المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الدراسات الأفريقية > بعد الإعلان عن تشكيل حكومةٍ موازيةٍ: كيف تبدو آفاق المشهد القادم في السودان؟
بعد الإعلان عن تشكيل حكومةٍ موازيةٍ: كيف تبدو آفاق المشهد القادم في السودان؟
- يوليو 30, 2025
- Posted by: ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الدراسات الأفريقية
لا توجد تعليقات

إعداد: شيماء ماهر
باحث في وحدة الشؤون الأفريقية
في خطوةٍ أثارت جَدَلًا واسعًا داخل السودان وخارجه، وطرحت تساؤلاتٍ مصيريةً، حول مستقبل الدولة السودانية ووحْدة ترابها، أعلن تحالُفٌ سودانيٌّ بقيادة قوات الدعم السريع، في ٢٦ يوليو الجاري، عن تشكيل حكومة موازية في مناطق سيطرته، ولم تكن هذه الخطوة مُجرَّد بيانٍ سياسيٍّ عابرٍ، بل هو إعلانٌ واضحٌ يُنْذِرُ بدخول البلاد مرحلة جديدة من الانقسام المؤسسي والشرعية المزدوجة، ويُمثِّلُ نقْلَةً نوْعِيَّةً في طبيعة النزاع، من مواجهةٍ ميدانيةٍ إلى مواجهةٍ سياسيةٍ، تسعى لتكريس واقعٍ جديدٍ على الأرض.
إعلان قوات الدعم السريع تشكيل حكومة موازية
أعلن تحالُفٌ سودانيٌّ بقيادة قوات الدعم السريع، تحت اسم “تحالُف السودان التأسيسي”، تشكيل حكومة موازية في السودان، في ٢٦ يوليو الجاري، وقد عُقِدَ مؤتمر الإعلان في مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور، التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع؛ حيث تَمَّ تعيين محمد حسن التعايشي رئيسًا لـ”حكومة السلام والوحدة”، ورئاسة المجلس الرئاسي لقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” ونائبه عبد العزيز الحلو قائد “الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال”، مع تشكيل مجلسٍ رئاسيٍّ مُكوَّنٍ من 15 عضوًا يضُمُّ شخصياتٍ سياسيةً وحكامًا محليِّين.
وتضُمُّ الحكومة التحالفات الآتية “الدعم السريع، الحركة الشعبية لتحرير السودان، الجبهة الثورية، أجنحة من حزبيْ الأمة والاتحادي الديمقراطي، ومستقلين”؛ حيث أُعْلِنَ عن دستورٍ جديدٍ، ينُصُّ على فترة تأسيسية من 10 سنوات، تسبقها مرحلة انتقالية، وتقسيم السودان إلى 8 أقاليم، وتكوين جيش وطني بمعايير جديدة، كما تشمل هياكل الحكومة مجلس الوزراء، جمعية وطنية (مجلس تشريعي قومي) من 150 عضوًا، حكومات ولائية، ومجالس تشريعية محلية[1].
وقد جاءت هذه الخطوة وسط حربٍ مستمرةٍ بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، منذ أكثر من عامين، وأثارت قلقًا واسعًا؛ بسبب مخاطر تعميق الانقسام وتقسيم السودان، لا سيما أن الحكومة السودانية والجيش رفضوا هذه الحكومة الموازية، ووصفوها، بأنها محاولة يائسة لشرْعَنَةِ مشروعٍ إجراميٍّ، وحثُّوا المجتمع الدولي على عدم الاعتراف بها.
ردود أفعال الداخل السوداني على تشكيل حكومة موازية
سارعت وزارة الخارجية السودانية إلى استنكار خطوة الدعم السريع، ووصفتها في بيانٍ “بالحكومة الوهمية وبالتغافُل التَّام عن معاناة الشعب السوداني”، على حدِّ تعبيرها، كما أدانت الخارجية السودانية موقف الحكومة الكينية التي استضافت الاجتماعات التحضيرية الخاصَّة بتشكيل الحكومة، واعتبرتها انتهاكًا للسيادة السودانية.
وفي السياق ذاته، نجد أن الحكومة والجيش السوداني رفضا – بشكلٍ قاطعٍ – تشكيل الحكومة الموازية، واعتبراها “محاولة يائسة” لشرْعَنَةِ مشروعٍ إجراميٍّ من قِبَلِ قوات الدعم السريع، وتعهَّدَ الجيش بإفشال هذه الخطوة، وأكَّدَ أن المشروع الحقيقي لقوات الدعم السريع هو الاستيلاء على السلطة بالقوة، مُهدِّدًا بوحدة السودان واستقراره.
