برعاية الولايات المتحدة، في سبتمبر 2020، وتبعها بعد ذلك تطبيع “السودان، والمغرب” مع إسرائيل، بجانب ذلك، أعلن ترامب، انسحاب بلاده من الاتفاق النووي المُبْرَم مع إيران عام 2015، واصفًا إياه بالكارثي.
ذلك حدث في عهد ترامب، خلال فترة رئاسته السابقة، وها هو يعود الآن مُجدَّدًا؛ لمنافسة خصمه السابق بايدن، في الانتخابات الرئاسية المرتقبة، وذلك إن لم ينسحب بايدن من الترشُّح ؛ بسبب حالته المرضية.
موقف ترامب من الحرب الإسرائيلية على غزة
يمكن القول: إن ترامب بدا متناقضًا في تصريحاته، بشأن حرب إسرائيل على غزة؛ فخلال مقابلةٍ أجراها مع شبكة “فوكس نيوز” مطلع مارس، عبّر ترامب عن دعمه للحرب التي تشنُّها إسرائيل على قطاع غزة؛ ليعود لاحقًا، أواخر الشهر ذاته؛ ليقول: إن إسرائيل تفقد الدعم الدولي وعليها إنهاء الحرب على غزة، وقال ترامب في مقابلةٍ مع صحيفة “يسرائيل هيوم” في 25 من شهر مارس الماضي – موجها كلامه لإسرائيل: “عليكم أن تُنجزوا الحرب، أن تُنهوها، يجب أن تنتهوا منها”، لكن الجزء الثاني من تصريحه حول غزة، لا يعني أبدًا أنه ضد استمرار الحرب[3].
كما سلَّطت صحيفة “نيويورك تايمز” في عددها الصادر في الأول من مارس الماضي، الضَّوْء على مواقف ترامب، وقالت: إنه انتقد في البداية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ثم تراجع بسرعة ويُدْلِي بتصريحات تُعبِّرُ عن دعمه لإسرائيل، بقوله: “إن هجوم حماس لم يكن ليحدث أبدًا لو كان رئيسًا”.
تطلُّعات نتنياهو بعد فوْز ترامب
يراهن نتنياهو على عامل الوقت، ويراوغ من أجل البقاء لأطول فترة ممكنة على رأس حكومته، وتشير كافَّةُ المؤشرات والمُعْطَيَات الحالية إلى أنّ ترامب سيعود بنسبةٍ كبيرةٍ للبيت الأبيض، وما يزيد من فُرَص فوْزه، محاولة اغتياله خلال معركته الانتخابية ضد منافسه بايدن التي جعلته يظهر بصورة بطلٍ قوميٍّ لبلاده.
المتوقع من ترامب في حال إعادة انتخابه، أن يُطلق يد إسرائيل في غزة والأراضي الفلسطينية أكثر من الرئيس جو بايدن، رغم أن الأخير يُعْطِي دعمًا واسعًا لإسرائيل، وكل ما يجري تسريبه في الإعلام الغربي والإسرائيلي عن خلافات بينه وبين نتنياهو، لا يؤثر أبدًا على العلاقة بين “أمريكا، وإسرائيل”.
المتوقع في فترة ترامب الجديدة، توسُّع الاستيطان؛ بمعنى الاستمرار في سياسات الحرب والاستيطان، أو على الأقل ضمان عدم وجود انزعاج أمريكي، أو بالأحرى ربما سيكون هناك مشروع لضمِّ أراضٍ جديدةٍ، وتقويض للقضية الفلسطينية، واستهداف للفصائل والحركات الفلسطينية بصورةٍ كاملةٍ، مع حمايةٍ أمريكيةٍ لسياسات إسرائيل أكثر مما هي موجودة بالفعل.
وعلى الجانب الآخر، سوف تسعى إدارة ترامب إلى توسيع نطاق الاتفاقات الإبراهيمية للتطبيع مع إسرائيل، والتي بدأتها في نهاية ولايتها السابقة.
