إعداد: دينا لملوم
تكثر الانقلابات فى إفريقيا، حيث شهدت القارة أكثر من 200 انقلاب ومحاولة انقلابية بحلول عام 2012، فبعد الانقلاب العسكرى الذى شنه الحرس الرئاسى فى النيجر على الرئيس النيجرى “محمد بازوم”، عقدت دول مجموعة إيكواس قمة طارئة فى 30 يوليو المنصرم، لوضع حد لهذا التصرف الذى أثار حفيظة قادة المجموعة، وهو ما قد يدفع البلاد إلى الدخول فى حلقة مفرغة من التوترات يصبح الشعب النيجرى الخاسر الأكبر فيها، الأمر الذى اتضحت فحواه فى محاولة التظاهر أمام مبنى السفارة الفرنسية، فربما يكون ذلك مقدمة لمسلسل من الاضطرابات تدخل فيه البلاد من جديد، ومن هنا فقد خرجت الإيكواس بحزمة من المخرجات التى طالبت بإرجاع الأوضاع فى البلاد إلى ثكناتها الأولى، وإعادة بازوم إلى السلطة مرة أخرى؛ حفاظًا على مقدرات البلاد وصونًا لأمن وسلامة الشعب النيجرى.
انقلاب النيجر:
أقدمت قوات الحرس الجمهورى فى 26 يوليو الماضى على الاستيلاء على السلطة واعتقال الرئيس المنتخب “محمد بازوم”؛ وترجع أسباب هذا الحراك إلى فترة تولى بازوم قبضة الحكم، حيث لم يكن مُرحبًا به سواء من قبل المجموعات العرقية التى تشعر بأحقيتها فى الحكم، أو من بعض قيادات الجيش، وقد تعقد المشهد بعدما أُذيعت الأخبار عن نية “بازوم” إقالة قائد الحرس الرئاسى الذى خدم طيلة فترة الرئيس السابق “محمد إيسوفو”، أيضًا إقالة العديد من الموالين لإيسوفو من عدة مواقع حيوية، وإعلانه زيادة أعداد الجيش، وهو ما أثار المخاوف حول إمكانية توسع نفوذ بازوم، ومن ثم الإطاحة بهم، وقد عكست هذه التطورات مدى حجم الصراعات الداخلية بين النخب الحاكمة، ونفاد صبر العسكريين خاصة بعد القرارات التى قد تطيح بهم جميعًا واحدًا تلو الآخر، كل هذه العوامل تجمعت فى نفق واحد حتى تفجرت وأصبحت بمثابة الشرارة التى ألهبت فتيل هذا الانقلاب، ولكن ليست وحدها، فثمة أبعاد عدة أخرى سواء اقتصادية أو أمنية، وهو ما يعكس حالة عدم الاستقرار السياسى والأمنى الذى تشهده عدة دول إفريقية، إلا أن هناك بارقة أمل نابعة من المحاولات الدائمة من قبل القادة الأفارقة لامتصاص الصدمات والتصدعات التى تمر بها القارة السمراء، ومحاولة قطع رؤوس الفساد والسعى نحو تحقيق الاستقرار الأمنى والسياسى، وبروز دور المنظمات الإقليمية الرامية إلى خلق حالة من الهدوء والتوازن فى كافة ربوع القارة، فالاتحاد الإفريقى مازال يبذل جهودًا لا يُستهان بها فى محاولة ردع الحروب والصراعات التى تطرأ على إفريقيا، كما أن الاستجابة الفورية لبعض التجمعات كالقمة العاجلة التى عقدها قادة مجموعة الإيكواس؛ تشير إلى مدى التضامن والتكاتف الذى يرفض محاولات الانقلاب أو إثارة البلبلة فى البلاد، ومن ثم إرهاب المواطنين، وقد انتهت قمة إيكواس بطرح حزمة من المخرجات التى قد ترسم تصورات المشهد فى النيجر خلال الفترة المقبلة.
ما هى مجموعة الإيكواس:
المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا أو ما يعرف بـ “سيدياو” أو “إيكواس”، هى عبارة عن منظمة سياسية واقتصادية تتكون من 15 دولة عضو، وتم وضع لبناتها 25 مايو 1975، بموجب اتفاقية لاجوس، ويقع مقر المجموعة فى العاصمة النيجيرية “أبوجا”.