وقد وصفت الكتلة الديمقراطية / الحرية والتغيير الحكومة الموازية، بأنها كيانُ باطلٌ دستوريًّا وسياسيًّا وأخلاقيًّا، واعتبرتها “واجهة إسفيرية هشة” لتبرير جرائم التمرُّد المُسلَّح ضد الشعب السوداني، وأكَّدت أن الحكومة الشرعية الوحيدة هي التي تحْظَى باعتراف الشعب والمجتمع الدولي، داعيةً لدعم القوات المسلحة من أجل وحدة الوطن
كما أن مجلس الصحوة الثوري السوداني، اعتبر تشكيل الحكومة الموازية محاولة بائسة من قوات الدعم السريع؛ للضغط على الحكومة السودانية بعد فشلها في الاستيلاء على السلطة، ووصف الحكومة، بأنها “تجمع للعمالة والدمار تُدارُ من الخارج لخدمة أجندات معادية للسودان”.
وبالنسبة للشعب السوداني؛ فنجد أن موقفه تسُودُه حالة رفْضٍ واسعة للحكومة الموازية في العاصمة والعديد من المناطق، مع قَبُولٍ محدودٍ في بعض مناطق دارفور التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع وبشكلٍ عامٍ، ردود الفِعْل داخل السودان اتسمت برفْضٍ واسعٍ من القوى السياسية الرسمية والجيش، وتنديد بتشكيل الحكومة الموازية، باعتبارها خطوةً تهدد وحْدة السودان وتزيد من تعقيد الأزمة السياسية، بينما رحَّبَتْ بها بعض الفصائل والجماعات المرتبطة بدعم قوات الدعم السريع[2].
ردود الأفعال الخارجية على تشكيل حكومة موازية
قال الناطق باسم الأمين العام للأمم المتحدة: إن توقيع قوات الدعم السريع وحلفائها “ميثاقا تأسيسيًّا” لحكومة موازية في السودان، يُمثِّلُ تصعيدًا جديدًا للصراع الذي يُثير قلق الأمين العام للأمم المتحدة، وقال ستيفان دوجاريك: إن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أعرب عن “قلقه العميق إزاء إعلان قوات الدعم السريع وائتلاف من المجموعات السياسية والمسلحة، توقيع ميثاق سياسي يُعبِّرُ عن عزْمهم على إقامة سلطة حاكمة في المناطق الخاضعة لسيطرة” قوات الدعم السريع، وأضاف: “هذا التصعيد الإضافي في الصراع في السودان يُعمِّقُ تفكُّكَ البلاد”.
وفيما يتعلق بموقف الاتحاد الأفريقي، أعلن مجلس الأمن والسِّلْم التابع للاتحاد الأفريقي رفْضه الكامل لتحرُّكات تشكيل حكومة موازية في السودان، مُحذِّرًا من تداعياتها السلبية التي قد تؤدي إلى تقسيم السودان وزعزعة استقراره، وأكَّدَ المجلس، أن هذه الخطوة تُشكِّلُ خطرًا كبيرًا قد يؤدي إلى تقسيم البلاد، ودعا كافَّة دول الاتحاد الأفريقي والمجتمع الدولي إلى عدم الاعتراف بهذا الكيان أو تقديم أيِّ دعْمٍ سياسيٍّ أو عسكريٍّ له، وأكَّدَ التزام الاتحاد الأفريقي بوحدة وسيادة السودان، ودعْم الحلِّ السلميِّ للنزاع، من خلال الحوار السياسي، بما يتماشى مع خارطة طريق الاتحاد الأفريقي، التي تدعو إلى وقْف إطلاق النار وضمان وصول المساعدات الإنسانية
في هذا الإطار، أعربت الحكومة البريطانية عن إدانتها لإعلان الدعم السريع، عن تشكيل حكومة موازية في السودان، مُشدِّدَةً على أن هذا الإجراء لا يُمثِّلُ حلًّا للنزاع المستمر في البلاد منذ عامين، وأوضح متحدث باسم وزارة الخارجية البريطانية في بيانٍ، أن ” الإعلانات الأُحَادية التي تهدف إلى إنشاء حكومة موازية لا تُقدِّمُ حلًّا، بل من الضروري الحفاظ على وحدة أراضي السودان وسيادته”، وأكَّدَ المتحدث، أن الوصول إلى اتفاق سلام شامل يقوده المدنيُّون يُعَدُّ أمرًا حيويًّا؛ للحفاظ على وحْدة السودان، وأشار إلى أهمية الحوار والتعاون بين جميع الأطراف المعنِيَّة لتحقيق الاستقرار في البلاد[3].