أما عن جبهة الشمال واحتمالية اندلاع حرب شاملة مع حزب الله؛ فيجب التنويه هنا، بأن كافَّة الرؤساء الأمريكيين يدعمون إسرائيل دعمًا بلا حدودٍ مُنْذُ تأسيسها، إلَّا أن لا مصلحة لواشنطن بتوسّع رُقْعَة الحرب، وأنّ حدوثها سيُهدّد المصالح الأمريكية في المنطقة بأسرها، ويستدل من هذا القول: بأنّ السياسة الأمريكية، حتى لو حصل تغيير وفاز دونالد ترامب، فإنّ هذا لن يؤدّي إلى وجود تغيّراتٍ جِذْريةٍ فيها، رغم وجود تبايناتٍ في السياسة بين الحزبيْن المتنافسيْن (الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري)، لكن ليس لدرجة تغيير سياسة أمريكا العامة مع إسرائيل وعلاقتها معها.
لذا فإن نتنياهو يُطيل أَمَدَ الحرب في غزة في انتظار ترامب، فكلما طالت الحرب زاد سخط الأمريكيين، وقلَّت فرص بايدن في الفوز بالرئاسة لولايةٍ جديدةٍ؛ حيث سيُتهم بأنه فشل في هذا الملف، ولا يستبعد أن يكون نتنياهو قد حصل على وعودٍ من ترامب بالحفاظ على مستقبله السياسي، أو حمايته على الأقل من دخول السجن، إن تعرّض لمحاكمة، مقابل الحصول على دعم اللوبي الصهيوني لترامب في الانتخابات الأمريكية المرتقبة.
في الختام:
هناك عملية هروبٍ مستمرّةٍ إلى الأمام، يمارسها رئيس الوزراء الإسرائيلي؛ حيث ثمَّةَ رَهَانٌ لدى بنيامين نتنياهو على أن الوقت يعمل لمصلحته، وعلى أنّ حليفه دونالد ترامب عائدٌ إلى البيت الأبيض؛ فيتشبَّث نتنياهو بذكريات رئاسة ترامب، الذي توّج كأعظم صديقٍ لإسرائيل في البيت الأبيض.
لذا فإن رَهَانَ نتنياهو على تحوُّلٍ أمريكيٍّ بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة، قد يُساعده في مواجهة الضغط العالمي الجديد؛ لتحقيق حلِّ الدولتيْن خصوصًا إذا ما أدَّت الانتخابات إلى إعادة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وقد تؤدي العودة المحتملة لترامب إلى إعادة الزَّخَم الأمريكي لتحقيق مشروع صفقة القرن، علاوةً على ذلك، فإن إسرائيل تعتقد أن الدعم الأمريكي لها سيكون أكبر بكثيرٍ مما هو عليه الآن؛ حال عودة ترامب للبيت الأبيض.
وفي ملاحظةٍ هامشيةٍ، يجدر الإشارة إليها، يتضح أن نتنياهو يراهن على عودة ترامب، بالقدر نفسه الذي راهن عليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في تغيير السياسة الأمريكية؛ لإنهاء الدعم الغربي المفتوح لأوكرانيا، على عكس بوتين الذي نجح في إطالة أَمَدِ الحرب في أوكرانيا لثلاث سنوات دون هزيمةٍ كبيرةٍ، ويبدو أن الموقفَ العسكريَّ الحاليَّ ملائمٌ لموسكو حتى الانتخابات الرئاسية الأمريكية، لكنّ الوضع أكثر تعقيدًا على نتنياهو في هذا الرَّهَان مقارنة ببوتين؛ لاعتبارات عديدةٍ، على رأسها؛ أنه بحاجة لتجنُّب تعزيز الوضع العسكري القائم حاليًا في غزة لفترة طويلة؛ لأنّه لا يخدم إسرائيل، على المستوييْن الإقليمي والعالمي.
المصادر:
[1] نتنياهو يستعد لإلقاء كلمته أمام الكونغرس… ويسعى للقاء بايدن وترمب، صحيفة الشرق الأوسط، 19 يوليو، متاح على الرابط: https://shorturl.at/sXQyB
[2] نتنياهو من رفح: الضغط العسكري يساعدنا في صفقة تبادل الأسرى، العربية، 18 يوليو، متاح على الرابط: https://shorturl.at/4SRMF
[3] ترامب: إسرائيل فقدت الكثير من التأييد بسبب حرب غزة، العربية، 25 مارس، متاح على الرابط: https://shorturl.at/m8BaF