دور الإيكواس فى حفظ الأمن والسلام فى إفريقيا:
لعبت إيكواس دورًا فى حفظ السلام والأمن فى منطقة غرب إفريقيا فى أوقات سابقة عبر قوتها “إكوميغ”، التى شهدت عدم استقرار سياسى، وأرسلت قوات عسكرية مشتركة للتدخل فى ساحل العاج وليبيريا فى عام 2003، أما فى نيجيريا، فقد تدخلت إبان الصراع السياسى الطائفى فى شمال ووسط البلاد وتنامى وتيرة التهديدات الأمنية من قبل تنظيم “بوكو حرام”، وتدخلت فى غامبيا جزئيًا عام 2017، أثناء رفض الرئيس “يحيى جامع” نتيجة الانتخابات التى هُزم فيها، وفى مارس 2022، قررت إيكواس الإبقاء على عقوباتها المفروضة على مالى بسبب تأخر عملية إعادة السلطة للمدنيين، أما بخصوص الوضع فى غينيا، فتوعدت بمعاقبتها إن لم تقدم جدولًا زمنيًا مقبولًا لانتقال السلطة قبل نهاية أبريل 2022، كما هددت بفرض عقوبات على بوركينا فاسو فى حال عدم إفراجها عن الرئيس السابق كريستيان كابورى بحلول 31 مارس من نفس العام، وتضغط إيكواس حاليًا على المجالس العسكرية الحاكمة لإعادة السلطة إلى المدنيين، وعلى الرغم من ذلك لم تجد دعمًا كاملًا من بعض النخب الإفريقية، وعلى الرغم من المكاسب المتحققة من الديمقراطية، فإنها تعد سطحية فى دول بعضها هش البناء، حيث تواجه تحديات داخلية تتمثل فى انعدام الأمن الاقتصادى والاجتماعى والسياسى نوعًا ما، وانتشار نزعة توريث السلطة السياسية بدلًا من التنافس عليها ديمقراطيًا، وعلى خلفية ذلك، فقد تقلص عدد الحكومات الديمقراطية الليبرالية، ومن ثم فالإرادة السياسية تعد عاملًا مهمًا من عوامل امتصاص التصدعات التى يمكن أن تعترى القارة، وتسهل عمل كيانات كالاتحاد الإفريقى أو مجموعة الإيكواس، ومن ثم تحقيق الأهداف المنوطة بهم حول تحقيق الأمن والاستقرار والسلام فى القارة الإفريقية.
مساعٍ دبلوماسية فاعلة:
عام 1989 تدخلت مجموعة الإيكواس فى الحرب الأهلية التى اندلعت فى ليبيريا، واتبعت سبلًا دبلوماسية فاعلة أدت إلى تسوية سياسية، وفى عام 1991 تدخلت دبلوماسيًا فى سيراليون على خلفية الأزمة السياسية التى كانت تمر بها، وعندما فشلت هذه الجهود السلمية تدخلت عسكريًا لتصل فى النهاية إلى تسوية سياسية، كما تدخلت عسكريًا وبشكل محدود فى غينيا بيساو عندما اندلع صراع مسلح بين فرقاء سياسيين، وقادت الوضع أيضًا إلى تسوية سياسية، وفى ساحل العاج تفاعلت الإيكواس مع النزاع بشكل دبلوماسى وتدخلت عسكريًا فى نطاق محدود، أما فى حالة مالى فقد سلكت إيكواس المسارين، الدبلوماسى والعسكرى، فعند تمرد الشمال كانت الإيكواس حاضرة بدعم القوات الدولية التى تشكلت بقوة عسكرية من المجموعة، ولكن هذا الانقلاب قوبل بالرفض، وفرضت عقوبات اقتصادية قاسية على المجلس العسكرى وأغلقت دول الجوار حدودها معها، وأوقفت التدفقات المالية والتجارية، وطالبت المجلس العسكرى بتعيين حكومة انتقالية مدنية، وبالفعل أعلن المجلس التوصل إلى اتفاق بشأن ذلك، وفى يوليو 2022 قررت المجموعة رفع العقوبات عن مالى بعد اقتراح العسكريين قانونًا وخريطة انتخابات مدتها 24 شهرًا، أما فيما يتعلق ببوركينا فاسو، فبعد الانقلاب الثانى تدخلت إيكواس ووقعت مذكرة تفاهم بشأن الرصد والتقييم المشترك مع سلطات بوركينا، مع التزام السلطة الانقلابية بعقد الانتخابات فى يوليو 2024، وهنا نلاحظ أن إيكواس لم تفرض عقوبات على السلطات فى واغادوغو، ولكن تم التوصل معهم إلى تسوية بشأن جدول زمنى لإعادة النظام الدستورى فى غضون 24 شهرًا بعدما رفضت المجموعة مقترح المجلس العسكرى بأن تكون المهلة 36 شهرًا؛ للعودة للحياة الدستورية.