على الجانب الآخر، حذَّرَ وليد بن عبد الكريم الخريجي، نائب وزير الخارجية السعودي، خلال مؤتمر لندن الدولي حول السودان ، من الدعوات الرامية إلى إنشاء حكومةٍ موازيةٍ أو أيِّ كيانٍ بديلٍ في السودان، واعتبر هذه الدعوات محاولات غير قانونية تُهدِّدُ المسار السياسي، وتزيد من الانقسام، وتُعيق الجهود الرامية إلى تحقيق حلٍّ وطنيٍّ شاملٍ، وأكَّدَ “الخريجي”، أن أيَّ خطوات أو إجراءات تُتَّخَذُ خارج نِطَاق المؤسسات الرسمية للدولة السودانية تُعتبر تهديدًا لوحدة البلاد، وخرْقًا للشرعية، وتجاوُزًا لإرادة الشعب.
كما أشار إلى أن إنهاء الدعم الخارجي للأطراف المتنازعة في السودان يُعَدُّ أمرًا حيويًّا لإقامة بيئة مناسبة لوقف إطلاق النار؛ مما يفتح المجال أمام حلٍّ سياسيٍّ شاملٍ.
وبالنسبة للموقف المصري من إعلان قوات الدعم السريع تشكيل حكومة موازية في السودان فقد جاء بالرَّفْض القاطع، معتبرةً أن هذه الخطوة تهدد وحْدة وسيادة وسلامة أراضي السودان، فقد أصدرت وزارة الخارجية المصرية، بيانًا، أكَّدت فيه، أن تشكيل حكومة موازية سيُعقِّدُ المشهد في السودان، ويُعيقُ جهود توحيد الرُّؤَى بين القوى السياسية السودانية، كما يزيد من تفاقُم الأوضاع الإنسانية في البلاد، ودعت مصر كافَّة القوى السودانية إلى تغليب المصلحة الوطنية العُلْيَا والانخراط في عمليةٍ سياسيةٍ شاملةٍ دون إقصاء أو تدخُّلات خارجية.
وشدَّدَ وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، خلال مشاورات مع نظيره السوداني، على أن مصر ترفض أيَّ دعوات لتشكيل أُطُرٍ موازيةٍ، وأن السلامة الإقليمية للسودان “خط أحمر” لمصر، داعيًا إلى احترام سيادة السودان ومؤسساته الوطنية، بما فيها الجيش السوداني. مصر أكَّدت أيضًا، دعمها للجيش السوداني كعمودٍ فِقَرِيٍّ لوحدة البلاد والحِصْن المنِيع ضِدَّ محاولات التقسيم والفوضى[4].
وفي السياق ذاته، أدانت جامعة الدول العربية، إعلان ائتلاف سوداني مرتبط بقوات الدعم السريع، تشكيل حكومة موازية في مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور بغربي السودان، واعتزامه تسمية حكام لعدد من الأقاليم، واعتبرت جامعة الدول العربية، في بيانٍ، هذه الخطوة تحدِّيًا صارخًا لإرادة الشعب السوداني، ومحاولةً لفرْض أمرٍ واقعٍ بالقوة العسكرية دون اكتراثٍ بما يمكن أن تؤديه هذه الخطوة من تعقيد أيِّ أملٍ في حلٍّ سياسيٍّ شاملٍ للأزمة السودانية، وزيادة دوَّامات العُنْف والتشريد التي يعاني منها ملايين الأبرياء من الشعب السوداني.
وأكَّدت الجامعة العربية الرَّفْض القاطع لتشكيل أية حكومات أو إدارات موازية من خارج الإطار الدستوري والقانوني للدولة السودانية، مُحذِّرَةً من التمادٍي في خطط إضعاف مؤسسات الدولة السودانية وإحلال الفوضى محلَّ القانون، وقوة السلاح محلَّ الإرادة الشعبية؛ في محاولة لتقسيم السودان وتحويل البلاد إلى كانتونات متناحرة، بما يُنْذِرُ بعواقب وخيمة على السِّلْم والاستقرار والأمن الإقليمييْن.
وشدَّدَتْ على ضرورة الاحترام الكامل لقرارات الشرعية الدولية، وفي طليعتها قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2736، الذي طالب قوات الدعم السريع بوقْف حصار الفاشر، والتنفيذ الكامل لاتفاق جدة، المُوقَّع في 2023م، بشأن حماية المدنيين في السودان، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية، واستذكرت الجامعة العربية بيان مجلس الأمن، في 5 مارس الماضي، الرافض لإنشاء سلطةٍ حاكمةٍ موازيةٍ في السودان؛ لما سيؤديه من تفاقُمٍ للصراع الدائر في السودان، وتفتيت البلاد، وتفاقُم الوضع الإنساني المتردِّي أصلًا.
ودعت الأطراف السودانية التي تقف وراء إنشاء هذه الحكومة الموازية غير الشرعية إلى وقْف أيِّ خطوات أُحَادية تزيد من تفكُّك الدولة السودانية تحت أيِّ حُجَجٍ، والالتزام الفوري بوقْف الأعمال العدائية، حسب اتفاق جدة، واحترام القانون الدولي الإنساني، بما يُمكِّنُ من تسهيل نَفَاذِ المساعدات الإنسانية إلى المتضررين من النزاع، وتسهيل جهود الحوار السياسي بين الأطراف المدنية برعاية الوساطات الإقليمية والدولية[5].
دلالات إعلان الدعم السريع عن تشكيل حكومة موازية
يحمل إعلان قوات الدعم السريع عن تشكيل حكومة موازية في السودان عدة دلالات سياسية وعسكرية عميقة، تعكس تعقيد الأزمة السودانية الراهنة وتفاقمها، ويمكن توضيحها على النحو الآتي:
يُمثِّلُ هذا الإعلان تصعيدًا حادًّا في الصراع الداخلي؛ حيث تُشكِّلُ الحكومة الموازية كيانًا موازيًا ومنافيًا للحكومة الرسمية وللجيش السوداني؛ مما يُعمِّقُ الانقسامات السياسية ويُضْعِفُ فُرَص الحوار الوطني والحلول السياسية السلمية، كما أن هذا الإعلان هو في جوهره محاولة من قوات الدعم السريع لتحصيل شرعية تُمكِّنُها من إدارة مناطق نفوذها ومناطق تحالفاتها المسلحة والسياسية، في ظِلِّ حربٍ مستمرةٍ منذ أكثر من عاميْن، وهو ما يفسر رفْض الحكومة السودانية الرسمي والجيش لهذا الإعلان، واعتباره “وهميًّا” و”محاولة يائسة” لشرْعَنَة مشروعٍ إجراميٍّ.
يرتبط إعلان الحكومة الموازية بخطة لتقسيم السودان إلى أقاليم جديدة، وتشكيل مؤسسات سياسية وتشريعية جديدة تُعَدُّ خطوةً عمليةً صوْبَ بناء هيكل سلطةٍ موازٍ متكاملٍ، يتناقض مع هيكل الحُكْم القائم؛ مما يُهدِّدُ وحدة البلاد، ويزيد من مخاوف التقسيم الفِعْلِيِّ.
يحمل الإعلان دلالات على دعْم وتحالفات عسكرية وسياسية بين قوات الدعم السريع وحركات مسلحة، مثل الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال، إضافةً إلى مشاركات من أجنحة حزبية وشخصيات مستقلة؛ مما يعكس محاولة تكوين جبهة سياسية وعسكرية مُوحَّدة بديلة ومنافسة للسلطة القائمة.
يشير الإعلان إلى أن الوضْع في السودان، أصبح محكومًا بعوامل القوة العسكرية وتحالُفات متبدلة بين القوى المسلحة، ويُمثِّلُ تحدِّيًا مباشرًا للسلطة الشرعية التي تدعمها مؤسسات الدولة والجيش؛ مما يزيد من تعقيد الأزمة ويُعطِّلُ جهود الحلِّ السياسي التي تدعمها دول إقليمية ودولية.
يُمثِّلُ الإعلان رسالة داخلية وخارجية من قوات الدعم السريع، مفادها أنهم يحتفظون بقدرات سياسية وعسكرية تُمكِّنُهم من مواجهة الحكومة الشرعية، ويريدون فرْض واقعٍ موازٍ بالقوة السياسية والعسكرية؛ مما يطرح تحديات جديدة على المجتمع الدولي والإقليمي في التعامُل مع الأزمة السودانية[6].