قمة طارئة:
استجابة للانقلاب العسكرى الذى شهدته النيجر، عقد قادة مجموعة الإيكواس قمة طارئة فى نيجيريا الأحد 30 يوليو؛ وذلك من أجل إعادة الأوضاع كما كانت عليه ومطالبة القادة العسكريين الجدد بتسليم السلطة وإعادة الرئيس محمد بازوم إلى سدة الحكم مرة أخرى، فضلًا عن بحث تداعيات الانقلاب على أمن واستقرار نيامى، وقد خيم على الخطاب العام للقمة حالة من الاستنفار والغضب إزاء هذا التصرف، وتوعد أعضاء المجموعة باللجوء إلى إجراءات حادة ورادعة قد يتخللها اللجوء للقوة حال عدم استعادة النظام الدستورى والتوازن فى البلاد، ويبدو أن الانقلاب هذه المرة اتخذ منحى أخرى آثار غضب دول المجموعة، حيث أن هذه الإجراءات الحادة تعد الأولى من نوعها التى هددت فيها الإيكواس باستخدام القوة واتخاذ قرارات صارمة؛ إذا لم يتم التراجع عن محاولات الاستيلاء على السلطة.
أبرز مخرجات قمة الإيكواس:
لقد تمخض عن هذه القمة بعض النتائج والمخرجات، التى ساقها نص البيان الختامى والذى أظهر مدى الغضب وعدم الرضا العام من قبل قادة مجموعة الإيكواس على ما قام به الانقلابيون العسكريون فى نيامى، ويمكن إجمال أبرز هذه المخرجات فى التالى:
١- فرض حظر سفر وتجميد أصول على المسؤولين العسكريين الضالعين فى محاولة الانقلاب بالنيجر.
٢- تجميد أصول جمهورية النيجر فى البنوك المركزية للدول الأعضاء بها.
٣- إيقاف جميع المعاملات التجارية والمالية بين النيجر وجميع الدول الأعضاء فيها.
٤- الإعلان عن فرض منطقة حظر جوى فورى على جميع الرحلات التجارية، وإغلاق جميع الحدود البرية مع البلاد، وفرض عقوبات مالية على المجلس العسكرى.
٥- الدعوة إلى استعادة النظام الدستورى بالكامل فى البلاد.
٦- المطالبة بالإفراج الفورى عن رئيس النيجر محمد بازوم وإعادته للسلطة.
٧- إعطاء قادة الانقلاب مهلة لمدة أسبوع لتسليم السلطة، مع عدم استبعاد استخدام القوة.
مشهد مأزوم:
شهدت العاصمة نيامى في 30 يوليو الماضى تظاهرات أمام السفارة الفرنسية فى النيجر؛ أسفرت عن حرق بوابة السفارة، وذلك عبر تجمع لآلاف الأشخاص الداعمين للعسكر الذين أطاحوا بالرئيس بازوم وعليه فقد بدأت فرنسا إجلاء رعاياها من النيجر التى تعد آخر حلفاء باريس فى منطقة الساحل، وعلى خطى باريس تسير روما، حيث أعلن وزير الخارجية الإيطالى أن الحكومة سوف ترتب رحلة استثنائية؛ لإجلاء رعاياها من نيامى، ويبدو أن الأوضاع فى النيجر بدأت تدخل طورًا جديدًا من التعقيد والتشابك، ربما ينتهى عما قريب، وقد يطول أمده إذا لم ينصاع العسكريون لقرارات مجموعة الإيكواس، ويضعوا مصلحة الشعب والبلاد فى الحسبان.
ختامًا:
تعانى القارة الإفريقية من مرضٍ عضال، حيث سيطرة المجالس العسكرية على أغلب دول إفريقيا، الأمر الذى يعده البعض مشكلة كبرى من مشاكل القارة، فالانقلاب الذى شهدته النيجر مؤخرًا قاده عسكريون، وتسير عدة دول إفريقية على هذا المنوال، وهو ما دفع مجموعة دول غرب إفريقيا إلى التنديد بذلك، والمطالبة بإقصاء العسكر عن السلطة، وتسليم المجالس العسكرية إلى المدنيين، وظل هذا المطلب يحكم التحركات التى سلكها قادة المجموعة على مدار الانقلابات التى شهدتها دول إفريقيا، وقد بذلت جهودًا دبلوماسية براقة فى هذا الاتجاه، وحققت نجاحات فى عدة دول، وهو ما يشكل دفعة قوية تؤشر باحتمالية إنهاء الانقلاب الذى يجوب العاصمة نيامى عما قريب، فقد تكون الإجراءات التى اتخذتها إيكواس حيال العسكريين المسؤولين عن الانقلاب بمثابة أداة لردعهم ودفعهم إلى التراجع عن المسار الذى سلكوه، ومن ثم إعادة الوضع كما كان عليه، وقد تسير عقارب الساعة إلى الوراء، حيث الإطاحة ببازوم وتعثر محاولات الإيكواس، وبالتالى تحقيق الانقلابيون رغباتهم والإتيان بحاكم جديد ينتمى إلى فصيل العسكر، فالمشهد ربما لم تتضح مساراته بشكل جيد، ولكن الأمر يتوقف على مدى فعالية العقوبات التى ستطبقها قادة الإيكواس، وتنامى عزم الإرادة الشعبية، بعيدًا عن التدخلات الخارجية.